الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
280 - محمد بن منصور الفويسى المراكشى
.
ذكره الضعيف في تاريخه وحلاه بالأديب، وقال: إنه توفي بمكناس في شعبان عام ثلاثة ومائتين وألف.
281 - محمد بن الطيب الشريف الحسنى العلوى البلغيثى
.
حاله: فقيه عالم محقق عدل رضي وجيه، بزكة فاضل منور السريرة وقور معتقد، عالى الهمة، صلب في دينه، من أهل زاوية زرهون، تولي نيابة القضاء بالزاوية المذكورة من عام خمسين إلى ستين ومائتين وألف، ونسخ البخاري وغيره بيده، وبه اشتهر عقبه بأولاد ابن القاضى، وببلده الزاوية الإدريسية، توفي ودفن بالظهير المقبرة المعروفة بها.
مؤلفاته: منها شرح على الحكم العطائية في جزءين وقفت على جزء منه بخط يده.
وفاته: بعد الستين ومائتين وألف، إذ تاريخ رمام تركته ثانى ربيع النبوى عام ثلاثة وستين ومائتين وألف.
282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير
.
حاله: فقيه أديب شهير، ناظم ناثر، إمام الصناعتين، وحامل لوائهما بدون مين، تزرى ببديع الزمان بدائعه وأوابده، وتخجل الفتح بن خاقان رقائقه وفرائده.
حلاه بعض حذاق الكتاب من معاصريه بما لفظه: رئيس الكتاب. الآخذ بحلقة الباب، الصدر الذي لا يحسن فيه التأخير، والحبر الذي لا ينبغى أن يعامل باليسير، برع في الأدب، وساد بالحسب والنسب. أخلاقه تنبئ عن نسبه، وشيمه تفصح بعراقة حسبه، كان ذا همة عالية وسلامة صدر عن الحقد خالية، يكافئ المسئ بالإحسان، ويعامله بما يناسب من الامتنان، ذا وجه وسيم، وثغر بسيم،
ومروءة ورزانة، وعفاف وصيانة، يحلم إذا أُوذى، ويجيب بالسيادة إذا نودى، ويكرم نزيله ويواسيه، ويتفقد أحواله ويدانيه، سهل المنال، لين المقال، صاحب همة عالية، ومائدة بأنواع الخيرات وافية، جاهد أولاده في تعليم القرآن والعلم، ودربهم على الاحتراف بالحلم، أشد الخدم اعتناء بخدمة مولاه، راع وحافظ لما تولاه، ناصح فالح، قادح مادح، إذا أطلق عنان القلم في القرطاس، أتى بكل غريبة وحجج مضيئة كالنبراس، لا يتوانى فيما أسند إليه من العمل، ولا يتراخى بطول الأمل، حنكته التجارب والخطوب، وعلمته المحن كل مكروه ومحبوب، هـ مختصرا.
وكان له معرفة بالحساب والتعديل والنحو واللغة والعروض والأدب، منحاش لجانب الله، محب في الصالحين وأهل الفضل والدين، زوار لهم، متطارح على أعتابهم، يحب السماع ويستنعش به ويرتاح له.
وكان في أول أمره ينسخ الكتب ويؤدب الصبيان، ثم انحاش إلى أبى القاسم الزيانى وصار ينسخ له مؤلفاته في الدولة العلوية وغيرها، ثم وقعت بينهما وحشة أوجبت انقطاع المترجم عن الزيانى، ثم عادت الوصلة بينهما على ما كانت عليه قبل حسبما أوضح ذلك الزيانى في بعض كتبه، وهو الذي قدمه إلى سيدنا الجد من قبل إلام السلطان الهمام، مولانا عبد الرحمن بن هشام، أيام خلافته بفاس إثر خمود نار ثورة أهله على السلطان العادل مولانا سليمان ولم يزل يقربه ويصطفيه.
ثم لما جلس على كرسى الخلافة بعد عمه السلطان مولانا سليمان أبقاه من جملة كتبته، بل رأسه عليهم لما رأى من حسن عقله وديانته، ثم استوزره فقام بشئون مأمورية وظيفه أحسن قيام لما أُسند إليه الرياسة، واختص بالتدبير والسياسة، وصار لا يدخل إلا من بابه، ولا تنال الرغائب من غير ميزابه، واستمر
على هذا الحال، مرضى المقال، مجاب السؤال، إلى سنة ست وأربعين فعزل في شوال منها عن الرياسة والكتابة، وأمر بلزوم داره وانقطع عند الوارد والصادر.
ثم سجن ونهب وثقل بالحديد، وأُصيب بالنكال الشديد، وجفاه القريب والبعيد، إرضاء للأوداية الذين أوغروا قلب السلطان عليه، وصرحوا بأنه السبب الوحيد في إيقاد نيران الفتن بينهم وبين السلطان أبى زيد مخدومه المذكور، وأنهم لا يرضخون للطاعة ما لم يقتص منه، ولا يرضون وساطته ولا يقبلون دخوله في أمر ما من أمورهم.
ثم بعد مدة سرح من السجن، وبعد أيام خرج بقصد زيارة مولانا عبد السلام بن مشيش فوشى به بعض الحسدة للسلطان وقرر له أن مقصوده بهذه الوجهة هو الهرب بمال كان دسه، والاستيجار بذلك الضريح، فوجه السلطان في إثره من رده على عقبه، ثم امتحن محنة أشد من الأولى، فبقى بفاس مدة يلتجئ إلى الله تعالى ويتعلق بأوليائه الصالحين، إلى أن أشار عليه من يشار إليه بالخير والصلاح بالتوجه لمكناسة الزيتون، والسلطان إذ ذاك بها، فذهب إليها واحترم بضريح جد الأملاك مولانا إسماعيل.
ولما بلغ خبره للسلطان أمنه وأمره بالطلوع لشريف أعتابه، فاستكتبه أولا مع وزيره الفقيه السيد المختار الجامعي، ولم يزل في ترق ودنو إلى أن رده لمنصبه وأعطاه الطابع وعزز له الوزارة بالحجابة، وذلك سنة إحدى وخمسين، ولم يزل على وظيفته بعد عزيزا مكرما، ملحوظا معظما، إلى أن استهل هلال المحرم من سنة أربع وستين فمرض اثنى عشر يوما وقضى نحبه على ما سنذكره بعد رحمه الله.
