الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدِ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ الْقَبْضَ قَبْل بَيْعِ الْمَبِيعِ فِي الْجُمْلَةِ. فَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ - كَمَا يُعَبِّرُ الْحَنَفِيَّةُ - أَوْ هُوَ شَرْطٌ فِي (صِحَّةِ) قَبْضِ الْمَنْقُول مَعَ نَقْلِهِ. كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ (1) .
لَكِنْ قَامَ الإِْجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْكَيْل فِيمَا بِيعَ جُزَافًا. وَاسْتِثْنَاءُ الْجُزَافِ مِنَ الشَّرْطِ كَانَ أَخْذًا مِنْ مَعْنَى النَّصِّ، أَوْ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ (2) .
43 -
وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ الأَْمْثِلَةِ التَّطْبِيقِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لِتَقَارُبِهِمَا فِيهَا.
الْمِثَال الأَْوَّل:
لَوْ كَانَ لِبَكْرٍ طَعَامٌ مُقَدَّرٌ عَلَى زَيْدٍ، كَعَشَرَةِ آصُعٍ، وَلِعَمْرٍو عَلَى بَكْرٍ مِثْلُهُ، فَلْيَطْلُبْ بَكْرٌ مِنْ زَيْدٍ أَنْ يَكِيلَهُ لَهُ، حَتَّى يَدْخُل فِي مِلْكِهِ، ثُمَّ يَكِيل بَكْرٌ لِعَمْرٍو، لِيَكُونَ الْقَبْضُ وَالإِْقْبَاضُ صَحِيحَيْنِ؛ لأَِنَّ الإِْقْبَاضَ هُنَا مُتَعَدِّدٌ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِ الْكَيْل، فَلَزِمَ تَعَدُّدُهُ؛ لأَِنَّ الْكَيْلَيْنِ، قَدْ يَقَعُ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ (3) .
فَلَوْ قَال بَكْرٌ لِعَمْرٍو: اقْبِضْ يَا عَمْرُو مِنْ زَيْدٍ عَنِّي مَالِي عَلَيْهِ لِنَفْسِكَ، فَفَعَل عَمْرٌو، فَالْقَبْضُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَيْدٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ لِوُجُودِ
(1) فتح القدير 6 / 139، وشرح المحلي على المنهاج 2 / 217، 218، وشرح المنهج 3 / 173
(2)
شرح المحلي وحاشية القليوبي 2 / 217، وحاشية الجمل 3 / 173، وتحفة المحتاج 4 / 419
(3)
تحفة المحتاج 4 / 419
الإِْذْنِ، وَهُوَ إِذْنُ الدَّائِنِ، وَهُوَ بَكْرٌ فِي الْقَبْضِ مِنْهُ لَهُ بِطَرِيقِ الاِسْتِلْزَامِ، فَأَشْبَهَ قَبْضُهُ قَبْضَ وَكِيلِهِ.
لَكِنَّ هَذَا الْقَبْضَ فَاسِدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَمْرٍو، لِكَوْنِهِ قَابِضًا مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ؛ لأَِنَّ قَبْضَهُ مَشْرُوطٌ بِتَقَدُّمِ قَبْضِ بَكْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَا يُمْكِنُ حُصُولُهُمَا، لِمَا فِيهِ مِنَ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ، وَمَا قَبَضَهُ عَمْرٌو مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ، فَحِينَئِذٍ يَكِيلُهُ الْمَقْبُوضُ لَهُ، وَهُوَ بَكْرٌ، لِلْقَابِضِ، وَهُوَ عَمْرٌو، وَيَصِحُّ قَبْضُهُ لَهُ.
وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هِيَ: أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ غَيْرُ صَحِيحٍ، لأَِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ نَائِبًا لَهُ فِي الْقَبْضِ، فَلَمْ يَقَعْ لَهُ، بِخِلَافِ الْوَكِيل.
وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُسَلَّمِ إِلَيْهِ، وَهُوَ زَيْدٌ، لِعَدَمِ الْقَبْضِ الصَّحِيحِ.
بِخِلَافِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ مِلْكًا لِبَكْرٍ.
وَيَبْدُو أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الأَْخِيرَةَ هِيَ الرَّاجِحَةُ، فَعَلَيْهَا مَتْنُ الإِْقْنَاعِ.
وَلَوْ قَال: اقْبِضْهُ لِي، ثُمَّ اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ، صَحَّ الْقَبْضُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، لأَِنَّهُ اسْتَنَابَهُ فِي قَبْضِهِ لَهُ، وَإِذَا قَبَضَهُ لِمُوَكِّلِهِ جَازَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَأَذِنَهُ فِي قَبْضِهَا عَنْ دَيْنِهِ.
هَذَا، وَإِنْ يَكُنِ الْمِثَال الْمَذْكُورُ، وَهُوَ الْمِثَال الأَْوَّل، فِي السَّلَمِ، لَكِنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ، لأَِنَّهُ الَّذِي