المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثانى فى لباسه صلى الله عليه وسلم وفراشه - المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٢

[القسطلاني]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌[المقصد الثالث]

- ‌الفصل الأول فى كمال خلقته وجمال صورته صلى الله عليه وسلم وشرفه وكرمه

- ‌الفصل الثانى فيما أكرمه الله تعالى به من الأخلاق الزكية وشرفه به من الأوصاف المرضية

- ‌الفصل الثالث فيما تدعو ضرورته إليه صلى الله عليه وسلم من غذائه وملبسه ومنكحه وما يلحق بذلك

- ‌النوع الأول فى عيشه صلى الله عليه وسلم فى المأكل والمشرب

- ‌النوع الثانى فى لباسه صلى الله عليه وسلم وفراشه

- ‌النوع الثالث فى سيرته صلى الله عليه وسلم فى نكاحه

- ‌النوع الرابع فى نومه صلى الله عليه وسلم

- ‌المقصد الرابع وفيه فصلان:

- ‌الفصل الأول فى معجزاته ص

- ‌تعريف المعجزة بالدليل:

- ‌[شروط المعجزة]

- ‌ أحدها: أن تكون خارقة للعادة

- ‌ الثانى: أن تكون مقرونة بالتحدى

- ‌ والشرط الثالث من شروط المعجزة:

- ‌[وجوه بطلان دعوى اشتراط التحدي بالمعجزة]

- ‌أحدها: أن اشتراط التحدى قول لا دليل عليه

- ‌الثانى: أن أكثر آياته- صلى الله عليه وسلم وأعمها وأبلغها كانت بلا تحد

- ‌والوجه الثالث:

- ‌الرابع من شروط المعجزة: أن تقع على وفق دعوى المتحدى بها

- ‌[وجوه إعجاز القرآن الكريم]

- ‌ أحدها: أن وجه إعجازه هو الإيجاز والبلاغة

- ‌ والثانى: أن إعجازه هو الوصف الذى صار به خارجا عن جنس كلام العرب

- ‌ والثالث: أن وجه إعجازه هو أن قارئه لا يمله

- ‌ والرابع: أن وجه إعجازه هو ما فيه من الإخبار بما كان

- ‌ والخامس: أن وجه إعجازه هو ما فيه من علم الغيب

- ‌ السادس: أن وجه إعجازه هو كونه جامعا لعلوم كثيرة، لم تتعاط العرب فيها الكلام

- ‌[أقسام معجزاته ص]

- ‌[القسم الأول ما كان قبل ظهوره]

- ‌وأما القسم الثانى ما وقع بعد وفاته- ص:

- ‌وأما القسم الثالث: وهو ما كان معه من حين ولادته إلى وفاته

- ‌حديث القصعة

- ‌الفصل الثانى فيما خصّه الله تعالى به من المعجزات وشرفه به على سائر الأنبياء من الكرامات والآيات البيّنات

- ‌[خصائص النبي ص من الفضائل والكرامات]

- ‌القسم الأول: ما اختص به- صلى الله عليه وسلم من الواجبات والحكمة

- ‌ فاختص- صلى الله عليه وسلم بوجوب الضحى على المذهب

- ‌ ومنها الوتر وركعتا الفجر

- ‌ ومنها صلاة الليل

- ‌ ومنها السواك

- ‌ ومنها الأضحية

- ‌ ومنها المشاورة

- ‌ ومنها مصابرة العدو

- ‌ ومنها تغيير المنكر إذا رآه

- ‌ ومنها قضاء دين من مات مسلما معسرا

- ‌ ومنها تخيير نسائه- صلى الله عليه وسلم فى فراقه

- ‌الثانى:

- ‌[سبب تخييره ص نساءه]

- ‌أحدها: أن الله تعالى خيره بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة على الدنيا، فاختار الآخرة

- ‌والثالث: لأن أزواجه طالبنه وكان غير مستطيع

- ‌والرابع: أن أزواجه- صلى الله عليه وسلم اجتمعن يوما فقلن: نريد ما تريد النساء من الحلى

- ‌ ومنها: إتمام كل تطوع شرع فيه

- ‌ ومنها: أنه كان يلزمه- صلى الله عليه وسلم أداء فرض الصلاة بلا خلل

- ‌ وقال بعضهم: كان يجب عليه- صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه أن يقول: «لبيك إن العيش عيش الآخرة»

- ‌ ومنها: أنه- صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ عن الدنيا حالة الوحى

- ‌ ومنها: أنه كان- صلى الله عليه وسلم يغان على قلبه فيستغفر الله سبعين مرة

- ‌القسم الثانى: ما اختص به- صلى الله عليه وسلم مما حرم عليه:

- ‌ فمنها: تحريم الزكاة عليه

- ‌ ومنها: تحريم الزكاة على آله- صلى الله عليه وسلم

- ‌ ومنها: أنه يحرم عليه- صلى الله عليه وسلم أكل ما له رائحة كريهة

- ‌ ومنها: تحريم الكتابة والشعر

- ‌ ومنها: نزع لأمته إذا لبسها، حتى يقاتل

- ‌ ومنها: المن ليستكثر

- ‌ ومنها: مد العين إلى ما متع به الناس

- ‌ ومنها: خائنة الأعين

- ‌ ومنها: نكاح من لم تهاجر

- ‌ ومنها: تحريم إمساك من كرهته

- ‌ ومنها: نكاح الكتابية

- ‌ ومنها: نكاح الأمة المسلمة

- ‌ ومنها: تحريم الإغارة

- ‌القسم الثالث: فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم من المباحات

- ‌ اختص- صلى الله عليه وسلم بإباحة المكث فى المسجد جنبا

- ‌ ومما اختص به أيضا أنه لا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعا

- ‌ واختص أيضا بإباحة الصلاة بعد العصر

- ‌ وبالقبلة فى الصوم

- ‌ واختص أيضا بإباحة الوصال فى الصوم:

- ‌ وأن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج

- ‌وبإباحة النظر إلى الأجنبيات لعصمته

- ‌ ومنها نكاح أكثر من أربع نسوة

- ‌ وكذا يجوز له- صلى الله عليه وسلم النكاح بلا مهر

- ‌ وكذا يجوز له النكاح فى حال الإحرام

- ‌ وكذا يجوز له- صلى الله عليه وسلم النكاح بغير رضى المرأة

- ‌ وكذا يجوز له- صلى الله عليه وسلم النكاح بلا ولى وبلا شهود

- ‌ وأعتق أمته صفية وجعل عتقها صداقها

- ‌ واختلف فى انحصار طلاقه- صلى الله عليه وسلم فى الثلاث

- ‌ وفى وجوب نفقة زوجاته

- ‌ وكان له- صلى الله عليه وسلم أن يصطفى ما شاء من المغنم قبل القسمة

- ‌ وأبيح له القتال بمكة والقتل بها

- ‌ ومن خصائصه- صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضى بعلمه من غير خلاف

- ‌ وكان له أن يدعو لمن شاء بلفظ الصلاة

- ‌ وكان له أن يقتل بعد الأمان

- ‌ وجعل الله شتمه ولعنه قربة للمشتوم والملعون

- ‌ وكان يقطع الأراضى قبل فتحها

- ‌القسم الرابع: فيما اختص به- صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات

- ‌ منها: أنه أول النبيين خلقا

- ‌ ومنها: أنه أول من أخذ عليه الميثاق

- ‌ ومنها: أنه أول من قال: «بلى» يوم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ

- ‌ ومنها: أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌ ومنها: أن الله كتب اسمه الشريف على العرش

- ‌ ومنها: أن الله تعالى أخذ الميثاق على النبيين، آدم فمن بعده، أن يؤمنوا به وينصروه

- ‌ ومنها: أنه وقع التبشير به فى الكتب السالفة

- ‌ ومنها: أنه لم يقع فى نسبه من لدن آدم سفاح

- ‌ ومنها: أنه نكست الأصنام لمولده

- ‌ ومنها: أنه ولد مختونا مقطوع السرة

- ‌ ومنها: أنه خرج نظيفا

- ‌ ومنها: أنه وقع إلى الأرض ساجدا رافعا أصبعيه كالمتضرع المبتهل

- ‌ ومنها: شق صدره الشريف

- ‌ وغطه جبريل عند ابتداء الوحى ثلاث غطات

- ‌ ومنها: أن الله تعالى ذكره فى القرآن عضوا عضوا

- ‌ ومنها أنه- صلى الله عليه وسلم كان يبيت جائعا، ويصبح طاعما

- ‌ وكان يرى من خلفه كما يرى أمامه

- ‌ وكانت ريقه يعذب الماء الملح

- ‌ ومنها: أنه- صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى فى الصخر غاصت قدماه فيه

- ‌ وكان إبطه- صلى الله عليه وسلم لا شعر عليه

- ‌ وكان- صلى الله عليه وسلم يبلغ صوته وسمعه

- ‌ وكان تنام عينه ولا ينام قلبه

- ‌ وما تثاءب قط

- ‌ وما احتلم قط

- ‌وإذا مشى مع الطويل طاله

- ‌وكان- صلى الله عليه وسلم لا يقع على ثيابه ذباب قط

- ‌ومنها: انقطاع الكهنة عند مبعثه

- ‌ومنها أنه أتى بالبراق ليلة الإسراء مسرجا ملجما

- ‌ومنها أنه أسرى به- صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى

- ‌ومنها: أنه رأى الله تعالى بعينيه

- ‌ومنها أن الملائكة تسير معه حيث سار

- ‌ومنها: أنه يجب علينا أن نصلى ونسلم عليه

- ‌ومنها: أنه أوتى الكتاب العزيز، وهو أمى

- ‌ومنها: حفظ كتابه هذا من التبديل والتحريف

- ‌ومنها: أنه أنزل على سبعة أحرف

- ‌ومنها: أنه تعالى تكفل بحفظه

- ‌ومنها: أنه- صلى الله عليه وسلم خص باية الكرسى

- ‌ومنها: أنه أعطى مفاتيح الخزائن

- ‌ومنها: أنه أوتى جوامع الكلم

- ‌ومنها: أنه بعث إلى الناس كافة

- ‌ومنها: نصره- صلى الله عليه وسلم بالرعب مسيرة شهر

- ‌ومنها: إحلال الغنائم ولم تحل لأحد قبله

- ‌ومنها: جعل الأرض له ولأمته مسجدا وطهورا

- ‌ومنها: أن معجزته- صلى الله عليه وسلم مستمرة إلى يوم القيامة

- ‌ومنها: أنه أكثر الأنبياء معجزة

- ‌ومنها: أنه خاتم الأنبياء والمرسلين

- ‌ومنها: أن شرعه مؤبد إلى يوم الدين

- ‌ومنها: أنه لو أدركه الأنبياء لوجب عليهم اتباعه

- ‌ومنها: أنه أرسل إلى الجن اتفاقا

- ‌ومنها: أنه أرسل الملائكة

- ‌ومنها: أنه أرسل رحمة للعالمين

- ‌ ومنها: أن الله تعالى خاطب جميع الأنبياء بأسمائهم فى القرآن

- ‌ ومنها: أنه حرم على الأمة نداءه باسمه

- ‌ ومنها: أنه يحرم الجهر له بالقول

- ‌ ومنها: أنه يحرم نداؤه من وراء الحجرات

- ‌ ومنها: أنه حبيب الله، وجمع له بين المحبة والخلة

- ‌ ومنها: أنه تعالى أقسم على رسالته وبحياته وببلده وعصره

- ‌ ومنها: أنه كلم بجميع أصناف الوحى

- ‌ ومنها: أن إسرافيل هبط عليه، ولم يهبط على نبى قبله

- ‌ ومنها: أنه سيد ولد آدم

- ‌ ومنها: أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر

- ‌ ومنها: أنه أكرم الخلق على الله

- ‌ ومنها: إسلام قرينه

- ‌ ومنها: أنه لا يجوز عليه الخطأ

- ‌ ومنها: أن الميت يسأل عنه- ص فى قبره

- ‌ ومنها: أنه حرم نكاح أزواجه من بعده

- ‌ ومنها: ما عده ابن عبد السلام أنه يجوز أن يقسم على الله به

- ‌ ومنها: أنه يحرم رؤية أشخاص أزواجه فى الأزر

- ‌ ومنها: أن أولاد بناته ينسبون إليه

- ‌ ومنها: أن كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا سببه ونسبه

- ‌ ومنها: أنه لا يتزوج على بناته

- ‌ومنها: أن من رآه فى المنام فقد رآه حقّا

- ‌وبالجملة:

- ‌ومنها: أنه يكره لقارئ حديثه أن يقوم لأحد

- ‌ومنها أن قراء حديثه لا تزال وجوههم نضرة

- ‌ومنها: أنه تثبت الصحبة لمن اجتمع به- صلى الله عليه وسلم لحظة

- ‌ومنها: أن أصحابه كلهم عدول

- ‌ومنها أن المصلى يخاطبه بقوله: السلام عليك أيها النبى

- ‌ومنها أنه كان يجب على من دعاه وهو فى الصلاة أن يجيبه

- ‌ومنها: أن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره

- ‌ومنها أنه معصوم من الذنوب كبيرها وصغيرها

- ‌ومنها أنه لا يجوز عليه الجنون

- ‌ ومن خصائصه- صلى الله عليه وسلم أنه كان- صلى الله عليه وسلم يخص من شاء بما شاء من الأحكام

