الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَلَى هَذَا، لَوْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ لَمْ يُفْسَخْ. وَيُجْبَرَانِ عَلَى جَمْعِهِمَا فِي حَوْزٍ، وَلَيْسَ هَذَا كَتَفْرِيقِ الْعَاقِل (1) .
105 -
وَهَذَا الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، الَّذِينَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا حَرَامٌ.
ثُمَّ فَصَّلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَالُوا:
يُكْرَهُ ذَبْحُ الأُْمِّ الَّتِي اسْتَغْنَى الْوَلَدُ عَنْ لَبَنِهَا، وَيَحْرُمُ ذَبْحُهَا إِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ لَبَنِهَا، وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا التَّصَرُّفُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَيَوَانُ مَأْكُولاً وَذَبْحُ الصَّغِيرِ وَهُوَ مَأْكُولٌ حَلَالٌ قَطْعًا. وَبَيْعُهُ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَذْبَحُهُ قَبْل اسْتِغْنَائِهِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الأُْمِّ قَبْل اسْتِغْنَائِهِ بَاطِلٌ - وَإِنْ قَال ابْنُ حَجَرٍ بِحِلِّهِ - لأَِنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقَعُ الذَّبْحُ حَالاً أَوْ أَصْلاً، فَيُوجَدُ الْمَحْذُورُ، وَشَرْطُ الذَّبْحِ عَلَى الْمُشْتَرِي غَيْرُ صَحِيحٍ (2) .
نَعَمْ، إِذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ نَذَرَ ذَبْحَهُ، وَشَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الذَّبْحَ، صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ ذَلِكَ افْتِدَاءً، وَوَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي ذَبْحُهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ ذَبَحَهُ الْقَاضِي، وَفَرَّقَهُ الذَّابِحُ عَلَى الْفُقَرَاءِ. وَبَيْعُ الْوَلَدِ الْمُسْتَغْنِي عَنْ أُمِّهِ
(1) كفاية الطالب وحاشة العدوي عليها 2 / 147، والشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 64، وانظر شرح الخرشي وحاشية العدوي عليه 5 / 79
(2)
حاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 185
مَكْرُوهٌ إِلَاّ لِغَرَضِ الذَّبْحِ. وَذَبْحُهُمَا كِلَيْهِمَا لَا يَحْرُمُ (1) .
وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ كَلَامًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ب -
بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا:
106 -
الْمُرَادُ بِالْعَصِيرِ: عَصِيرُ الْعِنَبِ، أَيْ مَعْصُورُهُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ مَذَاهِبَ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى حُرْمَةِ هَذَا الْبَيْعِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَوْ يَظُنُّ أَيْلُولَتَهُ إِلَى الْخَمْرِ، فَإِنْ شَكَّ كُرِهَ. وَنَحْوُهُ قَوْل لِلصَّاحِبَيْنِ - أَشَارَ الْحَصْكَفِيُّ لِتَضْعِيفِهِ - بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالْكَرَاهَةُ إِنْ أُطْلِقَتْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِلتَّحْرِيمِ (2) .
وَعِبَارَةُ الْمَالِكِيَّةِ: وَحُرِّمَ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَيْعُ الْعِنَبِ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا. وَقَدِ اسْتَدَلُّوا
(1) تحفة المحتاج بشرح المنهاج وحاشيتا الشرواني والعبادي عليها 4 / 321، وحاشية القليوبي على شرح المحلي 2 / 185، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 72، 73
(2)
الدر المختار ورد المحتار 5 / 250، والهداية وشروحها 8 / 493، والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي عليه 3 / 7، وشرح الخرشي 5 / 11. وانظر شرح المحلي على المنهاج، وحاشية القليوبي عليه 2 / 184، والمغني 4 / 283، والإنصاف 4 / 327
بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِحَدِيثِ لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشَرَةِ أَوْجُهٍ: بِعَيْنِهَا، وَعَاصِرِهَا، وَمُعْتَصِرِهَا، وَبَائِعِهَا، وَمُبْتَاعِهَا، وَحَامِلِهَا، وَالْمَحْمُولَةِ إِلَيْهِ، وَآكِل ثَمَنِهَا، وَشَارِبِهَا، وَسَاقِيهَا (2) .
وَوَجْهُ الاِسْتِدْلَال كَمَا يَقُول عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: أَنَّهُ يَدُل عَلَى تَحْرِيمِ التَّسَبُّبِ إِلَى الْحَرَامِ (3) .
وَلِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ قَيِّمًا كَانَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فِي أَرْضٍ لَهُ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ عِنَبٍ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ زَبِيبًا، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُبَاعَ إِلَاّ لِمَنْ يَعْصِرُهُ، فَأَمَرَهُ بِقَلْعِهِ، وَقَال: بِئْسَ الشَّيْخُ أَنَا إِنْ بِعْتُ الْخَمْرَ. وَلأَِنَّهُ يُعْقَدُ الْبَيْعُ عَلَى عَصْرٍ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُهُ لِلْمَعْصِيَةِ، فَأَشْبَهَ إِجَارَةَ الرَّجُل أَمَتَهُ لِمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْتَأْجِرُهَا لِيَزْنِيَ بِهَا (4) .
وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ.
(1) سورة المائدة / 2
(2)
حديث: " لعنت الخمر. . . " أخرجه ابن ماجه (2 / 1122 ط الحلبي) من حديث ابن عمر، وصححه ابن السكن، التلخيص لابن حجر (3 / 72 ط شركة الطباعة الفنية)
(3)
انظر حاشية عميرة على شرح المحلي في ذيل حاشية القليوبي عليه 2 / 184، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 93.
(4)
المغني 4 / 284
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَنَقَل عَنْ هَذَا قَوْلَهُ:" بِعِ الْحَلَال مِمَّنْ شِئْتَ (1) " وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (2) وَقَدْ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ.
وَلأَِنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ، بَل بَعْدَ تَغَيُّرِهِ بِشُرْبِهِ، وَهُوَ فِعْل فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْل؛ لأَِنَّ الشُّرْبَ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْحَمْل، وَلَيْسَ الْحَمْل مِنْ ضَرُورَاتِ الشُّرْبِ، لأَِنَّ الْحَمْل قَدْ يُوجَدُ لِلإِْرَاقَةِ وَالتَّخْلِيل بِالصَّبِّ فِي الْخَل، فَلَيْسَتِ الْمَعْصِيَةُ مِنْ لَوَازِمِ الْحَمْل، وَصَارَ كَالاِسْتِئْجَارِ لِعَصْرِ الْعِنَبِ، وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَمَا قَال الْكَرْلَانِيُّ. لَكِنْ يَبْدُو أَنَّ الْمَذْهَبَ - مَعَ ذَلِكَ - أَنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَأَنَّهُ خِلَافُ الأَْوْلَى، فَقَدْ قَال صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا (3) وَكَلِمَةُ لَا بَأْسَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَتَرْكُهُ أَوْلَى.
وَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا، هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ.
(1) الدر المختار 5 / 250، والمغني 4 / 283
(2)
سورة البقرة / 275
(3)
الهداية بشروحها 8 / 493، وانظر في التعليل والتفصيل في القياس والاستحسان شرح الكفاية على التخصيص في الموضع نفسه