الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
367 - مَسْلَمَة ويقال له بسلمة وسلامة ابن السلطان الأفخم أبي عبد الله محمَّد بن السلطان أبى محمَّد عبد الله ابن السلطان الأفخر أمير المُؤْمنين بالمغرب الأقصى أبي النصر إسماعيل الجد الأعلى
.
حاله: كان جوادا كريما لا يكبر في عينه شيء من متاع الدنيا وزينتها، آية في السخاء وعلو الهمة، بطلا شجاعًا، كريم الأخلاق والسجايا، أُمه شهرزاد العلجة، استخلفه شقيقه المولى اليزيد المترجم فيما يأتى لنا بحول الله ببلاد الهبط والجبل، وأسند إليه تدبير أمور ثغور تلك الجهة، وفوض إليه في النظر في مصالحها فأحبه أهلها لسلوكه فيهم مسلكا حسنًا، ولذلك لما اتصل به نعى أخيه اليزيد المذكور ودعا لنفسه بايعه أهل تلك البلاد ولم يتخلف أحد منهم عن بيعته، واتفقت كلمتهم عليه، وذلك عشية يوم الجمعة ثانى رجب عام ستة ومائتين وألف.
وكان حامل راية بيعته أبو الحسن على بن أَحْمد بن الطيب الشريف الوزانى، وتشيع له جروان ودخيسة وأولاد نصير وآية يمور -وكانت منازلهم بسلفات- وبنو مستارة، وأهل جبل زرهون، وزمور، وزعير.
ولما تمت له البيعة وجه ولده الرشيد وجعفرًا لتطاوين بقصد إلقاء القبض على عشعاش وذلك يوم السبت الموالى ليوم بيعته، ولما وصلا إليه أنزلهما وبالغ في إكرامهما ونجا بنفسه ليلا إلى جبل العلم واستجار بضريع أبي محمَّد عبد السلام بن مشيش، فرجع الولدان المذكوران لأبيهما وقصا عليه القصص، وفي يوم الاثنين خامس الشهر ورد عليه قاضى تطاوين أبو محمَّد عبد السلام بن قريش وفي معيته الشرفاء والفقهاء والأعيان فاهتبل بوفادتهم، وأَكرم نزلهم ووصلهم بصلات ضافية، وفي اليوم نفسه وردت عليه بيعة شفشاون مع قاضيها عبد الكريم الورديغى وأعيانها، ووفدت إليه القبائل الجبلية وأهل طنجة والعرائش والقصر
367 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2543.
الكبير ووزان، ووجه له البيعة أبو الحسن على الوزانى المذكور، وأهدى له فرسًا من عتاق الخيل وندبه للإسراع إلى العاصمة المكناسية.
ثم وجه المترجم من يقطع رأس محمَّد وعزيز، وسعيد بن العياشى، وغيرهما من قواد العبيد فلما سمع بذلك وعزيز المذكور وجه للشيخ التاودى ابن سودة بفاس يطلب منه أن لا يبايع أحدًا من أولاد السلطان سيدي محمَّد بن عبد الله، فأجابه الفقيه المذكور لتأخير ذلك إلى أن تجتمع كلمة المسلمين، ويتفق أهل الحل والربط على إحضار أبناء السلطان المذكور، وينظرون لأنفسهم من يبايعونه منهم بالتسليم أو القرعة، وإلا فالأحق بها هو مولانا هشام الذي حارب عليها وقتل أخاه، وهو أَيضًا بالأرض التي مات فيها السلطان، ثم بعد هذا بدا لوعزيز المطيرى المذكور أن يبايع أَبا الرَّبيع سليمان وزيف قول الفقيه المذكور وذلك بعد موافقة رؤساء العبيد معه على البيعة للمذكور.
أما المترجم فإنَّه أقام بتازروت، وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من رجب ورد عليه أبو محمَّد التهامى بن الحسنى بالفرس الذي أهداه أبو الحسن على بن أَحْمد وتولى أبو محمَّد التهامى المذكور كلمة المترجم وصارت كالوزير له.
