الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقصد السابع فى وجوب محبته واتباع سنته والاهتداء بهديه
وطريقته وفرض محبة آله وأصحابه وقرابته وعترته وحكم الصلاة والتسليم عليه زاده الله فضلا وشرفا لديه وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول فى وجوب محبته واتباع سنته والاقتداء بهديه وسيرته ص
اعلم أن المحبة- كما قال صاحب «المدارج» - هى المنزلة التى يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وإلى علمها شمر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهى قوت القلوب، وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهى الحياة التى من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذى من فقده فهو فى بحار الظلمات، والشفاء الذى من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام. واللذة التى من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، وهى روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التى متى خلت منها فهى كالجسد الذى لا روح فيه، تحمل أثقال السائرين إلى بلد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيه، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا أبدا بدونها واصليها، وتبوئهم من مقاعد الصدق إلى مقامات لم يكونوا لولا هى داخليها، وهى مطايا القوم التى سراهم فى ظهورها دائما إلى الحبيب، وطريقهم الأقوم الذى يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب، وقد قدر الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب، فيا لها من نعمة
على المحبين سابغة، لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون، ولقد تقدموا الركب بمراحل وهم فى سيرهم واقفون.
من لى بمثل سيرك المذلل
…
تمشى رويدا وتحبى فى الأول
أجابوا مؤذن الشوق إذ نادى بهم حى على الفلاح، فى الأول أنفسهم فى طلب الوصول إلى محبوبهم، وكان بذلهم بالرضا والسماح، وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح، ولقد حمدوا عند وصولهم مسراهم، وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح.
وقد اختلفوا فى تعريف المحبة، وعباراتهم وإن كثرت فليست فى الحقيقة ترجع إلى اختلاف مقال، وإنما هى اختلاف أحوال، وأكثرها يرجع إلى ثمرتها دون حقيقتها. وقد قال بعض المحققين: حقيقة المحبة عند أهل المعرفة، من المعلومات التى لا تحد، وإنما يعرفها من قامت به وجدانا لا يمكن التعبير عنه. وهكذا كقول صاحب مدارج السالكين- تبعا لغيره-: والمحبة لا تحد بحد أوضح منها، فالحدود لا تزيدها إلا خفاء وجفاء فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة.
وإنما يتكلم الناس فى أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب الإدراك والمقام والحال. وقد وضعوا لمعناها حرفين مناسبين للمسمى غاية المناسبة:[الحاء] التى هى من أقصى الحلق، و «الباء» الشفهية التى هى نهايته، فللحاء الابتداء، وللباء الانتهاء، وهذا شأن المحبة وتعلقها بالمحبوب، فإن ابتداءها منه وانتهاءها إليه.
وقد أعطوا «الحب» حركة الضم التى هى أشد الحركات وأقواها مطابقة لشدة حركة مسماه وقوتها، وأعطوا «الحبّ» وهو المحبوب حركة الكسر لخفتها من الضمة، وخفة المحبوب وذكره على قلوبهم وألسنتهم. فتأمل هذا اللطف والمناسبة العجيبة بين الألفاظ والمعانى تطلعك على قدر هذه اللغة، وإن لها