وكان من عادته أنه يلازم الجلوس بباب القصر السلطانى حتى في الأعياد وأيام البطالة، يذهب أرباب الوظائف والخدم لدورهم، ويبقى هو بالباب لا يبرح، فإذا تمم أشغاله نام هنالك، ولا يذهب لبيته إلا في أوقات محدودة، أو حاجة أكيدة، ويقول: الأيام حبالى لا يدرى ما تلد، فربما يحدث أمر وأكون غائبا.
وكان ذا ملكة واقتدار على الاشتغال، يَسُد مَسَدَّ أربعة إذا اجتهدوا، وكان ينبسط إلى الكتاب ويمازحهم قصداً لإدخال السرور عليهم، وكان إذا تحدث مع جلسائه في فن التوحيد أحجم، وقال: كان شيخنا سيدي محمد الحراق يقول:
نحن في شرعة الغرام أذله
…
إن أقمنا على الحبيب أدله
ويقول: يكفينا قول من قال: اللهم إيمانا كإيمان العجائز، وكان يقنع فيه بالتقليد ويكره الخوض فيه، ويقول: الخوض فيه مما يوقع اللبس في ذهن العاجز، وكان لا يرى في غالب أوقاته غير كاتب أو مطالع أو فصل، وكان محافظا على الطهارة كلما أحدث توضأ.
قال أبو عبد الله أكنسوس: وجدت بخطه يعني المترجم في ذكر بعض آبائه الكرام محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس ثلاث مرات، فقلت له: ما هذا التكرار؟ فقال: هكذا بخط والدى السيد محمد بن الإمام إدريس ابن إدريس بن عبد الله الكامل، بتكرير محمد بن إدريس في عمود آبائنا تبركا بالجد المذكور، قال: فقلت لوالدى: هذا النسب صحيح؟ قال: هكذا كان آباؤنا ينتسبون، وكانت عندهم ظهائر الملوك المتضمنة التعظيم والاحترام، وضاعت لهم في بعض الفتن الواقعة في باديتهم بعد انتقالهم لفاس هـ.
قال: وكان مقام سلفهم بقبيلة زمور من بني عمرو منهم من عهد قيام مغراوة على الأدارسة واختفاء الأدارسة في أغمار القبائل هـ.
قلت: وقد وقفت على تحليته وذكر نسبه وبعض آبائه في رسوم أنكحة بعض أولادها هكذا: "العالم العلامة، الصدر المكين الدراكة الفهامة، الوزير الشهير، الأديب الكبير، الذي نظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وأسكت كل لسان ببلاغته وأعجزه وأخجل، المرحوم المنعم بفضل الله عز وجل، سيدي محمد بن الفقية الناسك الأجل، الواعظ المحدث المبجل، سيدي إدريس بن الخير الأرضَى، سيدي محمد بن المكرم المرتَضَى، سيدي إدريس بن سيدي التهامى بن سيدي على بن سيدي محمد بن البركة الشهير الشريف المكين
الأنور المرفوع نسبه إلى أحد ولدى مولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء البتول، سيدنا ومولانا الحسن أحد ريحانتى الرسول، أبى الحسن سيدي على الشريف الإدريسى الحسنى الشهير بالعمراوى الزمورى البويحياوى.
وكذلك عثرت على بعض الوثائق بيد أحفاده أحدها رسم يتضمن معرفة الشهود السيد أحمد بن يحيى ومن عطف عليه من المتعاشرين مع بني عمر من البربر المستقرين بالدروج بأنهم يعرفونهم على أتم وجوه المعرفة وأكملها وبها ومعها يشهدون ويتحققون انتسابهم للجانب العلى، واتصال نسبهم للسيدة فاطمة الزهراء تاريخ الشهادة رابع محرم عام ستين وتسعمائة، وبعدها أعمال بعض القضاة لها منهم على بن حماد الحسنى، وقاضى سَلَا، بتاريخ سادس عشر جمادى الثانية عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف وغيرهم من القضاة المنطمس شكلهم، وبهذا الرسم بتر وانكماش.
والثانى ظهير إسماعيلى نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى:
"كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره. وأطلع في سماء المعالى شمسه النيرة وبدره،
…
بيد حملته الشرفاء أولاد سيدي أحمد بن يحيى الحسنى وهم السيد يخلف
…
عبد الملك بن أحمد، والسيد محمد بن أحمد، والسيد العميرى ابن أحمد، والسيد منصور بن أحمد، وكافة إخوانهم القاطنين بقبيلة بني عمر يتعرف منه بحول الله وقوته، ونصره ومعونته، أنه لما ثبت عندنا، واتضح لدينا، وأنهم شرفاء ينتسبون للشجرة النبوية وبيدهم رسوم وبراوات الملوك المتقدمة على
…
في ذلك وأسبلنا عليهم أردية التوقير والاحترام، وحملناهم على كاهل المبرة والإكرام،
…
عما يطالبون به العوام، بحيث لا
…
أو يحدث لشملهم
…
ولا زيادة
…
معارض يعارضهم ولا منازع ينازعهم، ومن نازعهم من قبيلة بني عمر ولا غيرهم يخاف على رقبته، والواقف عليه يعمل به والسلام في أوائل ربيع
النبوى عام عشرة ومائة وألف" وبعده شهد على الطابع الشريف صدره عدل فقبل، وانظر اتصال المترجم بهؤلاء المشهود لهم.
ودار سكنى المترجم بمكناس كَانت أولا بحومة حمام الجديد، ثم عوضت لبنيه من بعده بأخرى أحسن بحومة تيبربرين لا زالت تعرف باسمه إلى الآن.
مشيخته: منهم أبو عبد الله بن محمد بن الطاهر بن أحمد الحبابى رئيس الموقتين بمنار القرويين، والفقية الأزمى، والسيد حمدون بن الحاج، والسيد محمد اليازغى، والعلامة سيدي محمد بن الطاهر العلوى المترجم فيما مر وغيرها ممن هو في طبقتهم، وأخذ عن الشريف سيدي الطيب الكتانى، والشريف سيدي عبد القادر العلمى دفين مكناسة الزيتون، وسيدى محمد الحراق، واستجار سيدي عمر ابن المكى الشرقاوى.