- ‌ ومنها أنه كان يوعك كما يوعك رجلان

- ‌ ومنها أن جبريل أرسل إليه ثلاثا فى مرضه

- ‌ ومنها: أنه صلى عليه الناس أفواجا أفواجا بغير إمام

- ‌ ومنها: أنه لا يبلى جسده

- ‌ ومنها: أنه لا يورث

- ‌ ومنها: أنه حى فى قبره

- ‌ ومنها: أنه وكل بقبره ملك يبلغه صلاة المصلين عليه

- ‌ ومنها: أن منبره- صلى الله عليه وسلم على حوضه

- ‌ ومنها أن ما بين منبره وقبره روضة من رياض الجنة

- ‌ ومنها: أنه- صلى الله عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر

- ‌ ومنها: أنه يعطى المقام المحمود

- ‌ ومنها أنه يعطى الشفاعة العظمى

- ‌ ومنها: أنه صاحب لواء الحمد

- ‌ ومنها أنه- صلى الله عليه وسلم أول من يدخل الجنة

- ‌ ومن خصائصه- صلى الله عليه وسلم الكوثر

- ‌[خصائص أمة النبي ص]

- ‌ ومن خصائص هذه الأمة الوضوء

- ‌ ومنها مجموع الصلوات الخمس

- ‌ ومنها الأذان والإقامة

- ‌ ومنها البسملة

- ‌ ومنها التأمين

- ‌ ومنها الاختصاص بالركوع

- ‌ ومنها الصفوف فى الصلاة

- ‌ ومنها تحية الإسلام

- ‌ ومنها الجمعة

- ‌ ومنها ساعة الإجابة التى فى الجمعة

- ‌ ومنها: أنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم

- ‌ ومنها السحور

- ‌ ومنها: ليلة القدر

- ‌ ومنها أن لهم الاسترجاع عند المصيبة

- ‌ ومنها: أن الله تعالى رفع عنهم الأصرار

- ‌ ومنها أن الله تعالى أحل لهم كثيرا مما شدد على من قبلهم

- ‌ ومنها: أن الله رفع عنهم المؤاخذة بالخطأ والنسيان

- ‌ ومنها أن الإسلام وصف خاص بهم

- ‌ ومنها: أن شريعتهم أكمل من جميع شرائع الأمم المتقدمة

- ‌ وكذلك تحريم ما حرم على هذه الأمة صيانة وحمية

- ‌ ومنها: أنهم لا يجتمعون على ضلالة

- ‌ ومنها: أن إجماعهم حجة وأن اختلافهم رحمة

- ‌ ومنها: أنهم إذا شهد اثنان منهم لعبد بخير وجبت له الجنة

- ‌ ومنها أنهم أقل الأمم عملا، وأكثرهم أجرا

- ‌ ومنها: أنهم أوتوا الإسناد

- ‌ ومنها: أنهم أوتوا الأنساب والاعراب

- ‌ ومنها: أنهم أوتوا تصنيف الكتب

- ‌ ومنها: أن فيهم أقطابا وأوتادا ونجباء وأبدالا

- ‌ ومنها أنهم يدخلون قبورهم بذنوبهم، ويخرجون منها بلا ذنوب

- ‌ ومنها أنهم اختصوا فى الآخرة بأنهم أول من تنشق عنهم الأرض من الأمم

- ‌ ومنها: أنهم يدعون يوم القيامة غرّا محجلين من آثار الوضوء

- ‌ ومنها أنهم يكونون فى الموقف على مكان عال

- ‌ ومنها: أن سيماهم فى وجوههم من أثر السجود

- ‌ ومنها أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم

- ‌ ومنها أن نورهم يسعى بين أيديهم

- ‌ ومنها: أن لهم ما سعوا، وما يسعى لهم

- ‌ ومن خصائص هذه الأمة أنهم يدخلون الجنة قبل سائر الأمم

- ‌ ومنها: أنه يدخل منهم الجنة سبعون ألفا بغير حساب

- ‌المقصد الخامس الإسراء والمعراج

- ‌المقصد السادس فيما ورد فى آى التنزيل من تعظيم قدره صلى الله عليه وسلم

- ‌النوع الأول فى آيات تتضمن تعظيم قدره ورفعة ذكره وجليل رتبته وعلو درجته على الأنبياء وتشريف منزلته

- ‌النوع الثانى فى أخذ الله الميثاق له على النبيين فضلا ومنة ليؤمنن به إن أدركوه ولينصرنه

- ‌النوع الثالث فى وصفه له ص بالشهادة وشهادته له بالرسالة

- ‌تنبيه:

- ‌النوع الرابع فى التنويه به ص فى الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل بأنه صاحب الرسالة والتبجيل

- ‌فصل

- ‌النوع الخامس فى آيات تتضمن إقسامه تعالى على تحقيق رسالته وثبوت ما أوحى إليه من آياته وعلو رتبته الشريفة ومكانته

- ‌الفصل الأول فى قسمه تعالى على ما خصه به من الخلق العظيم وحباه من الفضل العميم

- ‌الفصل الثانى فى قسمه تعالى على ما أنعم به عليه وأظهره من قدره العلى لديه

- ‌الفصل الثالث فى قسمه تعالى على تصديقه ص فيما أتى به من وحيه وكتابه وتنزيهه عن الهوى فى خطابه

- ‌الفصل الرابع: فى قسمه تعالى على تحقيق رسالته

- ‌الفصل الخامس فى قسمه تعالى بمدة حياته صلى الله عليه وسلم وعصره وبلده

- ‌النوع السادس فى وصفه تعالى له ص بالنور والسراج المنير

- ‌النوع السابع فى آيات تتضمن وجوب طاعته واتباع سنته

- ‌النوع الثامن فيما يتضمن الأدب معه ص

- ‌النوع التاسع فى آيات تتضمن رده تعالى بنفسه المقدسة على عدوه ص ترفيعا لشأنه

- ‌النوع العاشر فى إزالة الشبهات عن آيات وردت فى حقه ص متشابهات

- ‌[وجوه تفسير آية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى]

- ‌أحدها: وجدك ضالا عن معالم النبوة

- ‌الثانى: من معنى قوله: (ضالا)

- ‌الثالث: يقال: ضل الماء فى اللبن إذا صار مغمورا، فمعنى الآية:

- ‌الرابع: أن العرب تسمى الشجرة الفريدة فى الفلاة ضالة

- ‌الخامس: قد يخاطب السيد، والمراد قومه

- ‌السادس: أى محبّا لمعرفتى

- ‌السابع: أى وجدك ناسيا فذكرك

- ‌الثامن: أى وجدك بين أهل ضلال فعصمك من ذلك

- ‌التاسع: أى وجدك متحيرا فى بيان ما أنزل إليك

- ‌العاشر: عن على أنه- صلى الله عليه وسلم قال:

- ‌المقصد السابع فى وجوب محبته واتباع سنته والاهتداء بهديه

- ‌الفصل الأول فى وجوب محبته واتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته ص

- ‌[حدود قيلت فى المحبة]

- ‌فمنها: موافقة الحبيب فى المشهد والمغيب

- ‌ومنها: استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من حبيبك

- ‌ومنها: استكثار القليل من جنايتك، واستقلال الكثير من طاعتك

- ‌ومنها: أن تهب كلك لمن أحببت

- ‌ومنها: أن تمحو من القلب ما سوى المحبوب

- ‌ومنها: أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك

- ‌ومنها: ميلك إلى الشىء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك

- ‌ومنها: سفر القلب فى طلب المحبوب، ولهج اللسان بذكره على الدوام

- ‌ومنها: الميل إلى ما يوافق الإنسان

- ‌[أقسام محبة الله تبارك وتعالى]

- ‌فالفرض: المحبة التى تبعث على امتثال الأوامر والانتهاء عن المعاصى

- ‌والندب: أن يواظب على النوافل ويجتنب الوقوع فى الشبهات

- ‌‌‌[إشكال]

- ‌[إشكال]

- ‌وأجيب:

- ‌وأجيب بأجوبة:

- ‌منها: أنه ورد على سبيل التمثيل

- ‌‌‌ومنها: أن المعنىأن كليته مشغولة بى

- ‌ومنها: أن المعنى

- ‌ومنها: أنه على حذف مضاف

- ‌[فروق بين المحبة والخلة]

- ‌منها:

- ‌‌‌‌‌ومنها:

- ‌‌‌ومنها:

- ‌ومنها:

- ‌[مناقشة المؤلف للفروق بين المحبة والخلة]

- ‌تنبيه:

- ‌الفصل الثانى فى حكم الصلاة عليه والتسليم فريضة وسنة وفضيلة وصفة ومحلّا

- ‌[سؤال]

- ‌فالجواب

- ‌[حكم الصلاة على النبي ص]

- ‌أحدها: أنها تجب فى الجملة

- ‌الثانى: يجب الإكثار منها، من غير تقييد بعدد

- ‌الثالث: تجب كل ما ذكر

- ‌الرابع: فى كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره مرارا

- ‌الخامس: فى كل دعاء

- ‌السادس: أنها من المستحبات

- ‌السابع: تجب فى العمر مرة

- ‌الثامن: تجب فى الصلاة من غير تعيين المحل

- ‌التاسع: تجب فى التشهد

- ‌العاشر: تجب فى القعود آخر الصلاة، بين قول التشهد وسلام التحلل

- ‌[استدلال الشافعي على وجوب الصلاة على النبي ص]

- ‌[تعقيب هذا الاستدلال]

- ‌أحدها: ضعف إبراهيم بن محمد بن أبى يحيى

- ‌الثانى: على تقدير صحته فقوله فى الأول: يعنى فى الصلاة

- ‌الثالث: قوله فى الثانى: «أنه كان يقول فى الصلاة»

- ‌الرابع: ليس فى الحديث ما يدل على تعيين ذلك فى التشهد

- ‌[إشكال]

- ‌[الجواب]

- ‌منها: أنه- صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم أنه أفضل من إبراهيم

- ‌ومنها: أنه قال ذلك تواضعا

- ‌ومنها: أن التشبيه إنما هو لأصل الصلاة بأصل الصلاة، لا للقدر بالقدر

- ‌ومنها: أن قوله: (اللهم صل على محمد) مقطوع عن التشبيه

- ‌ومنها: رفع المقدمة المذكورة أولا

- ‌[مواطن الصلاة على النبي ص]

- ‌فمنها: التشهد الأخير

- ‌ومنها: خطبة الجمعة

- ‌ومنها: عقب إجابة المؤذن

- ‌تنبيه:

- ‌ومنها: أول الدعاء وأوسطه وآخره

- ‌ومنها: وهو من آكدها، عقب دعاء القنوت

- ‌ومنها: أثناء تكبيرات العيدين

- ‌ومنها: عند دخول المسجد والخروج منه

- ‌ومنها: فى صلاة الجنازة

- ‌ومنها: عند التلبية

- ‌ومنها: عند الصفا والمروة

- ‌ومنها: عند الإجماع والتفرق

- ‌ومنها: عند الصباح والمساء

- ‌ومنها: عند الوضوء

- ‌ومنها: عند طنين الأذن

- ‌ومنها: عند نسيان الشىء

- ‌ومنها: بعد العطاس

- ‌ومنها: عند زيارة قبره الشريف

- ‌[الإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة]

- ‌[فضيلة الصلاة على النبي ص]

- ‌الفصل الثالث فى ذكر محبة أصحابه ص وقرابته وأهل بيته وذريته

- ‌[فى ذكر محبة آله ص وقرابته وأهل بيته وذريته]

- ‌فى محبة الصحابة:

- ‌[طبقات الصحابة]

- ‌الطبقة الأولى: قوم أسلموا بمكة أول البعث

- ‌الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة

- ‌الطبقة الثالثة: الذين هاجروا إلى الحبشة فرارا بدينهم

- ‌الطبقة الرابعة: أصحاب العقبة الأولى

- ‌الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثالثة

- ‌الطبقة السادسة: المهاجرون

- ‌الطبقة السابعة: أهل بدر الكبرى

- ‌الطبقة الثامنة: الذين هاجروا بين بدر والحديبية

- ‌الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان

- ‌الطبقة العاشرة: الذين هاجروا بعد الحديبية

- ‌الطبقة الحادية عشر: الذين أسلموا يوم الفتح

- ‌الطبقة الثانية عشر: صبيان أدركوا النبى- صلى الله عليه وسلم ورأوه عام الفتح وبعده

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌النوع الثانى فى لباسه صلى الله عليه وسلم وفراشه

وإن شبع حتى يفرغ القوم، فإن ذلك يخجل جليسه وعسى أن يكون له فى الطعام حاجة» «1» .

وكان- صلى الله عليه وسلم إذا أكل عند قوم لم يخرج حتى يدعو لهم. فدعا فى منزل عبد الله بن بسر فقال: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم» «2» رواه مسلم، ودعا فى منزل سعد فقال:«أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة» «3» رواه أبو داود، وسقاه آخر لبنا فقال:«اللهم أمتعه بشبابه» «4» فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء، رواه ابن السنى.

‌النوع الثانى فى لباسه صلى الله عليه وسلم وفراشه

قال البخارى: باب ما كان النبى- صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس. يعنى يتوسع فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، أو لا يضيق بطلب النفيس الغالى، بل يستعمل ما تيسر.

وقال القاضى عياض: كان- صلى الله عليه وسلم قد اقتصر منه على ما تدعوه ضرورته إليه، وزهد فيما سواه، فكان يلبس ما وجده، فيلبس- فى غالب أحواله- الشملة والكساء الخشن والأردية والأزر، ويقسم على من حضره أقبية

(1) ضعيف جدّا: أخرجه ابن ماجه (3295) فى الأطعمة، باب: النهى أن يقام عن الطعام حتى يرفع، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن ابن ماجه» .

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (2042) فى الأشربة، باب: استحباب وضع النوى خارج التمر، واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام.

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (3854) فى الأطعمة، باب: ما جاء فى الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده، والدارمى فى «سننه» (1772) ، وأحمد فى «المسند» (3/ 118 و 201) ، من حديث أنس- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (1226) .

(4)

أخرجه ابن أبى شيبة فى «مصنفه» (6/ 322) من حديث عمرو بن الحمق- رضى الله عنه-.

