الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما سمع من الكهان والأصوات بظهور النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند بعثته
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه مر به رجل فسأله قال: (كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك، قال: بينما أنا يومًا في سوق جاءتني أعرف فيها الفزع، قالت: ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ منه صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتا منه، يقول: يا جليح أمر نجيح رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله، فوثب القوم، قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى كذلك الثانية والثالثة فما قمت فما نشبنا أن قيل هذا نبي). (1)
حراسة السماء من استراق السمع بالمبعث الشريف
قال الله تعالى فيما أخبر عن الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (2)
روى أبو نعيم بسنده عن أبي هريرة قال: قال خريم بن فاتك لعمر بن الخطاب ألا أخبرك ببدء إسلامي؟ بينا أنا في طلب نَعم لي إذ جن الليل بأبرق العزاف فناديت بأعلى صوتي: أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهائه، وإذا هاتف يهتف بي فقال:
عذ يا فتى بالله ذي الجلال
…
والمجد والنعماء والأفضال
واقرأ بآيات من الأنفال
…
ووحِّد الله ولا تبال
(1) رواه البخاري في إسلام عمر من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم 8/ 178، 180 مطولًا.
* وإبلاسها: الإبلاس هو اليأس. وإنكاسها: أي انقلابها. بالقلاص: بكسر القاف جمع قلص بضم القاف واللام جمع قلوص، وهي الفتية من الإبل. والاحلاس. جمع حلس بكسر الحاء وسكون اللام، ما يوضع على ظهر الإبل تحت الرحل فصرخ: أي صوت. فوثب القوم: أي نهضوا مسرعين لا أبرح: أي لا أزال ها هنا جالسًا حتى أتحقق مما سيكون بعد هذا الصوت. نشبنا: أي لبشا.
(2)
قوله تعالى (إنا لمسنا): أي قربنا منها وأردنا استراق السمع من الملائكة.
قال: فارتعت من ذلك روعا شديدا فلما رجعت إلى نفسي قلت:
يا أيها الهاتف ما تقول
…
أرشد عندك أم تضليل
بين لنا هديت ما العويل
فقال:
هذا رسول الله ذو الخيرات
…
يدعو إلى الخيرات والنجاة
يأمر بالصوم وبالصلاة
…
ويزع الناس عن الهنات
قال: فاتبعني راحلتي وقلت:
أرشدني رشدا بها هديتا
…
لا جعت يا هذا ولا عريتا
ولا صحبت صاحبا مقيتا
…
لا يثوين الخير إن ثويتا
قال: فاتبعني وهو يقول:
صاحبك الله وسلم نفسكا
…
وبلغ الأهل وسلم رحلكا
آمن به أفلح ربي حقكا
…
وانصر نبيًا عز ربي نصركا
قال: فدخلت المدينة فطلعت في المسجد، فخرج إلي أبو بكر فقال: ادخل رحمك الله فقد بلغنا إسلامك، فقلت: لا أحسن الطهور، فعُلِّمت، ودخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر كأنه البدر وهو يقول:"ما من مسلم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى صلاة يعقلها ويحفظها إلا دخل الجنة". فقال عمر: لتأتيني على هذا بينة أو لأنكلن بك، قال: فشهد له شيوخ قريش عثمان بن عفان، فأجاز شهادته. (1)
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم، يقال لها الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي فأنقض تحتها ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر، قالت قريش -حين بلغها ذلك-: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى، فأنقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشا قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب؛ فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته.
(1) دلائل أبي نعيم: ج 1/ 135
قال ابن إسحاق: وحدثني علي بن نافع الجرشي، أن جنبًا، بطنا من اليمن، كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب قالت له جنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل، واجتمعوا له في أسفل جبله، فنزل عليهم -حين طلعت الشمس- فوقف لهم قائمًا متكئًا على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلًا ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم محمدًا واصطفاه، وطهر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم اشتد في جبله راجعًا من حيث جاء. (1)
روى ابن سعد بسنده عن جبير بن مطعم قال: كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن ببعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر، فنحرنا جزورًا، فإذا صائح يصيح من جوف واحده: اسمعوا إلى العجب، ذهب استراق الوحي ونرمى بالشهب، لنبي بمكة اسمه أحمد، مهاجرة إلى يثرب. قال: فأمسكنا وعجبنا، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
وروى ابن سعد بسنده عن جابر أو غيره قال: إن أول خبر جاء إلى المدينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأة من أهل المدينة كان لها تابع فجاء في صورة طائر حتى وقع على حائط دارهم، فقالت المرأة: انزل حدثنا ونحدثك وتخبرنا وتخبرك، قال: إنه قد بعث بمكة نبي حرم علينا الزنا ومنع منا القرار. (3)
وروى بسنده عن عمرو الهذلي قال: حضرت مع رجال من قومي صنمنا سواع وقد سقنا إليه الذبائح، فكنت أول من قرب إليه بقرة سمينة فذبحتها على الصنم، فسمعنا صوتا من جوفها: العجب العجب كل العجب، خروج نبي بين الأخاشب يحرم الزنا، ويحرم الذبح للأصنام، وحرست السماء، ورمينا بالشهب فتفرقنا، وقدمنا مكة فسألنا فلم نجد أحدًا يخبرنا بخروج محمد صلى الله عليه وسلم حتى لقينا أبا بكر الصديق فقلنا: يا أبا بكر، خرج أحد بمكة يدعوا إلى الله يقال له أحمد؟ قال: وما ذاك؟ قال: فأخبرته الخبر، فقال: نعم هذا رسول الله، ثم دعانا إلى الإِسلام، فقلنا: حتى ننظر ما يصنع قومنا، ويا ليت أنا أسلمنا يومئذ، فأسلمنا بعده.
(1) ابن هشام: ج 1/ 225
(2)
ابن سعد: ج 1/ 161
(3)
ج 1/ 190