الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أصلها مكروبًا موجعًا، تسيل قدماه الدماء، وإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما، لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله، وبه الذي به، فأرسلا إليه غلامهما "عداسًا" بعنب، وهو نصراني من أهل نينوى، فلما أتاه وضع العنب بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، فعجب عداس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي أرض أنت يا عداس؟ قال أنا من أهل نينوى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متى. فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس ما عرف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدًا يبلغه رسالات الله تعالى، قال: يا رسول الله أخبرني خبر يونس بن متى، فلما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس بن متى ما أوحى إليه من شأنه، خرَّ ساجدًا للرسول صلى الله عليه وسلم ثم جعل يقبل قدميه وهما تسيلان الدماء، فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا، فلما أتاهما قالا له: ما شأنك؟ سجدت لمحمد، وقبلت قدميه، ولم نرك فعلت هذا بأحد منا، قال: هذا رجل صالح حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يدعى يونس بن متى، فأخبرني أنه رسول الله فضحكا، وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك إنه رجل يخدع. ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة".
سعي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إلى الطائف وموقف ثقيف منه
قال ابن إسحاق: ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده.
قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد، عن محمَّد بن كعب القرظي، قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن
عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإِسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فقال له أحدهم: هو يمرط (1) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك؛ وقال الآخر: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا. لئن كنت رسولًا من الله كما تقول؛ لأنت أعظم خطرًا من أن أردّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي في أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم -فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه، فيذئرهم (2) ذلك عليه. قال ابن هشام: قال عبيد بن الأبرص:
ولقد أتاني عن تميم أنهم
…
ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا
فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجئوه إلى حائط (3) لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظلّ حبلة (4) من عنب، فجلس فيه. وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي- المرأة التي من بني جمح، فقال لها:"ماذا لقينا من أحمائك؟ ".
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما ذكر لي-: "اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني (5)؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك".
(1) يمرطه: ينزعه ويرمي به.
(2)
يذئرهم: يثيرهم.
(3)
الحائط: الحديقة.
(4)
حبلة: شجرة العنب.
(5)
تجهّم فلانًا: استقبله بوجه كريه.