الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَوَازِ الْبَيْعِ، وَيُصْبِحُ كَالنَّوْعِ الْوَاحِدِ (1) .
81 -
رَابِعًا:
إِنْ بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ فِي أَحَدِ بُسْتَانَيْنِ (مُتَقَارِبَيْنِ) مِنْ دُونِ الآْخَرِ، وَقَدْ بَاعَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَالثَّمَرَةُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ بُدُوَّ الصَّلَاحِ فِي شَجَرَةٍ مِنَ الْقَرَاحِ (الْمَزْرَعَةِ) صَلَاحٌ لَهُ وَلِمَا قَارَبَهُ وَجَاوَرَهُ، فَيَتْبَعُهُ، وَذَلِكَ: لأَِنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الصَّلَاحِ، فَأَشْبَهَا الْقَرَاحَ الْوَاحِدَ. وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ الأَْمْنُ مِنَ الْعَاهَةِ، وَقَدْ وُجِدَ. وَلاِجْتِمَاعِهِمَا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْمَالِكِيَّةُ فَسَّرُوا الْقُرْبَ هُنَا وَالْجِوَارَ، بِتَلَاحُقِ الطَّيِّبِ بِالطَّيِّبِ عَادَةً، أَوْ بِقَوْل أَهْل الْمَعْرِفَةِ.
وَابْنُ كِنَانَةَ مِنْهُمْ عَمَّمَ الْحُكْمَ فِي الْبَسَاتِينِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَلَاحَقُ طَيِّبَهُ بِطَيِّبِهِ.
وَابْنُ الْقَصَّارِ عَمَّمَ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاوِرَاتِ مِنَ الْبَسَاتِينِ، فَشَمِل الْبَلَدَ.
وَلَهُمْ قَوْلَانِ فِي اشْتِرَاطِ تَلَاصُقِ الْبَسَاتِينِ، لَكِنَّهُمُ اسْتَظْهَرُوا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْبَسَاتِينُ الْمُجَاوِرَةُ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْبُسْتَانِ الَّذِي فِيهِ الشَّجَرَةُ الْبَاكُورَةُ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا. لَكِنَّهُمْ قَصَرُوا هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الثِّمَارِ، وَمِثْلُهَا الْمَقْثَأَةُ،
(1) المغني 4 / 206. وانظر حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (4 / 457، 458) فقد علق اشتراط اتحاد المجلس في التبعية بقوله: أي لا نوع.
أَمَّا الزُّرُوعُ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ يُبْسِ جَمِيعِ الْحَبِّ (1) .
الآْخَرُ: أَنْ لَا يَتْبَعَ أَحَدُ الْبُسْتَانَيْنِ الآْخَرَ، وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَلَوْ كَانَا مُتَقَارِبَيْنِ، وَذَلِكَ:
- لأَِنَّ مِنْ شَأْنِ اخْتِلَافِ الْبِقَاعِ اخْتِلَافُ وَقْتِ التَّأْبِيرِ - كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ - فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْبُسْتَانِ الآْخَرِ.
- أَنَّ إِلْحَاقَ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ بِاَلَّذِي بَدَا صَلَاحُهُ، هُوَ لِدَفْعِ ضَرَرِ الاِشْتِرَاكِ، وَاخْتِلَافِ الأَْيْدِي، وَهَذَا الضَّرَرُ مُنْتَفٍ فِي الْبُسْتَانِ الآْخَرِ، فَوَجَبَ امْتِنَاعُ التَّبَعِيَّةِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْبُسْتَانَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ (2) .
82 -
خَامِسًا:
إِنْ بَدَا الصَّلَاحُ فِي جِنْسٍ مِنَ الثَّمَرِ، لَمْ يَكْفِ فِي حِل بَيْعِ مَا لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، فَبُدُوُّ صَلَاحِ الْبَلَحِ لَا يَكْفِي فِي حِل بَيْعِ نَحْوِ الْعِنَبِ، وَإِذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ عِنَبٌ وَرُمَّانٌ، فَبَدَا صَلَاحُ الْعِنَبِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّمَّانِ
(1) المغني 4 / 206، وانظر القوانين الفقهية (173) وشرح المحلي على المنهاج 2 / 236، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 173، وشرح الخرشي على مختصر سيدي خليل، وحاشية العدوي عليه 5 / 185
(2)
تحفة المحتاج 4 / 457، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 236، والمغني 4 / 206، 288، وحاشية العدوي على شرح كفاية الطالب 2 / 154، والقوانين الفقهية (173) ، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 236
حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ - نَصَّ عَلَى هَذَا الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَوْ بَاعَ كَذَلِكَ وَجَبَ شَرْطُ الْقَطْعِ فِي ثَمَرِ الآْخَرِ.
