الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
266 - محمد بن عبد الوهاب بن عثمان الكاتب السفير الرحالة الوزير الكبير المكناسى النشأة والدار
.
حاله: فقيه علامة أديب أريب نبيه، حسن البديهة، قوى العارضة، شاعر مفلق، نقاد كاتب بليغ، يطرز كتابته بفنون البلاغة والإنشاء، وفق ما يشاء، اصطفاه أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله لسرد الكتب وهو إذ ذاك في عنفوان شبابه، وقد كان مورقا وواعظا بمحل أبيه، ثم اتخذه كاتبا في بساطه الملوكى، ثم قلده الولاية بتطوان مدة أعوام كما للزيانى في الفهرسة، ثم استوزره.
وكان من أهل الفضل والدين قائما بمأموريته أحسن قيام، وكان منقطعا ليتيمة الأشراف مولاى على بن أمير المؤمنين سيدي محمد بن عبد الله، وله فيه أشعار رقيقة وأمداح رائقة فغمره إحسانا وإنعاما وامتنانا.
ثم استعمله السلطان المذكور في السفارة بينه وبين الدول، فجال بسبب ذلك في أوروبا وإفريقية وآسيا وما بينها، أرسله أولا سفيرا عنه لدولة إصبانيا وملكها كارلوس الثالث للنظر في أمر الأسارى المسلمين الذين عندها وكان ذلك سنة 1193، فعقد معها معاهدة، وألَّف في ذلك رحلة.
قال "شيني" قنصل فرنسا لذلك العهد بسَلا في صحيفة 519 من الجزء الثالث من كتابه عن المغرب المطبوع بباريس سنة 1787: إن الخلاف الذي وقع بين فرنسا وإنكلترا غير الحالة الساسية بأوربا، فرأت إصبانيا أن ذلك يساعدها على تجديد العلائق مع المغرب، فجدد السلطان معها الصلح والعلائق إجابة لسعيها وذلك سنة 1780 بواسطة ابن عثمان وقبل بكل ارتياح جميع المطالب الإصبانية.
ثم ووجهه ثانيا سفيراً لحكومة مالطة ونابولى فباحث الأولى سنة 1195 في شأن الأسرى، وعقد مع ملك نابولى اتفاقا، وألَّف في هذه السفارة رحلة أخرى.
266 - من مصادر ترجمته: إتحاف المطالع في الموسوعة 7/ 2463.
ثم رحل للحج مقلدا التكاليف المولوية في سفارة ثالثة للدولة العثمانية وذلك سنة 1200، وكانت مبارحته رباط الفتح -حيث كان حلول الركاب الشريف ثم -مهل المحرم فاتح السنة المذكورة ودخل القسطنطينية العظمى ودمشق الشام والقدس الشريف وزار الخليل ودخل الجزائر وتونس وتلمسان، ولقى أعلام تلك البلاد، واستفاد وأفاد، ثم آب لمسقط رأسه، ومحل أُنسه، مكناسة الزيتون، حيث له الأهل والإخوان والبنون، ضحوة يوم الثلاثاء لست بقين من شوال عام اثنين ومائتين وألف وكتب في ذلك رحلة أُخرى، وقد أسلفنا شرح ما وقع له في هاتين السفارتين ملخصا من رحلتيه فيهما في فصول العلائق السياسية من الترجمة المحمدية.
ثم عثرت بعد ذلك على كلام بعض المؤرخين من الإفرنج يدل على أنه تولى السفارة أيضًا للسلطان المذكور إلى إمبراطور النمسا، وأنه تولى السفارة من بعده لولده مولاى اليزيد إلى دولة الإصبان، فقد ذكر "أكرابير دى همسو" في صحيفة 234 من كتابه الموضوع باللغة الإيطالية المسمى (بالمظهر الجغرافى والتاريخى للمغرب) المطبوع بجنيف سنة 1734: أن ابن عثمان توجه سفيراً لنابولى ثم سار منها سنة 1783 إلى فينَّا عاصمة النمسا من قبل السلطان لعقد معاهدة سلمية تجارية بين الدولتين، وكان إمبراطور النمسا يومئذ: جوزيف الثاني.
وقد تكلم على هذه السفارة أيضًا القنصل شينى في كتابه المذكور وطوماسى في صحيفة 305 من كتابه: المغرب وقوافله أو علائق فرنسا مع المغرب، المطبوع بباريس سنة 1745 إلا أنهما لم يتعرضا لاسم السفير الذي هو ابن عثمان صاحب الترجمة.
