الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد القادر الكيلانى أنه قال: ما تزوجت حتى قال لى رسول الله- صلى الله عليه وسلم:
«تزوج» «1» .
وحكى عن السيد نور الدين الإيجى، والد السيد عفيف الدين، أنه فى بعض زياراته للنبى- صلى الله عليه وسلم سمع جواب سلامه من داخل القبر الشريف:
عليك السلام يا ولدى.
وقال البدر حسن بن الأهدل فى مسألة الرؤية له: إن وقوعها للأولياء قد تواترت بأجناسها الأخبار، وصار العلم بذلك قويّا، انتفى عنه الشك، ومن تواترت عليه أخبارهم لم يبق له شبهة فيه، ولكن يقع لهم ذلك فى بعض غيبة حسّ وغموض طرف، لورود حالة لا تكاد تضبطها العبارة.
ومراتبهم فى الرؤية متفاوتة، وكثيرا ما يغلط فيها رواتها، فقل ما تجد رواية متصلة صحيحة عمن يوثق به. وأما من لا يوثق به فقد يكذب، وقد يرى مناما، أو فى غيبة حس، فيظنه يقظة، وقد يرى خيالا ونورا فيظنه الرسول، وقد يلبس عليه الشيطان فيجب التحرز فى هذا الباب.
وبالجملة:
فالقول برؤيته- صلى الله عليه وسلم بعد موته بعين الرأس فى اليقظة يدرك فساده بأوائل العقول، لاستلزامه خروجه- صلى الله عليه وسلم من قبره، ومشيه فى الأسواق ومخاطبته للناس ومخاطبتهم له، وخلو قبره عن جسده المقدس، فلا يبقى منه فيه شىء، وبحيث يزار مجرد القبر، ويسلم على غائب. أشار إلى ذلك القرطبى فى الرد القائل: بأن الرائى له فى المنام راء حقيقة، ثم يراه كذلك فى اليقظة.
قال: وهذه جهالات لا يقول بشىء منها من له أدنى مسكة من المعقول، وملتزم شىء من ذلك مختل مخبول. وقال: القاضى أبو بكر بن العربى: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعينى الرأس حقيقة. وقال فى
(1) قلت: أولم يسمع قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج
…
الحديث» ، حتى ينتظر مثل هذا الأمر!.
فتح البارى- بعد أن ذكر كلام ابن أبى جمرة-: وهذا مشكل جدّا، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة، ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة.
وللشيخ مسلم شيخ الطائفة المسلمية شعر:
فمن يدعى فى هذه الدار أنه
…
يرى المصطفى حقّا فقد فاه مشتطا
ولكن بين النوم واليقظة التى
…
يباشر هذا الأمر مرتبة وسطا
وقد جعل القاضى أبو بكر بن العربى القول بأن الرؤية فى المنام بعينى الرأس غلو وحماقة، ثم حكى ما نسب لبعض المتكلمين، وهو القول بأنها مدركة بعينين فى القلب، وأنه ضرب من المجاز انتهى.
فلا يمتنع من الخواص، أرباب القلوب القائمين بالمراقبة والتوجه على قدم الخوف، بحيث لا يسكنون بشىء مما يقع لهم من الكرامات، فضلا عن التحدث بها لغير ضرورة، مع السعى فى التخلص من الكدورات، والإعراض عن الدنيا وأهلها جملة، وكون الواحد منهم يود أنه يخرج من أهله وماله، وأنه يرى النبى- صلى الله عليه وسلم، كالشيخ عبد القادر الكيلانى: أن يتمثل صورته- صلى الله عليه وسلم فى خاطره، ويتصور فى عالم سره أنه يكلمه، بشرط استقرار ذلك وعدم اضطرابه، فإن تزلزل أو اضطراب كان لمة من الشيطان، وليس ذلك خادشا فى علو مناصبهم لعدم عصمة غير الأنبياء.
فقد قال العلامة التاج ابن السبكى فى جمع الجوامع- تبعا لغيره-: وإن الإلهام ليس بحجة لعدم ثقة من ليس معصوما بخواطره، وحينئذ فمن قال- ممن حكينا عنه أو غيرهم- بأن المرئى هو المثال، لا يمتنع حمله على هذا، بل حمل كل من أطلق عليه هو اللائق. وقريب منه قوله- صلى الله عليه وسلم:«إنى رأيت الجنة والنار» «1» مع مزيد استبعاده هناك أن يكون المراد بالرؤية رؤية العلم.
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (749) فى الأذان، باب: رفع البصر إلى الإمام فى الصلاة، ومسلم (426) فى الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوها من حديث أنس- رضى الله عنه-.
