الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر بعض أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عند دعوته إياهم إلى الإِسلام
رواية ابن إسحاق: عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: (1) ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه أمر عظيم أو كما قالوا فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفًا بالبيت فلما مر بهم غمزوه ببعض القول قال: وعرفت ذلك في وجهه ثم مضى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمَّد بيده لقد جئتكم بالذبح قال: فأخذت كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك ليرفوه بأحسن ما يجد من (القول) حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشدًا فوالله ما كنت جهولًا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم، وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأطافوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (نعم أنا الذي أقول ذلك) قال: فلقد رأيت رجلًا (2) منهم أخذ بمجمع ردائه فقام إليه عقبة ابن أبي معيط فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه حتى وجب لركبته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
(1) قاله لأبيه عمرو بن العاص.
(2)
والرجل المبهم هو عقبة ابن معيط عليه لعنه الله كما في رواية أبي يعلى.
وسلم وتصايح الناس فظنوا أنه مقتول فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقيل: أدرك صاحبك: فخرج من عندنا وإن له لغدائر أربعًا، وهو يقول: ويلكم. أتقتلون رجلًا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ (1) فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأقبلوا على أبى بكر. قالت: فرجع إلينا أبو بكر، فجعل لا يمس شيئًا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. (2)
وعن عثمان بن عفان قال: أكثر ما نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أني رأيته يومًا وذرفت عيناه حين ذكر ذلك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يطوف بالبيت، ويده في يد أبى بكر رضي الله عنه، وفي الحجر ثلاثة نفر جلوس: عقبة بن أبي معيط، وأبو جهل بن هشام، وأميه ابن خلف، فمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلما حاذى بهم أسمعوه بعض ما يكره، فعرف ذلك في وجه النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فدنوت منه حتى وسطته، فكان بيني وبين أبي بكر، وأدخل أصابعه في أصابعي حتى طفنا جميعًا، فلما حاذاهم قال أبو جهل: والله لا نصالحك ما بل بحر صوفه وأنت تنهانا أن نعبد ما كان عبد آباؤنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:(أنا ذلك)، ثم مضى عنهم، فصنعوا به في الشوط الثالث مثل ذلك، حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه ووثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه، فدفعت في صدره، فوقع على أسته، ودفع أبو بكر أمية بن خلف، ودفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عقبة بن أبي معيط، ثم انفرجوا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو واقف، ثم قال لهم:(أما والله لا تنتهون حتى يحل الله عقابه عاجلًا)، قال عثمان: فوالله ما منهم رجل إلا وقد أخذه أفكل وهو يرتعد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (بئس
(1) سورة غافر آية رقم 28.
(2)
رواه أبو يعلى رقم (52) وحسنه ابن حجر في فتح الباري ص 7/ 169.
كان هذا الأذى في قريش بعد وفاة عمه أبو طالب وبعد ما نزلت سورة الرحمن آخذًا من قول أبي بكر تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
سورة الرحمن نزلت وقد قرئت على الجن.