وقال همسو المذكور في صحيفة 36 من كتابه: مختصر الأدب التاريخى في المغرب، وهو جزء صغير تعرض فيه لذكر من ألف في المغرب من سائر الدول طبع بليون سنة 1820: أن عثمان كان وزيرا صدرا عند السلطان سيدي محمد بن
عبد الله، وأن بعض رجال حاشيته المرافقين له في سفارته لنابولى، وفينا ألف رحلة في جزء صغير، وأنه رأى نسخة من هذه الرحلة وبها صور وأبنية شاهدها بأوربا.
وذكر همسو أيضًا في كتابه المذكور أن المولى اليزيد وجه ابن عثمان سفيراً لمدريد، ولم أر أحدا غيره تعرض لهذه السفارة، وعلى كل فقد حفظ زيادة على أنه للمنافى لقوله: ولما وردت سفارة أصبانيا على المولى سليمان لتجديد المعاهدات السابقة بينها وبين المغرب كلف وزيره المترجم بمفاوضتها وإمضاء ما يقع الاتفاق معها عليه فعقد معها معاهدة عام 1213 الموافق لعام 1899 المشتملة على ثمانية وثلاثين مادة وشرطا، وفي صحيفة 61 من السنة الثامنة من جريدة المنيتور الجمهورية، أن هذه المعاهدة التي أوقعها ابن عثمان مع إصبانيا تعد خطوة جديدة في سبيل المتقدم والمدنية، وذكر طماسى المذكور في صحيفة 361 من مؤلفه المشار إليه أن مولاى سليمان ووزيره الأكبر ابن عثمان عرفا كيف يقاوما أعداء فرنسا وإصبانيا حليفتها، فلذلك لما بعثت إصبانيا هداياها للسلطان وتبعتها إنكلترا بهداياها التي ضاعفت فيها هدية الإصبان سعيا في قطع علائق الدولتين مع المغرب لم تنجح في مساعيها.
هذا وقد كانت بين صاحب الترجمة وبين عصريه ومشاركه في الكتابة والتقدم أبى القاسم الزيانى المؤرخ منافسة تعرض الزيانى لبعضها في رحلته الترجمانة وغيرها من كتبه، ونال من المترجم على عادته مع معاصريه وغيرهم، قابله الله بالعفو والغفران آمين، وذكر أنهما اجتمعا معا في الأستانة وكل منهما حامل لأوامر ملوكية، وأن الدولة العثمانية اعتنت بالزيانى لمحافظته على آداب السفارة بين الملوك أكثر من اعتنائها بالمترجم مع كونه هو السابق في الورود عليها، وأن المترجم غار من ذلك وحدثت بسبب ما ذكر بينهما وحشة تفصيلها في رحلة الزياني.
مشيخته: أخذ عن أمير المؤمنين مولانا سليمان.
وأخذ بالقدس عن القدوة البركة العارف الشريف الشيخ أبى السعود محمد المأذون بالخلوة القادرية والخلوتية، قال عن نفسه: وصافحنى بمصافحة شيخه في الطريقة السيد مصطفى بن كمال الصديقى الدمشقي البكرى الخلوتى، عن الشيخ عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبى، عن الشيخ مصطفى أفندي الأدرنوى، عن الشيخ على خرباش، عن الشيخ إسماعيل الجروى بسنده المتصل المذكور في رحلة المترجم.
ولقى بالشام الشيخ المحدث سعد الدين الحنفى حفيد الشيخ عبد الغنى النابلسى، والشيخ كمال الدين محمد بن محمد الدمشقي الشهير بالغزى مفتى الشافعية، ومفتى الحنابلة الشيخ إسماعيل الجراعى، ولقى بتونس صالح علمائها الشيخ أحمد بن عبد الله بن محمد السوسى السكتانى المغربى، أخذ أبوه عبد الله عن سيدي أحمد بن ناصر ومكث مجاورا بين مكة والمدينة سبعا وعشرين سنة ومات بتونس سنة 1177.
مؤلفاته: منها الإكسير؛ في فكاك الأسير، وهي رحلته في سفارته الأولى لإصبانيا، ومنها: البدر السافر، لهداية المسافر، إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر، وهي رحلته في سفارته الثانية لمالطة ونابولى منها نسخة بخزانتنا، ومنها إحراز المعلى والرقيب، في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب، وهي رحلته التي كتبها في سفارته الثالثة وحجته وهي موجودة بخطه في مكتبتنا أيضًا، ومنها أيضًا منظومة في المناسك.
