الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي فَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ، لأَِنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُمْلَكْ، وَبَيْعُ مَجْهُولٍ، وَبَيْعُ غَرَرٍ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِبُطْلَانِهِ. وَنَصَّ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى أَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ، لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْل الْعَقْدِ، فَكَانَ غَرَرًا، وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ (2) .
وَكَذَلِكَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَّل الْبُطْلَانَ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ (3)
(6) بَيْعُ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ:
24 -
جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ يَشْتَرِطُونَ الْقَبْضَ فِي التَّبَرُّعَاتِ، كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا، فَمَا لَمْ تُقْبَضْ لَا تَلْزَمُ وَلَا تُفِيدُ الْمِلْكَ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْل " قَبْضِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ {النَّهْيُ عَنْ شِرَاءِ
(1) حديث " نهى عن شراء ما في بطون الأنعام. . " جزء من حديث أخرجه ابن ماجه (3 / 740 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، ونقل الزيلعي عن عبد الحق الأشبيلي أنه قال: إسناده لا يحتج به. (نصب الراية 4 / 15 ط المجلس العلمي بالهند) .
(2)
فتح القدير 6 / 53.
(3)
الدر المختار 4 / 109، وانظر تبيين الحقائق 4 / 47.
الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ} (1) وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ.
وَهَذَا خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَآخَرِينَ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، مِنَ اللُّزُومِ قَبْل الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا الْقَبْضُ شَرْطُ تَمَامٍ - كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ - لَا شَرْطُ صِحَّةٍ، وَالاِنْعِقَادُ وَاللُّزُومُ بِالْقَوْل. وَلِذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْل قَبْضِهَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا، خِلَافًا لِمَا مُلِكَ بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَمْ يُقْبَضْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ الْكَلَامِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ.
(7) بَيْعُ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقَسْمِ:
25 -
مِمَّا يَتَّصِل بِبَيْعِ مَا لَمْ يُمْلَكْ، مَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمُجَاهِدِ نَصِيبَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ، قَبْل أَنْ يَقْسِمَهُ لَهُ الإِْمَامُ (2) .
وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ بِهَا فِي خُصُوصِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَال: {نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأَْنْعَامِ. . وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ} (3) الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما
(1) حديث: " النهي عن شراء الصدقات حتى تقبض. . . " سبق تخريجه (ف 27) .
(2)
بدائع الصنائع 6 / 123، والجمل على شرح المنهج 3 / 598، والإنصاف 7 / 119 - 220. وانظر القوانين الفقهية 170، 171، 242، والشرح الكبير للدردير 4 / 101، والدسوقي 3 / 151، 152.
(3)
حديث أبي سعيد " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام " سبق تخريجه (ف 27) .
قَال: {نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ} (1) .
وَيَرَى الْفُقَهَاءُ إِبَاحَةَ أَخْذِ الأَْطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الأَْقْوَاتِ مِنَ الْغَنَائِمِ قَبْل قِسْمَتِهَا لِلْحَاجَةِ بِوَجْهٍ عَامٍّ، وَلَمْ يُبِيحُوا تَمَلُّكَهَا، وَلَا تَمَوُّلَهَا - كَمَا عَبَّرَ الْحَصْكَفِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - فَدَل هَذَا عَلَى مَنْعِ الْبَيْعِ، وَلِذَلِكَ بَحَثُوا حُكْمَ بَيْعِهَا عِنْدَ الْكَلَامِ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا.
26 -
فَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ قَبْل الْقِسْمَةِ أَصْلاً، وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ؛ لأَِنَّ الْغَنَائِمَ لَا تُمْلَكُ قَبْل الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ الاِنْتِفَاعُ لِلْحَاجَةِ، وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ بِالْبَيْعِ، وَهَذَا نَصُّ الْمَرْغِينَانِيِّ فِي بِدَايَتِهِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْل الْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ (2) .
فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنَ الْمَذْكُورَاتِ الْمُبَاحَةِ لَهُ، كَانَ بَيْعُهُ فُضُولِيًّا عِنْدَهُمْ، فَإِنْ أَجَازَهُ الإِْمَامُ رَدَّ ثَمَنَهُ إِلَى الْمَغَانِمِ، فَإِنْ كَانَتِ الْمَغَانِمُ قَدْ قُسِمَتْ تَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ إِنْ كَانَ غَيْرَ فَقِيرٍ، لأَِنَّهُ لِقِلَّتِهِ لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَتَعَذَّرَ إِيصَالُهُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَيُتَصَدَّقُ بِهِ كَاللُّقَطَةِ. وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَهُ (3) .
(1) حديث ابن عباس " نهى عن بيع الغنائم حتى تقسم. . . " جزء من الحديث المتقدم (ف 27) .
(2)
انظر الهداية شرح البداية بشروحها 5 / 227، وانظر الدر المختار ورد المحتار 3 / 233.
(3)
الدر المختار ورد المحتار 3 / 232، وانظر الهداية بشروحها 5 / 227.
27 -
وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا: يَجُوزُ - مَعَ - الْكَرَاهَةِ - مُبَادَلَةُ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَوْ بِتَفَاضُلٍ أَوْ تَأْخِيرٍ فِي الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ الْمُتَّحِدِ الْجِنْسِ (1) .
28 -
وَالشَّافِعِيَّةُ خَالَفُوا فِي ذَلِكَ، وَقَرَّرُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَرْفُ الطَّعَامِ إِلَى حَاجَةٍ أُخْرَى، بَدَلاً عَنْ طَعَامِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِلَاّ أَكْلَهُ فَقَطْ، لأَِنَّهُ عَلَى سَبِيل الإِْبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ (2) .
