الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شيء من أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي، كان من شعراء الجاهلية وقد أدرك زمن الإسلام
قال الحافظ ابن عساكر: هو أمية بن أبي الصلت، عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف ابن عقدة بن عزة بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال أبو الحكم الثقفي.
شاعر جاهلي قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل إنه كان مستقيماً، وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وإنه هو الذي أراده الله تعالى بقوله:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} . (1)
قال الزبير بن بكار: فولدت رقية بنت عبد شمس بن عبد مناف أمية الشاعر، ابن أبي الصلت، واسم أبى الصلت ربيعة بن وهب بن علاج بن أبي سلمة بن ثقيف.
وقال غيره: كان أبوه من الشعراء المشهورين بالطائف، وكان أمية أشعرهم.
وقال عبد الرزاق: قال الثوري: أخبرني حبيب بن أبي ثابت أن عبد الله بن عمرو قال في قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} هو أمية بن أبي الصلت. (2)
وكذا رواه أبو بكر بن مردَوَيه، عن أبي بكر الشافعي، عن معاذ بن المثنى، عن مسدد، عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير، عن نافع بن عاصم بن مسعود قال: أني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمرو فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} فقال: هل تدرون من هو؟ فقال بعضهم: هو صيفي بن الراهب
(1) الذي في ابن عساكر، وقيل إنه كان نبيًا.
(2)
سيرة ابن كثير ج 1 ص 122.
وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل. فقال: لا قال فمن؟ قال هو أمية بن أبي الصلت.
وهكذا قال أبو صالح والكلبي وحكاه قتادة عن بعضهم. وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن شبيب الربعي، حدثنا محمد بن مسلمة بن هشام المخزومى، حدثنا إسماعيل ابن الطريح بن إسماعيل الثقفي، حدثني أبى، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبيه، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجارًا إلى الشام، فكلما نزلنا منزلًا أخذ أمية سفرًا له يقرؤه علينا، فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاءوه وأكرموه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيوتهم. ثم رجع في وسط النهار فطرح ثوبيه وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما، وقال لي: هل لك يا أبا سفيان في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب تسأله؟ قلت: لا إرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأجدن منه. قال: فذهب وخالفه شيخ من النصارى فدخل عليَّ، فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: لست على دينه. قال: وإن، فإنك تسمع منه عجبًا وتراه. ثم قال لي: أثقفى أنت؟ قلت: لا ولكن قرشي. قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحبكم ويوصي بكم. قال فخرج من عندنا، ومكث أمية عندهم حتى جاءنا بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام. حتى أصبح كئيبًا حزينا ساقطًا غبوقه على صبوحه، ما يكلمنا ولا نكلمه. ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال نعم. فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين، ثم قال في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟ قلت وهل بك من حديث؟ والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك.
قال: أما إن ذلك لشيء لست فيه، إنما ذلك لشيء وجلت منه من منقلبي.
قلت وهل لك من منقلب؟
قال: إي والله، لأموتن ثم لأحيين.
قال: قلت: هل أنت قابل أماني؟ (1)
قال: على ماذا؟ قلت على أنك لا تبعث ولا تحاسب.
قال: فضحك ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان، لنبعثن ثم لنحاسبن وليدخلن فريق الجنة وفريق النار.
قلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟
قال لا علم لصاحبي بذلك، لا في ولا في نفسه.
قال: فكنا في ذلك ليلتين، يعجب مني وأضحك منه، حتى قدمنا غوطة دمشق، فبعنا متاعنا وأقمنا بها شهرين.
فارتحلنا حتى نزلنا قريةً من قرى النصارى، فلما رأوه جاءوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم، فما جاء إلا بعد منتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم، حتى جاء بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام.
وأصبح حزينا كئيبا لا يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت.
فرحلنا كذلك من بثه وحزنه ليالي، ثم قال لي: يا أبا سفيان، هل لك في المسير لنتقدم أصحابنا؟ قلت: هل لك فيه؟ قال نعم.
فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة، ثم قال: هيا صخر. فقلت. ما تشاء؟
قال حدثني عن عتبة بن ربيعة، أيجتنب المظالم والمحارم؟
قلت: إي والله.
قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟
قلت: إي والله.
قال: وكريم الطرفين وسط في العشيرة؟
قلت: نعم.
قال: فهل تعلم قرشيًا أشرف منه؟
قلت: لا والله، لا أعلم.
قال: أمحوج هو؟
قلت: لا بل هو ذو مال كثير.
قال: وكم أتى عليه من السن؟
فقلت: قد زاد على المائة.
قال: فالشرف والسن والمال أزرين به.
قلت: ولم ذاك يزرى به، لا والله بل يزيده خيرًا.
قال: هو ذاك، هل لك في المبيت؟ قلت: لي فيه.
قال فاضطجعنا حتى مر الثقل. قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل وبتنا به ثم ارتحلنا منه.
فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان. قلت: ما تشاء؟ قال هل لك في مثل البارحة. قلت: هل لك فيه؟ قال: نعم.
فسرنا على ناقتين بختيتين، حتى إذا برزنا قال: هيا صخر، هيه عن عتبة بن ربيعة.
قال قلت: هِيهًا فيه.
قال: أيجتنب المحارم والمظالم ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله إنه ليفعل.
قال وذو مال؟ قلت: وذو مال.
قال: أتعلم قرشيًا أسود منه؟ قلت: لا والله ما أعلم.
قال: كم أتى له من السن؟ قلت قد زاد على المائة.
قال: فإن السن والشرف والمال أزرين به.
قلت: كلا والله ما أزرى به ذلك، وأنت قائل شيئًا فقله. قال: لا، تذكر حديثي يأتي منه ما هو آتٍ.
ثم قال: فإن الذي رأيت أصابني أنى جئت هذا العالم فسألته عن أشياء، ثم قلت أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر.
قال: هو رجل من العرب.
قلت: قد علمت أنه من العرب، فمن أي العرب هو؟
قال: من أهل بيتٍ تحُجُّه العرب.
قلت: وفينا بيت تحجه العرب.
قال: هو من إخوانكم من قريش. فأصابني والله شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من
يدي فوز الدنيا والآخرة، وكنت أرجو أن أكون إياه.
قلت: فإذ كان ما كان فصفه لي.
قال: رجل شاب حين دخل في الكهولة، بَدْ أمره (أنه) يجتنب المظالم والمحارم، ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده من الملائكة.
قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم عليه السلام ثمانين رجفة، كلها فيها مصيبة، وبقيت رجفة عامة فيها مصائب.
قال أبو سفيان: فقلت هذا والله الباطل، لئن بعث الله رسولًا لا يأخذه إلا مسنًا شريفًا.
قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيان، يقول إن قول النصراني حق. هل لك في المبيت؟ قلت: نعم لي فيه.
قال فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة مرحلتان (أو) ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فسألناه فإذا هو يقول أصابت أهل الشام بعدكم رجفة دمرت أهلها وأصابتهم فيها مصائب عظيمة.
قال أبو سفيان: فأقبل على أمية فقال: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان؟ قلت أرى وأظن والله أن ما حدثك به صاحبك حق.
قال أبو سفيان: فقدمنا مكة، فقضيت ما كان معي، ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرًا فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة.
فبينا أنا في منزلي جاءني الناس يسلمون علي ويسألون عن بضائعهم، حتى جاءني محمد بن عبد الله وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم علىَّ ورحب بي، وسألني عن سفري ومقامي ولم يسألني عن بضاعته، ثم قام. فقلت لهند: والله إن هذا ليعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته.
فقالت لي هند: أوما علمت شأنه.
فقلت وأنا فزع: ما شأنه؟
قالت يزعم أنه رسول الله.
فوقذتني، وتذكرت قول النصراني، فرجفت حتى قالت لي هند: ما لك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهو الباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا. قالت: بلى والله إنه ليقول ذلك ويدعو إليه، وإن له لصحابة على دينه. قلت: هذا هو الباطل.
