الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانى: على تقدير صحته فقوله فى الأول: يعنى فى الصلاة
،
لم يصرح بالقائل «يعنى» .
الثالث: قوله فى الثانى: «أنه كان يقول فى الصلاة»
وإن كان ظاهره أن المراد الصلاة المكتوبة، لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله فى الصلاة، أى فى صفة الصلاة عليه، وهو احتمال قوى، لأن أكثر الطرق عن كعب بن عجرة يدل على أن السؤال وقع عن صفة الصلاة لا عن محلها.
الرابع: ليس فى الحديث ما يدل على تعيين ذلك فى التشهد
،
خصوصا بينه وبين السلام. وقد أطنب قوم من متأخرى المالكية وغيرهم فى التشنيع على الشافعى فى اشتراطه ذلك فى الصلاة وزعم أنه تفرد بذلك.
وحكى الإجماع على خلافه جماعة، منهم أبو جعفر الطبرى والطحاوى وابن المنذر والخطابى.
وحكى القاضى عياض فى الشفاء مقالاتهم. وقد عاب عليه غير واحد، وقالوا: كان ينبغى سكوته عنها، لأن مبنى تأليفه «الشفاء» على كمال المبالغة فى تعظيمه- صلى الله عليه وسلم، وأداء حقوقه، والقول بوجوب الصلاة عليه فى الصلاة من غرض المبالغة فى تعظيمه، وقد استحسن هو القول بطهارة فضلاته، مع أن الأكثر على خلافه، لكنه استجاده لما فيه من الزيادة فى تعظيمه، وكيف ينكر القول بوجوب الصلاة عليه وهو من جنس الصلاة ومقتضياتها، وإذا شرع السلام فيها على نفس المصلى وعلى عباد الله الصالحين، فكيف لا تجب الصلاة على سيد المرسلين؟
وقد انتصر جماعة كثيرة من العلماء الأعلام للشافعى، كالحافظ عماد الدين ابن كثير، والعلامة ابن القيم، وشيخ الإسلام والحافظ أبى الفضل بن حجر، وتلميذه شيخنا الحافظ والعلامة أبى أمامة بن النقاش وغيرهم ممن يطول عدهم.
واستدلوا لذلك بأدلة نقلية ونظرية، ودفعوا دعوى الشذوذ، فنقلوا القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة، منهم ابن مسعود، وأبو مسعود
والبدرى وجابر بن عبد الله، ونقله أصحاب الشافعى عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، ومن التابعين: الشعبى، فيما رواه البيهقى كما سيأتى، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل.
وأخرج الحاكم- بسند قوى- عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل ثم يصلى على النبى- صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه «1» . قال الحافظ ابن حجر: وهذا أقوى شىء يحتج به للشافعى، فإن ابن مسعود ذكر أن النبى- صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد فى الصلاة، وأنه قال: ثم ليتخير من الدعاء ما شاء، فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء، دل على أنه اطلع على زيادة ذلك بين التشهد والدعاء، واندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود فى دفع ما ذهب إليه الشافعى وادعى مثل ما ذكره القاضى عياض قال: وهذا تشهد ابن مسعود الذى علمه له النبى- صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر الصلاة عليه.
وفى جزء الحسن بن عرفة، وأخرج المعمرى «2» فى عمل اليوم والليلة عن ابن عمر- بسند جيد- قال: لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة علىّ. وأخرج البيهقى فى الخلافيات- بسند قوى- عن الشعبى، وهو من كبار التابعين، قال: كنا نعلم التشهد، فإذا قال: وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يحمد ربه ويثنى عليه ثم يصلى على النبى- صلى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته. وفى حديث أبى جعفر، عن ابن مسعود، مرفوعا:«من صلى صلاة لم يصل فيها على وعلى أهل بيتى لم تقبل منه» . قال الدارقطنى: والصواب أنه من قول أبى جعفر محمد بن على بن الحسين: لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبى- صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته لرأيت أنها لا تتم، لكن راويه عن أبى جعفر جابر الجعفى وهو ضعيف. كذا فى الشفاء.
وقد وافق الشافعى من فقهاء الأمصار أحمد فى إحدى الروايتين عنه، وعمل به أخيرا، كما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقى، فيما ذكره الحافظ ابن
(1) أخرجه الحاكم فى «المستدرك» (1/ 401) .
