الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذَلِكَ عَادَةٌ، وَفِي نَزْعِ النَّاسِ مِنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَ الْوَرْدِ عَلَى الأَْشْجَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَرْدَ لَا يَتَفَتَّحُ جُمْلَةً، بَل يَتَلَاحَقُ بَعْضُهُ إِثْرَ بَعْضٍ (1) .
وَبَدَا مِنْ هَذَا أَنَّ جَوَازَ بَيْعِ الْمُتَلَاحِقَاتِ هُوَ مِنْ قَبِيل اسْتِحْسَانِ الضَّرُورَةِ، عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَالَّذِينَ ذَهَبُوا مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الْبَيْعِ تَمَسَّكُوا بِالنُّصُوصِ، وَنَفَوُا الضَّرُورَةَ هُنَا:
- لِجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ الْبَائِعُ الأُْصُول.
- أَوْ يَشْتَرِيَ الْمُشْتَرِي الْمَوْجُودَ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَيُؤَخِّرَ الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي إِلَى وَقْتِ وُجُودِهِ.
- أَوْ يَشْتَرِيَ الْمَوْجُودَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَيُبِيحُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الاِنْتِفَاعَ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ. وَلِهَذَا قَرَّرُوا أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى تَجْوِيزِ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، وَهُوَ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِْنْسَانِ. (2)
وَفِي هَذَا يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَخْفَى تَحَقُّقُ الضَّرُورَةِ فِي زَمَانِنَا، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْل دِمَشْقِ الشَّامِ، كَثِيرَةِ الأَْشْجَارِ وَالثِّمَارِ، فَإِنَّهُ
(1) القوانين الفقهية (173) ، والشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي 3 / 187. قارن بالدر المختار ورد المحتار 4 / 38 و 39، وتبيين الحقائق 4 / 12، وشرح الكفاية على الهداية 5 / 489، وفتح القدير 5 / 492
(2)
تبيين الحقائق 4 / 12، وانظر رد المحتار 4 / 39.
لِغَلَبَةِ الْجَهْل عَلَى النَّاسِ، لَا يُمْكِنُ إِلْزَامُهُمْ بِالتَّخَلُّصِ بِأَحَدِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ أَفْرَادِ النَّاسِ لَا يُمْكِنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَامَّتِهِمْ، وَفِي نَزْعِهِمْ عَنْ عَادَتِهِمْ حَرَجٌ - كَمَا عَلِمْتَ - وَيَلْزَمُ تَحْرِيمُ أَكْل الثِّمَارِ فِي هَذِهِ الْبُلْدَانِ، إِذْ لَا تُبَاعُ إِلَاّ كَذَلِكَ.
وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا رَخَّصَ فِي السَّلَمِ لِلضَّرُورَةِ، مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، فَحَيْثُ تَحَقَّقَتِ الضَّرُورَةُ هُنَا أَيْضًا، أَمْكَنَ إِلْحَاقُهُ بِالسَّلَمِ بِطَرِيقِ الدِّلَالَةِ، فَلَمْ يَكُنْ مُصَادِمًا لِلنَّصِّ، فَلِهَذَا جَعَلُوهُ مِنَ الاِسْتِحْسَانِ؛ لأَِنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ الْجَوَازِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْفَتْحِ الْمَيْل إِلَى الْجَوَازِ، وَلِذَا أَوْرَدَ لَهُ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ، بَل إِنَّ الْحُلْوَانِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَمَا ضَاقَ الأَْمْرُ إِلَاّ اتَّسَعَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مُسَوِّغٌ لِلْعُدُول عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. (1)
87 -
وَالْمَالِكِيَّةُ، الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ، قَسَّمُوا هَذِهِ الْمُتَلَاحِقَاتِ، وَهِيَ ذَاتُ الْبُطُونِ، إِلَى قِسْمَيْنِ:
- مَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ.
- وَمَا لَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ.
وَالَّذِي لَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ قِسْمَانِ: مَا لَهُ آخِرٌ، وَمَا لَا آخِرَ لَهُ.
وَفِيمَا يَلِي أَحْكَامُهَا:
أَوَّلاً:
مَا تَتَمَيَّزُ بُطُونُهُ، وَهُوَ الْمُنْفَصِل غَيْرُ الْمُتَتَابِعِ. وَذَلِكَ فِي الشَّجَرِ الَّذِي يُطْعِمُ فِي السَّنَةِ بَطْنَيْنِ مُتَمَيِّزَيْنِ. فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْبَطْنُ
(1) انظر فتح القدير 5 / 492، ورد المحتار 4 / 39.