الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْعُ الْعَرَايَا
التَّعْرِيفُ:
1 -
الْعَرَايَا: جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وَهِيَ: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا رَجُلاً مُحْتَاجًا، فَيَجْعَل لَهُ ثَمَرَهَا عَامَهَا، فَيَعْرُوهَا، أَيْ يَأْتِيهَا، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، وَدَخَلَتِ الْهَاءُ عَلَيْهَا، لأَِنَّهُ ذُهِبَ بِهَا مَذْهَبَ الأَْسْمَاءِ، مِثْل النَّطِيحَةِ وَالأَْكِيلَةِ، فَإِذَا جِيءَ بِهَا مَعَ النَّخْلَةِ حُذِفَتِ الْهَاءُ، وَقِيل: نَخْلَةٌ عَرِيٌّ، كَمَا يُقَال: امْرَأَةٌ قَتِيلٌ، وَالْجَمْعُ: الْعَرَايَا (1)
قَال فِي الْفَتْحِ: هِيَ فِي الأَْصْل عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْل دُونَ الرَّقَبَةِ: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ تَتَطَوَّعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا ثَمَرَ لَهُ (2) .
وَعَرَّفَهَا الشَّافِعِيَّةُ اصْطِلَاحًا: بِأَنَّهَا بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْل بِتَمْرٍ فِي الأَْرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (3) .
وَعَرَّفَهَا الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهَا: بَيْعُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ
(1) المصباح المنير مادة " عرو "
(2)
نيل الأوطار 5 / 200
(3)
شرح المحلي على المنهاج 2 / 238، وتحفة المحتاج 4 / 472
النَّخْل خَرْصًا، بِمَالِهِ يَابِسًا، بِمِثْلِهِ مِنَ التَّمْرِ، كَيْلاً مَعْلُومًا لَا جُزَافًا (1) .
حُكْمُهَا:
2 -
بَيْعُ الْعَرَايَا جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ (2) ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَالِكًا لَيْسَ مَعَهُمْ (3) .
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ الْمُجِيزُونَ بِمَا يَلِي:
أ - بِحَدِيثِ سَهْل بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ، أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا، يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا (4)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالرُّخْصَةُ: اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْحَاظِرِ، فَلَوْ مُنِعَ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ مِنَ الاِسْتِبَاحَةِ، لَمْ يُبْقِ لَنَا رُخْصَةً بِحَالٍ (5) .
ب - وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ
(1) كشاف القناع 3 / 258، 259، والشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 152
(2)
الشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 152
(3)
فتح القدير 6 / 54
(4)
حديث سهل بن أبي حثْمة: " نهى عن بيع التمر بالتمر، ورخص في العرية. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 387 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1170 ط الحلبي)
(5)
المغني 4 / 182، وانظر الشرح الكبير في ذيله 4 / 152
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا، فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ (1) .
قَال الْمَحَلِّيُّ - مِنَ الشَّافِعِيَّةِ -: شَكَّ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَحَدُ رُوَاتِهِ، فَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِالأَْقَل، فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ (2) .
3 -
وَالْحَنَفِيَّةُ - وَكَذَا مَالِكٌ فِي التَّحْقِيقِ - لَمْ يَسْتَجِيزُوا، بَيْعَ الْعَرَايَا، وَذَلِكَ: لِلنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ، وَهِيَ: بَيْعُ التَّمْرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْل بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْل كَيْلِهِ خَرْصًا (3)
وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -. قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ (4) .
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى، الآْخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ (5) .
(1) حديث أبي هريرة: " رخص في بيع العرايا " أخرجه البخاري (4 / 387 الفتح ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1171 ط الحلبي)
(2)
شرح المحلي على المنهاج 2 / 238
(3)
ابن عابدين 4 / 109، والقليوبي 2 / 238
(4)
حديث عبادة بن الصامت: " الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 1211 ط الحلبي)
(5)
رواية: " فمن زاد أو استزاد، فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء ". المصدر السابق
فَهَذِهِ النُّصُوصُ، وَأَمْثَالُهَا لَا تُحْصَى، كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ، وَتَلَقَّتْهَا الأُْمَّةُ بِالْقَبُول، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَلَا الْعَمَل بِمَا يُخَالِفُهَا، وَهَذَا لأَِنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ، وَالتَّفَاضُل مُحَرَّمٌ بِهِ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْل قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا، وَلَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا، كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَهَذَا لأَِنَّ احْتِمَال التَّفَاضُل ثَابِتٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ، أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الأَْرْضِ (1) .
4 -
وَمَعْنَى الْعَرَايَا، وَتَأْوِيلُهَا عِنْدَ الْمَانِعِينَ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الأَْحَادِيثِ:
أ - أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُل النَّخْلَةُ أَوِ النَّخْلَتَانِ، فِي وَسَطِ النَّخْل الْكَثِيرِ لِرَجُلٍ، وَكَانَ أَهْل الْمَدِينَةِ إِذَا كَانَ وَقْتُ الثِّمَارِ، خَرَجُوا بِأَهْلِيهِمْ إِلَى حَوَائِطِهِمْ، فَيَجِيءُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ أَوِ النَّخْلَتَيْنِ، فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ النَّخْل الْكَثِيرِ، فَرَخَّصَ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبِ الْكَثِيرِ أَنْ يُعْطِيَهُ خَرْصَ مَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ تَمْرًا، لِيَنْصَرِفَ هُوَ وَأَهْلُهُ عَنْهُ، رُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ (2) .
ب - وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ قَال: مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنْ يُعْرِي الرَّجُل الرَّجُل نَخْلَةً مِنْ نَخْلِهِ، فَلَا يُسَلِّمُ ذَلِكَ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ،
(1) تبيين الحقائق 4 / 47، 48 بتصرف
(2)
انظر فتح القدير 6 / 54، وانظر نيل الأوطار 5 / 200، 201