(2)
هو: الحافظ العلامة البارع، أبو على الحسن بن على بن شبيب البغدادى، وقيل له العمرى لأن جده للأم أبو سفيان العمرى صاحب معمر، مات سنة (295 هـ) .
كثير، وأوجب إسحاق بن راهواه الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان، والمشهور عن أحمد أنها تبطل بتركها عمدا أو سهوا، وعليه أكثر أصحابه، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال فى الصلاة عليه: صلى الله عليه وسلم، كما علمهم أن يقولوا لما سألوه، كما ذكره ابن كثير، ووافق الخرقى إسحاق فى التقييد بالعمد دون السهو.
والخلاف أيضا عند المالكية كما ذكره ابن الحاجب فى سنن الصلاة، ثم قال: على الصحيح، فقال شارحه ابن عبد السلام: يريد أن فى وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام الإمام ابن المواز وبه صرح عنه ابن القصار، وعبد الوهاب، كما فى الشفاء بلفظ: إنه يراها فريضة فى الصلاة كقول الشافعى، قال: وحكى أبو يعلى العبدى عن المذهب فيها ثلاثة أقوال فى الصلاة:
الوجوب، والسنة، والندب. ورأيت مما يعزى للقاضى أبى بكر بن العربى فى «سراج المريدين» : قال ابن المواز والشافعى: الصلاة على النبى- صلى الله عليه وسلم من فرائض الصلاة وهو الصحيح. انتهى.
وقد يلزم القائل الحنفية بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر كالطحاوى، ونقله السروجى فى شرح الهداية عن أصحاب المحيط والعقد والتحفة من كتبهم أن يقولوا بوجوبها فى التشهد لتقدم ذكره- صلى الله عليه وسلم فى آخر التشهد فى قوله: وأشهد أن محمدا رسول الله، لكن لهم أن يلتزموا ذلك ولا يجعلونه شرطا فى صحة الصلاة. ولم يخالف الشافعى أحد من أصحابه فى ذلك. بل قال بعض أصحابنا بوجوب الصلاة على الآل، كما حكاه البندنيجى والدارمى، ونقله إمام الحرمين والغزالى قولا عن الشافعى، قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، والقول بوجوبه ظهور للحديث.
وأما مخالفة الخطابى من أصحاب الشافعى فلا يعتد به لمقتضى الآمر المحمول على الوجوب إجماعا، وأولى أحواله الصلاة ولا مانع من احتمال كونه مرادا. وأما قوله: ولا أعلم له فيها قدوة، فيقال عليه: لا ريب أن
الشافعى قدوة يقتدى به، والمقام مقام اجتهاد، فلا افتقار له فيه إلى غيره.
وأما قوله فى «الشفاء» : والدليل على أنها ليست من فروض الصلاة عمل السلف الصالح قبل الشافعى وإجماعهم عليه. ففيه نظر، لأنه إن أراد بالعمل الاعتقاد فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، وأنى يوجد ذلك؟
وأما قوله: وقد شنع الناس عليه- يعنى الشافعى- فى هذه المسألة جدّا، فلا معنى له، وأى شناعة فى ذلك؟ ولم يخالف فيه نصّا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة. بل القول بذلك من محاسن مذهبه، ولا ريب أن القائل بجواز ترك الصلاة على أفضل خلق الله فى الصلاة التى هى رأس العبادة المطلوب فيها الخضوع واستحضار شارعها والثناء عليه أولى بالتشنيع.
وأما نقله الإجماع فقد تقدم ما فيه. وأما قوله: إن الشافعى اختار تشهد ابن مسعود، فلم يقل به أحد، والشافعى إنما اختار تشهد ابن عباس كما سيأتى- إن شاء الله تعالى- فى مقصد عباداته.
وقد استدل للوجوب بما أخرجه أبو داود والنسائى والترمذى وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد قال: سمع النبى- صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو فى صلاته، لم يحمد الله ولم يصل على النبى- صلى الله عليه وسلم فقال:«عجل هذا» ، ثم دعاه إليه فقال:«إذا صلى أحدكم فليبدأ بالحمد لله والثناء عليه، ثم ليصل على النبى- صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء» «1» .