وفي يوم الأحد حادى عشر الشهر نهض المترجم من تازروت بخيل أهل الريف وسفيان وبنى مالك والخلط وطليق وغيرهم، وفرق في الأشراف وغيرهم نقودًا ذهبية وخيم ببني عروس، ومن الغد ارتحل بعد أن التقي بالمرابط السيد هدى وسار إلى أن نزل بزيتونة بني كرفط، ومن الغد ظعن لوادى المبهازن ودخل القصر يوم الخميس الثالث والعشرين من الشهر وأقام فيه فريضة الجمعة، وبات يوم السبت بصرصر، ونزل يوم الأحد بآزجن، وفي يوم الاثنين دخل وزان وخيم بالظهر الطَّويل، وأعطى الشرفاء أَلْف دينار ذهبا وكساهم بالملف والحرير والكتان.
وفي يوم الجمعة متم الشهر جددت له البيعة بوزان على يد أبي الحسن على ابن رشدون وخطب به الفقيه أبو عبد الله محمَّد الرهونى فأعطاه نحو خمسين دينار، وأظهر الشعار الملكى هنالك ولعب البارود طلقا على الخيل، وقبل هذا
اليوم وردت عليه بيعة كلعية، ووفد عليه البعض من برابر زمور وآيت يمور وعرب بني حسن، وتجرد أبو الحسن بن أَحْمد لندب القبائل للعض بالنواجذ على بيعة المترجم وحثهم على ذلك وكتب بذلك للشاوية، وَسَلَا، والرباط.
وأما محمَّد وعزيز فإنَّه صار يندب النَّاس لبيعة أبي الربيع، وكتب للرباط وَسَلَا أَيضًا والقبائل البربرية وأهل مكناس والعبيد وفاس وتازا وغير ذلك، فأَجابوه لبيعة أبي الرَّبيع وبايعوه، فصارت الدولة دولات والملوك وكذلك: مولاى هشام أمير مراكش، وأبو الرَّبيع أمير فاس، والمترجم أمير وزان والجبال الهبطية وما وإلى ذلك.
وفي يوم السبت فاتح شعبان قدم بنو مستارة لصاحب الترجمة فرسًا برسم الهدية وكذلك قبيلة دخيسة وأولاد نصير وآيت يمور وجروان، وفيه أَيضًا وجه القائد عمر الرحيوى البُخَارِيّ للإتيان بعيال أخيه اليزيد من تطاوين وكذلك من بقي بها من نساء أَبيه.
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان وردت عليه خيل جروان وآيت يمور وأثنى عليهم بالشجاعة والثبات، وأمرهم بالتعرض لمحلة العبيد التي بقيت بعد وفاة أخيه اليزيد بمراكش، حيث بلغه أنها من أهل طاعته فليتركوها وليعززوها إلى أن تأتى إليه، فإن رأَوا أنها تريد اللحوق بأخيه أبي الرَّبيع فلينهبوها، فإنَّها حاملة للانفاض والسلاح والمزارق وغير ذلك مما خلفه اليزيد، ومعها نحو الثمانين بغلة وعدد رجالها ما بين فرسان ورماة نحو الألفين، ووصلهم بنقود ذهبية والتزم لهم بأداء دية من هلك منهم، وغرم ما عسى أن يموت أو يتلف لهم من أفراسهم فأجابوه بالسمع والطاعة، وتوجهوا لما أمروا به يوم الثلاثاء رابع شعبان فوجدوا المحلة التي توجهوا من أجلها دخلت مكناسة يوم الاثنين ثالث الشهر.
وفي يوم السبت الثامن منه بلغ الرحيوى المذكور آنفًا جبل الحبيب راجعا من
تطاوين بمن ذكر من النساء اللاتى توجه لأجل الإتيان بهن للمترجم، فتعرض له عشعاش الذي كان صاحب الترجمة همَّ بالإيقاع به أول ما بويع له ونزع منه ما أتى به من مال ومتمول وسلاح وبارود وثياب، وأعانه على ذلك الشرفاء أولاد مولاى عبد السلام بن مشيش، وذلك يوم السبت الثامن من شعبان المذكور، وفيه وردت عليه ثلاثمائة فارس من زمور الشلح مبايعين.