قال: وخرجت، فبينا أنا أطوف بالبيت إذ بي قد لقيته، فقلت له: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا وكان فيها خير، فأرسل من يأخذها ولست آخذ منك فيها ما آخذ من قومي. فأبى عليَّ وقال: إذن لا آخذها. قلت: فأرسل فخذها وأنا آخذ منك مثل ما آخذ من قومي. فأرسل إلى بضاعته فأخذها وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره.
قال أبو سفيان: فلم أنشب أن خرجت إلى اليمن. ثم قدمت الطائف فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقال لي: يا أبا سفيان. (قلت): ما تشاء (قال): هل تذكر قول النصراني؟ فقلت أذكره وقد كان. فقال: ومن؟ (1)
قلت: محمد بن عبد الله. قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب. ثم قصصت عليه خبر هند.
قال: فالله يعلم. وأخذ يتصبب عرقًا.
ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله، إن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لأطلبن من الله عز وجل في نصره عذرا.
قال: ومضيت إلى اليمن فلم أنشب أن جاءني هنالك استهلاله، وأقبلت حتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف فقلت: يا أبا عثمان قد كان من أمر الرجل ما قد بلغك وسمعته.
(1) قلت في الكلام تقديم وتأخير فأبو سفيان عندما نزل مكة قادمًا من الشام قصت عليه زوجه هند بنت عتبة ما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بالدعوة إلى الإِسلام سرًا، فخرج أبو سفيان إلى اليمن ومر بالطائف فأخبر أمية بن أبي الصلت بحديث هند ثم مضى إلى اليمن وفي اليمن جاءه كتاب من ولده حنظله بأن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قام بالأبطح يعلن الإِسلام فلما رجع من اليمن عرج على الطائف ونزل على أمية بن أبي الصلت فأخبره بكتاب حنظله.
فقال: قد كان لعمري.
قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟
فقال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبدا!
قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة، فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون.
قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وقد رواه الحافظ البيهقي في كتاب (الدلائل) من حديث إسماعيل بن طريح به، ولكن سياق الطبراني الذي أوردناه أتم وأطول. والله أعلم.
وقال الطبراني: حدثنا بكر بن أحمد بن نفيل، حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثنا مجاشع بن عمرو الأسدي، حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، أن أمية بن أبي الصلت كان بغزة أو بإيلياء، فلما قفلنا قال لي أمية: يا أبا سفيان هل لك أن تتقدم على الرفقة فنتحدث؟ قلت: نعم. قال: ففعلنا.
فقال لي: يا أبا سفيان إيه عن عتبة بن ربيعة؟ قلت: كريم الطرفين. [قال]: ويجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: نعم.
قال: وشريف مسن؟ قلت: وشريف مسن.
قال: الشرف والسن أزريابه.
فقلت له: كذبت، ما ازداد سنًا إلا ازداد شرفا.
قال: يا أبا سفيان إنها كلمة ما سمعت أحدًا يقولها لي منذ تبصرت، فلا تعجل علىَّ حتى أخبرك. قال قلت: هات.
قال: إني كنت أجد في كتبي نبيًا يبعث من حرتنا هذه، فكنت أظن بل كنت لا أشك أني أنا هو، فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف، فنظرت في بني عبد مناف
فلم أجد أحدًا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة، فلما أخبرتني بسنِّه عرفت أنه ليس به، حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه.
قال أبو سفيان: فضرب الدهر ضربه، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت في ركبٍ من قريش أريد اليمن في تجارة، فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به: يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته.
قال: أما إنه حق فاتبعه.
قلت: ما يمنعك من اتباعه؟
قال: ما يمنعني إلا الاستحياء من نساء ثقيف، إني كنت أحدثهن أني هو، ثم يرينني تابعًا لغلام من بني عبد مناف!!
ثم قال أمية: كأني بك يا أبا سفيان قد خالفته ثم قد رُبِطْت كما يُرْبطَ الجَدْيُ حتى يؤتى بك إليه فيحكم فيك بما يريد.