شعره: له شعر كثير، كالدر النثير، جمع بعضه ولده الكاتب الأديب الحاج إدريس المترجم فيما سبق في ديوان يقع في سفرين وقفت على أولهما ينتهى بحرف النون، قال أوله: إنه كان لوالده القدم الراسخ في موالاة أهل البيت الشريف ومحبتهم، والانقطاع إليهم وخدمتهم، من عصر الشبيبة إلى الشيخوخة والوفاة، وأنه كانت تصدر منه في أغراضهم أشعار رائقة، وقواف في أمداحهم رائقة، وعقود جواهر في تعداد وقائعهم متناسقة، غير أنه لشغله بالخدمة، وأداء حق النعمة، لم يحتفل بجمعها، ولا ابتغى غير الآخرة من نفعها، فتفرقت أوراقها. شذر مذر، وحجب تعاقب الليالى محاسن تلك الغرر، فشرح الله الصدر لجمع ما بقى منها في بطون الأوراق، وصدر أهل الأذواق، مما رق وراق، وأنه لما رأى ذلك من آكد الحقوق، والإعراض عن تلك البقية ضرب من العقوق، فجمع منها عُلالَة (1) بين أمداح نبوية، وتوسلات وهبية، وفوائد وعظية، وتيجان ملوكية،
(1) العلالة: بقية كل شيء.
وحقائق سلوكية، ونسيب وغزل، وجد في المسامرات وهزل، وقدمه هدية لمخدومه السلطان مولاى الحسن رحم الله الجميع.
ومن جيد شعره قوله من صدر ميلادية:
أعد الحديث عن الحمى وظبائه
…
فالسمع مشتاق إلى أنبائه
وصل الحديث عن اللوى وعقيقه
…
والنازلين الجذع من جرعائه
فهناك معترك النواظر والنهى
…
ومجال أفراس الهوى وظبائه
كم من صريع هوى بأفنية الحمى
…
فتكت عيون العين في أحشائه
ومتيم لعب الغرام بقلبه
…
لما سقاه الوجد من صهبائه
وأسير وجد في إسار جمالهم
…
قادته مرسلة العيون لدائه
أن القتيل من الغرام ودائه
…
مثل الشهيد مضرجا بدمائه
يا صاح إن وافيت منزلة اللوا
…
ومررت ما بين العذيب ومائه
ولقيت أسراب الظباء رواتعا
…
يمررن حول الحى في أرجائه
فاحفظ فؤادك من ظبا تلك الظبا
…
فلكم كمى صيد في أحيائه
وإذا بدا سلع فعرج نحوه
…
وتنشق الأرواح من تلقائه
وإذا مررت بحى قوم حيهم
…
وصل السلام على الحمى وظبائه
واخلع نعالك في مقدس وادهم
…
واحطط رحالك خاشعا بفنائه
فهناك طابت طيبة من طيب من
…
طاب الوجود بطيب طيب ثنائه
وهناك روضة خير من ركب المطا
…
وأجل من لاذ الورى بعلائه
وهناك قبر المصطفى من فضله
…
عمر الوجود بجوده وعطائه
وهناك مَنْ أسرى الإله بذاته
…
ليلا فنال الفوز في إسرائه
وحباه قربا لا يضاهى وخصه
…
بمصون سر الحب في إيحائه
وأراه من آياته وصفاته
…
ما كلت العقلاء عن إحصائه
وكساه من إجلاله وجلاله
…
ما حارت الأفكار في إنهائه
إلى أن قال يذكر السلطان:
فاق الثواقب بالمناقب والحلى
…
وزرى بطيب المسك طيب ثنائه
قد فاخر الأعصار عصر وجوده
…
وتنافس الأملاك في استصفائه
غمرتنى أنعمه التي قد أعجزت
…
شكرا فقمت لها ببعض أدائه
واتيت من حر الكلام بمدحه
…
خلع الجمال عليها حسن روائه
وجلوت عذراء المدائح غادة
…
وشىَّ حلاها الفكر من إنشائه
أهدى القريض لها عقود جواهر
…
نظمت على همز الروى وهائه
وأتى بكاملها الرفيع لكامل
…
بحلى الكمال سما على أكفائه
والله أسأل بالنبى محمد
…
في أن يمتعنا بطول بقائه
ويديم نصرته ويثبت عزه
…
وعلاءه ويثيبنا برضائه
صلى عليه الله ما حيى الحيا
…
وترنم الحادى بحسن غنائه
وعلى الأماجد آله وصحابه
…
والتابعين الحق من خلفائه
وقوله يمدح السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام ويذكر إجراءه الساقية المسماة بتسلطانت حوز مراكش إلى الغراس والجنات السلطانية:
وردت وكان لها السعود مواجها
…
والحسن مقصور على مواجها
وبدت طلائع بشرها من قبلها
…
كالشمس طالعة لدى أبراجها
وتسير ما بين الأباطح والربى
…
ترمى فريد الدر من أمواجها
وتصوغ من صافى النضار سبائكا
…
حلت بها الأعطاف من أثباجها
هبطت إليك من الجبال وطالما
…
تعبت ملوك الأرض في إخراجها
وأتتك راغبة تجر ذيولها
…
وتفيض غمر النيل من أفواجها
تنساب مثل الأفعوان وتنثنى
…
كالغصن بين وهادها وفجاجها
خطب الملوك نكاحها فتمنعت
…
وأتتك واهبة حلال زواجها
فلتهنك الخود الرفيعة منصبا
…
وليهنها أن صرت من أزواجها
حمراء عباسية بدوية
…
نشرت ذوائبها على ديباجها
وافتك وافدة صبغ الحيا
…
وجناتها وجرى على إدراجها
فكأنها بلقيس جاءت صرحها
…
لكنه صرح بغير زجاجها
حاكت لك السيف الصقيل مضرجا
…
بدم العدا إذ أُدميت للجاجها
فكأنما ذبحوا بها زمرا فذا
…
قانى الدماء يسيل من أوداجها