وفي اليوم نفسه اجتمع أهل العدوتين سَلَا، والرباط بالزاوية التهامية بقصد المفاوضة فيمن يبايعونه من المنتصبين للملك، إذ المترجم كان قائما بوزان وما والاه مما ذكر، وأبو الرَّبيع سليمان بفاس ومن انضم إليهما، وهشام بمراكش ونواحيه، فوقع النزاع بين أهل العدوتين عبد الله بركاش مال لبيعة هشام محتجًا بأن أبناءهم تحت يده، وأنه قاتل على الملك حتَّى ظفر به، وأن كتابه بطلب مبايعتهم له سبق غيره في الوصول إليهم، وبأنهم إن بايعوا سليمان أو مسلمة يقتل هشام أولادهم، وكانوا ثلاثين ما بين أهل الرباط وَسَلَا، فنازعه الحاج العباس مرينو وأبي إلَّا المبايعة لصاحب الترجمة، واحتج بكتاب أبي الحسن على بن أَحْمد الوزانى، فنازعه أولاد الرايس بكتاب من أبي عبد الله محمَّد بن عبد القادر يقول فيه: نحن أهل وزان ما بايعنا أحدًا من سليمان ولا سلامة، وقال فقهاء أهل سَلَا لبركاش: بايع من شئت، وحسبنا الإشهاد عليك، فأجابهم بقوله: لا تشهدوا عَلَيَّ ولا أشهد عليكم، وأنتم فقهاء تحللون وتحرمون، فإن بايعتهم سلامة مكنونى من خط يدكم فإن ورد هشام نمكنه منه ودونكم وإياه، أو قدم سليمان فكذلك، وكان فقهاء العدوتين يريدون سلامة إلَّا محمَّد الغربى الرباطى، فإنَّه كان يعزز بركاش في رأيه، ثم اتفق رأى العلماء بعد أخذ ورد على البيعة لأول قادم عليهم من المذكورين، ثم وقعت إثر ذلك حيل وخدع لا حاجة بنا لذكرها وقد بسطها الضعيف في تاريخه.
وفي يوم الأربعاء الثاني عشر من شعبان وجه المترجم ولده جعفرًا مع بني مالك وسفيان وبعض بني حسن والبعض من زمور الشلح وآيت يمور ووصلهم بنصف دينار لمنفر، وكانوا نحو الألفين وأمرهم بالتعرض لبوعزة القسطالى وقطع رأسه، ولما وصلوا وادى بهت وجدوه دخل مكناسة.
وفي اليوم نفسه وجه أبو الرَّبيع سليمان أخاه الطيب في جيش لمطاردة الرشيد ابن المترجم، إذ كان يومئذ مخيما بزرهِون مع آيت يموريشن للغارات على الزراهنة الذين هم في طاعته، وكان المترجم بعث للعبيد الذين خلفهم اليزيد محاصرين لسبتة، وكان عددهم نحو الخمسمائة، ولما وافوه لوزان وجههم رِدْءًا لولده الرشيد المذكور، وفوض الأمر لرئيسهم ابن عليّ، وأعطاه بطائق مختومة بخاتمه يكتب فيها للقبائل بما يراه مصلحة وفي اليوم نفسه وجه المترجم ولده جعفرًا لإغاثة صنوه الرشيد بزرهون مع آيت يمور وزمور الشلح وبنى مالك وسفيان وبنى حسن وغيرهم، فأوقعوا بمحال المترجم شر وقعة ونسفوا أموالهم وبددوا جموعهم، وفروا إلى الريف ولحق المترجم بابنيه المذكورين وابن أخيه الحسن.
ثم بعد ذلك نهض إليهم أبو الرَّبيع في جنود جرارة لا قبل لهم بها، ولما التقى الجمعان على ضفة وادى سبو بالمحل المعروف بالحجر الواقف وقعت الهزيمة على المترجم وأنصاره في أول غارة، فولوا الأدبار وتركوا جميع مقوماتهم غنيمة باردة لأبي الرَّبيع، وبإثر ذلك وافى نساء آيت يمور وصبيانهم على الحضرة السليمانية متشفعين تائبين، وفي العفو عنهم راغبين، فعفا عفو قادر، ثم بعد هذا عسكر المترجم وسط بلاد الحياينة فتوجه إليه أبو الرَّبيع وفلَّ جموعه ورجع الحياينة في قيود الهوان والصغار يطلبون العفو والأمان، فأمنهم قال في الجيش: ولم يبق مع المترجم إلَّا خاصته وولداه وابن أخيه الحسن بن يزيد.
