الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَاّ لِثَلَاثَةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ. (1)
قَال الْكَاسَانِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: وَمَا كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيَبِيعَ بَيْعًا مَكْرُوهًا. (2)
- وَالدَّلِيل الثَّانِي: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَزَالُوا يَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ بِالْمُزَايَدَةِ. (3)
- وَأَنَّهُ بَيْعُ الْفُقَرَاءِ، كَمَا قَال الْمَرْغِينَانِيُّ، وَالْحَاجَةُ مَاسَةٌ إِلَيْهِ (4) .
- وَلأَِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَرَدَ عَنِ السَّوْمِ حَال الْبَيْعِ، وَحَال الْمُزَايَدَةِ خَارِجٌ عَنِ الْبَيْعِ. (5)
وَتَفْصِيل أَحْكَامِ (الْمُزَايَدَةِ) فِي مُصْطَلَحِهَا.
هـ -
النَّجْشُ:
128 -
النَّجْشُ هُوَ بِسُكُونِ الْجِيمِ مَصْدَرٌ،
(1) حديث: " إن المسألة لا تصلح. . . " أخرجه أحمد (3 / 114 ط الميمنية) وقال ابن حجر: أعله ابن القطان بجهل حال أبي بكر الحنفي، ونقل عن البخاري أنه قال: لا يصح حديثه. التلخيص الحبير (3 / 15 ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
بدائع الصنائع 5 / 232.
(3)
كشاف القناع 3 / 183.
(4)
الهداية بشروحها 6 / 108، وتبيين الحقائق 4 / 67 و 68.
(5)
كشاف القناع 3 / 183.
وَبِالْفَتْحِ اسْمُ مَصْدَرٍ، (1) وَمِنْ مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ: الإِْثَارَةُ. يُقَال: نَجَشَ الطَّائِرَ: إِذَا أَثَارَهُ مِنْ مَكَانِهِ. قَال الْفَيُّومِيُّ: نَجَشَ الرَّجُل يَنْجُشُ نَجْشًا: إِذَا زَادَ فِي سِلْعَةٍ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَلَيْسَ قَصْدُهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، بَل لِيَغُرَّ غَيْرَهُ، فَيُوقِعَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ.
وَأَصْل النَّجْشِ: الاِسْتِتَارُ؛ لأَِنَّ النَّاجِشَ يَسْتُرُ قَصْدَهُ، وَمِنْهُ يُقَال لِلصَّائِدِ: نَاجِشٌ لاِسْتِتَارِهِ. (2)
وَقَدْ عَرَّفَهُ الْفُقَهَاءُ بِأَنْ يَزِيدَ الرَّجُل فِي الثَّمَنِ وَلَا يُرِيدُ الشِّرَاءَ، لِيُرَغِّبَ غَيْرَهُ. أَوْ أَنْ يَمْدَحَ الْمَبِيعَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ لِيُرَوِّجَهُ (3) .
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ، فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: لَا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلَا تَصُرُّوا الْغَنَمَ. (4)
(1) الدر المختار 4 / 132، وتبيين الحقائق 4 / 67، وفتح القدير 6 / 107، وشرح الدردير 3 / 67، وحاشية الشرواني على تحفة المحتاج 4 / 315، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 92.
(2)
المصباح المنير، مادة:" نجش ".
(3)
الهداية بشروحها 6 / 106، وبدائع الصنائع 5 / 233، وابن عابدين 4 / 132، والشرح الكبير للدردير 3 / 68، وشرح الخرشي 5 / 82، وتحفة المحتاج 4 / 315، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 184، والمغني 4 / 278.
(4)
حديث: " لا تلقوا الركبان ولا يبيع بعضكم على بعض. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 361 ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1155 ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ النَّجْشِ (1)
أ - فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّهُ حَرَامٌ، وَذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ، عَلَى مَا سَبَقَ. وَلِمَا فِيهِ مِنْ خَدِيعَةِ الْمُسْلِمِ، وَهِيَ حَرَامٌ.
ب - وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا إِذَا بَلَغَتِ السِّلْعَةُ قِيمَتَهَا، أَمَّا إِذَا لَمْ تَبْلُغْ فَلَا يُكْرَهُ، لاِنْتِفَاءِ الْخِدَاعِ. (2)
ذَلِكَ حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ. أَمَّا حُكْمُهُ الْوَضْعِيُّ:
أ - فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ؛ لأَِنَّ النَّجْشَ فِعْل النَّاجِشِ لَا الْعَاقِدِ، فَلَمْ يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ، وَالنَّهْيُ لِحَقِّ الآْدَمِيِّ فَلَمْ يَفْسُدِ الْعَقْدُ، كَتَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَبَيْعِ الْمَعِيبِ وَالْمُدَلَّسِ، بِخِلَافِ مَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ؛ لأَِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ يَنْجَبِرُ بِالْخِيَارِ أَوْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ.
ب - وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ
(1) حديث: " نهى عن النجش. . . " أخرجه مسلم (3 / 1156 ط الحلبي) .
(2)
المغني 4 / 278، والقوانين الفقهية (175) ، وتحفة المحتاج 4 / 308، 315، والدر المختار 4 / 132، والهداية وشرحا فتح القدير والعناية 6 / 106.
لَا يَصِحُّ بَيْعُ النَّجْشِ، لأَِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى خِيَارِ الْفَسْخِ فِي هَذَا الْبَيْعِ:
- فَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: إِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ بِالنَّاجِشِ وَسَكَتَ، فَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَلَهُ التَّمَسُّكُ بِهِ، فَإِنْ فَاتَ الْمَبِيعُ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَبْضِ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى ثَمَنَ النَّجْشِ.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ بِالنَّاجِشِ، فَلَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَالإِْثْمُ عَلَى مَنْ فَعَل ذَلِكَ. وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، حَيْثُ جَعَلُوا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ التَّوَاطُؤِ.
- وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي لِتَفْرِيطِهِ.
- وَيَقُول الْحَنَابِلَةُ: الْبَيْعُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ أَكَانَ النَّجْشُ بِمُوَاطَأَةٍ مِنَ الْبَائِعِ أَمْ لَمْ يَكُنْ، لَكِنْ إِنْ كَانَ فِي الْبَيْعِ غَبْنٌ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ فَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإِْمْضَاءِ، كَمَا فِي تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَإِنْ كَانَ يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَلَا خِيَارَ لَهُ. (1)
وَفِيهِ أَحْكَامٌ تَفْصِيلِيَّةٌ تُرَاجَعُ فِي مُصْطَلَحِ: (نَجْش) .
(1) المغني 4 / 278، والشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي 3 / 68، وشرح الخرشي 5 / 82 و 83، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 184، وتحفة المحتاج 4 / 316.