علمت أناملك الشريفة أبحرا
…
غرقت بحار الأرض في عجاجها
فأتتك طالبة الأمان لنفسها
…
لتنال بعض الصيب من ثجاجها
لبتك إذ سمعت نداك وأقبلت
…
مرهوبة تستن من إزعاجها
ونزعتها بالقهر من غصابها
…
والسابقون رضوا ببعض خراجها
حليت مراكشا بدر عقودها
…
وفتحت مغلق نهرها وشراجها
وجلبت منها للرعية نفعها
…
وحللت ما قد عز من أرتاجها
كم من مزارع أخصبت وحدائق
…
حلتها بالأقراط من أزواجها
يعلى على الإسكندر استدراكها
…
ويحار رسطاليس في استخراجها
نالت من النيل المقدس شعبه
…
وزرى بطيب المسك طعم مزاجها
لو يعلم الحكماء ما في مائها
…
ما عالجوا المرضى بغير علاجها
فاق الرضاب حلاوة وعذوبة
…
وحكى لباب الشهد حلو مجاجها
لو مازجت ماء البحار بمائها
…
غلبت عذوبة مائها لأجاجها
يغنى عن السكار طعم زلالها
…
وعن الغناء ينوب صوت لجاجها
تنسى الغريض ومعبدا نغماتها
…
ويحار إبراهيم في إهزاجها
حلت لنا دار الهناء وخصصت
…
روض المسرة إذ أتته بتاجها
أحيت نبات الأرض في جنباتها
…
وأرت نجابة دوحها ونتاجها
حيث الحدائق شاكلت زهو السما
…
في زهرها الزاهى وفي أبراجها
نسجت زرابى في الفلا مبثوثة
…
من نورها كالمسك في آراجها
حفت بها حلل الأعارب رغبة
…
في مائها وكلائها ونتاجها
جعلت بساحتها ملاعب خيلها
…
ومطالع الأقمار من أحداجها
وأسامت الأنعام حول فسيحها
…
فنمت بنجم جمالها ونعاجها
يا أيها المحيى شريعة جده
…
والمرشد الهادي إلى منهاجها
والباعث الجرد السلاهب ضمرا
…
نحو العدا تستن في أفواجها
تهدى أسنتها ولمع سيوفها
…
نحو العدا كالشهب تحت عجاجها
تجتاب باسمك كل خرق سبسب
…
وتعود بالإفلاج عند معاجها
الله يسر ما تروم أما ترى
…
عقم المنى عادت إلى استنتاجها
لو شئت من زهر الكواكب وصلة
…
لهداك رافعها إلى معراجها
كم أمة شقيت بسيفك إذ عثت
…
أخنى عليها الدهر باستدراجها
وقبيلة تبعت سبيلك فاهتدت
…
حاطتها حارسة العلا بسياجها
وممرد لعب الهوى بضميره
…
أرضته خطية القنا بزجاجها
ومحب حق قد جذبت بضبعه
…
فحبته أيدى المكرمات بساجها
تفد الوفود عليك طالبة الغنى
…
تزجى الركائب تحت مبهم داجها
فتنال غاية قصدها ولو انها
…
نادتك لباها ندى أفلاجها
عمت مواهبك الأنام فمالها
…
إسآدها يهدى إلى إدلاجها
أنزلت رحلى في حماية مالك
…
سامى المناقب والحلى وهَّاجها
ولئن لجأت فقد لجأت لسيد
…
كشاف معضلة الورى فرَّاجها
طود الجلالة أصل كل فضيلة
…
بدر الخلافة في الورى وسراجها
خذها أبا زيد نتيجة فكرة
…
بكراً تهز العطف في ديباجها
طالت فطابت كالمنوه باسمها
…
إن شئت سحر البابلى فناجها
والبس من المدح المنظم حلة
…
قد طرزت واعطف على نساجها
واسلم لدهر أنت شمس زمانه
…
ولأمة أنت الكفيل بحاجها
وقوله في العنب:
عرائس الروض تزهو في عرائشها
…
لها خدور لصون الحسن والحسب
قد ربيت في مهاد ما يحركه
…
إلا النسيم إذا يهفو على كثب
وأرضعتها ثدى السحب درتها
…
في كل حين ولم تبرز من الحجب
فأصبحت بعد ما تمت رضاعتها
…
تعزى إلى الكرم لا تعزى إلى السحب
تكاد تسقط سكرا في أريكتها
…
لو لم تقم بسرير العود والعنب
فيها لأهل التقى شكر ومهمله
…
وزر لأهل الهوى وذا من العجب
وقوله يداعب الشريف الفكه الظريف مولاى الحجازى العلوى الذي كان المولى عبد الرحمن يتأنس بمداعبته وكان قد مات له غلام يسمى بيدق وجارية تسمى شويطرة:
هى الأيام تفجع بالمصاب
…
وتمزج حلو نعمتها بصاب
تكدر بالمنية كل عيش
…
وتولع بانتهاب واغتصاب
وتختلس النفوس ولا تبالى
…
وتستلب النفيس ولا تحاب
رمت عن قوس نبعتها سهاما
…
أتت من لم يكن لي في حساب
أصابت بيدقا ورمت جهارا
…
شويطرة ولم تشفق لمآب
فهذا كان يتبعنى نهارا
…
وتلك خديمتى عند الإياب
فتحسن عشرتى وتقم بيتى
…
وتحرسه وتغسل لي ثياب
وذلك كان يحفظ لي مغيبى
…
وأمتعتى ويحرس حول باب
وكان الصدق شأنهما ولكن
…
جيوش الموت تولع بالرغاب
أأضحك بعد نيل الموت مني
…
وأنعم بالطعام وبالشراب
وقد علقت شويطرة المنايا
…
وجاورت البويدق في التراب
فأفجعت الفؤاد بها وحسبى
…
آسى وعلى الإله أرى احتساب
وكانت أنفس الأشياء عندى
…
وأحذق من يجيب إلى خطاب
وكنت أُعدها لأمور نفسى
…
وأحبسها لأنسى في اغتراب
وأطمع في اقتضائى لافتضاضى
…
بكارتها فيرجع لي شباب
فوا أَسفا على ما فات منها
…
فإنى بعدها حلف اكتئاب
