الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال جار الله: وكم من شىء مباح يتحفظ الإنسان منه ويستحى من إطلاع الناس عليه، فطموح قلب الإنسان إلى بعض مشتهياته من امرأة وغيرها غير موصوف بالقبح فى العقل ولا فى الشرع، وتناول المباح بالطريق الشرعى ليس بقبيح أيضا، وهو خطبة زينب ونكاحها من غير استنزال زيد عنها ولا طلب إليه، ولم يكن مستكرها عندهم أن ينزل الرجل منهم عن امرأته لصديقه ولا مستهجنا إذا نزل عنها أن ينكحها آخر، فإن المهاجرين حين دخلوا المدينة واستهم الأنصار بكل شىء، حتى إن الرجل منهم إذا كانت له امرأتان نزل عن إحداهما وأنكحها المهاجرى، فإذا كان الأمر مباحا من جميع جهاته لم يكن فيه وجه من وجوه القبح. انتهى.
*
وكذا يجوز له- صلى الله عليه وسلم النكاح بلا ولى وبلا شهود
.
قال النووى:
الصحيح المشهور عند أصحابنا صحة نكاحه- صلى الله عليه وسلم بلا ولى ولا شهود لعدم الحاجة إلى ذلك فى حقه- عليه السلام، وهذا الخلاف فى غير زينب أما زينب فمنصوص عليها والله أعلم.
قال العلماء: إنما اعتبروا الولى للمحافظة على الكفاءة، وهو- صلى الله عليه وسلم فوق الأكفاء، وإنما اعتبر الشهود لأمن الجحود، وهو- صلى الله عليه وسلم لا يجحد ولو جحدت هى لم يرجع إلى قولها، بل قال العراقى فى شرح المهذب، تكون كافرة بتكذيبه. وكان له- صلى الله عليه وسلم تزويج المرأة ممن شاء بغير إذنها وإذن وليها، وله إجبار الصغيرة من غير بناته، وزوج ابنة حمزة مع وجود عمها العباس، فيقدم على الأب. وزوجه الله تعالى بزينب، فدخل عليها بتزويج الله من غير عقد من نفسه. وعبر فى الروضة عن هذا بقوله: وكانت المرأة تحل له بتحليل الله تعالى.
*
وأعتق أمته صفية وجعل عتقها صداقها
وقد اختلف فى معناه، فقيل إنه أعتقها بشرط أن يتزوجها، فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة، فتزوجها بها، ويؤيده: قوله فى رواية عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنسا قال: سبى رسول الله- صلى الله عليه وسلم صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس: ما
أصدقها، قال: نفسها فأعتقها «1» ؛ هكذا أخرجه البخارى فى المغازى. وفى رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس فى حديثه قال: وصارت صفية لرسول الله- صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها. قال عبد العزيز لثابت:
يا أبا محمد أنت سألت أنسا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها، فتبسم. فهو ظاهر جدّا فى أن المجعول مهرا هو نفس العتق. والتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى ولو كانت القيامة مجهولة، فإن فى صحة العقد بالشرط المذكور وجها عند الشافعية.
وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر، ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردى. وقال آخرون: قوله: «أعتقها وتزوجها» معناه: أعتقها ثم تزوجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقا قال: أصدقها نفسها، أى: لم يصدقها شيئا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب الطبرى من الشافعية، وابن المرابط من المالكية ومن تبعهم: أنه قول أنس قاله ظنّا من قبل نفسه ولم يرفعه. ويعارضه ما أخرجه الطبرانى وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت: أعتقنى النبى- صلى الله عليه وسلم وجعل عتقى صداقى. وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من قال: إن أنسا قال ذلك بناء على ظنه.
ويحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها من غير مهر، فلزمها الوفاء بذلك، وهذا خاص بالنبى- صلى الله عليه وسلم دون غيره. ويحتمل: أنه أعتقها بغير عوض، وتزوجها بغير مهر فى الحال، ولا فى المال، قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقا، قال: وهذا كقولهم الجوع زاد من لا زاد له، قال: وهذا الوجه أصح الأوجه وأقربها إلى لفظ الحديث، وتبعه النووى فى «الروضة» .
وممن جزم بأن ذلك كان من الخصائص يحيى بن أكثم فيما أخرجه البيهقى قال: وكذا نقله المزنى عن الشافعى قال: وموضع الخصوصية، أنه
(1) صحيح: والحديث أخرجه البخارى (4201) فى المغازى، باب: غزوة خيبر، وأطرافه (371 و 947 و 2228 و 4200 و 5086 و 5169) .