83 -
أَلْحَقَ الْفُقَهَاءُ الْمَقَاثِئَ بِالثَّمَرِ، فِي الاِكْتِفَاءِ بِبُدُوِّ بَعْضِهَا، لِجَوَازِ بَيْعِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ تَكْبُرَ وَتَطِيبُ لِلأَْكْل، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُخْتَصٌّ بِهِمَا، فَأَمَّا الزَّرْعُ فَلَا يَكْفِي فِي حِل بَيْعِهِ يُبْسُ بَعْضِهِ، بَل لَا بُدَّ مِنْ يُبْسِ جَمِيعِ حَبِّهِ، وَذَلِكَ:
- لأَِنَّ حَاجَةَ النَّاسِ لأَِكْل الثِّمَارِ رَطْبَةً لِلتَّفَكُّهِ بِهَا أَكْثَرُ.
- وَلأَِنَّ الثَّمَرَ إِذَا بَدَا صَلَاحُ بَعْضِهِ، يَتْبَعُهُ الْبَاقِي سَرِيعًا غَالِبًا، وَمِثْلُهُ نَحْوُ الْقِثَّاءِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ، وَلَيْسَتِ الْحُبُوبُ كَذَلِكَ، لأَِنَّهَا لِلْقُوتِ لَا لِلتَّفَكُّهِ (1) .
وَبَقِيَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الأَْصْل، وَهُوَ الاِكْتِفَاءُ فِي الْحَبِّ بِبُدُوِّ صَلَاحِ بَعْضِهِ وَإِنْ قَل، بَل صَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِالاِكْتِفَاءِ بِاشْتِدَادِ بَعْضِ الْحَبِّ، وَلَوْ سُنْبُلَةً وَاحِدَةً، وَوَجْهُهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَيْنَا بِطِيبِ الثِّمَارِ عَلَى التَّدْرِيجِ، إِطَالَةً لِزَمَنِ التَّفَكُّهِ، فَلَوْ شَرَطَ طِيبَ جَمِيعِهِ، لأََدَّى إِلَى أَنْ لَا يُبَاعَ شَيْءٌ؛ لأَِنَّ السَّابِقَ قَدْ يَتْلَفُ، أَوْ تُبَاعُ الْحَبَّةُ، بَعْدَ الْحَبَّةِ، وَفِي كُلٍّ حَرَجٌ شَدِيدٌ (2) .
(1) شرح الخرشي 5 / 185، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 177
(2)
تحفة المحتاج 4 / 464، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 204. وانظر أيضا في التعليل حاشية عميرة على شرح المحلي 2 / 236، وكشاف القناع 3 / 287
84 -
وَلَمْ يُوَاجِهِ الْحَنَفِيَّةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهِيَ اشْتِرَاطُ بُدُوِّ صَلَاحِ كُل الثَّمَرِ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ، وَلَا التَّفْصِيلَاتِ الَّتِي تَنْدَرِجُ فِيهَا؛ لأَِنَّ مَذْهَبَهُمْ فِي أَصْلِهَا، وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْل بُدُوِّ صَلَاحِهِ (وَكَذَا الْحَبُّ وَنَحْوُهُ) أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلَوْ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْل الْمَذْهَبِ إِذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْقَطْعِ أَوْ مُطْلَقًا، وَيَجِبُ قَطْعُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْحَال.
وَكُل الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْ خِلَافِ الأَْئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي اشْتِرَاطِ صَلَاحِ كُل الثَّمَرِ، وَصَلَاحِ كُل الْحَبِّ، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكُلُّهُ جَائِزُ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ.
وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَكْلاً وَلَا عَلَفًا، قَبْل بُدُوِّ الصَّلَاحِ:
فَذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ (وَشَيْخُ الإِْسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ) إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ، لِلنَّهْيِ وَعَدَمِ التَّقَوُّمِ،
وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ - وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْمَرْغِينَانِيِّ - جَوَازُ بَيْعِهِ أَيْضًا، لأَِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ مَآلاً، وَإِنْ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ حَالاً، بِاعْتِبَارِهِ مَالاً (1) .
لِهَذَا لَمْ يَبْحَثِ الْحَنَفِيَّةُ شَرْطِيَّةَ بُدُوِّ صَلَاحِ كُل
(1) الهداية وشروحها 5 / 488 و 489، وتبيين الحقائق 4 / 12