شعره: من ذلك قوله:
جاء من طال ما تشوقت النف
…
ـس إليه بشرى لنا وهنيه
أنعش الروح شم رياه لولا
…
ذاك لم تبق في الحياة بقيه
إذ تداعوا بالأمس وسط نهار
…
درة الملك قد أتتنا جليه
فتأخر عن لقاه محقا
…
فارتقاب الهلال يلفى عشيه
هكذا الشأن ما تقولون أنتم
…
عن يقين قلتم وبصدق ونيه
فأجابوا أما ترى الشمس ولى
…
نورها كاسفا رأته البرى
قلت في الفقه إن تبدى هلال
…
في نهار أُعطوه حكما وليه
وقوله مداعبا بعض أصدقائه وقد أخلف ما اعتيد منه من الزيارة لشغل عاقه، وكان يبعث له كل يوم يقول غداً آتى:
إن عهد الملاح ليس بواف
…
مثل سائر لأنقل النسيب
إلى أن قال:
علانى بكاذب الوعد دأبا
…
فانتظار الآمال يطفى لهيبى
ليت شعرى إذا الصدود جفاء
…
أم حذار من وقع عين الرقيب
إلى أن قال:
موقدا في الفؤاد نار غرام
…
موفدا في الحشاء جيش نحيبى
إلى أن قال:
جد بوصل ولو بطيف خيال
…
إذ هوى النجم في الدجى للغروب
وتدارك حشاشة القلب إذ كا
…
ن لمثواكم من الموهوب
طمعى الآن في الوصال قوى
…
وشفيعى في نيله المرغوب
يصدق الفجر بعد ما يتجلى
…
كاذبا في الآفاق غير مغيب
وقوله وقد تعلق به بعض أصدقائه كان اشترى جارية فوجدها تبول في الفراش، فأراد ردها إلى البائع فامتنع في خطاب قاضى البلد:
يا أيها القاضى الإمام الكامل
…
وكافل الأيتام والأرامل
وابن السبيل والغريب قدما
…
يشمله الإحسان منه حتما
ضيفكم الفقيه إسماعيل
…
يبيت بالليل له عويل
قد اشترى من ذى البلاد جارية
…
يحسبها على المراد جارية
فلم يرى من خيرها علامة
…
أعيب من بغل أبى دلامة
تبول بالليل على الفراش
…
على الثياب وعلى الرياش
منتنة الريح وعكسه إذا
…
حذفت ياء فتحت به أذى
كفارة المرحاض أو كعجل
…
فقد أضر ريحها بالمقل
لا مثل نتن جيفة أو حيض
…
أو كظة ممزوجة بهيض
لولا هبوب الريح ذات المدد
…
وكوننا في منزل عن بعد
نظل بالبخور طول الأبد
…
أضر نتنها بأهل البلد
أما ثيابها فدأبا تصطفق
…
تقطر من أبوالها بها وتلتزق
عيناه من صنانها في كمد
…
ولو ثوى في جبل من إثمد
أشفاره إن لم تدارك سقطت
…
والتزقت أجفانه واختلطت
يقبح أن يأتى لنيل رفعة
…
ويترك الزغب تحت الدفة.
مع تحمل نوى الأسفار
…
يرجع للأهل بلا أشفار
عيناه من جواركم في حرم
…
من بائع على الإحسان برم
فهو بما ضره غير معتبر
…
هان على الأملس ما لاقى الدبر
فاستنقذنه وادفعن عاره
…
وراع فيه جانب الإمارة
وهو مع العلم الذي يمت
…
به إليكم شكركم يبت
في كل بقعة وكل أرض
…
وكل إقليم ليوم العرض
وكتب من المدينة المنورة لصاحبه الشيخ كمال الدين الغزى مفتى الشافعية بدمشق مع تمر من تمر المدينة بعثه إليه، وسبحة من النوع المسمى باليسر:
أحيى مقاما خص بالرحب والبشر
…
كما خصصت أنفاسه بذكى النشر
تحية حب لا تزال معادة
…
بيوم إذا يجرى وليل إذا يسرى
وأهدى إلى الذات الكريمة سبحة
…
تظل بها يمناك ملأى من اليسر
ومن طيبة جئناك بالعجوة التي
…
أحب رسول الله من سائر التمر
ليغنك منها لونها -وسوادها
…
من المسك- عن عرف وعن عنبر شحرى
فهيئى لها منكم قبولا أُعده
…
لدى ذكركم يوم السلو من الذخر
وقوله من قصيدة في الشيخ عبد الغنى النابلسي دفين صالحية دمشق:
مناقبه الكثيرة لا تناهى
…
فنشر حديثه في كل حى
دواوينه من الأمداح ملأى
…
لصحب أو ولى أو نبي
فلم يترك إلى غير مقالا
…
وآب الكل ذا حصر وعى
فصاحته من الرحمان فيض
…
فما سحبان أو غيلان مى
نثره: من ذلك قوله في وصف القسطنطينية العظمى، التي فاقت حواضر الدنيا ترتيبا ونظما، إن قلت بلد، اتكالا على مالها من التخصيص في القلب
والخلد، فقد أضعت حقها، ويبقى الاحتمال في أن يكون هناك من هو فوقها، وإن قلت مدينة واقتصرت، فلا منعت دخول غيرها ولا حصرت، وإن قلت إقليم فقد يشتمل على عمران وخراب، وبحران وسراب، والحق أعلى، وتأدية الحقوق من أخبارها أولى، وما رأيت ما يؤدى وصفها ومعناها، وما اشتمل عليه أقصاها وأدناها، فهي محشر الأمم ومحط الرحال وبحر العمران وغاية القصاد، والمورد العذب للوراد، لا يوقف في وصفها على حد، ولا يتناهى في مآثرها ومحاسنها على عد، فلها المساجد التي بهرت، وبالتدريس وطلاب العلم ازدهرت، إلى أن قال: إلا أن بردها عاصف، وقرها لا يصفه واصف، لا يرده دثار، ولا موقد نار، فهي إناء للثلج المنصوب، فتنبو عن المضاجع من قرها الجنوب.