مضت عني شويطرة وأبقت
…
فؤادى من هواها في عذاب
وإنى أرتجى خلفا قريبا
…
من الرحمن مع حسن المآب
وقوله وقد وصله كتاب، من شانئ يريد السباب، فسد في وجهه الباب:
ألا أيها الرامى بسهم سبابه
…
على جهة التعرض لي في كتابه
رويدك عندي للسفيه مثالب
…
ولكن أغض الطرف دون جوابه
رميت امرءا لا يعلق الذم ثوبه
…
وليس يحوم العيب من حول بابه
ولى من لسانى صارم الحد فاتك
…
يقد حشا المغتاب لي في قرابه
فإن مضك الذم الذي أنت أهله
…
فأنت الذي أَحوجتنى لجوابه
وإن مزقت أسمال عرضك نفثتى
…
فأنت طرقت الليث في وسط غابه
نهيتك عن أمر تبينت غيه
…
وقلت لك التوفيق عند اجتنابه
فآليت أن لا ترعوى لنصيحة
…
وزدت لجاجا في عظيم اغتيابه
إذا المرء لم يقبل نصيحة مشفق
…
ولم يتحرج من قبيح اكتسابه
فدعه وأحداث الزمان تنوشه
…
سيطرقه من لم يكن في احتسابه
وقوله:
ذكرت ريح الصبا عهد الصبا
…
فهوى لصب هواها وصبا
ما سرت إلا وسرت قبله
…
ونفت عنه العنا والوصبا
باكرت روض النقاد وارتشفت
…
من لمى ثغر الأقاع الأشبا
صافحت زهر اللواغب السرى
…
وأتت صبحا تشكى الوصبا
جررت ذيل دلال سابغا
…
وجرت طلقا بأكناف الربا
شوشت أغصان بان عندما
…
نازعتها برد خز وقبا
سلبت من كل نور نفحة
…
وغدت تهدى إلينا السلبا
جددت وجدا لنجد والحما
…
منذ اهدت مواليه نبا
ما هفت يوما على القوم وقد
…
سكنوا إلا استطاروا طربا
وأتت من طيها في حيها
…
بشذا فاق العبير والكبا
كيف لا تسمو على الطيب وقد
…
جاورت جيره سلع وقبا
وقوله:
مضى في المناهى والملاهى شبابى
…
كأنى لم أُومن بيوم حساب
ولم أَدخر رادا ليوم مقامتى
…
ولم أتخذ عقبى وحسن مآب
أنافس مثلى في البطالة والهوى
…
وأُعرض عن تقوى ونيل مثاب
وأَسريت في ليل الجهالة خابطا
…
به خبط عشوا في هوى وسراب
أَأَنعم عيشا في الورى بعد ما بدا
…
بياض مشيبى في سواد شباب
وقوله:
وأنفع النفثات السحريات رقى
…
يبثها قلم الإنشاء في الكتب
وأكبر السحر تأثيراً وأصعبه
…
سحر تولد بين الحبر والقصب
قاض على الكل مقبول وقد شهدت
…
له المصاقع عند الحكم بالغلب
لم يهرم الدهر ما أثنى على هرم
…
زهيره وفنى ما نال من نشب
وقوله:
أما الرسوم فلم ترق لما بى
…
واستعجمت عن أن ترد جوابى
ولقد وقفت بها أُكفكف عبرتى
…
طوراً وأمسح في فضول ثياب
وأسائل الربع المحيل تولها
…
حتى رثى صحبى ورق ركاب
وقوله:
أريد إقامة الحجج المواضى
…
لا محو زور أقوال الوشاة
وأدحض بالحقيقة كل وغد
…
يبين الود وهو من العداة
وقوله وقد كان في سفر مع السلطان ماراً ببلاد زمور الشلح فبدا سرب من نسائهم متعرضات للسلطان فاستنشده بعض الرفقاء فأنشده بديهة:
أظباء زمور سلبتم مهجتى
…
بقنا القدود وصارم اللحظات
وهتكتم بالقهر حصن تنسكى
…
بجيوش حسن خريدة ومهات
شنت علينا بالنواظر غارة
…
فأخذتم الألباب في الثارات
كفوا ألحاظكم الكحيلة وارددوا
…
أسلاب ألباب على المهجات
أولا أيبحوا للشفاه شفاءها
…
ولتستحلوا لثم تى الوجنات
قالت أفى شرع الغرام تحكم
…
أرأيت منحكم على الفتيات
نحن الملوك على الملوك وإنما
…
أحكامنا بالقهر والغلبات
الجور عدل عندنا والظلم حـ
…
ـق بيننا والذنب كالحسنات
وقوله في معنى التغزل والوداع. وعرض لذلك داع. وتخلص منه لمدح السلطان:
عرضت لنا كالظبية المغناج
…
تختال في حلل من الديباج
هيفاء فوق قضيب بأن أطلعت
…
بدر التمام بليل شعر داج
ورنت بعين مهاة رمل أُودعت
…
فتنا تنسى فتنة الحلاج
لضعيف ذاك الجفن صولة قادر
…
في العاشقين كصولة الحجاج
خرسى الخلاخل والسوار وقرطها
…
والحلى مهما مشت كثير لجاج
يشكو لليل الشعر مدمج خصرها
…
ما مسه من ردفها المواج
والعين من فرط السقام شكت لنا
…
ما يشكيه الخصر من إدماج
أعدى سقام جفونها جسمى كما
…
قلبى بنار الخد ذو إنضاج
إن مت من فرط الغرام فقاتلى
…
غيد الغوان بكل طرف ساج
دينى على ظبيا تهن مواعد
…
بالقرب منهام الغرام علاج
كم من شفا بين الشفاه لذى الجوى
…
ودواء صب في لذيذ نتاج
أَصف الدواء لذى الهوى وأَظننى
…
من لحظ عين العين لست بناج
إن التي سفكت دمى بلحاظها
…
وسبت فؤادى بطرفها المعتاج
حيت فأحيت صبها بمكحل
…
أحوى ووجه أبلج وهاج
وتبسمت فأرتنا سمطى جوهر
…
بمفلج لمدامة مجاج
لم أنس وقفة عيسها يوم النوى
…
والظعن في الإلجام والإسراج
والقلب من ألم الفراق على لظى
…
