الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ وَلَوْ كَانَ مُعَلَّمًا، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، {أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِل الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ} (1) .
وَلِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَال:{نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ} (2) .
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْكَلْبِ الْمَأْذُونِ بِاتِّخَاذِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَأَجَازُوا بَيْعَ الأَْوَّل، وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِي.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ، فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْكَلْبِ أَيَّ كَلْبٍ كَانَ حَتَّى الْعَقُورِ. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَلْب) .
أَمَّا الْهِرُّ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ، لأَِنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، وَحَمَلُوا حَدِيثَ جَابِرٍ رضي الله عنه {نَهَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ
(1) حديث: " نهى عن ثمن الدم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 426 ط السلفية) من حديث أبي جحيفة.
(2)
حديث " نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 426 ط السلفية) ومسلم (3 / 1198 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي مسعود الأنصاري.
الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ} (1) عَلَى غَيْرِ الْمَمْلُوكِ، أَوْ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ مِنَ الْهِرَرَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ:(هِر) .
بَيْعُ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ:
14 -
اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ، إِذَا كَانَتْ مِمَّا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ بِحَالٍ. فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُنْتَفَعُ بِهِ جَازَ بَيْعُهُ إِلَاّ الْخِنْزِيرَ، فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ (2) .
لَكِنَّهُمْ ذَهَبُوا مَذَاهِبَ فِي تَفْسِيرِ النَّفْعِ الَّذِي يُجِيزُ بَيْعَ السِّبَاعِ:
15 -
فَالْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ - وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، ذَهَبُوا إِلَى إِطْلَاقِ النَّفْعِ، وَلَوْ بِالْجِلْدِ، وَبِدُونِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْ نُصُوصِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا: صَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَلَوْ عَقُورًا، وَالْفَهْدِ وَالْفِيل وَالْقِرْدِ، وَالسِّبَاعِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهَا، حَتَّى الْهِرَّةِ، وَكَذَا الطُّيُورُ
(1) حديث: " نهى عن ثمن الكلب. . . " أخرجه أبو داود (3 / 754 تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث جابر بن عبد الله وأصله في صحيح مسلم (3 / 1199 ط عيسى الحلبي) .
(2)
انظر على سبيل المثال: الدر المختار 4 / 214، والشرح الكبير للدردير 3 / 11، وتحفة المحتاج 4 / 238، والشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 13.
أَيِ الْجَوَارِحِ مِنْهَا) عُلِّمَتْ أَوْ لَا، سِوَى الْخِنْزِيرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا وَبِجِلْدِهَا (1) .
وَعَلَّل الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا جَوَازَ بَيْعِهَا بِجَوَازِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا شَرْعًا، وَبِقَبُولِهَا التَّعْلِيمَ عَادَةً، ثُمَّ طَرَحَ هَذَا الضَّابِطَ قَائِلاً فِيهِ:
وَكُل مُنْتَفَعٍ بِهِ شَرْعًا، فِي الْحَال أَوْ فِي الْمَآل، وَلَهُ قِيمَةٌ. . جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَاّ فَلَا (2)
وَقَال الْحَصْكَفِيُّ: جَوَازُ الْبَيْعِ يَدُورُ مَعَ حِل الاِنْتِفَاعِ (3) .
وَقَال الْبَابَرْتِيُّ: وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَنَاطَ الْحُكْمِ الاِنْتِفَاعُ، ثَبَتَ فِي الْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ. بِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ، كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالزَّنَابِيرِ، لأَِنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا (4) . وَكَذَا غَيْرُ الْمُؤْذِيَةِ مِنْ هَوَامِّ الأَْرْضِ: كَالْخَنَافِسِ وَالْفَأْرَةِ وَالنَّمْل وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ، أَوْ مِنَ الْبَحْرِ، كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ (5) .
