الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صعود النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج إلى السماء
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أُتِيَ بالمعراج، ولم أر شيئاً قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضِرَ، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء".
أخبرنا محمد بن عمر بأسانيده فذكر الحديث وفيه: أتاه جبريل وميكائيل فقالا: انطلق إلى ما سألت الله، فانطقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج فإذا هو أحسن شيء منظرًا، فعرجا به إلى السماوات سماءً سماءً، فلقي فيها الأنبياء. (1)
روى بسنده عن أبي سعيد الخدري فذكر الحديث وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم ير الخلائق أحسن من المعراج، ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحًا إلى السماء فإنما يشق بصره طامحًا إلى السماء عجبًا بالمعراج"، قال: "فصعدت أنا وجبريل
…
". (2)
فائدة عظيمة
قال الحافظ ابن كثير: "والحق أنه عليه الصلاة والسلام أسري به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق. فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله، فصلى في قبلته، تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج، وهو كالسلم ذو درجٍ، يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة (3)، ثم جاوز منزلتيهما، صلى الله عليه وسلم وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه
(1) ابن سعد: ج 1/ 213.
(2)
دلائل البيهقي: ج 2/ 391.
(3)
قلت وآدم في السماء الأولى ويحيى وعيسى في الثانية ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة.
صريف الأقلام، أي: أقلام القدر بما هو كائن. ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددةٍ، وغشيتها الملائكة.
ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح.
ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق.
ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسند ظهره إليه؛ لأن الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
ورأى الجنة والنار، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس، رحمة منه ولطفًا بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها.
ثم هبط إلى بيت المقدس، وهبط معه الأنبياء، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة. ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولًا مطلوبًا إلى الجناب العلويِّ؛ ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل عليه السلام له في ذلك.
ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق، وعاد إلى مكة بغلس. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء، أو الجميع؛ فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ومحتمل أنه ها هنا وها هنا؛ لأنه كالضيافة للقادم، والله أعلم". (1)
(1) تفسير ابن كثير (5/ 39 - 40).