والعين تسخو بمد مع ثجاج
تشكو النوى لمحبها بلواحظ
…
نعس الشفار ومقول لجلاج
ساروا فكم من مهجة في إثرهم
…
ومدامع تستن كالأمواج
هم أودعوا قلبى الجوى إذ ودعوا
…
وطووا بدور التم في الأحداج
نعب الغراب ببينهم فتفرقوا
…
ليت الغراب مقطع الأوداج
بانوا فبان تصبرى من بعدهم
…
وكلفت بالتأويب والإدلاج
سقبا لمنزلة اللوى من معهد
…
فلكم قضينا بربعه من حاج
أيام تسعدنى سعاد بقربها
…
وتزيح عنى الهم حين تناج
والدهر غض جفون كل مكاشح
…
أوقاته للأنس ذات نتاج
كم ليلة طلعت طلائع أُنسها
…
فجلت جيوش نوائب ودياج
إذ نطلع الكاسات فيها أنجما
…
تجلى على النغمات والأهزاج
وندير من خمر الصبابة بيننا
…
صبهاء صافية بغير مزاج
لا نقتفى غير العفاف ولا نرى
…
غير الوفا في الحب من منهاج
وعشية رقت وراقت منظرا
…
في شط بحر زاخر عجاج
يبدو فتحسبه سماء أفرشت
…
أمواجه تلتاح كالأبراج
لو كنت شاهده وقد هب الصبا
…
لعلمت كيف تلاطم الأمواج
والشمس ناشرة دوائب شعرها
…
تبدو لدى آفاقه كالتاج
وتزين صفحته بمذهب نورها
…
فيهز عطف التيه عقبى الداج
والموج أمثال الكتائب يرتمى
…
ويغير نحو الشط في أفواج
تهدى إليه بنفسجا من مائها
…
فيرده متكسرا كالعاج
ويكاد يحكى الملك الرضا
…
في جودها لو كان غير أُجاج
المالك الميمون طائره ومن
…
حياه وجه السعد بالأفلاج
ما عابد الرحمن إلا رحمة
…
ظهرت لحسم ضلالة وعلاج
وقوله:
قالوا أنراك عدلت عن سنن الهوى
…
مذ حدت عن نظم القريض ونسجه
فأجبتهم برد الزمان أصابنى
…
فجمود نار قريحتى من ثلجه
وقوله:
ترقرق في وجه الصباح صبوح
…
فبان به للهم عنى سروح
وعاودنى للأنس عيد مسرة
…
به لعهود الأنسات فتوح
ولم أر مثل (المامونية) معهدا
…
بأكنافه تغدو المنى وتروح
هو السهب للشهب الزواهر مطلع
…
وللفضل فيه والجلال وضوح
قباب كأبراج السما ومنازل
…
خلال بروج قد علت وصروح
بها للظباء الكانسات ملاعب
…
سمت ولربات الجناح جنوح
وقد صفقت تحت الظلال مذانب
…
وساحت فصاحت في الغصون صدوح
ظللنا بها والسحب ينثر دره
…
وللغصن فيه والأضات طموح
تلون فيه الجو كالدهر بشره
…
يمازجه تحت الغمام كلوح
وللريح في تلك الخمائل زفرة
…
كزفرة صب قد عراه نزوح
وللكأس في كف السقاة تبسم
…
وللشرب تقطيب لها وكلوح
فلا زال مأوى للملوك وللعلا
…
تقرر فيه للسرور شروح
وقوله:
بنفسى روض من جمال جلوته
…
وقد غفل الواشون عند صباح
سقاه حيا حتى ارتوى ورد خده
…
حياء فحيانا بثغر أقاح
وغرد ورق الحلى من فوق قامة
…
سمت فوق ردف كالكثيب رداح
فعانقت منها الغصن يهتز ناعما
…
وقبلت منها البدر غب لياح
وقوله:
دعا داعى الشريعة للجهاد
…
فلبوا مهطعين إلى الجلاد
فما هذا التثاقل والتوانى
…
وحزب الشرك يضرب في البلاد
وكم هذا التغافل والتعامى
…
وقد حفت بكم زمر الأعادى
وقال من مولدية:
يا نسمة هبت مع الأسحار
…
تحيى القلوب بعرفها المعطار
وتقر من أهل المحبة أعينا
…
لم تكتحل بعد النوى بغرار
حيت بأنفاس الخمائل أنفسا
…
تشرى اللقا بنفائس الأعمار
وافت تجر من الدلال ذيولها
…
وهنا وتسمح أوجه النوار
تروى أحاديث العقيق وحاجر
…
عن بان نجد عن شذا الأزهار
فتسوق للصب المشوق صبابة
…
وتشب في الأحشاء جذوة نار
وتبث عن عرب برامة خيموا
…
سرا تنزهه عن الإضمار
تتمايل الأشجار عند سماعه
…
طربا وتفصح ألسن الأطيار
لم تدر دارين لسالب مسكها
…
طيب الأريج ولا ظفير ظفار
لم لا تفوق وقد تلقفها الصبا
…
وروى شذها نسائم الأسحار
وأتت على دار الحبيب فآذنت
…
منه بقرب مسرة ومزار
وتوافق السعدان فازداد العلا
…
فصل الربيع ومولد المختار
شهر به اهتز الوجود بأسره
…
لظهور سر الله في الأسرار
وسرت مسرته على طول المدى
…
وتجددت بتجدد الأعصار
لاحت بغرته السعود وأشرقت
…
فرحا بوسطه سنا الأنوار
وتزينت فيه الجنان وحورها
…
وتبررت بمنصة استبشار
وقال من قصيدة يهنئ بها مولانا على بن مولانا سليمان بدار أسكنه فيها والده السلطان رحمه الله وقد جمع فيها العلماء والأعيان، لقراءة ختمات من القرآن، وكان ممن جمعته تلك الجملة، وانخرط مع أولئك الجلة،:
حياك حياك رب العرش يا دار
…
ودار مع ساكنيك العز ما داروا
ولن تزالى بإذن الله دار على
…
والمجد والجود والعلياء عمار
دار تود الشموس لو تحل بها
…
وتحسد النازلين فيها أقمار
شيدت بها غرف من فوقها غرف
