الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اشْتَرَى بِذَهَبِهِ ذَهَبًا أَكْثَرَ مِنْهُ أَيِ اشْتَرَى بِمِائَةٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ.
قَال الشَّوْكَانِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِثْل هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا يَنْطَبِقُ عَلَى مَا كَانَ مِنَ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَهَذَا التَّعْلِيل أَجْوَدُ مَا عُلِّل بِهِ النَّهْيُ؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ أَعْرَفُ بِمَقَاصِدِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم (1) .
9 -
وَقَال بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ هَذَا النَّهْيَ تَعَبُّدٌ. وَأَشَارَ الدُّسُوقِيُّ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْل الْمَذْهَبِ، وَنَقَلَهُ عَنِ التَّوْضِيحِ (2) .
وَقِيل: بَل هُوَ مَعْقُول الْمَعْنَى، وَمُعَلَّلٌ بِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ غَرَضٌ فِي ظُهُورِهِ، وَهُوَ سُهُولَةُ الْوُصُول إِلَى الطَّعَامِ، لِيَتَوَصَّل إِلَيْهِ الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ.
وَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ قَبْل قَبْضِهِ، لَبَاعَ أَهْل الأَْمْوَال بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ، وَلَخَفِيَ بِإِمْكَانِ شِرَائِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَبَيْعِهِ خُفْيَةً، فَلَمْ يَتَوَصَّل إِلَيْهِ الْفَقِيرُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْكَيَّال، وَالْحَمَّال، وَيَظْهَرُ لِلْفُقَرَاءِ، فَتَقْوَى بِهِ قُلُوبُ النَّاسِ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَالشِّدَّةِ (3) .
(1) نيل الأوطار 5 / 160.
(2)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 151.
(3)
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 151، 152، وحاشة العدوي على شرح كفاية الطالب 2 / 135.
تَحْدِيدُ الْقَبْضِ وَتَحَقُّقُهُ:
10 -
مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ قَبْضَ كُل شَيْءٍ بِحَسَبِهِ (1)
(أ) فَإِنْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَذْرُوعًا، فَقَبْضُهُ بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ أَوِ الْعَدِّ أَوِ الذَّرْعِ.
وَحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَال:{نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي} (3) .
(1) نص ابن قدامة في المغني 4 / 220.
(2)
حديث: " يا عثمان إذا ابتعت فاكتل ". علقه البخاري (فتح الباري 4 / 344 ط السلفية) ووصله أحمد (1 / 62 ط - الميمنية) وحسنه الهيثمي (4 / 98 ط القدسي) ونوه بقوته البيهقي في سننه (5 / 315 ط دائرة المعارف العثمانية) .
(3)
المغني 4 / 220. وحديث: " نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع، وصاع المشتري ". أخرجه ابن ماجه (2 / 750 ط الحلبي) والدارقطني (3 / 8 ط دار المحاسن) . ونقل ابن حجر عن البيهقي أنه رواه مرسلا ثم قال: روي موصولا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي.
وَالْمَالِكِيَّةُ شَرَطُوا فِي قَبْضِ الْمِثْلِيِّ تَسْلِيمَهُ لِلْمُشْتَرِي، وَتَفْرِيغَهُ فِي أَوْعِيَتِهِ (1) .
(ب) وَإِنْ كَانَ جُزَافًا فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال:{كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ، فَنَهَاهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ} وَفِي رِوَايَةٍ: {حَتَّى يُحَوِّلُوهُ} (2) .
(ج) وَإِنْ كَانَ مَنْقُولاً مِنْ عُرُوضٍ وَأَنْعَامٍ، فَقَبْضُهُ بِالْعُرْفِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ: كَاحْتِيَازِ الثَّوْبِ، وَتَسْلِيمِ مِقْوَدِ الدَّابَّةِ (3) .
أَوْ يَنْقُلَهُ إِلَى حَيِّزٍ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ، عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ، كَالشَّارِعِ وَدَارِ الْمُشْتَرِي (4) .
وَفَصَّل الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَنْقُول مِنَ الْعُرُوضِ وَالأَْنْعَامِ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَقَبْضُهَا بِالْيَدِ. وَإِنْ كَانَ ثِيَابًا فَقَبْضُهَا نَقْلُهَا.
وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا، فَقَبْضُهُ تَمْشِيَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ (5) .
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 144.
(2)
انظر المغني 4 / 220. وحديث: " كانوا يتبايعون الطعام جزافا " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 350 ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1161 ط الحلبي) .
(3)
الشرح الكبير للدردير 3 / 145.
(4)
تحفة المحتاج 4 / 412 وما بعدها، وشرح المنهج 3 / 166 - 172، والدر المختار ورد المحتار 5 / 309.
(5)
المغني 4 / 220، وكشاف القناع 3 / 247.