ص: 183

الديباج المخوصة بالذهب، ويرفع لمن لم يحضر. إذ المباهاة فى الملابس والتزين بها ليست من خصال الشرف والجلالة، وهى من سمات النساء، والمحمود منها نقاوة الثوب، والتوسط فى جنسه، وكونه ليس مثله، غير مسقط لمروءة جنسه. انتهى.

وقد روى أبو نعيم فى الحلية عن ابن عمر مرفوعا: «أن من كرامة المؤمن على الله عز وجل نقاء ثوبه ورضاه باليسير» «1» .

وله أيضا من حديث جابر: أن النبى- صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وسخة ثيابه فقال: «أما وجد هذا شيئا ينقى به ثيابه؟» «2» .

فقد كانت سيرته- صلى الله عليه وسلم فى ملبسه أتم وأنفع للبدن وأخفه عليه، فإنه لم تكن عمامته بالكبيرة التى يؤذى حملها ويضعفه ويجعله عرضة للآفات، كما يشاهد من حال أصحابها ولا بالصغيرة التى تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد بل وسطا بين ذلك، وكان يدخلها تحت حنكه، فإنها تقى العنق من الحر والبرد، وهو أثبت لها عند ركوب الخيل والإبل، والكر والفر، وكذلك الأردية والأزر أخف على البدن من غيرها.

وقد أطنب ابن الحاج فى المدخل فى الاستدلال لاستحباب التحنيك، ثم قال: وإذا كانت العمامة من باب المباح فلابد فيها من فعل سنن تتعلق بها، من تناولها باليمين والتسمية والذكر الوارد، إن كانت مما ليس جديدا، وامتثال السنة فى صفة التعميم، من فعل التحنيك والعذبة. وتصغير العمامة يعنى سبعة أذرع أو نحوها، يخرجون منها التحنيك والعذبة، فإن زاد فى العمامة قليلا لأجل حر أو برد فيسامح فيه. ثم قال بعد أن ذكر قوله: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «3» ، فعليك بأن تتسرول قاعدا وتتعمم قائما. انتهى.

(1) ضعيف جدّا: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (5/ 132) وقال: رواه الطبرانى، وفيه عباد بن كثير، وثقه ابن معين، وضعفه غيره، وحرول بن حنفل ثقة، وقال ابن المدينى: له مناكير، وبقية رجاله ثقات. اه، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (5309) .

(2)

رواه الطبرانى وأبو نعيم، كما فى «كشف الخفاء» للعجلونى (922) .

(3)

سورة الحشر: 7.

ص: 184

ولم يكن- صلى الله عليه وسلم يطول أكمامه ويوسعها، بل كان كم قميصه إلى الرسغ، وهو منتهى الكف عند المفصل، لا يجاوز اليد فيشق على لابسه ويمنعه سرعة الحركة والبطش، ولا يقصره- صلى الله عليه وسلم عن هذا فتبرز للحر والبرد، وقد روى عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كم قميص رسول الله- صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. رواه الترمذى.

وكان ذيل قميصه وردائه إلى أنصاف الساقين، لم يتجاوز الكعبين، فيؤذى الماشى ويجعله كالمقيد، ولم يقصر عن عضلة ساقيه، فيتأذى بالحر والبرد. أشار إليه فى زاد المعاد.

وأخرج الترمذى عن الأشعث بن سليم قال: سمعت عمتى تحدث عن عمها قال: بينا أنا أمشى بالمدينة إذا إنسان خلفى يقول: «ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى» ، فإذا هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إنما هى بردة قال: «أما لك فى أسوة؟» فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه «1» .

وأخرج الطبرانى من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر قال: رآنى النبى- صلى الله عليه وسلم أسبلت إزارى، فقال:«يا ابن عمر كل شىء لمس الأرض من الثياب فهو فى النار» «2» . وفى البخارى من حديث أبى هريرة عن النبى- صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار فى النار» «3» .

قال الخطابى: يريد أن الموضع الذى يناله الإزار من أسفل الكعبين فى النار، فكنى بالثوب عن بدن لابسه، ومعناه: أن الذى دون الكعبين من القدم يعذب بالنار عقوبة. وحاصله أنه من باب تسمية الشىء باسم ما جاوره أو حل فيه، وتكون «من» بيانية.

(1) أخرجه النسائى فى «الكبرى» (9682 و 9683) ، وأحمد فى «المسند» (5/ 364) .

(2)

صحيح: أخرجه أحمد فى «المسند» (2/ 98) ، والطبرانى فى «الكبير» (12/ 387) ، وانظر ما بعده.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (5787) فى اللباس، باب: ما أسفل من الكعبين فهو فى النار.

ص: 185

وللطبرانى من حديث عبد الله بن مغافل، رفعه:(إزرة المؤمن إلى أنصاف الساقين وليس عليه حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل من ذلك ففى النار)«1» والإزرة: - بالكسر- الحالة وهيئة الائتزار مثل الركبة والجلسة.

واعلم طهر الله ثوبى وثوبك، ونزه سرى وسرك- أن هذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء، فهو الذى ورد فيه الوعيد بالاتفاق.

وقد أخرج أصحاب السنن إلا الترمذى- واستغربه- وابن أبى شيبة من طريق عبد العزيز بن أبى رواد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبى- صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الإسبال فى الإزار والقميص والعمامة، من جر شيئا منها خيلاء» «2» الحديث، فبين فى هذه الرواية أن الحكم ليس خاصّا بالإزار، وإن جاء فى أكثر طرق الأحاديث بلفظ الإزار. قال الطبرى: إنما ورد الخبر بلفظ الإزار، لأن أكثر الناس فى عهده كانوا يلبسون الأزر والأردية، فلما لبس الناس القمص والدراريع كان حكمها حكم الإزار فى النهى.

قال ابن بطال: هذا قياس صحيح لو لم يأت النص بالثوب فإنه يشمل جميع ذلك، وفى تصوير جر العمامة نظر إلا أن يكون المراد ما جرت به عادة العرب من إرخاء العذبات، فمهما زاد على العادة فى ذلك كان من الإسبال.

وهل يدخل فى الزجر عن جر الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه؟ محل نظر. والذى يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة كما يفعله بعض الحجازيين دخل فى ذلك. قال ابن القيم: وأما هذه الأكمام الواسعة الطوال، التى هى كالآخراج، وعمائم كالأبراج، فلم يلبسها- صلى الله عليه وسلم هو ولا أحد من أصحابه، وهى مخالفة لسنته، وفى جوازها نظر، فإنها من جنس الخيلاء، انتهى. وقال صاحب «المدخل» : ولا يخفى على ذى بصيرة أن كم بعض من

(1) ذكره الهيثمى فى «المجمع» (5/ 126) عن عبد الله بن مغافل وقال: رواه الطبرانى وفيه الحكم بن عبد الملك القرشى، وهو ضعيف.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (4094) فى اللباس، باب: فى قدر موضع الإزار، والنسائى (8/ 208) فى الزينة، باب: إسبال الإزار، وابن ماجه (3576) فى اللباس، باب: طول القميص كم هو؟، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (2770) .

ص: 186

ينسب إلى العلم اليوم فيه إضاعة المال المنهى عنها، لأنه قد يفضل من ذلك الكم ثوب لغيره. انتهى. لكن حدث للناس اصطلاح بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شعار يعرفون به، ومهما كان من ذلك على سبيل الخيلاء فلا شك فى تحريمه، وما كان على طريق العادة، فلا تحريم فيه ما لم يصل إلى جر الذيل الممنوع منه. ونقل القاضى عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد فى اللباس من الطول والسعة.

وفى حديث أبى هريرة عند البخارى مرفوعا «بينما رجل يمشى تعجبه [نفسه] مرجل جمته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» «1» . وفى الطبرانى وأبى داود «إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردة فتبختر فيها، فنظر الله إليه فمقته، فأمر الأرض فأخذته» «2» .

وهذا الوعيد المذكور يتناول الرجال والنساء على هذا الفعل المخصوص، وقد فهمت ذلك أم سلمة- رضى الله عنها-، فأخرج النسائى والترمذى- وصححه- من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر: فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن فقال: يرخين شبرا فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه «3» . وحاصل ما ذكر فى ذلك: أن للرجال حالين، حال استحباب: وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز: وهو إلى الكعبين، وكذلك للنساء حالان: حال استحباب وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال جواز بقدر ذراع، وأن الإسبال يكون فى الإزار والقميص والعمامة، وأنه لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان

(1) صحيح: أخرجه البخارى (5789) فى اللباس، باب: من جر ثوبه من الخيلاء، ومسلم (2088) فى اللباس، باب: تحريم التبختر فى المشى مع إعجابه بثيابه.

(2)

أخرجه الطبرانى فى الكبير عن أبى جوى الجهنى، كما فى «كنز العمال» (7788) .

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (4117) فى اللباس، باب: فى قدر الذيل، والترمذى (1731) فى اللباس، باب: ما جاء فى ذيول النساء، والنسائى (8/ 209) فى الزينة، باب: ذيول النساء، وأحمد فى «المسند» (2/ 5) و (6/ 213 و 309) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

ص: 187

للخيلاء، وإن كان لغيرها فهو مكروه للتنزيه. قال النووى: وظواهر الأحاديث فى تقييدها بالخيلاء يدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء، قال:

وهذا نص الشافعى على الفرق كما ذكرنا انتهى.

تنبيه: قال العراقى فى شرح الترمذى: الذراع الذى رخص للنساء فيه، هل ابتداؤه من الحد الممنوع منه الرجال، وهو من الكعبين، أو من الحد المستحب وهو أنصاف الساقين، أو حده من أول ما يمس الأرض؟ الظاهر أن المراد الثالث: بدليل حديث أم سلمة الذى رواه أبو داود والنسائى- واللفظ له- وابن ماجه، قالت: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال «شبرا» قالت: إذا ينكشف عنها، قال:«فذراع لا تزيد عليه» «1» فظاهره: أن لها أن تجر على الأرض منه ذراعا. قال: والظاهر أن المراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران، لما فى سنن ابن ماجه عن ابن عمر قال: رخص رسول الله- صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين شبرا، ثم استزدنه فزادهن شبرا. فدل على أن الذراع المأذون فيه شبران وهو الذراع الذى يقاس به الحصر اليوم. وإنما جاز ذلك للنساء لأجل الستر لأن المرأة كلها عورة إلا ما استثنى.

وقد كان له- صلى الله عليه وسلم عمامة تسمى السحاب، ويلبس تحتها القلانس اللاطئة. والقلانس: جمع قلنسوة- بفتح القاف وسكون النون وضم المهملة وفتح الواو، وقد تبدل ياء تحتية، وقد تبدل ألفا وتفتح السين، يقال: قلنساة، وقد تحذف النون من هذه بعدها هاء تأنيث- غشاء مبطن يستر به الرأس، قاله الفراء فى شرح «الفصيح» . وقال ابن هشام: هى التى يقول لها العامة الشاشية، وفى «المحكم» : هى ملابس الرؤوس، معروفة، قال أبو هلال العسكرى: هى التى تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر، كأنها عنده رأس البرنس. انتهى.

وروى الترمذى عن جابر- رضى الله عنه- قال: (دخل النبى- صلى الله عليه وسلم مكة يوم

(1) صحيح: وهو ما قبله.

ص: 188

الفتح وعليه عمامة سوداء) «1» ، وفى رواية لأنس عند البخارى (دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر)«2» وهو بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء، زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس. ويجمع بينهما: بأن العمامة السوداء كانت فوق المغفر.

وجمع بينهما القاضى عياض: بأن أول دخوله كان على رأسه المغفر، ثم بعد ذلك كان على رأسه العمامة بعد إزالة المغفر، بدليل قوله فى حديث عمرو بن حريث عن أبيه (خطب الناس وعليه عمامة سوداء) «3» لأن الخطبة إنما كانت عند باب الكعبة بعد تمام فتح مكة. قال الولى بن العراقى: وهو أولى وأظهر فى الجمع من الأول. وقد تقدم نحو ذلك فى غزوة فتح مكة.

وعن ابن عمر قال: (كان النبى- صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل)«4» رواه الترمذى فى الشمائل، زاد مسلم (وقد أرخى طرفها بين كتفيه) . وقد روى أبو محمد ابن حيان «5» فى كتاب «أخلاق النبى- صلى الله عليه وسلم» من حديث ابن عمر: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يعتم قال: يدير كور العمامة على رأسه ويغرسها من ورائه ويرخى لها ذؤابة بين كتفيه. وروى مسلم من حديث عمرو بن حريث قال:

(رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه)«6» وعنده أيضا عن جابر، وقال:«دخل مكة وعليه عمامة سوداء» «7» ولم يذكر فيه ذؤابة، فدل على أنه لم يكن يرخيها دائما بين كتفيه. لكن قد يقال: إن دخوله مكة كان وعليه أهبة القتال والمغفر على رأسه، فلبس فى كل موطن ما يناسبه.

وقال ابن القيم فى الهدى النبوى: وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يذكر

(1) صحيح: أخرجه مسلم (1358) فى الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (1359) فى الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (1846) فى الحج، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام.

(4)

صحيح: أخرجه الترمذى (1736) فى اللباس، باب: فى سدل العمامة بين الكتفين، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (4676) .

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (1359) من حديث عمرو بن الحريث المتقدم قبل حديث.

(6)

قلت: هو الحديث السابق.

(7)

صحيح: وقد تقدم قريبا.

ص: 189

فى سبب الذؤابة شيئا بديعا: وهو أن النبى- صلى الله عليه وسلم إنما اتخذها صبيحة المنام الذى رآه بالمدينة لما رأى رب العزة فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟

قلت: لا أدرى، فوضع يده بين كتفى فعلمت ما بين السماء والأرض «1» .

