الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زواجه من خديجة رضي الله عنها
قال ابن شهاب الزهري: فلمّا استوى وبلغ أشدَّه، وليس له كثير مال، استأجرته خديجة ابنة خُويلد، إلى سوق حُباشَة -وهو سوق بتهامة- واستأجرت معه رجلًا آخر من قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يحدث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيرًا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلَّا وجدنا عندها تحفة طعام تخبئه لنا، فقال: فلما رجعنا من سوق حُباشَة -قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: قلت لصاحبي: انطلق بنا نتحدث عند خديجة، قال: فجئناها، فبينا نحن عندها، إذ دخل علينا مستنشئة من مولدات قريش -والمستنشئة: الكاهنة التي تستنشيء الرجل- قالت: أمحمد هذا، والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، فقلت كلَّا، فلما خرجنا أنا وصاحبي، قال: أمِنْ خطبة خديجة تستحي، فوالله ما من قرشية إلَّا تراك لها كفوًا، قال: فرجعت إليها مرة أخرى، فدخلت علينا تلك المستنشئة، فقالت: أمحمد هذا؟ والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، قال: قلت على حياء: أجل، قال: فأرسلت خديجة وراء أختها، فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد -وهو ثمل من الشراب- فقالت: هذا ابن أخيك محمَّد بن عبد الله يخطب خديجة، وقد رضيت خديجة، فدعاه، فسأله عن ذلك، فخطب إليه، فأنكحه، قال: فخَلَّقته خديجة، وحَلَّت عليه حلة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بها، فلما أصبح، صحا الشيخ من سكره، فقال: ما هذا الخلوق، وما هذه الحُلَّة؟ قالت أخت خديجة: هذه حلَّة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله أنكحته خديجة، وقد بنى بها، فأنكر الشيخ، ثم سلَّم إلى أن صار ذلك واستحيي، وطفقت رُجاز من رُجَّاز قريش تقول:
لا تزهدي خديجُ في محمَّد
…
جلد يضيء كضياء الفرقد (1)
وروي الطبراني عن أبي خالد الوالي، عن جابر بن سمرة -أو رجل من الصحابة- قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يرعي غنمًا، فاستعلى الغنم،
(1) المغازي النبوية لابن شهاب الزهري ص 43.
فكان في الإبل هو وشريك له، فاكتريا أخت خديجة، فلمّا قضوا السفر بقي لهم عليها شيء فجعل شريكه يأتيهم فيتقاضاهم، ويقول لمحمد: انطلق، فيقول: اذهب أنت، فإني أستحي، فقالت مرّة -وأتاهم-: فأين محمَّد لا يجيء معك؟ قال: قلت له، فزعم أنه يستحي، فقالت: ما رأيت رجلًا أشد حياءً ولا أعف ولا ولا! فوقع في نفس أختها خديجة، فبعثت إليه، فقالت: اِئْتِ أبي فاخطبني إليه، فقال: أبوك رجل كثير المال، وهو لا يفعل، قالت: انطلق فالقه فكلّمه، ثم أنا أكفيك، وأْتِهِ عند سكره، ففعل فأتاه فزوّجه، فلما أصبح جلس في المجلس، فقيل له: قد أحسنت زوّجت محمدًا، قال: أوَفعلت؟ قالوا: نعم، فقام فدخل عليها، فقال: إن الناس يقولون: إني قد زوّجت محمدًا وما فعلت، قالت: بلى، فلا تُسفِّهنِّ رأيك، فإن محمدًا كذا، فلم تزل به حتى رضي، ثم بعثت إلى محمَّد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأوقيَّتين من فضة أو ذهب وقالت: اشتر حُلّة واهدها لي، وكبشًا وكذا وكذا، ففعل). (طب)(1).
(1) وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. قال الحافظ ابن حجر ورجالها رجال الصحيح سوى شيخيها وأبي خالد الوالبي، قلت الشيخان وأبي خالد الولبي ثقات، جامع الأحاديث للإمام السيوطي ص4 ج6، قلت كان زواجه منها صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم في شهر ربيع الأول وعمره خمس وعشرون سنة قبل الهجرة بتسع وعشرين سنة.