الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسلم الإسلام، وتلا علي القرآن فلا والله سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرًا أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم، وداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه فقال:"اللَّهم اجعل له آية".
قال: فخرجت إلى قومي، حتى إذا كنت بثنية (1) تطلعني على الحاضر (2) وقع نور بين عيني مثل المصباح، فقلت: اللَّهم في غير وجهي. إني أخشى إن يظنوا أنها مثلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم. قال: فتحول فوقع في رأس سوطي. قال: فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية، قال: حتى جئتهم فأصبحت فيهم.
إسلام والد الطفيل وزوجه:
قال: فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخًا كبيرًا، قال: فقلت: إليك عني يا أبت، فلست منك ولست مني، قال: ولم يا بني؟ قال: قلت: أسلمت واتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم، قال: أي بني، فديني دينك، قال: فقلت: فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت. قال: فذهب فاغتسل، وطهر ثيابه. قال: ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم.
قال: ثم أتتني صاحبتي، فقلت إليك عني، فلست منك ولست مني، قالت: لم؟ بأبي أنت وأمي، قال: قلت: قد فرق بيني وبينك الإسلام، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم، قالت: فديني دينك، قال: قلت: فاذهبي إلى حنا ذي الشرى -قال ابن هشام: ويقال: حمى ذي الشرى- فتطهري منه.
قال: وكان ذو الشرى صنما لدوس، وكان الحمى حمى حموه له، وبه وشل (3) من ماء يهبط من جبل.
قال: فقالت: بأبي أنت وأمي، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئًا، قال: قلت: لا، أنا ضامن لذلك، فذهبت فاغتسلت، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام، فأسلمت.
ثم دعوت دوسا إلى الإسلام، فأبطئوا علي، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقلت له: يا نبي الله، إنه قد غلبني على دوس الزنا، فادع الله عليهم، فقال: "اللَّهم اهد
(1) الثنية: ما انفرج بين الجبلين.
(2)
الحاضر: القبيلة النازلة على الماء.
(3)
الوشل: الماء القليل.
دوسا، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم". قال: فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي، ورسول الله بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين.
روى مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع جزعًا شديدًا، فأخذ مشاقص، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه في هيئة حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه، فقال: مالي أراك مغطيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم وليديه فاغفر". (1)
(1) أخرجه مسلمٌ.