الحديث وهو فى الترمذى، وسئل عنه البخارى فقال: صحيح. قال: فمن تلك الغداة أرخى الذؤابة بين كتفيه. قال: وهذا من العلم الذى تنكره ألسنة الجهال وقلوبهم، قال: ولم أر هذه الفائدة فى شأن الذؤابة لغيره. انتهى.

وعبارة غير الهدى: وذكر ابن تيمية أنه- صلى الله عليه وسلم لما رأى ربه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة. انتهى لكن قال العراقى بعد أن ذكره:

لم نجد لذلك أصلا. انتهى. وروى ابن أبى شيبة عن على قال: عممنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم بعمامة سدل طرفها على منكبى وقال: «إن الله أمدنى يوم بدر ويوم حنين بملائكة معممين هذه العمة» وقال: «إن العمامة حاجز بين المسلمين وبين المشركين» «2» .

قال عبد الحق الإشبيلى: وسنة العمامة- بعد فعلها- أن يرخى طرفها ويتحنك به، فإن كانت بغير طرف ولا تحنيك فذلك يكره عند العلماء، واختلف فى وجه الكراهة، فقيل لمخالفة السنة فيها، وقيل: لأنها كذلك عمائم الشياطين. وجاءت الأحاديث فى إرسال طرفها على أنواع: منها ما تقدم أنه أرسل طرفها على منكب على، ومنها: أن عبد الرحمن بن عوف قال: عممنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فسدلها بين يدى ومن خلفى «3» . ذكره أبو داود. وعن ابن عباس أنه رأى النبى- صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة دسماء أى سوداء.

رواه الترمذى.

وفى حديث ركانة أنه- صلى الله عليه وسلم قال: «إن فرق ما بيننا وبين المشركين

(1) صحيح: أخرجه الترمذى (3233) فى التفسير، باب: ومن سورة ص، من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

(2)

أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (10/ 14) ، من حديث على- رضى الله عنه-.

(3)

ضعيف: أخرجه أبو داود (4079) فى اللباس، باب: فى العمائم، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .

ص: 190

العمائم على القلانس» «1» . رواه الترمذى أيضا. وعن أبى كبشة الأنمارى قال: كانت كمام أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم بطحا. رواه الترمذى أيضا. وفى رواية أكمة، وهما جمع كثرة وقلة، الكمة: القلنسوة، يعنى أنها كانت منبطحة غير منتصبة، وعن عائشة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم كانت له كمة بيضاء، رواه الدمياطى. وكان أحب الثياب إليه- صلى الله عليه وسلم القميص، كما فى الشمائل للترمذى، من حديث أم سلمة قالت:(كان أحب الثياب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم القميص)«2» . وعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى رهط من مزينة لنبايعه وإن قميصه لمطلق الأزرار- أو قال: زر قميصه مطلق- قال: فأدخلت يدى فى جيب قميصه فمسست الخاتم «3» . رواه الترمذى.

وعن أنس قال: كان قميص رسول الله- صلى الله عليه وسلم قطنا قصير الطول والكمين، رواه الدمياطى. وعن أنس بن مالك قال: كان أحب الثياب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم يلبسه الحبرة «4» . رواه الترمذى. والحبرة: ضرب من البرود فيه حمرة. وعن أبى رمثة قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران «5» رواه الترمذى. وعن عطاء عن أبى يعلى عن أبيه قال: رأيت

(1) ضعيف: أخرجه أبو داود (4078) فى اللباس، باب: العمائم، والترمذى (1784) فى اللباس، باب: رقم (41) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (3959) .

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (4025) فى اللباس، باب: ما جاء فى القميص، والترمذى (1762) فى اللباس، باب: ما جاء فى القميص، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (4625) .

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (4082) فى اللباس، باب: فى حل الأزرار، وأحمد فى «المسند» (3/ 434) و (4/ 19) و (5/ 35) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(4)

صحيح: أخرجه البخارى (5812 و 5813) فى اللباس، باب: البرود والحبرة والشملة، ومسلم (2079) فى اللباس والزينة، باب: فضل لباس ثياب الحبرة.

(5)

صحيح: أخرجه أبو داود (4206) فى الترجل، باب: فى الخضاب، والترمذى (2812) فى الأدب، باب: ما جاء فى الثوب الأخضر، والنسائى (3/ 185) فى صلاة العيدين، باب: الزينة للخطبة للعيدين، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

ص: 191

رسول الله- صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا ببرد أخضر «1» . رواه أبو داود.

وعن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه أن النبى- صلى الله عليه وسلم لبس جبة رومية ضيقة الكمين «2» . رواه الترمذى. وعن أبى ذر: أتيت النبى- صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض «3» . رواه البخارى: وعن عائشة قالت: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط شعر أسود «4» . رواه الترمذى. وعن أنس قال كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يلبس الصوف، وكان له- صلى الله عليه وسلم كساء ملبد يلبسه ويقول:

«إنما أنا عبد ألبس كما يلبس العبد» «5» رواه الشيخان.

فإن قلت قد علم من هذا، ومن سيرة السلف الصالح، بذاذة الهيئة ورثاثة الملابس، فما بال الشاذلية من الصوفية يجملون هياتهم وملابسهم، وطريقهم الاقتداء بالسنة الشريفة والسلف الصالح.

أجاب العارف الربانى على الوفائى، أذاقنا الله حلاوة مشربه، ومن خطه الكريم نقلت بما لفظه: ذلك لأنهم نظروا إلى المعانى والحكم. فوجدوا السلف الصالح لما وجدوا أهل الغافلة والشغل لدنياهم منهمكين على الزينة الظاهرة، تفاخرا بدنياهم واطمئنانا إليها وإشعارا بأنهم من أهلها، خالفوهم إظهارا لحقارة ما حقره الحق مما عظمه الغافلون بالغنى عما اطمأن إليه الغافلون؛ فكأن أطمارهم يومئذ تقول الحمد لله الذى أغنانا به عما أفقر نفسه إليه من همه دنياه. فلما طال الأمد وقست القلوب بنسيان ذلك المعنى، واتخذ الغافلون رثاثة الأطمار وبذاذة الهيئة حيلة على جلب دنياهم انعكس

(1) حسن: أخرجه أبو داود (1883) فى المناسك، باب: الاضطباع فى الطواف، والبيهقى فى «السنن الكبرى» (5/ 79) ، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(2)

صحيح: أخرجه الترمذى (1768) فى اللباس، باب: ما جاء فى لبس الجبة والخفين، والنسائى (1/ 83) فى الطهارة، باب: المسح على الخفين فى السفر، وابن ماجه (3563) فى اللباس، باب: لبس الصوف، والحديث أصله عند مسلم (274) .

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (5827) فى اللباس، باب: الثياب البيض، ومسلم (94) فى الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة.

(4)

صحيح: أخرجه مسلم (2081) فى اللباس والزينة، باب: التواضع فى اللباس.

(5)

قلت: هو ليس فيهما، ولم أجده.

ص: 192

الأمر، فصار مخالفة هؤلاء فى ذلك لله هو قول السلف وطريقتهم كما تقدم.

قال وقد أرشد الأستاذ أبو الحسن الشاذلى. قدس الله سره العزيز، إلى ذلك بقوله لبعض من أنكر عليه جمال هيئته من أصحاب الرثاثة: يا هذا هيئتى هذه تقول: الحمد لله، وهيئتك هذه تقول: أعطونى شيئا من دنياكم. والقوم أفعالهم دائرة مع الحكمة الربانية مرادهم مرضاة ربهم. انتهى ما قاله سيدى على وفا.

وقد ورد فى الحديث الصحيح عنه- صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال» «1» وفى الحديث الآخر «إن الله نظيف يحب النظافة» «2» وفى السنن عن أبى الأحوص الجشمى عن أبيه قال: رآنى النبى- صلى الله عليه وسلم وعلى أطمار- وفى رواية النسائى: وعلى ثوب دون- فقال: «هل لك من مال؟» قلت:

نعم، قال:«من أى المال؟» قلت: من كل ما آتى الله من الإبل والشاء، قال:

«فكثر نعمته وكرامته عليك» «3» ، وفى رواية النسائى قال:«فإذا آتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته» وفى حديث جابر أنه- صلى الله عليه وسلم رأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال: «ما كان يجد هذا ما يسكن به رأسه» ، ورأى رجلا عليه ثياب وسخة فقال:«ما كان يجد هذا ما يغسل به ثوبه» «4» رواه أحمد.

وفى السنن: «إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» «5» .

(1) صحيح: أخرجه مسلم (91) فى الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه، من حديث عبد الله ابن مسعود- رضى الله عنه-.

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذى (2799) فى الأدب، باب: ما جاء فى النظافة، من حديث سعد- رضى الله عنه-، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (1616) .

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (4063) فى اللباس، باب: فى غسل الثوب، والنسائى (8/ 180) فى الزينة، باب: الجلاجل، وأحمد فى «المسند» (3/ 473) و (4/ 137) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (254) .

(4)

صحيح: أخرجه أبو داود (4062) فى اللباس، باب: فى غسل الثوب، وأحمد فى «المسند» (3/ 357) ، وابن حبان فى «صحيحه» (5483) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(5)

صحيح: وقد تقدم قبل حديث.

ص: 193

فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذى يحبه، وذلك من شكره على نعمه، وهو جمال باطن، فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها، ولأجل محبته تعالى للجمال أنزل على عباده لباسا يجمل ظواهرهم، وتقوى تجمل بواطنهم فقال تعالى: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ «1» . وقال فى أهل الجنة: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً «2» .

وهو سبحانه كما يحب الجمال فى الأقوال والأفعال واللباس والهيئة، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله. ولكن ضل فى هذا الموضع فريقان:

فريق قالوا: كل ما خلق الله تعالى جميل، فهو يحب كل ما خلقه، ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة، واحتجوا بقوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ «3» . وهؤلاء قد عدموا الغيرة لله من قلوبهم، والبغض فى الله، والمعاداة فيه، وإنكار المنكر وإقامة الحدود.

والفريق الثانى، قالوا: قد ذم الله جمال الصور، وتمام القامة والخلقة، فقال عن المنافقين وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ «4» . وفى صحيح مسلم مرفوعا «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» «5» ، قالوا: وقد حرم الله علينا لباس الحرير والذهب، وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا. وقال تعالى: وَلا تَمُدَّنَ

(1) سورة الأعراف: 26.

(2)

سورة الإنسان: 11، 12.

(3)

سورة السجدة: 7.

(4)

سورة المنافقون: 4.

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (2564) فى البر والصلة، باب: تحريم ظلم الإنسان وخذله واحتقاره، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-.

ص: 194

عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ «1» . وفى الحديث «البذاذة من الإيمان» «2» وقد ذم الله المسرفين، والسرف كما يكون فى الطعام والشراب يكون فى اللباس.

وفصل النزاع أن يقال: الجمال فى الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع:

منه ما يحمد، ومنه ما يذم، ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم.

فالمحمود منه، ما كان لله وأعان على طاعة الله، وتنفيذ أوامره، والاستجابة له، كما كان النبى- صلى الله عليه وسلم يتجمل للوفود، وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال، ولباس الحرير فى الحرب والخيلاء فيه، فإن ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوه.

والمذموم منه: ما كان للدنيا والرياسة والفخر والخيلاء، وأن يكون من هو غاية العبد وأقصى مطلبه، فإن كثيرا من الناس ليس له همة فى سوى ذلك.

وأما ما لا يحمد ولا يذم فهو ما خلا عن هذين القصدين، وتجرد عن الوصفين. والمقصود من هذا الحديث أن الله تعالى يحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه فى لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والشعور المكروهة، والختان وتقليم الأظافر وغير ذلك مما وردت به السنة، والله أعلم.

وعن جابر بن سمرة قال: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم فى ليلة مقمرة أضحيان، فجعلت أنظر إليه- صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، وعليه حلة حمراء، فإذا هو أحسن عندى من القمر «3» . رواه الدارمى والترمذى: وعن عون بن أبى جحيفة عن

(1) سورة طه: 131.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (4161) فى الترجل، باب: رقم (1) ، وابن ماجه (4118) فى الزهد، باب: من لا يؤبه له، والحاكم فى «المستدرك» (1/ 51) ، من حديث أبى أمامة- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (2879) .

(3)

صحيح: وقد تقدم.

ص: 195

أبيه قال: رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأننى أنظر إلى بريق ساقيه «1» . قال سفيان: أراه حبرة. وعن البراء بن عازب قال: ما رأيت أحدا من الناس أحسن فى حلة حمراء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم «2» . رواهما الترمذى.

وفى البخارى ومسلم: رأيته فى حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه.

وفى رواية لأبى داود ما رأيت من ذى لمة فى حلة حمراء أحسن من رسول الله- صلى الله عليه وسلم «3» . وقوله: من ذى لمة: - بكسر اللام- أى شعر الرأس، دون الجمة، سميت بذلك لأنها ألمت بالمنكبين، فإذا زادت فهى الجمة.

وفى النسائى: ما رأيت رجلا أحسن فى حلة حمراء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم. قال فى القاموس: الحلة- بالضم- إزار ورداء، برد أو غيره، ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة.

قال ابن القيم: وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتا، ولا يخالطها غيرها، وإنما الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود، كسائر البرود اليمانية، وهى معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط، وإلا فالأحمر البحت ينهى عنه أشد النهى، وفى صحيح البخارى:(أنه- صلى الله عليه وسلم نهى عن المياثر الحمر)«4» وفى صحيح مسلم عن ابن عمر قال: (رأى النبى- صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين فقال: «إن هذا لباس الكفار فلا تلبسهما» «5» ومعلوم أن ذلك إنما يصبغ صباغا أحمر. قال: وفى جواز لبس الأحمر من الثياب والجوخ وغيرهما نظر، وأما كراهته فشديدة، فكيف يظن النبى- صلى الله عليه وسلم أنه لبس الأحمر القانى، كلا لقد أعاذه الله منه، وإنما وقعت الشبهة من لفظ الحلة الحمراء والله أعلم. انتهى.