16 -
أَمَّا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ فَهُوَ أَنَّ بَيْعَ الْهِرِّ وَالسَّبْعِ لِلْجِلْدِ جَائِزٌ، وَأَمَّا لِلَّحْمِ فَقَطْ، أَوْ لَهُ وَلِلْجِلْدِ
(1) الدر المختار 4 / 214، وانظر بدائع الصنائع 5 / 142، 143.
(2)
تبيين الحقائق 4 / 126.
(3)
الدر المختار 4 / 111 نقلا عن المجتبى.
(4)
العناية شرح الهداية 6 / 247، وانظر فتح القدير في الموضع نفسه 6 / 245، 246.
(5)
فتح القدير 6 / 246.
فَمَكْرُوهٌ (1) . وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى حُكْمِ لَحْمِ السِّبَاعِ عِنْدَهُمْ.
وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ ذَوَاتُ الْمَخَالِبِ، فَلَحْمُهَا مُبَاحٌ عِنْدَهُمْ، كَالْبَازِ وَالْعِقَابِ وَالرَّخَمِ، وَكَرِهُوا الْوَطْوَاطَ.
وَأَمَّا سِبَاعُ الْبَهَائِمِ، فَلَهُمْ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْكَرَاهَةُ. وَالْمَنْعُ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْعَادِي - الَّذِي يَعْدُو عَلَى الآْدَمِيِّ - كَالأَْسَدِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ، فَيَحْرُمُ. وَبَيْنَ غَيْرِ الْعَادِي، كَالدُّبِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ وَالْهِرِّ مُطْلَقًا، فَيُكْرَهُ.
لَكِنَّ الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ خَلِيلٍ كَرَاهَتُهَا، حَتَّى الْفِيل عِنْدَهُ - وَفِي عُهْدَتِهِ، كَمَا قَالُوا (2) -
17 -
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَقَدْ فَسَّرُوا النَّفْعَ بِنَحْوِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ، وَلَوْ مَآلاً، بِأَنْ يُرْجَى تَعَلُّمُ الْحَيَوَانِ. أَمَّا مَا لَا نَفْعَ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، الْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ، وَكَذَا مَا لَا يُرْجَى تَعَلُّمُهُ لِلصَّيْدِ، لِكِبَرِهِ مَثَلاً. فَالْفَهْدُ يُنْتَفَعُ بِهِ لِلصَّيْدِ، وَالْفِيل لِلْقِتَال، وَالْقِرْدُ لِلْحِرَاسَةِ، وَالْهِرَّةُ الأَْهْلِيَّةُ لِدَفْعِ نَحْوِ فَأْرٍ، وَالْعَنْدَلِيبُ لِلأُْنْسِ بِصَوْتِهِ، وَالطَّاوُوسُ لِلأُْنْسِ بِلَوْنِهِ (3) .
وَكَتَبَ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ عَلَى قَوْل النَّوَوِيِّ فِي مِنْهَاجِهِ: فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ وَكُل سَبُعٍ
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 10، 11.
(2)
حاشية الدسوقي 2 / 115، 117.
(3)
تحفة المحتاج 4 / 238، وانظر شرح المنهج وحاشية الجمل عليه 3 / 25، 26.
لَا يَنْفَعُ.
مُبَيِّنًا خِصَال انْتِفَاءِ النَّفْعِ، بِقَوْلِهِ: مِثْل: أَنْ لَا يُؤْكَل، وَلَا يُصَال وَلَا يُقَاتَل عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّمُ، وَلَا يَصْلُحُ لِلْحَمْل.
كَمَا قَرَّرَ أَنَّ انْتِفَاءَ النَّفْعِ قَدْ يَكُونُ حِسًّا، وَقَدْ يَكُونُ شَرْعًا، وَأَنَّ انْتِفَاءَ النَّفْعِ يَنْفِي الْمَالِيَّةَ، فَأَخْذُ الْمَال فِي مُقَابَلَتِهِ قَرِيبٌ - كَمَا نَقَلَهُ عَنِ الرَّافِعِيِّ - مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِل (1) .
