الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما اختص- صلى الله عليه وسلم بوجوب التخيير لنسائه بين التسريح والإمساك، لأن الجمع بين عدد منهن يوغر صدورهن بالغيرة التى هى من أعظم الآلام، وهو إيذاء يكاد ينفر القلب ويوهن الاعتقاد، وكذا إلزامهن على الصبر والفقر يؤذيهن، ومهما ألقى زمام الأمر إليهن خرج عن أن يكون ضررا، فنزه عن ذلك منصبه العالى. وقيل له: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ «1» .
*
ومنها: إتمام كل تطوع شرع فيه
،
حكاه فى الروضة وأصلها، قال النووى: وهو ضعيف. وفرعه بعض الأصحاب: على أنه كان يحرم عليه- صلى الله عليه وسلم إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يلقى العدو ويقاتل. ذكره فى تهذيب الأسماء واللغات.
*
ومنها: أنه كان يلزمه- صلى الله عليه وسلم أداء فرض الصلاة بلا خلل
.
قاله الماوردى: قال العراقى فى شرح المهذب: إنه كان معصوما عن نقص الفرائض. انتهى، والمراد خلل لا يبطل الصلاة.
*
وقال بعضهم: كان يجب عليه- صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يعجبه أن يقول: «لبيك إن العيش عيش الآخرة»
«2» ثم قال: هذه كلمة صدرت منه- صلى الله عليه وسلم فى أنعم حالة، وهو يوم حجه بعرفة، وفى أشد حالة، وهو يوم الخندق، انتهى.
*
ومنها: أنه- صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ عن الدنيا حالة الوحى
،
ولا يسقط عنه الصوم والصلاة وسائر الأحكام، كما ذكره فى زوائد الروضة عن ابن القاص والقفال، وكذا ذكره ابن سبع.
*
ومنها: أنه كان- صلى الله عليه وسلم يغان على قلبه فيستغفر الله سبعين مرة
.
ذكره ابن القاص ونقله ابن الملقن فى الخصائص، ورواه مسلم وأبو داود من حديث الأغر المزنى بلفظ: «إنه ليغان على قلبى وإنّى لأستغفر الله فى اليوم
(1) سورة الأحزاب: 28.
(2)
ضعيف: أخرجه البيهقى فى «السنن الكبرى» (7/ 48) من مجاهد مرسلا.
مائة مرة» «1» هذا لفظ مسلم، وقال أبو داود «فى كل يوم» ، قال الشيخ ولى الدين بن العراقى: والظاهر أن الجملة الثانية مرتبة على الأولى، وأن سبب الاستغفار: الغين، ويدل لذلك قوله فى رواية النسائى فى عمل اليوم والليلة:
إنه ليغان على قلبى حتى أستغفر الله كل يوم مائة مرة، وفى رواية له أيضا:
فأستغفر الله. وألفاظ الحديث يفسر بعضها بعضا. ويحتمل من حيث اللفظ أن تكون الجملة الثانية كلاما برأسه غير متعلق بما قبله، فيكون- صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه يغان على قلبه، وبأنه يستغفر الله فى اليوم مائة مرة، انتهى.
وقال أبو عبيد: أصل الغين فى هذا، ما يغشى القلب ويغطيه، وأصله:
من غين السماء، وهو إطباق الغيم عليها. وقال غيره: الغين يغشى القلب ولا يغطيه كل التغطية، كالغيم الرقيق الذى يعرض فى الهواء فلا يمنع ضوء الشمس.
قال القاضى عياض- بعد حكايته ذلك-: فيكون المراد بهذا الغين إشارة إلى غفلات قلبه وفترات نفسه وسهوها عن مداومة الذكر ومشاهدة الحق بما كان- صلى الله عليه وسلم دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة ومعاناة الأهل، ومقاومة الولى والعدو، ومصلحة النفس، وما كلفه من أعباء أداء الرسالة وحمل الأمانة، وهو فى كل هذا فى طاعة ربه، وعبادة خالقه، ولكن لما كان- صلى الله عليه وسلم أرفع الخلق عند الله مكانة وأعلاهم درجة، وأتمهم به معرفة، وكانت حاله عند خلوص قلبه وخلو همته، وتفرده بربه وإقباله بكليته عليه، ومقامه هناك أرفع حاليه، رأى- صلى الله عليه وسلم حال فترته عنها، وشغله بسواها غضا على حاله، وخفضا من رفيع مقامه، فاستغفر الله من ذلك، قال: وهذا أولى وجوه الحديث وأشهرها، وإلى معنى ما أشرنا إليه مال كثير من الناس، وحام حوله فقارب ولم يرد، وقد قربنا غامض معناه، وكشفنا للمستفيد محياه، وهو مبنى على جواز الفترة والغفلات والسهو فى غير طريق البلاغ، انتهى.
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2702) فى الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، وأبو داود (1515) فى الصلاة، باب: فى الاستغفار.
وتعقب: بأنه لا ترضى نسبته- صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، لما يلزم عليه من تفضيل الملائكة بعدم الفترة عن التسبيح والمشاهدة، ولقوله- صلى الله عليه وسلم:«لست أنسى ولكن أنسى لأسنّ» «1» فهذه ليست فترة وإنما هى لحكمة مقصودة يثبت بها حكم شرعى، فالأولى أن يحمل على ما جعله علة فيه، وهو ما دفع إليه من مقاساة البشر وسياسة الأمة، ومعاناة الأهل، وحمل كل أعباء النبوة وحمل أثقالها. انتهى.
وقيل: الغين شىء يعترى القلب مما يقع من حديث النفس، قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر: وهذا أشار إليه الرافعى فى أماليه، وقال: إن والده كان يقرره. وقيل: كانت حالة يطلع فيها على أحوال أمته فيستغفر لهم.
وقيل: هو السكينة التى تغشى قلبه، والاستغفار لإظهار العبودية لله تعالى، والشكر لما أولاه.
وقال شيخ الإسلام ابن العراقى أيضا: هذه الجملة حالية، أخبر- صلى الله عليه وسلم أنه يغان على قلبه مع أن حاله الاستغفار فى اليوم مائة مرة، وهى حال مقدرة، لأن الغين ليس موجودا فى حال الاستغفار، بل إذا جاء الاستغفار أذهب ذلك الغين. قال: وعلى تقدير تعلق إحدى الجملتين بالآخرى، وأن الثانية مسببة عن الأولى، فيحتمل أن يكون هذا الغين تغطية للقلب عن أمور الدنيا، وحجابا بينه وبينها، فينجمع القلب حينئذ على الله تعالى ويتفرغ للاستغفار شكرا وملازمة للعبودية، قال: وهذا معنى ما قاله القاضى عياض، انتهى ومراده قوله فى «الشفاء» : وقد يحتمل أن تكون هذه الإغانة حالة خشية وإعظام تغشى قلبه فيستغفر حينئذ شكرا لله تعالى، وملازمة لعبوديته إلى آخر كلامه.
قال الشيخ ابن العراقى: وهو عندى كلام حسن جدّا، وتكون الجملة
(1) ضعيف: أخرجه مالك فى «الموطأ» (1/ 100) بلاغا، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى قال عنها ابن عبد البر فى «التمهيد» التى لا يوجد فى غيره مسندة ولا مرسلة، انظر «التمهيد» لابن عبد البر (24/ 375) .