وفي يوم الجمعة الرابع عشر فرق على عرب الصباح صندوقين من جعاب المكاحل الرومية وكساهم وولى عليهم أحد أتباعه يسمى العياشى، وفي اليوم نفسه وقع هرج ومرج برباط الفتح حيث إن بركاش المذكور رام أن يخطب بهشام والحاج العباس أراد الخطبة بالمترجم، وآخر الأمر لم ينفذ مراد واحد منهما، وصلى النَّاس الجمعة ظهرًا، وكثرت الأهوال، وفسدت الأحوال، واضطربت الأمور، وتحرجت الصدور، وأصبحت الدوائر على المترجم تدور؛ وفت في عضده فخلع نفسه وقد كان فرق في الأشراف وغيرهم نحو السبعين قنطارا.
وفي ليلة السبت الثامن والعشرين من شعبان عام ستة ومائتين وألف، خرج وزان ناجيا بنفسه، حيث رأَى أن شوكة أخيه سليمان قد بلغت الغاية في الشدة، وكانت دولته بوزان نحو شهرين، ونفوذه سائر في القبائل الجبلية وأهل الفحص وما والى ذلك من الثغور.
ثم لم تزل أيدى التغريب والنوى تلعب به إلى أن رحل إلى الحج ودخل مصر وأقام بها مدة، ثم توجه إلى مكة فنزل على سلطانها صهره على أخته، ثم عاد إلى مصر، ومنها توجه إلى تونس فعظم أميرها حمودة باشا شأَنه وأَكرم مثواه ونزله ورتب له جراية كجراية ولى عهده، وبقى بتونس معظما مكرما، وتزوج عقيلة من بيت الشيخ القصرى أَولدها ذكرًا تُوفِّي صغيرًا.
قال في تعطير النواحى: زار المترجم إمام عصره الشيخ أبو إسحاق الرياحي، ولما أراد الخروج قال له: لا أُسرحك في حر الشَّمس، وألزمه أن يتغدى معه، ولما أراد الشيخ الرجوع عشية أَنشد للمترجم.
ولما نزلنا في ظلال بيوتكم
…
أُمنا ونلنا الخصب في زمن المحل
ولو لم يزد إحسانكم وجميلكم
…
على البر من أهلى حسبتكم أهلى
فقال له المترجم: إنك إن أتيت أخي مدحته وأجارك وهو سلطان، وأنا غريب وكان بإصبعه خاتم ثمين فنزعه من خنصره وناوله الشيخ فأخذه الشيخ وضمه إلى صدره وأنشد:
نظرت لخاتم قد جل قدرا
…
تحف به الخلافة والكرامة
فقلت له شرفت وأى فضل
…
حويت بلبس مولانا سلامة
وقال له: إن خاتمك شريف، والشريف لا يستعمل، وقد أجازنى أخوك في الدنيا وجائزتى منك في الآخرة، ووضعه بين يديه فامتنع مولانا سلامة من قبوله، فقال له الشيخ: لا تحرمنى من جائزة الآخرة، فهي خير وأبقى والأعمال بالنيات فتركه الشيخ بين يديه، وخرج. رحم الله تعالى الجميع.
ثم بعد هذا عاد إلى المشرق ولم يزل يتردد به إلى أن وافته منيته.
هذا ملخص ما للزيانى، والضعيف، والجيش مع ترتيب، وتحرير وتهذيب، يظهر للقارئ المنصف بمراجعة الأصول.
وكان ختم أنفاسه بتونس بعد أن اعتراه شبه اختلال، وأقبر بزاوية أبي الحسن على عزوز قرب سوق البلاط، على ما أخبرني به صاحب التعطير صديقى الحميم الشيخ عمر الرياحي التونسى حفيد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم المذكور آنفًا.
وقال أبو العباس أَحْمد وابن أبي الضياف التونسى في تاريخه: إن مولاى مسلمة خرج من المغرب إثر خلعه وجاب الآفاق وأقام مدة بالديار المصرية، واجتمع فيها بنابليون الأول ووقعت بينهما المهادات، وكان هذا الشريف منصفا يذكر ما شاهد من حزم نابليون وشجاعته وثقوب فكره وإخباره بما آل إليه حال المسلمين وأسبابه من الانغماس في النعيم والتفنن في الحضارة واستعمال السرف؛ في مذاهب الترف، حتَّى إن أثقال أمراء الجيوش توازى أثقال الجيش أو معظمه،