قلت: ومما يعد من كرامات إمامنا الشافعى وسره السارى، أن القاضى عياضا ساق هذا الحديث بسنده من طريق الترمذى من غير أن يطعن فى سنده بعد قوله: «فصل فى المواطن التى تستحب فيها الصلاة على النبى- صلى الله عليه وسلم
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (1481) فى الصلاة، باب: الدعاء، والترمذى (3476) فى الدعوات، باب: جامع الدعوات عند النبى- صلى الله عليه وسلم، والنسائى (3/ 44) فى السهو، باب: التمجيد والصلاة على النبى- صلى الله عليه وسلم فى الصلاة، وأحمد فى «المسند» (8/ 18) ، والحديث صححه الشيخ الألبانى فى «صحيح سنن النسائى» .
ويرغب» من ذلك: فى تشهد الصلاة، وذلك بعد التشهد وقبل الدعاء. وهذا الحديث- كما ترى- من أعظم الأدلة لنا. فإن قال قائل: ليس لكم فيه دلالة لأنه قال: سمع فيه رجلا يدعو فى صلاته، ولم يقل فى تشهده.
فيجاب: بأنه يلزم على هذا أن القاضى عياضا ساقه فى غير محله، لأنه عقد الفصل- كما قدمته- لبيان مواطن استحباب الصلاة. ثم قال: ومن ذلك فى تشهد الصلاة.
وفى «مصابيح» البغوى، من حديث فضالة بن عبيد هذا ما يدل على أنه كان فى التشهد، ولفظه: قال دخل رجل فقال: اللهم اغفر لى وارحمنى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:«عجلت أيها المصلى، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، ثم صل علىّ، ثم ادعه» .
وفى قوله: «عجلت» استلواح فوات الكمال عن الحقيقة المجزئة، إذ لو كانت مجزئة لما حسن اللوم والتعليم بصيغة الأمر، فإن قيل إنه فى مقام تعليم المستحبات إذ لو كان فى الواجبات لأمره بالإعادة، كما أمر المسىء صلاته، فيجاب: بأن فى قوله هذا غنية عن الأمر بالإعادة، لأنه حيث علمه ما هو الواجب علم قطعا أنه لم يأت به أولا فلم يكن آتيا به فوجبت إعادته، وهم أهل الفهم والعرفان. فإن قال: إن قوله «فقعدت» يحتمل أن يكون عطفا على مقدر، تقديره: إذا صليت وفرغت فقعدت للدعاء فاحمد الله.
فيجاب: بأن الأصل عدمه، وإنما هو عطف على المذكور، أى: إذا كنت فى الصلاة فقعدت للتشهد فاحمد الله، أى اثن عليه بقولك، التحيات لله إلخ والله أعلم.
وقال الجرجانى من الحنفية وغيره: لو كانت فرضا لما لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه- صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد وقال:«فليتخير من الدعاء ما شاء، ولم يذكر الصلاة عليه» .
وأجيب: باحتمال أن لا تكون فرضت حينئذ. وقال الحافظ زين الدين العراقى فى شرح الترمذى: قد ورد هذا الصحيح بلفظ: ثم ليتخير، و «ثم»
للتراخى، فدل على أنه كان هناك شىء بين التشهد والدعاء، انتهى. وقد أطنب الشيخ أبو أمامة بن النقاش فى تفسيره فى الانتصار للشافعى فى هذه المسألة، مما يطول ذكره، فالله يثيبه على قصده الجميل.
وأما صفة الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم، (فعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال:
لقينى كعب بن عجرة فقال: ألا أهدى لك هدية؟ إن النبى- صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك فيكف نصلى عليك؟
قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» ) «1» رواه البخارى ومسلم والترمذى وأبو داود والنسائى. فإن قلت: كيف يطابق قوله: (اللهم صل على محمد) قوله: (كما صليت على آل إبراهيم) ؟.
أجاب القاضى عياض: بأن «آل» مقحم، كما فى قوله- صلى الله عليه وسلم فى أبى موسى:«إنه أعطى مزمارا من مزامير آل داود» «2» ، ولم يكن له آل مشهور بحسن الصوت. وقد روى هذا الحديث ابن أبى حاتم بلفظ: لما نزلت إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً «3» قال: قلنا يا رسول الله، فكيف الصلاة عليك؟ قال:«قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى يقول: وعلينا معهم.
وعن أبى حميد الساعدى: (أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلى
(1) صحيح: وقد تقدم.
(2)
صحيح: أخرجه البخارى (5048) فى فضائل القرآن، باب: حسن الصوت بالقراءة للقرآن، ومسلم (792) فى صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن.
(3)
سورة الأحزاب: 56.