18 -
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ ذَهَبُوا - كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ اعْتَمَدَهَا السَّرَخْسِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يَصْلُحُ لِلاِصْطِيَادِ، وَلَا يَقْبَل التَّعْلِيمَ بِحَالٍ:
(أ) وَمَثَّل الْحَنَابِلَةُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لِلاِصْطِيَادِ بِالأَْسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالدُّبِّ، وَبِالرَّخَمِ وَالْحَدَأَةِ وَالْغُرَابِ الأَْبْقَعِ وَالنِّسْرِ وَالْعَقْعَقِ وَغُرَابِ الْبَيْنِ، وَبَيْضِهَا، لأَِنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ، فَأَخْذُ ثَمَنِهِ أَكْلٌ لِلْمَال بِالْبَاطِل، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا نَفْعٌ مُبَاحٌ كَالْحَشَرَاتِ، فَأَشْبَهَتْ الْخِنْزِيرَ.
فَأَمَّا مَا يَصْلُحُ لِلاِصْطِيَادِ، كَالْفَهْدِ وَكَالصَّقْرِ وَالْبَازِ، بِأَنْ كَانَتْ مُعَلَّمَةً أَوْ قَابِلَةً لِلتَّعْلِيمِ، فَإِنَّ فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا، فَيَصِحُّ بَيْعُهَا، وَبَيْعُ أَوْلَادِهَا وَفِرَاخِهَا، وَبَيْضِهَا لاِسْتِفْرَاخِهِ، فَيُنْتَفَعُ بِهِ مَآلاً.
وَمَعَ ذَلِكَ نَصُّوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْقِرْدِ، لِلْحِفْظِ لَا لِلَّعِبِ؛ لأَِنَّ الْحِفْظَ - كَمَا قَالُوا - مِنَ
(1) حاشية عميرة على شرح المحلي، في ذيل حاشية القليوبي عليه 2 / 158.
الْمَنَافِعِ الْمُبَاحَةِ (1)
(ب) وَمَثَّل الْحَنَفِيَّةُ لِلْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، بِالآْتِي: مَعَ التَّفْصِيل تَطْبِيقًا عَلَيْهِ:
- الأَْسَدُ، إِنْ كَانَ يَقْبَل التَّعْلِيمَ وَيُصْطَادُ بِهِ، يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِلَاّ فَلَا.
- الْفَهْدُ وَالْبَازِي يَقْبَلَانِ التَّعْلِيمَ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا عَلَى كُل حَالٍ.
- النَّمِرُ - كَمَا يَقُول الْكَمَال - لَا يَقْبَل التَّعْلِيمَ لِشَرَاسَتِهِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِحَالٍ، وَكَذَا الْكَلْبُ الْعَقُورُ عَلَى التَّخْصِيصِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
- الْقِرْدُ، فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ:
الأُْولَى: جَوَازُ بَيْعِهِ لإِِمْكَانِ الاِنْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ، وَصَحَّحَهَا الزَّيْلَعِيُّ.
وَالأُْخْرَى: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، لأَِنَّهُ لِلتَّلَهِّي، وَهُوَ مَحْظُورٌ، فَكَانَ بَيْعُ الْحَرَامِ لِلْحَرَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
وَصَحَّحَ هَذَا الْكَاسَانِيُّ، وَبَنَى عَلَيْهِ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ لَوْلَا قَصْدُ التَّلَهِّي لَجَازَ بَيْعُهُ.
لَكِنَّ قَصْدَ التَّلَهِّي يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ، لَا عَدَمَ الصِّحَّةِ، كَمَا قَال الْحَصْكَفِيُّ (2) .
(1) كشاف القناع 3 / 153، 156، والشرح الكبير في ذيل المغني 4 / 13.
(2)
بدائع الصنائع 5 / 143، والهداية بشروحها، والفتح منها على التخصيص 6 / 245 - 247، وتبيين الحقائق 4 / 126، والدر المختار ورد المحتار 4 / 111، 214.