(1) تقدم.

(2)

تقدم.

(3)

تقدم.

(4)

صحيح: أخرجه البخارى (5849) فى اللباس، باب: الميثرة الحمراء، من حديث البراء- رضى الله عنه-.

(5)

صحيح: أخرجه مسلم (2077) فى اللباس، باب: النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر.

ص: 196

وقال النووى: اختلف العلماء فى الثياب المعصفرة، وهى المصبوغة بعصفر فأباحها جميع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الإمام الشافعى وأبو حنيفة ومالك، ولكنه قال: غيرها أفضل منها. وفى رواية عنه أنه أجاز لبسها فى البيوت وأفنية الدور وكرهه فى المحافل والأسواق وغيرها.

وقال جماعة من العلماء: هو مكروه كراهة تنزيه، وحملوا النهى على هذا، لأنه ثبت أنه- صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، وفى الصحيحين من حديث ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم صبغ بالصفرة، وحمل بعضهم النهى على المحرم بالحج أو العمرة.

وقد أتقن البيهقى المسألة فى «معرفة السنن» فقال: نهى الشافعى الرجل عن المزعفر، وأباح له المعصفر، قال الشافعى: وإنما رخصت فى المعصفر لأنى لم أجد أحدا يحكى عنه- صلى الله عليه وسلم النهى عنه، إلا ما قال على- رضى الله عنه- أنه- صلى الله عليه وسلم نهانى ولا أقول نهاكم. قال البيهقى: وقد جاءت أحاديث تدل على أن النهى على العموم، ثم ذكر حديث مسلم «أن هذه من لباس الكفار» وأحاديث غيرها، ثم قال: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعى لقال بها إن شاء الله تعالى، ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعى أنه قال: إذا صح الحديث بخلاف قولى فاعملوا بالحديث ودعوا قولى. وفى رواية: مذهبى.

قال البيهقى: قال الشافعى: وأنهى الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر وآمره إذا تزعفر أن يغسله، قال البيهقى: فتبع السنة فى المزعفر فمتابعتها فى المعصفر أولى به، انتهى.

ورأيت فى فتاوى شيخنا العلامة قاسم أحد أئمة الحنفية ومحققيها كراهته للتحريم مع صحة الصلاة فيه، واستدل له بما ذكرته، وبما فى حديث طاووس عند الحاكم وقال على شرطهما عن ابن عمرو بن العاص قال:

دخلت على النبى- صلى الله عليه وسلم وعلى ثوب معصفر، قال:«من أين لك هذا؟» قال: صنعته لى أهلى فقال- صلى الله عليه وسلم: «احرقه» «1» انتهى.

(1) قلت: هو عند أبى داود (4068) فى اللباس، باب: فى الحمرة، ولكن الحرق من فعل عبد الله بن عمرو لا من قوله- صلى الله عليه وسلم، بل قال له لما علم بفعله:«أفلا كسوته بعض أهلك» .

ص: 197

وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر فى العيدين والجمعة «1» ، وعن يحيى بن عبد الله بن مالك قال: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران قميصه ورداءه وعمامته. رواهما الدمياطى.

وهو عند أبى داود بلفظ: يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته «2» ، وكذا رواه من حديث زيد بن أسلم وأم سلمة وابن عمر، لكن يعارضه ما فى الصحيح أنه- صلى الله عليه وسلم نهى عن التزعفر والله أعلم.

وأما صفة إزاره- صلى الله عليه وسلم، فعن أبى بردة بن أبى موسى الأشعرى قال:

أخرجت إلينا عائشة كساء وإزارا غليظا فقالت: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم فى هذين «3» ، رواه البخارى، وفى رواية: إزارا غليظا مما يصنع باليمن، وكساء من هذه التى تدعونها الملبدة، وفى رواية: كساء ملبدا. قال ابن الأثير: أى مرقعا، يقال: لبدت القميص ألبده، ولبدته، ويقال للخرقة التى يرقع بها صدر القميص. اللبدة: وقيل الملبد: الذى ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد.

وروى مسلم من حديث عائشة قالت: خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود «4» والمرط: - بكسر الميم وإسكان الراء- كساء من صوف أو خز، يؤتزر به. والمرحل: بتشديد الحاء المهملة المفتوحة، كمعظم، هو الذى فيه صور الرحال، قال فى القاموس فى مادة ر ح ل: وك «معظم» : برد فيه تصاوير رحل، قال: وتفسير الجوهرى إياه بإزار خز فيه علم، غير جيد، إنما ذلك تفسير المرجل- بالجيم-، وقال فى مادة ر ج ل- يعنى الجيم-: وبرد مرجل كمعظم، فيه صور الرجال، انتهى.

(1) ضعيف: أخرجه البيهقى، كما فى «ضعيف الجامع» (4620) .

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (4064) فى اللباس، باب: فى المصبوغ بالصفرة، والنسائى (8/ 140) فى الزينة، باب: الخضاب بالصفرة، والحديث صحح إسناده الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» .

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (5818) فى اللباس، باب: الأكسية والخمائص، ومسلم (2080) فى اللباس والزينة، باب: التواضع فى اللباس.

(4)

صحيح: وقد تقدم.

ص: 198

وقال النووى: والصواب الذى رواه الجمهور، وضبطه المتقنون: بالحاء المهملة، أى عليه صور رحال الإبل، ولا بأس بهذه الصورة، وإنما يحرم تصوير الحيوان. وقال الخطابى، المرحل، الذى فيه خطوط والله أعلم.

وعن عروة: أن طول رداء النبى- صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر وعن عروة أيضا: أن ثوب رسول الله- صلى الله عليه وسلم الذى كان يخرج فيه إلى الوفد رداء أخضر فى طول أربعة أذرع وعرضه ذراعان وشبر. وعن معن بن عيسى قال: حدثنا محمد بن هلال قال: رأيت على هشام بن عبد الملك برد النبى- صلى الله عليه وسلم من حبرة له حاشيتان. وعن ابن عمر قال: دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وعليه إزار يتقعقع. وعن يزيد بن أبى حبيب أنه- صلى الله عليه وسلم كان يرخى الإزار بين يديه ويرفعه من ورائه. وعن ابن عباس قال: رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرته وتبدو سرته، ورأيت عمر يأتزر فوق سرته، رواها كلها الدمياطى.

(فصل) وعن أسماء بنت أبى بكر، أنها أخرجت جبة طيالسة كسروانية، لها لبنة ديباج، وفرجاها مكفوفان بالديباج، وقالت: هذه جبة رسول الله- صلى الله عليه وسلم، كانت عند عائشة، فلما قبضت قبضتها، وكان النبى- صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفى بها «1» . رواه مسلم. وقوله:

جبة طيالسة: بإضافة جبة إلى طيالسة. وكسروانية: بكسر الكاف وفتحها، والسين ساكنة والراء مفتوحة، نسبة إلى كسرى ملك الفرس. ولبنة: بكسر اللام وإسكان الباء، رقعة فى جيب القميص.

وفيه: جواز لبس ما له فرجان وأنه لا كراهة فيه، وأن المراد بالنهى عن الحرير المتحمض منه، أو ما أكثره منه، وأنه ليس المراد تحريم كل جزء منه، بخلاف الخمر والذهب فإنه يحرم كل جزء منهما، قاله النووى.

(لطيفة) قيل: لما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم لا يبدو منه إلا طيب، كان آية

(1) صحيح: أخرجه مسلم (2069) فى اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.

ص: 199

ذلك فى بدنه الشريف أنه لا يتسخ له ثوب، فما اتسخ له ثوب قط، وقال ابن سبع فى «الشفاء» والسبتى فى «أعذب الموارد وأطيب الموالد» : لم يكن القمل يؤذيه تعظيما له وتكريما- صلى الله عليه وسلم لكن يشكل عليه ما رواه أحمد والترمذى فى الشمائل عن عائشة- رضى الله عنها-: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يفلى ثوبه ويحلب شاته «1» ، ومن لازم التفلى وجود شىء يؤذى فى الجملة، إما قملا أو برغوثا أو نحو ذلك. ويمكن أن يجاب: بأن التفلى لاستقذار وجود ما علق بثوبه الشريف من غيره، ولو لم يحصل منه أذى فى حقه- صلى الله عليه وسلم، وهذا فيه بحث، لأن أذى القمل هو غذاؤه من البدن على ما أجرى الله العادة، وإذا امتنع الغذاء لا يعيش الحيوان عادة. ونقل الفخر الرازى: أن الذباب لا يقع على ثيابه قط، وأنه لا يمتص دمه البعوض.

وأما الطيلسان- وهو بفتح اللام، واحدة الطيالسة، والهاء فى الجمع للعجمة لأنه فارسى معرب، وهو الساج أيضا، وقال ابن خالويه فى شرح «الفصيح» يقال للطيلسان الأخضر: الساج، وفى «المجمل» لابن فارس:

الطاق الطيلسان- فقال ابن القيم: لم ينقل عنه- صلى الله عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل ثبت فى صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان عن النبى- صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال فقال:«يخرج معه سبعون ألفا من يهود أصبهان عليهم الطيالسة» «2» ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة فقال: ما أشبههم بيهود خيبر.

قال: ومن هاهنا كرهه جماعة من السلف والخلف، لما روى أبو داود والحاكم فى المستدرك أنه قال:«من تشبه بقوم فهو منهم» «3» وفى الترمذى:

(1) صحيح: أخرجه أبو نعيم فى الحلية، كما فى «صحيح الجامع» (4996) .

(2)

صحيح: أخرجه مسلم (2944) فى الفتن وأشراط الساعة، باب: فى بقية من أحاديث الدجال، من حديث أنس، وليس عن النواس بن سمعان- رضى الله عنهم-.

(3)

صحيح: أخرجه أبو داود (4031) فى اللباس، باب: فى لبس الشهرة، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (6149) .

ص: 200

«ليس منا من تشبه بغيرنا» «1» وأما ما جاء فى حديث الهجرة أنه- صلى الله عليه وسلم جاء إلى أبى بكر- رضى الله عنه- متقنعا بالهاجرة، فإنما فعله- صلى الله عليه وسلم تلك الساعة ليختفى بذلك للحاجة، ولم يكن عادته التقنع. وقد ذكر أنس عنه- صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر القناع «2» . وهذا إنما كان يفعله للحاجة من الحر ونحوه. قال شيخ الإسلام الولى بن العراقى فى شرح تقريب [الأسانيد:] التقنع معروف وهو تغطية الرأس بطرف العمامة أو برداء أو نحو ذلك. انتهى. وقال ابن الحاج فى «المدخل» : وأما قناع الرجل فهو أن يغطى رأسه بردائه ويرد طرفه على أحد كتفيه. انتهى.

وأما قول ابن القيم: إنه- صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك للحاجة، فيرد عليه حديث سهل بن سعد أنه- صلى الله عليه وسلم كان يكثر القناع. رواه البيهقى فى الشعب والترمذى. وللبيهقى فى الشعب أيضا وابن سعد فى طبقاته من حديث أنس بلفظ: يكثر التقنع، فهذا وما أشبهه يرد قول ابن القيم: أنه لم ينقل عنه أنه- صلى الله عليه وسلم لبسه.

وأما قوله: ولا أحد من أصحابه، فيرده ما أخرجه الحاكم فى المستدرك، بسند على شرط الشيخين عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة فقربها، فمر رجل مقنع فى ثوب، فقال:«هذا يومئذ على الهدى» ، فقمت فإذا هو عثمان بن عفان- رضى الله عنه- «3» . وأخرج سعيد بن منصور فى سننه عن أبى العلاء قال: رأيت الحسن بن على يصلى وهو مقنع

(1) حسن: أخرجه الترمذى (2695) فى الاستئذان، باب: فى كراهية إشارة اليد فى السلام، من حديث ابن عمرو- رضى الله عنهما-، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (50434) .

(2)

ضعيف: أخرجه الترمذى فى «الشمائل» (ص 32) ، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف الجامع» (4601) .

(3)

صحيح: أخرجه الترمذى (3704) فى المناقب، باب: فى مناقب عثمان بن عفان- رضى الله عنه-، وابن ماجه (111) فى المقدمة، باب: فضل عثمان- رضى الله عنه-، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

ص: 201

رأسه، وأخرج ابن سعد عن سليمان بن المغيرة قال: رأيت الحسن يلبس الطيالسة، وأخرج عن عمارة بن زاذان قال: رأيت على الحسن طيلسانا أندقيّا.

وأما ما ذكره ابن القيم من قصة اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: إنما يصلح الاستدلال به فى الوقت الذى تكون الطيالسة من شعارهم، وقد ارتفع ذلك فى هذه الأزمنة فصار ذلك داخلا فى عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام فى أمثلة البدعة المباحة. وقد يصير من شعار قوم فيكون تركه من الإخلال بالمروءة. وقيل: إنما أنكر أنس ألوان الطيالسة لأنها كانت صفراء.

والله أعلم.

وأما الخاتم ففى الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق، فكان فى يده، ثم كان فى يد أبى بكر، ثم كان فى يد عمر، ثم كان فى يد عثمان حتى وقع فى بئر أريس «1» . وفيهما أيضا عن أنس بن مالك أن النبى- صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة فيه فص حبشى، وكان يجعل فصه مما يلى كفه. وأخرج أحمد والنسائى والترمذى والبزار فى مسنده عن بريدة أن النبى- صلى الله عليه وسلم رأى فى يد رجل خاتما من حديد، فقال:«ما لى أجد منك ريح الأصنام» ، ثم قال له:«اتخذه من فضة ولا تزد على مثقال» «2» .

