الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالجواب: لابد لنا من نص على ذلك منه- صلى الله عليه وسلم، كأن يقول مثلا:
من سبنى فاقتلوه، ولا تقبلوا له توبة ولا رجوعا عن سبه، فإن نقل اتبعناه، ثم إنه من جهة النظر ينبغى إلحاق حقوق رسول الله- صلى الله عليه وسلم بحقوق الله، فكما أن حقوقه تعالى مبناها على المسامحة، كذلك حقوقه- صلى الله عليه وسلم، فإنه متخلق بأخلاق الله تعالى.
ومما عد من خصائصه أنه إذا قصده ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه حكاه النووى فى زيادة الروضة عن جماعة من الأصحاب.
*
ومن خصائصه- صلى الله عليه وسلم أنه كان- صلى الله عليه وسلم يخص من شاء بما شاء من الأحكام
.
كجعله شهادة خزيمة بشهادة رجلين. روى أبو داود عن عمارة بن خزيمة ابن ثابت عن عمه وكان من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن النبى- صلى الله عليه وسلم ابتاع من أعرابى فرسا، فاستتبعه ليقبضه ثمن الفرس، فأسرع النبى- صلى الله عليه وسلم المشى، وأبطأ الأعرابى، فطفق رجال يعترضون الأعرابى يساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قد ابتاعه، حتى زادوا على ثمنه..
الحديث فطفق الأعرابى يقول هلم شهيدا يشهد أنى قد بعتك، فمن جاء من المسلمين يقول ويلك، إن النبى- صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلا الحق، حتى جاء خزيمة بن ثابت فاستمع المراجعة فقال: أنا أشهد، أنك قد بايعته
…
الحديث. وفيه، قال: فجعل النبى- صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة برجلين «1» . وفى البخارى من حديث زيد بن ثابت قال: فوجدتها مع خزيمة الذى جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين «2» .
(1) صحيح: والحديث أخرجه أبو داود (3607) فى الأقضية، باب: إذا علم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به، والنسائى (7/ 301) فى البيوع، باب: التسهيل فى ترك الإشهاد على البيع، وأحمد فى «المسند» (5/ 215) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .
(2)
صحيح: والخبر أخرجه البخارى (2807) فى الجهاد والسير، باب: قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
…
وعند الحارث بن أبى أسامة فى مسنده من حديث النعمان بن بشير أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم اشترى من أعرابى فرسا، فجحده الأعرابى، فجاء خزيمة فقال: يا أعرابى أنا أشهد عليك أنك بعته، فقال الأعرابى إذ شهد خزيمة فأعطنى الثمن، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«يا خزيمة إنا لم نشهدك، كيف تشهد؟» قال: أنا أصدقك على خبر السماء، ألا أصدقك على خبر ذا الأعرابى؟! فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول:«شهادته بشهادة رجلين» فلم يكن فى الإسلام من تعدل شهادته شهادة رجلين غير خزيمة.
قال الخطابى: هذا الحديث حمله كثير من الناس على غير محمله، وتذرع به قوم من أهل البدع إلى استحلال الشهادة لمن عرف عندهم بالصدق على كل شىء ادعاه، وإنما وجه الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم حكم على الأعرابى بعلمه، وجرت شهادة خزيمة مجرى التوكيد لقوله، والاستظهار على خصمه، فصار فى التقدير بشهادة اثنين فى غيرها من القضايا، انتهى.
ومن ذلك ترخيصه فى النياحة لأم عطية، روى مسلم عنها «قالت: لما نزلت هذه الآية يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً
…
وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ «1» قالت: كان منه النياحة، فقلت: يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدونى فى الجاهلية، فلا بد لى من أن أسعدهم، فقال:«إلا آل فلان» «2» قال النووى: هذا محمول على الترخيص لأم عطية فى آل فلان خاصة، وللشارع أن يخص من العموم ما شاء.
ومن ذلك: ترك الإحداد لأسماء بنت عميس، أخرج ابن سعد عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر بن أبى طالب، قال لى رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«تسلبى ثلاثا ثم اصنعى ما شئت» «3» .
(1) سورة الممتحنة: 12.
(2)
صحيح: والحديث أخرجه مسلم (936) فى الجنائز باب: التشديد فى النياحة، وأسعدونى: أى ساعدونى وعاونونى.
(3)
أخرجه ابن الجعد فى «مسنده» (2714)، وتسلبى: أى البسى ثوب الحداد، وهو السلاب، والجمع سلب، وتسلبت المرأة إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطى به المحد رأسها.
ومن ذلك: الأضحية بالعناق «1» لأبى بردة بن نيار، رواه الشيخان من حديث البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب السنة، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم» ، فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله، لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت وأكلت وأطعمت أهلى وجيرانى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«تلك شاة لحم» ، قال:
فإن عندى عناقا جذعة هى خير من شاتى لحم فهل تجزى عنى؟ قال: «نعم ولن تجزى عن أحد بعدك» «2» .
و «نيار» بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وآخره راء. وقوله «تجزى» بفتح أوله غير مهموز، أى تقضى. و «الجذع» بالجيم والذال المعجمة. وفى هذا الحديث تخصيص أبى بردة بإجزاء الجذع من المعز فى الأضحية. ولكن وقع فى عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبى بردة، ففى حديث عقبة ابن عامر «3» - عند البيهقى-: ولا رخصة فيها لأحد بعدك. قال البيهقى: إن كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبى بردة.
قال الحافظ ابن حجر: وفى هذا الجمع نظر، لأن فى كل منهما صيغة عموم، فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثانى، ويحتمل أن تكون خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثانى، ولا مانع من ذلك، لأنه لم يقع فى السياق استمرار المنع لغيره صريحا.
وفى كلام بعضهم: أن الذين ثبتت لهم الرخصة اربعة أو خمسة، واستشكل الجمع وليس بمشكل، فإن الأحاديث التى وردت فى ذلك ليس فيها
(1) العناق: الأنثى من المعز.
(2)
صحيح: والحديث أخرجه البخارى (955) فى الجمعة، باب: الأكل يوم النحر، ومسلم (1961) فى الأضاحى، باب: وقتها.
(3)
قلت: حديث عقبة بن عامر فى الصحيحين، عند البخارى (2300) فى الوكالة، باب: وكالة الشريك فى القسمة وغيرها، ومسلم (1965) فى الأضاحى، باب: سن الأضحية.