الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالضَّرُورَةُ عِنْدَهُمْ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا إِذَا دَل الدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَل الدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي وَصْفٍ لَازِمٍ، فَلَا ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الأَْصْل، وَلَا فِي أَنْ لَا يَجْرِيَ النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ؛ لأَِنَّ صِحَّةَ الأَْجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ، وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ بِصِحَّةِ الأَْجْزَاءِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ الْبُطْلَانِ بِالْوَصْفِ الْخَارِجِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ قَائِمَةً، يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَوْجُودًا شَرْعًا، أَيْ صَحِيحًا (1) .
الْفَرْقُ بَيْنَ الاِصْطِلَاحَاتِ الثَّلَاثَةِ: الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَالصِّحَّةِ:
150 -
اتَّضَحَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْجُمْهُورَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَبَيْنَ الْبُطْلَانِ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
فَالصِّحَّةُ هُنَا - فِي الْعُقُودِ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ - تَقْتَضِي بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ آثَارِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ شَرْعًا، كَالْبَيْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِلْكِ.
أَمَّا الْبُطْلَانُ، فَمَعْنَاهُ تَخَلُّفُ الأَْحْكَامِ عَنِ الْعُقُودِ، وَخُرُوجُ الْعُقُودِ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِلأَْحْكَامِ.
وَالْفَسَادُ يُرَادِفُ الْبُطْلَانَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ
(1) التنقيح والتوضيح 1 / 218.
لِلصَّحِيحِ فَهُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. بِخِلَافِ الْبَاطِل، فَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلَا بِوَصْفِهِ. (1)
فَيَسْتَوِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْعُ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الأَْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ فِي الْبُطْلَانِ: كَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْل بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَكَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْل قَبْضِهِ، وَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِل عَلَى الرِّبَا، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا أَيُّ أَثَرٍ لَهَا.
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ مُفَصِّلِينَ: بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَالأَْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ، لاِنْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ كَالْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الأَْصْل بِتَعْبِيرِهِمْ، فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ أَثَرٍ.
وَبِفَسَادِ الْبَاقِيَاتِ، لَا بِبُطْلَانِهَا:
أ - فَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ مَثَلاً النَّهْيُ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ، فَيَبْقَى أَصْل الْعَقْدِ صَحِيحًا، مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَالْحُرْمَةِ، فَالشَّرْطُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ، لَازِمٌ لَهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوطًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. (2)
ب - وَفِي الْبَيْعِ الْمُشْتَمِل عَلَى الرِّبَا يَقُولُونَ: إِنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ الْمَالِيَّةُ مِنْ أَهْلِهَا فِي
(1) كشف الأسرار 1 / 258.
(2)
التلويح 1 / 218.