وقد اختلف العلماء فى لبسه فى الجملة، فأباحه كثير من أهل العلم من غير كراهة، ومنهم من كرهه إذا قصد به الزينة، ومنهم من كرهه إلا لذى سلطان، لحديث أبى داود والنسائى عن أبى ريحانة أن النبى- صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الخاتم إلا لذى سلطان. ولأنه- صلى الله عليه وسلم إنما اتخذه لحاجة ختم الكتب التى

(1) صحيح: أخرجه البخارى (5866) فى اللباس، باب: خاتم الفضة، ومسلم (2091) فى اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال.

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود (4223) فى الخاتم، باب: ما جاء فى خاتم الحديد، والترمذى (1785) فى اللباس، باب: ما جاء فى الخاتم الحديد، والنسائى (8/ 172) فى الزينة، باب: مقدار ما يجعل فى الخاتم من الفضة، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن أبى داود» .

ص: 202

يبعثها إلى الملوك، كما فى حديث أنس أنه- صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى وقيصر والنجاشى فقيل له إنهم لا يقبلون كتابا إلا بختم فصاغ خاتما ونقش فيه:

محمد رسول الله، وإنما لبسه أبو بكر- رضى الله عنه- لأجل ولايته، فإنه كان يحتاج إليه كما كان- صلى الله عليه وسلم يحتاج إليه وكذلك عمر وعثمان.

وحكى ابن عبد البر عن طائفة من العلماء كراهة لبسه مطلقا، احتجاجا بحديث أنس أنه- صلى الله عليه وسلم نبذه ولم يلبسه. وفى الشمائل للترمذى عن ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة فكان يختم به ولا يلبسه. وفى الصحيحين من حديث أنس أنه رأى فى يده- صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله- صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم.

والصواب: القول الأول، فإن لبس النبى- صلى الله عليه وسلم الخاتم إنما كان فى الأصل لأجل المصلحة لختم الكتب التى يرسلها إلى الملوك، ثم استدام لبسه ولبسه أصحابه معه، ولم ينكره عليهم، بل أقرهم عليه، فدل ذلك على الإباحة المجردة. وأما حديث النهى عن الخاتم إلا لذى سلطان فقال ابن رجب: ذكر بعض أصحابنا أن أحمد ضعفه. وأما ما جاء فى حديث الزهرى عن أنس أنه- صلى الله عليه وسلم لبسه يوما واحدا ثم ألقاه. فقد أجيب عنه بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه وهم من الزهرى، وسهو جرى على لسانه لفظ الورق، وإنما الذى لبسه يوما واحدا ثم ألقاه كان من ذهب، كما ثبت ذلك من غير وجه فى حديث ابن عمر وأنس أيضا.

الثانى: أن الخاتم الذى رمى به- صلى الله عليه وسلم لم يكن كله فضة، وإنما كان حديدا عليه فضة، وروى أبو داود عن معيقيب الصحابى- وكان على خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم قال: كان خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة.

فلعل هذا هو الذى لبسه يوما واحدا ثم طرحه، ولعله هو الذى كان يختم به ولا يلبسه.

ص: 203

الثالث: إن طرحه إنما كان لئلا يظن أنه سنة مسنونة، فإنهم اتخذوا الخواتيم لما رأوه قد لبسه فتبين بطرحه أنه ليس بمشروع ولا سنة.

ثم إن الخاتم قد يكون تارة من ذهب، وتارة من فضة، وتارة يكون من حديد، وتارة من صفر أو رصاص أو نحوها، وتارة من عقيق.

* فأما الذهب ففى الصحيحين عن البراء بن عازب قال: (نهانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وآنية الفضة)«1» . وفيهما عن أبى هريرة عنه- صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن خاتم الذهب)«2» ، وفيهما أيضا عن ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب فجعله فى يمينه وجعل فصه مما يلى باطن كفه، فاتخذ الناس خواتيم الذهب. قال: فصعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم المنبر فألقاه ونهى عن التختم بالذهب) «3» .

وهو مذهب الأئمة الأربعة: مالك والشافعى وأبى حنيفة وأحمد وأكثر العلماء.

ورخصت فيه طائفة منهم إسحاق بن راهواه وقال: مات خمسة من أصحابه- صلى الله عليه وسلم خواتيمهم من ذهب. قال مصعب بن سعد: رأيت على طلحة وسعد وصهيب خواتيم من ذهب. وعن حمزة بن أبى أسيد والزبير بن المنذر بن أبى أسيد أنهما نزعا من يد أبى أسيد خاتما من ذهب حين مات، وكان بدريّا، رواهما البخارى فى تاريخه. وروى النسائى عن سعيد بن المسيب قال: قال عثمان لصهيب ما لى أرى عليك خاتم الذهب فقال: قد رآه من هو خير منك فلم يعبه، قال: من هو؟ قال: رسول الله- صلى الله عليه وسلم.

(1) صحيح: أخرجه البخارى (5175) فى النكاح، باب: حق إجابة الوليمة، ومسلم (2066) فى اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء.

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (5864) فى اللباس، باب: خواتيم الذهب، ومسلم (2089) فى اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (5866) فى اللباس، باب: خاتم الفضة، ومسلم (2091) فى اللباس والزينة، باب: تحريم خاتم الذهب على الرجال.

ص: 204

* وأما خاتم الفضة، فأباحه كثير من العلماء، ولبسه- صلى الله عليه وسلم وجماعة من أصحابه. قال الرافعى: يجوز للرجل التختم بالفضة، وكذا قال النووى فى الروضة وغيرها، وكتب أصحابنا طافحة بجوازه. وروى أبو داود وصححه ابن حبان، من حديث بريدة بن الحصيب أن النبى- صلى الله عليه وسلم قال للابس خاتم الحديد:«ما لى أرى عليك حلية أهل النار» ، فطرحه وقال: يا رسول الله، من أى شىء أتخذه؟ قال:«من ورق ولا تتمه مثقالا» «1» .

وأخرجه أيضا النسائى والترمذى وقال: غريب. وأخرجه أحمد وأبو يعلى فى مسنديهما والضياء فى المختارة مما ليس فى الصحيحين ورجاله رجال الصحيحين إلا عبد الله بن مسلم المعروف بأبى طيبة، وهو محدث مشهور، وتصحيح ابن حبان لحديثه دال على قبوله، فأقل أحواله أن يكون من درجة الحسن.

والأصل فى النهى كونه للتحريم، ولأن الأصل فى استعمال الفضة للرجال التحريم إلا ما رخص فيه، فإذا حد فيه حد وجب الوقوف عنده، وبقى ما عداه على الأصل. وقد قال ابن الرفعة فى باب ما يكره لبسه فى «الكفاية» : وينبغى أن ينقص وزنه عن مثقال. لأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم رأى رجلا، وساق الحديث. وقوله ينبغى، يصلح للوجوب وغيره، وحمله عليه أولى، لأنه ساق الحديث مساق الاحتجاج لهذا الحكم، فلا يصرف النهى عن حقيقته إلا بصارف.

وظاهر صنيع ابن الملقن فى شرح منهاج النووى يقتضيه، فإنه قال فى زكاة النقد: فرع فى أبى داود وصحيح ابن حبان من حديث بريدة أنه- صلى الله عليه وسلم قال لذلك الرجل: فذكر الحديث فساقه سوق الفروع التى لا خلاف فيها بين الأصحاب، وظاهر ذلك تحريم المثقال.

وفى «القوت» للأذرعى: لم يتعرض أصحابنا لمقدار الخاتم ولعلهم

(1) ضعيف: وقد تقدم قريبا من حديث بريدة قبل حديثين.

ص: 205

اكتفوا بالعرف، فما خرج عنه كان إسرافا كما قالوا فى الخلخال للمرأة ونحوه، والصواب الضبط بما نص عليه فى الحديث وليس فى كلامهم ما يخالفه، هذا لفظه. وهو يشير إلى هذا الحديث.

وكذا مشى عليه ابن العماد فى التعقيبات وعبارته: وإذا جاز لبس الخاتم فشرطه أن لا يبلغ به مثقالا للحديث. انتهى. لكن قال الحافظ العراقى فى شرح الترمذى: إن النهى فى قوله: «ولا تتمه مثقالا» محمول على التنزيه، فيكره أن يبلغ به وزن مثقال. قال: وفى رواية لأبى داود، فى رواية صاحب المعالم:«ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال» وليست هذه الزيادة فى رواية اللؤلؤى. ومعنى هذه الزيادة أنه ربما وصل الخاتم بالنفاسة فى صنعته إلى أن يكون قيمة مثقال فهو داخل فى النهى أيضا. انتهى. وقد أفتى العلامة السراج العبادى بأنه يجوز أن يبلغ به مثقالا وأن ما زاد عليه حرام.

* وأما خاتم الحديد، فأخرج أبو داود فى الخاتم من سننه، والبيهقى في شعب الإيمان والأدب وغيرهما من تصانيفه من طريقه، والنسائى فى الزينة من سننه، وابن حبان فى صحيحه: أن رجلا جاء إلى النبى- صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه- وهو بفتح المعجمة والموحدة، وبإسكانها وكسر المعجمة، نوع من النحاس كانت الأصنام تتخذ منه، وسمى بذلك لشبهه بالذهب لونا- فقال:«ما لى أجد منك ريح الأصنام» ، فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد، فقال:«ما لى أرى عليك حلية أهل النار فطرحه» «1» وأخرجه الترمذى لكنه قال: من صفر بدل من شبه، وهما بمعنى. قال النووى فى شرح المهذب: قال صاحب الإبانة: يكره الخاتم من حديد أو شبه، وتابعه صاحب البيان فقال: يكره الخاتم من حديد أو نحاس أو رصاص لحديث بريدة.

وقال صاحب التتمة: لا يكره الخاتم من حديد أو رصاص لحديث

(1) ضعيف: وهو الحديث السابق.

ص: 206

الصحيحين: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال للذى خطب الواهبة نفسها: «اطلب ولو خاتما من حديد» «1» قال: ولو كان فيه كراهة لم يأذن فيه.

وفى سنن أبى داود بإسناد جيد عن معيقيب الصحابى: كان خاتمه- صلى الله عليه وسلم من حديد ملوى عليه فضة «2» . والمختار: أنه لا يكره لهذين الحديثين. وقال فى شرح مسلم فى الكلام على حديث المرأة الواهبة نفسها:

وفى هذا الحديث جواز اتخاذ خاتم الحديد، وفيه خلاف للسلف حكاه القاضى، ولأصحابنا فى كراهته وجهان أصحهما لا يكره لأن الحديث فى النهى عنه ضعيف. انتهى. ولعل تضعيف النووى للحديث إنما هو بالنسبة إلى مقاومة حديث سهل بن سعد فى الصحيحين وغيرهما فى قصة الواهبة نفسها لا مطلقا، كيف وله فى ذلك شواهد عدة، إن لم ترقه إلى درجة الصحة لم تدعه ينزل عن درجة الحسن.

* وأما خاتم العقيق: فعن أنس أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: «تختموا بالعقيق، واليمين أحق بالزينة» «3» وفى سنده مجهول، وروى بلفظ تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر. وروى يعقوب بن إبراهيم عن عائشة مرفوعا:

«تختموا بالعقيق فإنه مبارك» «4» ويعقوب متروك. وروى أبو بكر بن شعيب عن فاطمة- رضى الله عنها- مرفوعا: «من تختم بالعقيق لم يزل يرى خيرا» «5» وهذا أيضا لا يثبت.

(1) صحيح: أخرجه البخارى (5029) فى فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، ومسلم (1425) فى النكاح، باب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، من حديث سهل بن سعد- رضى الله عنه-.

(2)

ضعيف: أخرجه أبو داود (4224) فى الخاتم، باب: ما جاء فى خاتم الحديد، والنسائى (8/ 175) فى الزينة، باب: لبس خاتم حديد ملوى عليه بفضة، والحديث ضعفه الشيخ الألبانى فى «ضعيف سنن النسائى» .

(3)

موضوع: أخرجه ابن عدى عن أنس، كما فى «ضعيف الجامع» (2411) .

(4)

موضوع: أخرجه العقيلى فى الضعفاء، وابن لال فى مكارم الأخلاق، والحاكم فى تاريخه، والبيهقى فى «شعب الإيمان» ، والخطيب فى التاريخ، وابن عساكر، والديلمى فى مسند الفردوس عن عائشة، كما فى «ضعيف الجامع» (2410) .

(5)

ضعيف: ذكره الهيثمى فى «المجمع» (5/ 154) وقال: رواه الطبرانى فى الأوسط، وعمرو بن الشريد لم يسمع من فاطمة، وزهير بن عباد الرواسى وثقه أبو حاتم، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ص: 207

وكذا ورد فيه أحاديث غير هذه، وكلها كما قال الحافظ ابن رجب لا تثبت، وقال العقيلى: لا يصح فى التختم بالعقيق عن النبى- صلى الله عليه وسلم شىء.

وروى ابن فنجويه فى كتاب الخواتيم له بإسناد ضعيف عن على مرفوعا: «من تختم بالياقوت الأصفر منع الطاعون» «1» ، وإسناده ضعيف.

وأما فص خاتمه- صلى الله عليه وسلم، فروى أنس أن النبى- صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة، فصه منه «2» . أخرجه البخارى وغيره. وفى صحيح مسلم أن خاتمه- صلى الله عليه وسلم كان فصه حبشيّا «3» . قال النووى: قال العلماء: يعنى حجرا حبشيّا، أى فصا من جزع أو عقيق، فإن معدنهما بالحبشة واليمن. انتهى، فإن صح أنهم كانوا يعنون بالحبشى العقيق فيكون له خاتمان: أحدهما فصه عقيق، والآخر فصه فضة، وفى شرح مسلم للنووى حكاية أنه- صلى الله عليه وسلم كان له فى وقت خاتم فصه منه، قال: وفى حديث آخر فصه من عقيق، انتهى.