…
وقد جرى تحتها كالخلد أنهار
بها سوارى عوارى كالجوار بدت
…
عليها للحسن والإتقان أنوار
قد نمقت ببديع الحسن ساحتها
…
كأنها الروض والألوان أزهار
جرى بها سلسل مثل اللجين بدا
…
في خصة فيها للرائين أسرار
فما البديع بديع عند رؤيتها
…
وليس يذكر للرهراء أخبار
أست على الدين والتقوى ألست ترى
…
فيها مدى الدهر للرحمن أذكار
عذراء قد بهرت حسنا وقد عنست
…
دهراً لكفء لها في الناس تختار
فكفؤها المرتضى الأسمى أبو حسن
…
فنعم من حلها ونعمت الدار
وزادها شرفا فخما إلى شرف
…
أن قد غدا صنوه الأسمى لها جار
بتنا بها ليلة ما كان أقصرها
…
كذا ليال الوصال فيها أقصار
للقارئين لدى أرجائها
…
وللمصلين بالتسبيح إظهار
بنعمة تدهش الألباب مطربة
…
ليست تحاكيها قينة وأوتار
للند والعود في أرجائها أرج
…
وللمدائح إقبال وإدبار
وللشموع سطوع في مجالسنا
…
كانهن قنا له سنانها النار
قابلن جيش الدجى ففر منهزما
…
إن الدجا من جيوش النور فرار
وللمصابيح في تأنيقها عجب
…
مثل النجوم لها في الليل إزهار
نردد الطرف في أرجائها عجبا
…
فيرجع الطرف عنها فيه إحسار
يقول مبصرها من حسن بهجتها
…
وللورى ببديع الحسن إقرار
يا روضة الحسن منك الحسن مسترق
…
وللبها منك إيراد وإصدار
أنت التي جمعت للحسن أجمعه
…
لما ثوى بك من للمجد مختار
وقال يهنئ أخاه في الله الفقيه النزيه السيد محمد الشرفى بعرس:
هنيئًا أبا عبد الإله لك البشرى
…
فهذا زمان السعد قد أظهر البشرا
وهذى رياض الحسن تزهو أريضة
…
وهذى بشارات السعود أتت تترا
فرد من زلال الود غير مكدر
…
وجل برياض الحسن واقتطف الزهرا
فقد وصلت من بعد طول تشوق
…
غزال بليل الشعر قد أطلعت فجرا
سرت وظلام الليل أرخى سدوله
…
وزارت على بعد الديار لنا بدرا
عجبت لشمس زارت البدر في الدجى
…
وعهدى بأن الشمس لا تدرك البدرا
حكت ظبية وعساء جيدا وناظرا
…
وأزرت بقد الغصن والصعدة السمرا
تشوق منها القرط صوت خلاخل
…
فأرسل للإتيان بالخبر الشعرا
وقد غردت من فوق غصن قوامها
…
حمائم حلى آذنت باللقا جهرا
تريك عقود الدر عند ابتسامها
…
وتسقيك من سلسال ريقتها خمرا
ولا عيب فيها غير سقم جفونها
…
وكفل رداح ثقله أنحل الخصرا
وغير حديث قد حكى السحر رقة
…
له في سويدا قلب سامعه مسرا
فواصل بها وصل السرور ودم على
…
ذرى المجد والعلياء مرتقيا فخرا
وخذها كما شاء الوداد خريدة
…
تفوق الذى أُعطيت في وصلها مهرا
ودونكها كالروض قد نشر الحيا
…
بأرجائه من دمع ديمته درا
ففتق من صوب الكمام أزهرا
…
فأَعبقت الأرجاء من طيبها نشرا
ونادت طيور الشكر فوق غصونها
…
هنيئا أبا عبد الإله لك البشرا
وقال يتغزل:
سحرتك بالطرف الكحيل الساحر
…
وبحسن قد كالقضيب الزاهر
وبغرة كالفجر تحت ذوائب
…
كدجنة فاعجب لحسن باهر
وبنقطة مسكية في وجنة
…
وردية ذات الأريج العاطر
وبريقها المعسول إلا أنه
…
يشفى الحشا من كل داء ضائر
ريق أعز على من نيل المنى
…
وألذ من رشف الرحيق لخاطرى
ماذا وكم أَوقعتنى في حسرة
…
وجلبت لى من شقوة يا ناظرى
ولكم جمحت بتيه مبدان الهوى
…
وحصلت في شبكات ظبى نافر
ولأنت يا قلبى فكم أصليتنى
…
ورميتنى في بحر حب زاخر
أدخلتني في وسط معركة الهوى
…
ما بين جيش قواضب وبواتر
وتركتنى في حى ليلى مثخنا
…
بظبا ظباء لم أجد من ناصر
يا سعد هل لى في الهوى من سعد
…
بشفا شفاه اللعس تحت غدائر
أم هل بنجد هواهم من منجد
…
لمتيم في حاجز بمحاجر
فتكت عيون العين في أحشائه
…
بشفار ألحاظ رمت بخناجر
وسطت عوامل قدهن بقلبه
…
فغدا أسير عوامل ونواظر
أوثقنه بجبال وعد مخلف
…
وشددن أسر وثاقه بمغادر
نفسى الفداء لظبية فتانة
…
فتاكة بشفار شفر فاتر
نامت نواظرها وقد سلبت كرى
…
طرفى بطرف بابلى ساحر
وغدا الجمال بأسره في أسرها
…
والسحر أُيد جنده بعساكر
فإذا بدت سجد العيون لحسنها
…
تسبيحها سبحان ربى الفاطر
وترى القلوب خواشعا لجمالها
…
مكسورة من كسر طرف كاسر
شمس على غصن تكون في نقا
…
من تحت ليل ذوائب وغدائر
نصبت قسى حواجب موتورة
…
بالسحر ترمى كل صب ناظر
فكأنما هاروت عن أجفانها
…
يروى فيسند ساحر عن ساحر
ورعت رعاها الله في ربع الحشا
…
حب القلوب ولم تخف من زاجر
كيداء قد ورثت محاسن يوسف
…
ناهيك من حسن بهى باهر
وتوطنت بالمنحنى من أضلعى
…
ومحصب الأحشا رمت من حاجر
فغدوت ما بين الأنام متيما