ويحكى عن الشيخ أبى العباس المرسى أنه قال: لو حجب عنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين.
وعلى هذا فيكون معنى «فسيرانى فى اليقظة» أى يتصور مشاهدتى وتنزل نفسه حاضرا معى بحيث لا يخرج عن آدابه وسنته- صلى الله عليه وسلم بل يسلك منهاجه ويمشى على شريعته وطريقته. ومنه قوله- صلى الله عليه وسلم فى الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه» «1» ويحمل العموم فى «من رآنى» على الموفقين، وإليه يشير قول بعض المعتمدين: أى من رآنى رؤية معظم لحرمتى ومشتاق لمشاهدتى وصل إلى رؤية محبوبه وظفر بكل مطلوبه.
وقريب منه قول شارح المصابيح: أو يراه فى الدنيا حالة الذوق والانسلاخ عن العوائق الجسمانية، كما نقل ذلك عن بعض الصالحين أنه رآه فى حالة الذوق والشوق، وقد قال الأهدل عقب الحكاية عن الشيخ أبى العباس المرسى: وهذا فيه تجوز يقع مثله فى كلام الشيوخ، وذلك أن المراد أنه لم يحجب حجاب غفلة ونسيان لدوام المراقبة واستحضارها فى الأعمال والأقوال، ولم يرد أنه لم يحجب عن الروح الشخصية طرفة عين، فذلك مستحيل، والله أعلم. انتهى.
ومما اختص به- صلى الله عليه وسلم أن التسمى باسمه ميمون ونافع فى الدنيا والآخرة.
روينا عن أنس بن مالك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «يوقف عبدان بين يدى الله تعالى فيؤمر بهما إلى الجنة فيقولان: ربنا بما استأهلنا الجنة ولم نعمل عملا تجازينا به الجنة؟ فيقول الله تعالى: ادخلا الجنة، فإنى آليت على نفسى أن لا يدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد» «2» .
(1) صحيح: وهو جزء من حديث جبريل فى سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان، وقد تقدم، إلا أن هذا التأويل بعيد، ولا يصح، والله أعلم.
(2)
موضوع: ذكره صاحب «فيض القدير شرح الجامع الصغير» وعزاه لابن سعد عن عثمان العمرى مرسلا والحديث ذكره ابن الجوزى فى «الموضوعات» (1/ 157) ، والسيوطى فى «اللآلئ المصنوعة» (1/ 55) .
وروى أبو نعيم عن نبيط بن شريط قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: «وعزتى وجلالى، لا عذبت أحدا تسمى باسمك فى النار» «1» .
وعن على بن أبى طالب قال: ما من مائدة وضعت فحضر عليها من اسمه أحمد أو محمد إلا قدس الله ذلك المنزل كل يوم مرتين، رواه أبو منصور الديلمى. وليس لأحد أن يتكنى بكنيته «أبى القاسم» سواء كان اسمه محمد أم لا، ومنهم: من كره الجمع بين الاسم والكنية، وجوز الإفراد، ويشبه أن يكون هو الأصح. قال النووى فى هذه المسألة مذاهب: الشافعى منع مطلقا، وجوزه مالك، والثالث: يجوز لمن ليس اسمه محمدا، ومن جوز مطلقا خص النهى بحياته، وهو الأقرب. انتهى.
ومنها أنه يستحب الغسل لقراءة حديثه والتطيب، ولا ترفع عنده الأصوات، بل تخفض، كما فى حياته إذا تكلم، فإن كلامه المأثور بعد موته فى الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه الشريف، وأن يقرأ على مكان مرتفع.
روينا عن مطرف قال: كان الناس إذا أتوا مالكا- رحمه الله خرجت إليهم الجارية فتقول: يقول لكم الشيخ: تريدون الحديث أو المسائل، فإن قالوا المسائل خرج إليهم فى الوقت، وإن قالوا الحديث، دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وتعمم ولبس ساجه، - والساج: الطيلسان- وتلقى له منصة فيخرج ويجلس عليها، وعليه الخشوع، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يجلس على تلك المنصة إلا إذا حدث.
قال ابن أبى أويس: فقيل له فى ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا. ويقال: إنه أخذ ذلك عن سعيد بن المسيب. وقد كره قتادة ومالك وجماعة التحديث على
(1) لا أصل له: ذكره العلجونى فى «كشف الخفاء» (1245) : وقال: وروى أبو نعيم سنده مرفوعا فذكره وقال: كذا ذكره القارى، ولا أصل له.