لكن لم يرو عنه- صلى الله عليه وسلم أنه لبس خاتما كله عقيقا.

وأما نقش خاتمه- صلى الله عليه وسلم، ففى صحيح مسلم (عن أنس أن النبى- صلى الله عليه وسلم صنع خاتما من ورق نقش فيه: محمد رسول الله. وقال للناس: «إنى اتخذت خاتما من فضة ونقشت فيه: محمد رسول الله، فلا ينقش أحد على نقشه» «4» .

قال الترمذى: معنى قوله: «لا تنقشوا عليه» نهى أن ينقش أحد على خاتمه: محمد رسول الله. وفى رواية للنسائى: (اتخذ خاتما من ورق فصه

(1) ضعيف: أخرجه ابن زنجويه فى كتاب الخواتيم عن على وسنده ضعيف، كما فى «كنز العمال» (17298) .

(2)

لم أقف على رواية «فصه منه» وهى عند الترمذى (1740) فى اللباس.

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (2094) فى اللباس والزينة، باب: فى خاتم الورق فصه حبشى.

(4)

صحيح: أخرجه البخارى (5877) فى اللباس، باب: قول النبى- صلى الله عليه وسلم: «لا ينقش على نقش خاتمه» ، ومسلم (2092) فى اللباس والزينة، باب: لبس النبى- صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق نقشه محمد رسول الله.

ص: 208

حبشى، ونقش فيه: محمد رسول الله) «1» . وفى رواية البخارى والترمذى (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر)«2» .

قال فى فتح البارى: ظاهره أنه لم يكن فيه زيادة على ذلك، وأنه كان على هذا الترتيب، لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادى، فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به تقتضى أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويا، وأما قول بعض الشيوخ أن كتابته كانت من فوق يعنى الجلالة أعلى الأسطر الثلاثة، ومحمد أسفلها، فلم أر التصريح بذلك فى شىء من الأحاديث، بل رواية الإسماعيلى يخالف ظاهرها ذلك، فإنه قال: محمد سطر، والسطر الثانى رسول، والسطر الثالث: الله.

وعن ابن عمر أنه- صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه فى يمينه، فلما قبض صار فى يد أبى بكر فى يمينه، فلما قبض صار فى يد عمر فى يمينه، ثم صار فى يد عثمان فى يمينه، ثم ذهب يوم الدار عليه:«لا إله إلا الله» . رواه بركة بن محمد الحلبى، كما حكاه ابن رجب فى كتاب الخواتيم، ثم قال: وهى رواية ساقطة جدّا، فإن بركة مذكور بالكذب، وفى لفظه ما يدل على بطلانه، وهو قوله: ذهب يوم الدار عليه: لا إله إلا الله، فإنه إنما سقط فى بئر أريس قبل يوم الدار، وقد عاش عثمان بعده مدة واتخذ له خاتما عوضه، وإنما كان نقشه، محمد رسول الله لا كلمة الإخلاص. انتهى.

تنبيه: قال شيخ الإسلام الشرف المناوى: وتحصل السنة بلبس الخاتم مطلقا، ولو مستعارا أو مستأجرا، لكن الأوفق للسنة لبسه بالملك، والاستدامة على ذلك، ويجوز تعداد الخواتيم اتخاذا، وأما الاستعمال فمفهوم كلام الرافعى عدم الجواز، وبه صرح المحب الطبرى فقال: المتجه أنه لا يجوز

(1) صحيح: أخرجه النسائى (8/ 172) فى الزينة، باب: صفة خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم.

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (3106) فى الخمس، باب: ما ذكر فى درع النبى- صلى الله عليه وسلم وعصاه وقدحه وخاتمه، والترمذى (1747 و 1748) فى اللباس، باب: ما جاء فى نقش الخاتم.

ص: 209

للرجل أن يلبس خاتمين من فضة فى يديه أو فى إحداهما، لأن استعمال الفضة حرام إلا ما وردت به الرخصة، ولم ترد إلا فى خاتم واحد، لكن ذكر الخوارزمى فى الكافى أنه لا يجوز له أن يلبس زوجا فى يد وفرادى فى الآخرى، فإن لبس فى كل واحدة زوجا فقال الصيدلانى فى الفتاوى لا يجوز. وقال الدارمى فى الاستذكار يكره للرجل لبس فوق خاتمين، فاقتصاره على الكراهة يدل على عدم الحرمة، وإذا تقرر ذلك فالمسألة ذات خلاف، والذى يظهر كلام المحب الطبرى، فإن تسامحنا اعتمدنا على ما أفتى به الصيدلانى. انتهى.

ويجوز التختم فى اليمين واليسار، واختلف الناس فى أفضلهما، فقيل:

اليسار، وهو نص الإمام أحمد، فى رواية صالح قال: التختم فى اليسار أحب إلى، وهو مذهب الإمام مالك، ويروى أنه كان يلبسه فى يساره، وكذلك الإمام الشافعى. وفى صحيح مسلم عن أنس قال:(كان خاتم النبى- صلى الله عليه وسلم فى هذه وأشار إلى الخنصر فى يده اليسرى)«1» . وفى سنن أبو داود (عن ابن عمر أنه كان- صلى الله عليه وسلم يتختم فى يساره)«2» وروى إسماعيل بن مسلم عن السليطى قال: أتيت النبى- صلى الله عليه وسلم فى ليلة قمراء، وكأنى أنظر إلى عكن بطنه، وكأنها القباطى وإلى وبيص خاتمه فى يساره. وإسماعيل هذا قال البخارى: تركه ابن المبارك، وربما روى عنه. وقد ذكر بعض الحفاظ- كما أفاده الحافظ ابن رجب- أن التختم فى اليسار مروى عن عامة الصحابة والتابعين.

ورجحت طائفة التختم فى اليمين، وهو قول ابن عباس، وعبد الله بن جعفر، وروى حماد بن سلمة قال: رأيت ابن أبى رافع يتختم فى يمينه فسألته عن ذلك فقال: رأيت عبد الله بن جعفر يتختم فى يمينه، وقال: كان- صلى الله عليه وسلم

(1) صحيح: أخرجه مسلم (2095) فى اللباس والزينة، باب: فى لبس الخاتم فى الخنصر من اليد.

(2)

صحيح: أخرجه أبو داود (4227) فى الخاتم، باب: ما جاء فى التختم فى اليمين أو اليسار؟، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (4899) .

ص: 210

يتختم فى يمينه «1» ، رواه أحمد والنسائى وابن ماجه والترمذى وقال: قال محمد- يعنى البخارى- هذا أصح شىء روى عن النبى- صلى الله عليه وسلم فى هذا الباب.

وفى الشمائل للترمذى عن جابر أنه- صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه. وهذا فيه ضعف، لحال عبد الله بن ميمون. ويروى من حديث عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم والخاتم فى يمينه، وعباد بن صهيب متروك أيضا. وروى البزار فى مسنده من حديث عبيد بن القاسم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبى- صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه، وقبض والخاتم فى يمينه. وعبيد هذا كذاب. قال الحافظ ابن رجب: وقد جاء التصريح بأن تختمه- صلى الله عليه وسلم فى يساره كان آخر الأمرين فى حديث رواه سليمان بن محمد عن عبد الله بن عطاء عن نافع عن ابن عمر أن النبى- صلى الله عليه وسلم كان يتختم فى يمينه ثم إنه حوله إلى يساره «2» .

وقال وكيع: التختم فى اليمين ليس بسنة.

ونص أحمد: أنه يكره التختم فى السبابة والوسطى. وروى عن على أنه قال: (نهانى رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن أتختم فى هذه أو هذه وأومأ إلى السبابة والوسطى)«3» والله أعلم. وفى اللباب: وكان- صلى الله عليه وسلم يتختم، وربما خرج وفى خاتمه خيط مربوط يستذكر به الشىء، ورواه ابن عدى بسند ضعيف من حديث واثلة بلفظ: كان- صلى الله عليه وسلم إذا أراد حاجة أوثق فى خاتمه

(1) صحيح: أخرجه الترمذى (1744) فى اللباس، باب: ما جاء فى لبس الخاتم فى اليمين، والنسائى (8/ 175) ، فى الزينة، باب: موضع الخاتم من اليد، وابن ماجه (3647) فى اللباس، باب: التختم باليمين، وأحمد فى «المسند» (1/ 205) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح الجامع» (4900) .

(2)

ضعيف: أخرجه ابن عدى فى الكامل عن ابن عمر، وابن عساكر عن عائشة، كما فى «ضعيف الجامع» (4532) .

(3)

صحيح: أخرجه مسلم (2078) فى اللباس والزينة، باب: النهى عن لبس الرجل الثوب المعصفر.

ص: 211

خيطا. وروى أبو يعلى عن ابن عمر أنه إذا أشفق من الحاجة أن ينساها ربط فى أصبعه خيطا ليذكرها. وكذا هو فى رابع الخلعيات. لكن فيه سالم بن عبد الأعلى أبو الفيض، رماه ابن حبان بالوضع بل اتهمه أبو حاتم بهذا الحديث.

وأما السراويل فاختلف هل لبسها النبى- صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فجزم بعض العلماء بأنه- صلى الله عليه وسلم لم يلبسه، ويستأنس له بما جزم به النووى فى ترجمة عثمان بن عفان- رضى الله عنه- من كتاب تهذيب الأسماء واللغات: أنه- رضى الله عنه- لم يلبس السراويل فى جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله. فإنهم كانوا أحرص شىء على اتباعه- صلى الله عليه وسلم.

لكن قد ورد فى حديث عند أبى يعلى الموصلى فى مسنده بسند ضعيف جدّا عن أبى هريرة قال: دخلت السوق يوما مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزان يزن فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«اتزن وأرجح» ، فقال الوزان إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد، فقال أبو هريرة فقلت له: كفى بك من الوهن والجفاء فى دينك ألا تعرف نبيك، فطرح الميزان، ووثب إلى يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم يريد أن يقبلها فجذب يده- صلى الله عليه وسلم منه وقال:«يا هذا إنما تفعل هذا الأعاجم بملوكها، ولست بملك، إنما أنا رجل منكم» ، فوزن فأرجح وأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم السراويل. قال أبو هريرة: فذهبت لأحمله عنه فقال: «صاحب الشىء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم» ، قال: قلت يا رسول الله، وإنك لتلبس السراويل؟ قال:«أجل، فى السفر والحضر، وبالليل والنهار، فإنى أمرت بالستر، فلم أجد شيئا أستر منه» «1» .

(1) صحيح: أخرجه أبو داود (3336) فى البيوع، باب: فى الرجحان فى الوزن والوزن بالأجر، والترمذى (1305) فى البيوع، باب: ما جاء فى الرجحان فى الوزن، والنسائى (7/ 284) فى البيوع، باب: الرجحان فى الوزن، وابن ماجة (2220) فى التجارات، باب: الرجحان فى الوزن، والدارمى فى «سننه» (2585) ، وأحمد فى «المسند» -

ص: 212

وكذا أخرجه ابن حبان فى الضعفاء عن أبى يعلى، ورواه الطبرانى فى الأوسط، والدار قطنى فى الأفراد، والعقيلى فى الضعفاء، ومداره على يوسف ابن زياد الواسطى. لكن قد صح شراء النبى- صلى الله عليه وسلم له. وفى الهدى:

والظاهر أنه- صلى الله عليه وسلم إنما اشتراه ليلبسه. وقد روى أنه لبس السراويل، وكانوا يلبسونه فى زمانه وبإذنه. قال أبو عبد الله الحجازى فى حاشيته على «الشفاء» : وما قاله فى الهدى من أنه- صلى الله عليه وسلم لبس السراويل، قالوا: سبق قلم والله أعلم. وقد أورد أبو سعيد النيسابورى ذكر الحديث فى تجارته- صلى الله عليه وسلم من كتابه «شرف المصطفى» . وقد ترجم البخارى فى اللباس من صحيحه: باب السراويل، وأورد فيه حديث المحرم لكونه لم يرد فيه شىء على شرطه.

وأما الخف: فروى الترمذى عن بريدة أن النجاشى أهدى للنبى- صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما «1» .

وعن المغيرة بن شعبة قال: أهدى دحية للنبى- صلى الله عليه وسلم خفين فلبسهما.

وقال إسرائيل عن جابر عن عامر: وجبة فلبسهما حتى تخرقا، لا يدرى النبى- صلى الله عليه وسلم أذكيان هما أم لا «2» . رواه الطبرانى.

وأما نعله- صلى الله عليه وسلم، والنعل- كما قال صاحب المحكم- ما وقيت به القدم، ففى البخارى عن قتادة عن أنس (أن نعل النبى- صلى الله عليه وسلم كان لها

- (4/ 352) ، وابن حبان فى «صحيحه» (2147) ، والحاكم فى «مستدركه» (2/ 35) و (4/ 213) ، من حديث سويد بن قيس- رضى الله عنه-، مختصرا، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن أبى داود» وانظر «كشف الخفاء» (1582) .

(1)

صحيح: أخرجه أبو داود (155) فى الطهارة، باب: المسح على الخفين، والترمذى (2820) فى الأدب، باب: ما جاء فى الخف الأسود، وابن ماجه (549) فى الطهارة، باب: ما جاء فى المسح على الخفين، و (3620) فى اللباس، باب: الخفاف السود، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

(2)

صحيح: أخرجه الترمذى (1769) فى اللباس، باب: ما جاء فى لبس الجبة والخفين، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

ص: 213

قبالان) «1» . والقبالان: تثنية القبال، وهو زمام النعل، وهو السير الذى يكون بين الأصبعين. وعن ابن عباس قال: كان لنعل النبى- صلى الله عليه وسلم قبالان مثنى شراكهما، رواه الترمذى فى الشمائل، وفيها أيضا عن أبى هريرة قال: كان لنعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم قبالان. وعن عيسى بن طهمان قال: أخرج إلينا أنس ابن مالك نعلين جرداوين لهما قبالان، فحدثنى ثابت بعد عن أنس: أنهما كانتا نعلى النبى «2» . وعن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تلبس النعال السبتية، قال: إنى رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التى ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها «3» . وعن عمرو بن حريث قال:

رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعلين مخصوفتين «4» . وعن عائشة كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع فى ترجله وتنعله وطهوره «5» رواه الترمذى.

