الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأجاب العلامة البساطى فى شرحه لمختصر الشيخ خليل: بأن (يمسه) مجزوم، وضم السين لأجل الضمير، كما صرح به جماعة، وقالوا: إنه مذهب البصريين، ومنهم ابن الحاجب فى «شافيته» انتهى.
وقد ذكر هذا العلامة شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن مسعود الحلبى الشافعى، المشهور ب «السمين» ، مع زيادة إيضاح وفوائد فقال فى «لا» هذه وجهان، الثانى: أنها ناهية، والفعل بعدها مجزوم، لأنه لو فكّ عن الإدغام لظهر ذلك فيه كقوله تعالى: لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ «1» ولكنه أدغم، ولما أدغم حرك آخره بالضمة لأجل «هاء» ضمير المذكور الغائب، ولم يحفظ سيبويه فى نحو هذا إلا الضم. وفى الحديث «إنا لم نردّه عليك إلا أنا حرم» «2» وإن كان القياس جواز فتحه تخفيفا. قال: وبهذا الذى ذكرته يظهر فساد رد من رد بأنه لو كان نهيا لكان يقال: (لا يمسّه) بالفتح، لأنه خفى عليه جواز ضم ما قبل الهاء فى هذا النحو، لا سيما على رأى سيبويه فإنه لا يجيز غيره.
الفصل الرابع: فى قسمه تعالى على تحقيق رسالته
قال الله سبحانه وتعالى: يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «3» الآية. اعلم أن كل سورة بدأ الله تعالى فيها بحروف التهجى كان فى أوائلها الذكر أو الكتاب أو القرآن إلا «نون» . ثم إن فى ذكر هذه الحروف فى أوائل السور أمورا تدل على أنها غير خالية عن الحكمة، لكن علم الإنسان لا يصل إليها إلا إن كشف الله له سر ذلك. واختلف المفسرون فى معنى (يس) على أقوال:
(1) سورة آل عمران: 174.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (1825) فى الحج، باب: إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيّا حيّا لم يقبل، ومسلم (1193) فى الحج، باب: تحريم الصيد للمحرم، من حديث الصعب بن جثامة- رضى الله عنه-.
(3)
سورة يس: 1- 3.
أحدها: أنه يا إنسان، بلغة طىء، وهذا قول ابن عباس والحسن وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير، وقيل: بلغة الحبشة، وقيل: بلغة كلب، وحكى الكلبى أنها بالسريانية.
قال الإمام فخر الدين: وتقريره هو أن تصغير إنسان: أنيسين، وكأنه حذف الصدر منه وأخذ العجز وقال (يس) ، وعلى هذا فيكون الخطاب مع محمد- صلى الله عليه وسلم ويدل عليه قوله تعالى إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «1» .
وتعقبه أبو حيان: بأن الذى نقل عن العرب فى تصغير إنسان: أنيسيان- بياء بعدها ألف- فدل على أن أصله: إنسيان، لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها، لا يعلم أنهم قالوا فى تصغيره أنيسين، وعلى تقدير أنه يصغر كذلك فلا يجوز ذلك إلا أن يا بنى على الضم لأنه منادى مقبل عليه، ومع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير، ويمتنع ذلك فى حق النبوة. انتهى.
قال السمين: وهذا الاعتراض الأخير صحيح، فقد نصوا على أن التصغير لا يدخل فى الأسماء المعظمة شرعا، ولذلك يحكى أن ابن قتيبة لما قال فى «المهيمن» إنه مصغر من «مؤمن» والأصل: مؤتمن، فأبدلت الهمزة هاء، قيل له: هذا يقرب من الكفر، فليتق الله قائله، انتهى.
وقيل معنى (يس) يا محمد، قاله ابن الحنفية والضحاك. وقيل: يا رجل، قاله أبو العالية. وقيل: هو اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة. وعن أبى بكر الوراق: يا سيد البشر. وعن جعفر الصادق: أنه أراد يا سيد، مخاطبة النبى- صلى الله عليه وسلم وفيه من تعظيمه وتمجيده ما لا يخفى، وعن طلحة عن ابن عباس: أنه قسم أقسم الله تعالى به، وهو من أسمائه. وعن كعب: أقسم الله به قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفى عام: يا محمد إنك لمن المرسلين. ثم قال: وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «2» وهو رد على الكفار حيث قالوا: لَسْتَ مُرْسَلًا «3» فأقسم الله تعالى باسمه وكتابه:
(1) سورة يس: 3.
(2)
سورة يس: 2، 3.
(3)
سورة الرعد: 43.