وَهَذَا كَالنَّصِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ.
هَذَا مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي بَحْثِ الْغَنَائِمِ، لَكِنْ فِي بَحْثِ حُكْمِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْل قَبْضِهِ، قَرَّرُوا خِلَافَهُ. وَلِمَا قَرَّرَ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ أَنَّ الشَّخْصَ لَهُ بَيْعُ مَا لَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ أَمَانَةً، كَوَدِيعَةٍ وَمُشْتَرَكٍ وَقِرَاضٍ، وَمَرْهُونٍ بَعْدَ انْفِكَاكِهِ، عَلَّقَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى قَوْلَةِ:" كَوَدِيعَةٍ " بِمَا نَصُّهُ: وَمُثْلَةُ غَلَّةُ وَقْفٍ وَغَنِيمَةٍ، فَلأَِحَدِ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوِ الْغَانِمِينَ، بَيْعُ حِصَّتِهِ قَبْل إِفْرَازِهَا. قَالَهُ شَيْخُنَا. بِخِلَافِ حِصَّتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْل إِفْرَازِهَا وَرُؤْيَتِهَا، وَاكْتَفَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِالإِْفْرَازِ فَقَطْ، وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ (3) .
فَكَلَامُ الْقَلْيُوبِيِّ هُنَا، نَقْلاً عَنْ شَيْخِهِ، يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّ لَهُ الأَْخْذَ عَلَى سَبِيل الإِْبَاحَةِ لَا التَّمْلِيكِ.
(1) شرح الخرشي 3 / 136، وانظر الشرح الكبير للدردير 2 / 194.
(2)
شرح المحلي على المنهاج وحاشية القليوبي عليه 4 / 223.
(3)
المرجع السابق نفسه 2 / 213.
فَيَبْدُو أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَحَدِ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مِلْكِ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إِلَاّ بِالْقِسْمَةِ، لَكِنْ لَا بِمُجَرَّدِهَا، بَل إِنْ قَبِل مَا أُحْرِزَ لَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ؛ لأَِنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ، وَلَا بُدَّ مِنَ اللَّفْظِ بِأَنْ يَقُول: اخْتَرْتُ مِلْكَ نَصِيبِي. وَهَذَا هُوَ الْقَوْل الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ.
الثَّانِي: وَقِيل يَمْلِكُونَ قَبْل الْقِسْمَةِ بِالاِسْتِيلَاءِ مِلْكًا ضَعِيفًا يَسْقُطُ بِالإِْعْرَاضِ، وَوَجَّهَ هَذَا الشَّيْخُ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: بِأَنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَال، وَبَعِيدٌ بَقَاؤُهُ بِلَا مَالِكٍ.
الثَّالِثُ: إِنْ سَلِمَتِ الْغَنِيمَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ، بَانَ (أَيْ ظَهَرَ مِلْكُهُمْ) بِالاِسْتِيلَاءِ، وَإِلَاّ بِأَنْ تَلِفَتْ أَوْ أَعْرَضُوا فَلَا مِلْكَ لَهُمْ (1) .
فَيَبْدُو أَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ عِنْدَ شَيْخِ الْقَلْيُوبِيِّ قَبْل الْقِسْمَةِ، بِنَاءً عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ.
29 -
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيُّ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تُعْلَفُ فَضْلاً عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ بَاعَهُ رَدَّ ثَمَنَهُ فِي الْمُقْسَمِ (2) .
وَعَلَّلُوا وُجُوبَ رَدِّ مَنْ فَضَل مَعَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ مِنَ الْغَنَائِمِ وَأَدْخَلَهُ الْبَلَدَ، إِلَى مُقَسِّمِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ بِأَنَّهُ: أَخَذَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ،
(1) شرح المحلي على المنهاج وحاشيتي القليوبي وعميرة عليه 4 / 224.
(2)
المغني 10 / 487.
لأَِنَّ الأَْصْل تَحْرِيمُهُ، لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْغَانِمِينَ، كَسَائِرِ الْمَال، وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَمَا زَادَ يَبْقَى عَلَى أَصْل التَّحْرِيمِ، وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ بَيْعُهُ (1) .
وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ هَذَا الأَْثَرَ، وَهُوَ: أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه: إِنَّا أَصَبْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ فِي شَيْءٍ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: دَعِ النَّاسَ يَعْلِفُونَ وَيَأْكُلُونَ، فَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِيهِ خُمُسٌ لِلَّهِ وَسِهَامُ الْمُسْلِمِينَ (2)
وَفَصَّل الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّتِهِمْ تَفْصِيلاً دَقِيقًا، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدِ ارْتَضَوْهُ، فَقَال: لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَازٍ أَوْ غَيْرِهِ.
- فَإِنْ بَاعَهُ لِغَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأَِنَّهُ يَبِيعُ مَال الْغَنِيمَةِ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ، فَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ، وَنَقْضُ الْبَيْعِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ، رَدَّ قِيمَتَهُ أَوْ ثَمَنَهُ، إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ إِلَى الْمَغْنَمِ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُمِل كَلَامُ الْخِرَقِيِّ
- وَإِنْ بَاعَهُ لِغَازٍ لَمْ يَحِل، إِلَاّ أَنْ يُبَدِّلَهُ بِطَعَامٍ أَوْ عَلَفٍ، مِمَّا لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
(1) المرجع السابق نفسه 10 / 487، والشرح الكبير في ذيله 10 / 472.
(2)
المغني 10 / 488 وقال: رواه سعيد.