الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 -
وَهَذَا النَّوْعُ أَيْضًا بَيْعٌ فَاسِدٌ عِنْدَ كُل مَنْ يَرَى بُطْلَانَ بَيْعِ الْعِينَةِ، فَإِنَّ بَيْعَ الْعِينَةِ: أَنْ يَبِيعَ لِرَجُلٍ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ سِلْعَةً كَانَ قَدِ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْهُ. وَهِيَ مِنْ حِيَل الرِّبَا، فَإِنَّ السِّلْعَةَ رَجَعَتْ إِلَى صَاحِبِهَا، وَثَبَتَ لَهُ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ مَثَلاً فِي ذِمَّةِ صَاحِبِهِ إِلَى أَجَلٍ، وَأَخَذَ فِي مُقَابِلِهَا أَلْفًا حَالَّةً (انْظُرْ: بَيْعَ الْعِينَةِ) .
فَالَّذِينَ قَالُوا بِتَحْرِيمِ بَيْعِ الْعِينَةِ قَالُوا: يَحْرُمُ ذَلِكَ وَيَفْسُدُ إِذَا وَقَعَ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْبَيْعُ الثَّانِي اتِّفَاقًا، أَوْ تَوَاطَآ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَقْدِ الأَْوَّل. (1) فَإِذَا وَقَعَ عَلَى أَسَاسِ اشْتِرَاطِ الْعَقْدِ الثَّانِي فِي الْعَقْدِ الأَْوَّل فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَالْفَسَادِ.
أَمَّا الَّذِينَ أَجَازُوا بَيْعَ الْعِينَةِ - وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ - فَيَحْرُمُ هَذَا الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ، وَيَفْسُدُ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَمِنَ الْبَيْعِ أَوِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ، (2) وَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّوْعِ التَّالِي.
النَّوْعُ الرَّابِعُ:
أَنْ يَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْعًا آخَرَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُقُودِ:
10 -
وَهُوَ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ:
الأُْولَى:
أَنْ يَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْعًا آخَرَ وَلَا يُحَدِّدَ الْمَبِيعَ الثَّانِيَ أَوِ الثَّمَنَ. فَهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ. الأَْوَّل: أَنَّهُ مِنَ " الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ "
(1) المغني 4 / 174 ط ثالثة.
(2)
شرح المنهاج وحاشية القليوبي 2 / 177.
الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَالثَّانِي: الْجَهَالَةُ، وَهَذَا بِالإِْضَافَةِ إِلَى كَوْنِهِ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عِنْدَ الأَْكْثَرِ.
الثَّانِيَةُ:
أَنْ يَشْتَرِطَ فِي الْبَيْعِ بَيْعًا آخَرَ وَيُحَدِّدَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ، كَأَنْ يَقُول: بِعْتُكَ دَارِي هَذِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَوْ عَلَى أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي الأُْخْرَى بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ هَذَا مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ. وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (1) . (ر: بَيْع وَشَرْط) .
11 -
وَالنَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْخْذِ بِهِ - فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَأَجَازَهُ الْحَنَابِلَةُ إِذَا كَانَ شَرْطًا وَاحِدًا - عَلَى تَفْصِيلٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَيَانِهِ، إِلَاّ أَنَّ الْمَشْرُوطَ إِنْ كَانَ بَيْعًا آخَرَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ الشَّرْطُ، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ أَيْضًا حَتَّى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (2)
(1) شرح المنهاج وحاشية القليوبي وعميرة 2 / 177، والمغني 4 / 234 ط ثالثة. وحديث:" نهى عن بيع وشرط. . . ". أخرجه الطبراني في الأوسط، ونقل الزيلعي عن ابن القطان أنه ضعفه. (نصب الراية 4 / 18 ط المجلس العلمي بالهند) .
(2)
المغني 4 / 233 - 235، وشرح فتح القدير على الهداية 6 / 80، 81.
وَهَذَا النَّوْعُ يَفْسُدُ أَيْضًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيْعًا أَوْ غَيْرَهُ، كَسَلَفٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ، قِيَاسًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْبَيْعِ، وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الرِّوَايَةِ الأُْخْرَى نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ بِمَعْنَى الْعَقْدِ، فَتَشْمَل كُل عَقْدَيْنِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَوَرَدَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ نَهْيٌ خَاصٌّ، هُوَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِل سَلَفٌ وَبَيْعٌ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إِلَاّ أَنَّ مَالِكًا قَال: إِنْ تَرَكَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ.
وَعَلَّل ابْنُ قُدَامَةَ لِفَسَادِ الْبَيْعِ بِالإِْضَافَةِ إِلَى كَوْنِهِ مِنَ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ، بِأَنَّهُ إِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ مَثَلاً زَادَ فِي الثَّمَنِ لأَِجَلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ. (1)
وَلَوْ كَانَ الْعَقْدَانِ لَيْسَ فِيهِمَا بَيْعٌ فَسَدَا كَذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي الإِْجَارَةِ سَلَفًا أَوْ نِكَاحًا، أَوْ شَرَطَ فِي النِّكَاحِ نِكَاحًا، وَهُوَ الشِّغَارُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْسِيرِهِ (ر: شِغَار) .
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُل فِي هَذَا النَّوْعِ أَيْضًا: أَنْ يَبِيعَ سِلْعَةً بِدَنَانِيرَ ذَهَبِيَّةٍ، وَيَشْتَرِطَ أَنْ يُسَلِّمَهُ الثَّمَنَ دَرَاهِمَ بِسِعْرِ صَرْفٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ
(1) المغني 4 / 235.
الْبَيْعِ نَفْسِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يُصَارِفَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ، وَالْمُصَارَفَةُ عَقْدٌ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، ثُمَّ قَال: وَقَال مَالِكٌ: لَا أَلْتَفِتُ إِلَى اللَّفْظِ الْفَاسِدِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا حَلَالاً، فَكَأَنَّهُ بَاعَ السِّلْعَةَ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي يَأْخُذُهَا بَدَل الدَّنَانِيرِ.
12 -
وَيَنْبَغِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُبَيَّنَةِ أَعْلَاهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَابَّةً وَدَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَيْسَ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ.
وَكَذَا لَوْ بَاعَ الدَّارَ بِدَابَّةٍ وَأَلْفِ دِينَارٍ.
13 -
وَمِثْلُهُ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَوْ قَال بِعْتُكَ دَارِي هَذِهِ وَآجَرْتُكَ دَارِي الأُْخْرَى سَنَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَهَذَا جَائِزٌ لأَِنَّهُمَا عَيْنَانِ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةً، فَجَازَ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُمَا مُجْتَمَعَتَيْنِ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْتُكَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِأَلْفٍ. وَهَذَا قَوْل الْحَنَابِلَةِ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُوَزَّعُ الْعِوَضُ عِنْدَ التَّرَادِّ فِي أَحَدِهِمَا حَسَبَ قِيمَتِهِمَا (أَيْ قِيمَةِ الْمُؤَجَّرِ مَثَلاً مِنْ حَيْثُ الأُْجْرَةُ لِلْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ، وَقِيمَةِ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ)
وَالْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: لَا يَصِحُّ؛ لأَِنَّ حُكْمَهُمَا مُخْتَلِفٌ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ يُضْمَنُ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ. وَالإِْجَارَةُ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