(د) وَإِنْ كَانَ عَقَارًا فَقَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، بِلَا حَائِلٍ دُونَهُ (1) ، وَتَمْكِينُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، بِتَسْلِيمِهِ الْمِفْتَاحَ إِنْ وُجِدَ، بِشَرْطِ أَنْ يُفَرِّغَهُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ (2) .
وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَاّ فِي دَارِ السُّكْنَى، فَإِنَّ قَبْضَهَا بِالإِْخْلَاءِ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُكْتَفَى بِالتَّخْلِيَةِ. أَمَّا غَيْرُهَا مِنَ الْعَقَارَاتِ، فَيَتَحَقَّقُ الْقَبْضُ بِالتَّخْلِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُخْل الْبَائِعُ مَتَاعَهُ مِنْهَا (3) .
وَيُشِيرُ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيل إِنَّمَا هُوَ فِي الْقَبْضِ الْمُصَحِّحِ لِلتَّصَرُّفِ، أَمَّا الْقَبْضُ النَّاقِل لِلضَّمَانِ مِنَ الْبَائِعِ، فَمَدَارُهُ عَلَى اسْتِيلَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ، سَوَاءٌ أَنَقَلَهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي الْحَبْسِ أَمْ لَا، فَمَتَى اسْتَوْلَى الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ انْتَفَى الضَّمَانُ عَنِ الْبَائِعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ حِينَئِذٍ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، أَوْ تَعَيَّبَ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْبَائِعِ لَا يَرْجِعُ الضَّمَانُ إِلَيْهِ (4) .
(1) المغني 4 / 220، وكشاف القناع 3 / 247، 248.
(2)
شرح المحلي على المنهاج 2 / 215، وشرح المنهج 3 / 169 وفيه تفصيلات كثيرة في 3 / 167.
(3)
الشرح الكبير للدردير 3 / 145.
(4)
حاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 168.
11 -
وَلَمْ يُفَصِّل الْحَنَفِيَّةُ - وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَحْمَدَ - هَذَا التَّفْصِيل فِي الْقَبْضِ، بَل اعْتَبَرُوا التَّخْلِيَةَ - وَهِيَ: رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّمْكِينِ مِنَ الْقَبْضِ - قَبْضًا حُكْمًا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى أَبُو الْخَطَّابِ مِثْل ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَشَرَطَ مَعَ التَّخْلِيَةِ التَّمْيِيزَ (1) .
نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَذْهَبِهِمْ هَذَا فِي الرَّهْنِ، فِي التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَهِنِ، وَقَالُوا: إِنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ قَبْضٌ، كَمَا هِيَ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّهَا فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ (2) . قَالُوا: لأَِنَّهَا تَسْلِيمٌ، فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَهَذَا هُوَ الأَْصَحُّ (3) .
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُول إِلَاّ بِالنَّقْل (4) .
12 -
وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهُ فَرَبِحَ، فَهَذَا هُوَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، الَّذِي وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لَا يَحِل سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ} (5) .
وَفَسَّرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الآْثَارِ لَمَّا
(1) رد المحتار 5 / 309، والمغني مع الشرح الكبير 4 / 220.
(2)
الدر المختار 5 / 309.
(3)
رد المحتار 5 / 309.
(4)
المرجع السابق.
(5)
حديث: " لا يحل سلف وبيع. . . "، سبق تخريجه ف / 2.
رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى، فَقَال: وَأَمَّا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ: فَالرَّجُل يَشْتَرِي الشَّيْءَ، فَيَبِيعُهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهُ (1) .
وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ الشَّوْكَانِيُّ، حَيْثُ قَال: يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ رِبْحَ سِلْعَةٍ لَمْ يَضْمَنْهَا، مِثْل: أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا، وَيَبِيعَهُ إِلَى آخَرَ قَبْل قَبْضِهِ مِنَ الْبَائِعِ، فَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَرِبْحُهُ لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمَبِيعَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ الأَْوَّل، وَلَيْسَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي مِنْهُ، لِعَدَمِ الْقَبْضِ (2) .
وَكَذَلِكَ فَعَل الْبُهُوتِيُّ، حَيْثُ قَال: وَالْمُرَادُ بِهِ رِبْحُ مَا بِيعَ قَبْل الْقَبْضِ (3) .
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا، غَيْرَ أَنَّ الإِْمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله خَصَّهُ بِالطَّعَامِ، فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ عَنْهُ، قَال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَوْلِهِ:{نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ} ، قَال: هَذَا فِي الطَّعَامِ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ، فَلَا يَبِيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الأَْصَحُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ قَبْل قَبْضِهِ: هُوَ الطَّعَامُ (4) .
(1) نصب الراية 4 / 19.
(2)
نيل الأوطار 5 / 180.
(3)
كشاف القناع 3 / 242.
(4)
الشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 116.