وعن أبى هريرة، قال- صلى الله عليه وسلم:«إذا تنعل أحدكم فليبدأ باليمين، فإذا نزع فليبدأ بالشمال، لتكن اليمين أولهما تنعل وآخرهما تنزع» «6» .

وكان- صلى الله عليه وسلم ينهى أن ينتعل الرجل قائما «7» . رواه أبو داود والترمذى.

(1) صحيح: أخرجه البخارى (5857 و 5858) فى اللباس، باب: قبالان في نعل.

(2)

صحيح: أخرجه البخارى (3107) فى فرض الخمس، باب: ما ذكر من درع النبى- صلى الله عليه وسلم.

(3)

صحيح: أخرجه البخارى (5851) فى اللباس، باب: النعال السبتية وغيرها، ومسلم (1187) فى الحج، باب: الإحلال من حيث تنبعث الراحلة.

(4)

أخرجه النسائى فى «الكبرى» (9803 و 9804) ، وأحمد فى «المسند» (5/ 58) .

(5)

صحيح: أخرجه البخارى (168) فى الوضوء، باب: التيمن فى الوضوء والغسل، ومسلم (268) فى الطهارة، باب: التيمن فى الطهور وغيره.

(6)

صحيح: أخرجه البخارى (5856) في اللباس، باب: ينزع نعله اليسرى، ومسلم (2097) فى اللباس والزينة، باب: استحباب لبس النعل فى اليمنى أولا.

(7)

صحيح: أخرجه أبو داود (4135) في اللباس، باب: فى الانتعال، من حديث جابر- رضى الله عنه-، وأخرجه الترمذى (1775) فى اللباس، باب ما جاء فى كراهية أن ينتعل الرجل وهو قائم، وابن ماجه (3618) فى اللباس، باب: الانتعال قائما، من حديث أبى هريرة- رضى الله عنه-، وأخرجه الترمذى (1776) من حديث أنس- رضى الله عنه-، وأخرجه ابن ماجه (3619) من حديث ابن عمر- رضى الله عنهما-.

ص: 214

وقد ذكر أبو اليمن بن عساكر تمثال نعله الكريمة- عليه أفضل الصلاة والسلام- فى جزء مفرد رويته قراءة وسماعا. وكذا أفرده بالتأليف أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خلف السلمى المشهور بابن الحاج من أهل المرية بالأندلس وكذا غيرهما. ولم أثبتها هنا اتكالا على شهرتها وصعوبة ضبط تسطيرها إلا على حاذق.

ومن بعض ما ذكر من فضلها وجرب من نفعها وبركتها، ما ذكره أبو جعفر أحمد بن عبد المجيد، وكان شيخا صالحا قال: حذوت هذا المثال لبعض الطلبة فجاءنى يوما فقال لى رأيت البارحة من بركة هذا النعل عجبا.

أصاب زوجى وجع شديد كاد يهلكها فجعلت النعل على موضع الوجع وقلت: اللهم أرنى بركة صاحب هذا النعل، فشفاها الله للحين.

وقال أبو إسحاق: قال أبو القاسم بن محمد: ومما جرب من بركته أن من أمسكه عنده متبركا به كان له أمانا من بغى البغاة وغلبة العداة وحرزا من كل شيطان مارد وعين كل حاسد، وإن أمسكته المرأة الحامل بيمينها وقد اشتد عليها الطلق تيسر أمرها بحول الله وقوته، ولله در أبى اليمن بن عساكر حيث قال:

يا منشدا فى رسم ربع خال

ومناشدا لدوارس الأطلال

دع ندب آثار وذكر ماثر

لأحبة بانوا وعصر خال

والثم ثرى الأثر الكريم فحبذا

إن فزت منه بلثم ذا التمثال

أثر له بقلوبنا أثر لها

شغل الخلى بحب ذات الخال

قبّل لك الإقبال نعلى أخمص

حل الهلال بها محل قبال

ألصق بها قلبا يقلبه الهوى

وجلا على الأوصاب والأوجال

صافح بها خدّا وعفر وجنة

فى تربها وجدا وفرط فعال

سيبل حر جوى ثوى بجوانح

فى الحب ما جنحت إلى الإبلال

يا شبه نعل المصطفى روحى الفدا

لمحلك الأسمى الشريف العال

هملت لمرآك العيون وقد نأى

مرمى العيان بغير ما إهمال

ص: 215

وتذكرت عهد العقيق فتأثرت

شوقا عقيق المدمع الهطال

وصبت فواصلت الحنين إلى الذى

ما زال بالى منه فى بلبال

أذكرتنى قدما لها قدم العلا

والجود والمعروف والإفضال

أذكرتنى من لم يزل ذكرى له

يعتاد فى الأبكار والآصال

ولها المفاخر والماثر فى الدنا

والدين والأقوال والأفعال

لو أن خدى يحتذى نعلا لها

لبلغت من نيل المنى آمال

أو أن أجفانى لوطء نعالها

أرض سمت عزا بذا الإذلال

وما أحسن قول أبى الحكم بن المرحل فى قصيدة ذكرها أبو إسحاق بن الحاج:

بوصف حبيبى طرز الشعر ناظمه

ونمنم خد الطرس بالنقش راقمه

رؤوف عطوف أوسع الناس رحمة

وجادت عليهم بالنوال غمائمه

له الحسن والإحسان فى كل مذهب

فاثاره محبوبة ومعالمه

به ختم الله النبيين كلهم

وكل فعال صالح فهو خاتمه

أحب رسول الله حبّا لو أنه

تقاسمه قومى كفتهم قسائمه

كأن فؤادى كلما مرّ ذكره

من الورق خفاق أصيبت قوادمه

أهيم إذا هبت نواسم أرضه

ومن لفؤادى أن تهب نواسمه

فأنشق مسكا طيبا فكأنما

نوافجه جاءت به ولطائمه

ومما دعانى والدعاوى كثيرة

إلى الشوق أن الشوق مما أكاتمه

مثال لنعلى من أحب هويته

فها أنا فى يومى وليلى ألاثمه

أجر على رأسى ووجهى أديمه

وألثمه طورا وطورا ألازمه

أمثله فى رجل أكرم من مشى

فتبصره عينى وما أنا حالمه

أحرك خدى ثم أحسب وقعه

على وجنتى خطوا هناك يداومه

ومن لى بوقع النعل فى حر وجنتى

لماش علت فوق النجوم براجمه

سأجعله فوق الترائب عوذة

لقلبى لعل القلب يبرد حاجمه

وأربطة فوق الشؤون تميمة

لجفنى لعل الجفن يرقأ ساجمه

ص: 216

ألا بأبى تمثال نعل محمد

لطاب لحاذيه وقدس خادمه

يود هلال الأفق لو أنه هوى

يزاحمنا في لثمه ونزاحمه

وما ذاك إلا أن حب نبينا

يقوم بأجسام الخليقة لازمه

سلام عليه كلما هبت الصبا

وغنت بأغصان الأراك حمائمه

ولأبى بكر أحمد بن الإمام أبى محمد عبد الله بن الحسين القرطبى- رحمه الله:

ونعل خضعنا هيبة لبهائها

وإنا متى نخضع لها أبدا نعلو

فضعها على أعلى المفارق إنها

حقيقتها تاج وصورتها نعل

بأخمص خير الخلق حازت مزية

على التاج حتى باهت المفرق الرجل

طريق الهدى عنها استنارت لمبصر

وإن بحار الجود من فيضها حلوا

سلونا ولكن عن سواها وإنما

نهيم بمغناها الغريب وما نسلوا

فما شاقنا مذ راقنا رسم عزها

حميم ولا مال كريم ولا نسل

شفاء لذى سقم رجاء لبائس

أمان لذى خوف كذا يحسب الفضل

وأما فراشه- صلى الله عليه وسلم، فقد كان- صلى الله عليه وسلم آخذا من ذلك بما تدعو ضرورته إليه، وترك ما سوى ذلك.

وفى صحيح مسلم قوله- صلى الله عليه وسلم: «فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف، والرابع للشيطان» «1» .

قال العلماء: معناه ما زاد على الحاجة فاتخاذه إنما هو للمباهاة والاختيال، والالتهاء بزينة الدنيا، وما كان بهذه الصفة فهو مذموم، وكل مذموم يضاف للشيطان لأنه يرتضيه ويوسوس به ويحسنه، وقيل: إنه على ظاهره، وإنه إذا كان لغير حاجة كان للشيطان عليه مبيت ومقيل، وأما تعداد الفراش للزوج والزوجة فلا بأس به لأنه قد يحتاج كل واحد منهما إلى فراش عند المرض ونحوه.

(1) صحيح: أخرجه مسلم (2084) فى اللباس والزينة، باب: كراهة ما زاد على الحاجة من الفراش واللباس، من حديث جابر- رضى الله عنه-.

ص: 217

وعن عائشة: «إنما كان فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم الذى ينام عليه أدما حشوه الليف» «1» رواه الشيخان.

وروى البيهقى من حديثها، قالت: دخلت على امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم قطيفة مثنية، فبعثت إلى بفراش حشوه الصوف، فدخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقال:«ما هذا يا عائشة؟» قلت: يا رسول الله، فلانة الأنصارية دخلت فرأت فراشك فبعثت إلى بهذا، فقال:«رديه يا عائشة فو الله لو شئت لأجرى الله معى جبال الذهب والفضة» «2» .

وعند عبد الله بن مسعود: نام رسول الله- صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر فى جنبه «3» . الحديث رواه ابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح.

والطبرانى ولفظه: دخلت على النبى- صلى الله عليه وسلم وهو فى غرفة كأنها حمام. وهو نائم على حصير، وقد أثر فى جنبه فبكيت، فقال:«ما يبكيك يا عبد الله؟» قلت: يا رسول الله كسرى وقيصر يطؤون على الخز والديباج والحرير، وأنت نائم على هذا الحصير قد أثر بجنبك، فقال:«فلا تبك يا عبد الله، فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة» «4» .

وقوله: كأنها بيت حمام- بتشديد الميم- أى أن فيها من الحر والكرب كما فى بيت الحمام. وعن ابن عباس قال: حدثنى عمر بن الخطاب قال:

دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وهو على حصير، قال: فجلست، فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر فى جنبه، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وإذا إهاب معلق، فابتدرت عيناى، فقال: «ما يبكيك يا ابن

(1) صحيح: أخرجه البخارى (6456) فى الرقاق، باب: كيف كان عيش النبى- صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومسلم (2082) فى اللباس والزينة، باب: التواضع فى اللباس.

(2)

أخرجه البيهقى فى «دلائل النبوة» (1/ 345) .

(3)

صحيح: أخرجه الترمذى (2377) فى الزهد، باب: رقم (31) ، وأبو يعلى فى «مسنده» (2292) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن الترمذى» .

(4)

حسن: أخرجه الطبرانى فى «الكبير» (10/ 162) وذكره الهيثمى فى «المجمع» (10/ 326) وقال: رواه الطبرانى، وفيه عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش، وقد وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

ص: 218

الخطاب» ، فقال: يا نبى الله، وما لى لا أبكى وهذا الحصير قد أثر فى جنبك، وهذه خزائنك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر فى الثمار والأنهار، وأنت نبى الله وصفوته، وهذه خزائنك. قال:«يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» «1» . رواه ابن ماجه بإسناد صحيح. والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ولفظه.

قال عمر- رضى الله عنه-: استأذنت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه فى مشربة، وإنه لمضطجع على خصفة وإن بعضه لعلى التراب، وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، وإن فوق رأسه لإهاب عطين، وفى ناحية المشربة قرظ، فسلمت عليه وجلست فقلت: أنت نبى الله وصفوته، وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير، فقال:«أولئك عجلت لهم طيباتهم وهى وشيكة الانقطاع وإنا قوم أخرت لنا طيباتنا فى آخرتنا» «2» .

وعن عائشة، كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم سرير مرمّل بالبردى، عليه كساء أسود، وقد حشوناه بالبردى، فدخل أبو بكر وعمر عليه فإذا النبى- صلى الله عليه وسلم نائم عليه، فلما رآهما استوى جالسا، فنظرا فإذا أثر السرير فى جنب رسول الله- صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله ما يؤذيك خشونة ما نرى من فراشك وسريرك، وهذا كسرى وقيصر على فرش الحرير والديباج فقال- صلى الله عليه وسلم:«لا تقولا هذا، فإن فراشى كسرى وقيصر فى النار، وإن فراشى وسريرى هذا عاقبته إلى الجنة» «3» . رواه ابن حبان فى صحيحه. ويروى أنه- صلى الله عليه وسلم ما عاب مضجعا قط، إن فرش له اضطجع، وإلا اضطجع على الأرض. وتغطى- صلى الله عليه وسلم باللحاف، قال- صلى الله عليه وسلم:«ما أتانى جبريل وأنا فى لحاف امرأة منكن غير عائشة» «4» .

(1) حسن: أخرجه ابن ماجه (4153) فى الزهد، باب: ضجاع آل محمد- صلى الله عليه وسلم، والحديث حسنه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن ابن ماجه» .

(2)

أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (4/ 117)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

(3)

أخرجه ابن حبان فى «صحيحه» (704) .

(4)

صحيح: أخرجه البخارى (3775) فى المناقب، باب: فضل عائشة- رضى الله عنها-، من حديث أم سلمة- رضى الله عنها-.

ص: 219