وقوله من فصول استدعاء لبعض أصدقائه: وإنا لننتظر قدومك علينا قبيل الشمس شروقا، والإبريق يصطك فؤاده لسقياك حفوقا، حتى نقضى من منادمتك حقوقا، والساقى مشمر عن ساق، والإبريق متأهب بما يليق لأن يراق، والكاس، بحلى عسجدية كاس، والكل للقياك متأَهب. وبطاعتك متقرب.
وقوله مجيبا لبعض الخاصة من أصدقائه: أبقاك الله لطرفة تحليها، وبنات أفكار بدر نثارك تحليها، ونادرة تردفها بأخرى تليها، تلك رياض تفتحت عن أزهارها أكمام، ولات حين للأزهار إلمام، هذه يقظة أو منام، عهدى بالرياض لم ينتج الآن لشمام، أو ذاك مسك فض عنه ختام، تحيرت في ذلك أظنه سحرا أجل نفث به حبر وإن شيئت بحر فخد أمام، إمام تجلت بطلعته الأيام، وتجمعت له شوارد العلوم فتسنى له بعد تفرقها التئام والتمام.
أما الأدب فهو بعض بعض فنونه، ورشوحه من معين انهمار عيونه، أما تراه قدوة للأنام، حل من درى المعقول والمنقول حيث لا محل للمحلى، وأربى فيما أبدع من البدائع على بدائع الحلى، أليس معدودا في إحراز السبق في مرتبة لو
كانت قبل المجلى، وأما ذكاؤه فهو شهاب يتوقد، وألمعية في كل آونة تتجدد، فقد غدا إياس، عن إدراك شأوه ذا إياس، عذبت مفاكهته، وعدمت مشاكهته، رمى بسهمه في أغراض المداعبة فقرطس، واستخرج من لجج بحارها ما أعجز من غطس، ما ألطفه تشبيها، يشهد للمشبه بأن له شبيها، في ذكر القلانس والخطيب، فقد هصرت من أفنان البلاغة كل غصن رطيب، وما أعلى منازعك، علوت منازعك، ولو حضر لأذعن لك ابن الخطيب، وقد وصف سيدي ما استحسن من المجلس والساق، وساق ذلك أحسن مساق، فأبدع ما شاء في تناسب واتساق، وإحكام المبنى، وتسديد اللفظ لغرض المعنى، والخروج من معنى لآخر حيث لا شعور للسامع، شاغلا له ببوارك سحرك اللامع.
غير أن سيدنا يسر حسواً في ارتغا، وما أدرى ما الابتغا، فقد رأيته راجع الالتفات، لاستدراك ما فات. وللنظرة ومدها استنزر. ولصيده في جوه حلق واستنسر. وذكر أنه ما أعرض عنه إلا لتوهمه أنني هيأته لنفسى فاستأثرت به. وإلا لالحفه بثوبه. فإن كانت المثابة العلية ممن يقنع بنظرة. وإن أعقبت حسرة وتمذهب بمن قال:
وهويته يسقى المدام كأنه
…
قمر يطوف بكوكب في مجلس
فقد استوفى حظه. وأنال مراده لحظه. وليكتف بذلك أدام الله حفظه. ولم تبق له منة على في استبقائه. حيث استسقى الشمائل السالفة عند المعاطفة من تلقائه، وإن يقنع بذلك المقدور من التغزل، وأراد من خلع العذار كمال المرام من التنزل، وتمذهب بقول الآخر:
وضممته ضم البخيل لماله
…
أحنو عليه من جميع جهاته
فلا ملام. على اغتلام، فالمجلس والغلام مع كمال المرام، ولعل بتيسر الجمع تجردكم عند الانفصال غمام، هذه دعابتى بعثت بها إلى محل كمالك،