الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِدَلِيل أَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ عَقَدَا بِلَا شَرْطٍ صَحَّ الْعَقْدُ (1) .
وَوَجْهُ الْقَوْل بِأَنَّ الثَّمَنَ هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ: هُوَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا الأَْلْفَ الزَّائِدَةَ، فَكَأَنَّهُمَا هَزَلَا بِهَا (2) . أَيْ فَلَا تُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ، وَيَبْقَى الثَّمَنُ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الْقَائِلِينَ بِفَسَادِ بَيْعِ الْهَازِل (3) .
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ - فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ - فَتُضَمُّ إِلَى الثَّمَنِ (4) .
هَذَا، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هَل هُوَ ثَمَنُ السِّرِّ أَوِ الثَّمَنُ الْمُعْلَنُ، أَنَّ مَحَلَّهُ إِنْ قَالَا عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ أَحَدَ الأَْلْفَيْنِ الْمُعْلَنَيْنِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ (5) .
11 -
الضَّرْبُ الثَّانِي: بَيْعٌ تَكُونُ فِيهِ التَّلْجِئَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ
.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ
(1) الاختيار 2 / 22، والمجموع 9 / 334.
(2)
الاختيار 2 / 22.
(3)
بدائع الصنائع 5 / 176، وكشاف القناع 3 / 150.
(4)
المجموع 9 / 334.
(5)
بدائع الصنائع 5 / 177.
أَلْفُ دِرْهَمٍ، ثُمَّ يُظْهِرَا الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَهَل يَبْطُل هَذَا الْبَيْعُ أَوْ يَصِحُّ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ؟ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَبْطُل قِيَاسًا، وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا، أَيْ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ (1) .
وَمَحَلُّهُ - كَمَا جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ - إِنْ قَالَا عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ: إِنَّ الثَّمَنَ الْمُعْلَنَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ إِنَّمَا هُوَ مِائَةُ دِينَارٍ (2) .
وَوَجْهُ بُطْلَانِ هَذَا الْبَيْعِ عَلَى الْقِيَاسِ: هُوَ أَنَّ ثَمَنَ السِّرِّ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَثَمَنَ الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَقْصِدَاهُ فَقَدْ هَزَلَا بِهِ، فَسَقَطَ وَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَلَا يَصِحُّ (3) .
وَوَجْهُ صِحَّتِهِ اسْتِحْسَانًا: هُوَ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بَيْعًا بَاطِلاً بَل بَيْعًا صَحِيحًا، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ إِلَاّ بِثَمَنِ الْعَلَانِيَةِ، فَكَأَنَّهُمَا انْصَرَفَا عَمَّا شَرَطَاهُ فِي الْبَاطِنِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ، كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَاهُ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ فَتَوَاهَبَا، بِخِلَافِ الأَْلْفِ وَالأَْلْفَيْنِ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ الْمَشْرُوطَ فِي السِّرِّ مَذْكُورٌ فِي الْعَقْدِ وَزِيَادَةٌ، فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ (4) .
(1) الاختيار 2 / 22.
(2)
بدائع الصنائع 5 / 177.
(3)
بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.
(4)
بدائع الصنائع 5 / 177، والاختيار 2 / 22.
12 -
هَذَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إِذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَلَمْ يَتَعَاقَدَا فِي السِّرِّ، أَمَّا إِذَا اتَّفَقَا فِي السِّرِّ وَتَعَاقَدَا أَيْضًا فِي السِّرِّ بِثَمَنٍ، ثُمَّ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا: إِنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالْعَقْدُ الثَّانِي يَرْفَعُ الْعَقْدَ الأَْوَّل، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ وَالإِْقَالَةَ، فَشُرُوعُهُمَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي إِبْطَالٌ لِلأَْوَّل، فَبَطَل الأَْوَّل وَانْعَقَدَ الثَّانِي بِمَا سُمِّيَ عِنْدَهُ. وَإِنْ قَالَا: رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الأَْوَّل، لأَِنَّهُمَا لَمَّا ذَكَرَا (1) الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ فَقَدْ أَبْطَلَا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي، فَبَقِيَ الْعَقْدُ الأَْوَّل. وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الأَْوَّل فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لأَِنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ، فَكَانَ الْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ لَكِنْ بِالثَّمَنِ الأَْوَّل، وَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ لأَِنَّهُمَا أَبْطَلَاهَا حَيْثُ هَزَلَا بِهَا (2) .
13 -
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِالثَّمَنِ الْمُعْلَنِ، وَلَا أَثَرَ لِلاِتِّفَاقِ السَّابِقِ لأَِنَّهُ مُلْغًى، فَصَارَ كَمَا لَوِ اتَّفَقَا عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ تَبَايَعَا بِلَا شَرْطٍ (3) .
14 -
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْفُرُوعِ فِي كِتَابِ
(1) وفيه تحريف (لما ذكرا) إلى (لم يذكرا) .
(2)
بدائع الصنائع 5 / 177.
(3)
المجموع 9 / 334.
الصَّدَاقِ: أَنَّهُمَا لَوِ اتَّفَقَا قَبْل الْبَيْعِ عَلَى ثَمَنٍ، ثُمَّ عَقَدَا الْبَيْعَ بِثَمَنٍ آخَرَ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الثَّمَنَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ كَالنِّكَاحِ (1) .
15 -
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا فِي كُتُبِهِمْ بِبَيْعِ التَّلْجِئَةِ كَغَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا بَيْعَ الْمُكْرَهِ وَالْمَضْغُوطِ وَبَيْعَ الْهَازِل، وَقَدْ سَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ وَتَسْمِيَةِ مَهْرٍ لِلسِّرِّ وَمَهْرٍ لِلْعَلَانِيَةِ، وَبَيَّنُوا أَنَّ الْعَمَل بِمَهْرِ السِّرِّ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ مَهْرَ الْعَلَنِ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِلأُْبَّهَةِ وَالْفَخْرِ. فَإِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ وَاتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى مَهْرِ السِّرِّ عُمِل بِهِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا حَلَّفَتِ الزَّوْجَةُ الزَّوْجَ إِنِ ادَّعَتِ الرُّجُوعَ عَنْ صَدَاقِ السِّرِّ الْقَلِيل إِلَى صَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ الْكَثِيرِ، فَإِنْ حَلَفَ عُمِل بِصَدَاقِ السِّرِّ، وَإِنْ نَكَل حَلَفَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى الرُّجُوعِ وَعُمِل بِصَدَاقِ الْعَلَانِيَةِ، فَإِنْ نَكَلَتْ عُمِل بِصَدَاقِ السِّرِّ (2) .
16 -
هَذَا، وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الاِسْتِرْعَاءِ: أَنَّ الاِسْتِرْعَاءَ فِي الْبُيُوعِ لَا يَجُوزُ، مِثْل أَنْ يُشْهِدَ قَبْل الْبَيْعِ أَنَّهُ رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لأَِمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ؛ لأَِنَّ الْمُبَايَعَةَ خِلَافُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ فِيهِ ثَمَنًا وَفِي ذَلِكَ
(1) الفروع 5 / 267.
(2)
الدسوقي 2 / 313، وجواهر الإكليل 2 / 314، والخرشي 3 / 272.