…
بجمالها ومهيما في سائر
وغدا عذولى عاذرا في حبها
…
فاعجب لعاذل ذى غرام عاذر
كم من عذول في الهوى ومكاشح
…
غابت شواهده بوجه سافر
ولكم رقيب في الهوى ألفته
…
بالشعر حتى عاد عند أوامرى
ولكم نظمت سلوكه في غادة
…
فاقت قلائده بدر فاخر
ولكم ليال قد جلوت فريدة
…
والكاس نجم في سماء أزاهر
ومديرنا رفع العقيرة منشدا
…
قطعا ألذ من المدام الدائر
يشدو فيبدو الدر من أصدافه
…
ثغر وشعر مع عقود جواهر
سقيا لأيام الوصال وقربها
…
وزمان أنس بالأوانس زاهر
إنى لأذكره فأحسب أننى
…
من كثرة الأشواق بين محاضرى
وأقول للأيام هل من عودة
…
لزماننا الماضى بوصل حاضر
فعساه يظهر لى المتاب بعودة
…
ويكفر الماضى حسن الآخر
وقال يمدح سيدى محمد بن السلطان الموالى عبد الرحمن وكان إذ ذك خليفة والده بمراكش وولى عهده ووجهها له سنة 1262 مع ولده الحاج إدريس:
عرضت وجيرتنا على أوفار
…
في سرب عين بالنسيم جواز
هيفاء يعطفها الدلال فتستثنى
…
فرحا ويكسوها حلى الإعزاز
هزت من القد القويم مهفهفا
…
ومن اللحاظ الدجع حد جراز
حكمت بحلية الدماء ومادرت
…
أن الشريعة لم ترد بجواز
وقضت علينا بالوفاء ولم تدن
…
في مطل موعدها لنا بنجاز
بانت فقلبى خافق ومدامعى
…
مرمضة والصبر في أعواز
تلك الظباء ظباء رامة قد غدت
…
في جيش أرباب الغرام غواز
من كل قاصرة تطول إذا رنت
…
حزب الكماة وهى في تجواز
تبدى التأنس بالنسيب وطالما
…
أعيت مكايده على الغناز
جور الحسان على الكرام وظلمهم
…
عدل بلا شكوى ولا اشمئزاز
ما ذاك إلا أن أنصار الهوى
…
في صولة تخشى وفى إعزاز
ملك الجمال على القلوب محكم
…
وجيوشه من أفخد الأوشار
تعنو لهيبته الرقاب كما عنت
…
لمحمد المحمود ذى الأحراز
علم تفرد بالجلالة والنهى
…
وغدا لخصل السبق ذا إحراز
زان الرياسة بالسياسة والعلا
…
بسخائه والوعد بالإنجاز
وسما إلى رتب الكمال بعزمة
…
لا تنثنى وبصارم هزهاز
فاق الثواقب بالمناقب وارتقى
…
عن طيب أخلاق وطيب نجاز
قل للمحاول شأوه أقص فقد
…
ساويت بين الصقر والخزباز
ما كل برق لاح برق تهامة
…
كلا ولا كل النسيم حجازى
والطير يظهر في المطاعم فضلها
…
ما صيد باشقها كصيد الباز
حاولت مدح محمد فأقامنى
…
إجلاله في موقف الإعجاز
وأطلت في أوصافه متطفلا
…
فوجدت بسط القول كالإيجاز
يا مفردا جمع الفضائل كلها
…
ما إن لفضلك في الزمان موازى
أرهقت أرباب الضلال بصولة
…
ردت أبى النفس كالجلواز
وأسمت سرحك في رياض سعادة
…
وسواك سام السرح في الأجراز
وكساك والدك الرضا حلل الرضا
…
وقضى لوعد علاكم بنجاز
أَدركت في التقديم كل حقيقة
…
لما اكتفى منها السوى بمجاز
سابقت أرباب العلوم ففقتهم
…
بذكاء فهم زائد وحزاز
فلك اليد البيضاء في أنواعها
…
والسبق في الميدان يوم براز
فسعيت سعى موفق ومسدد
…
ونطقت نطق مصدق ممتاز
كم فتكة بكر لسيفك في العدا
…
ومشاهد مشهودة ومغاز
كيف النجاة وسيف سعدك طالب
…
للمارقين وسبف كفك غاز
قدت الخميس إلى الوطيس بعزمة
…
تذر الكماة الصيد كالحراز
واسود حرب غابها سمر القنا
…
مشهورة بالفتك في الشراز
لا يعرفون سوى التقدم في الوغا
…
والضرب في الأعناق والأجواز
وإليكها أبكار فكر غضة
…
جهزتها لحلاك خير جهاز
تاهت على شعر العراق لطافة
…
وزرت بأهل الرى والأهواز
يهوى الرقيق الطبع رقة طبعها
…
وبعدها الجهال في الألغاز
قد جئت بالدر النفيس مفصلا
…
عقدا وما أَنفقت من أعواز
ولطالما طلب الغواة ذخائرى
…
حرصا ففاقهم نفيس ركاز
سمحت بها الأفكار وهى لواعب
…
فأتت بغنة قينة ميجاز
وأَتتك عفوا حرة من حرة
…
والحر لا يحتاج للمهماز
أنى يعارض الغوى وقد غدت
…
بصفات حمدك في صوان طراز
حصتها بعلاك خير تميمة
…
من كيد كل مكاشح هماز
ترمى نجوم سمائها حرسا لها
…
شهبا لحرق الكاشح اللماز
ويحوط حوزة سرها ذو مرة
…
فكأنه باز على قفاز
ولكم دَعِىٍّ رام عجم عقودها
…
والدر لا يمتاز للبزاز
أسدى وألحم في مجال غروره
…
ما حرفة الصواف كالقزاز
والشعر يعرف قدره من حاكه
…
نساجه أدرى من البزاز
دم في ذمام المجد محروس العلا
…
في نعمة موصولة بمفاز
وقال:
نادى السرور بسعدكم فتنزهوا
…
فالروض قد أَهدى حلاه وخزه
بسط الربيع به بساط زبرجد
…
قد أحسنت أيدى السحائب طرزه
قد كان كنزا في التراب مطلسما
…
فتحت رقى كنز الغمائم كنزه
أبدت خبايا الأرض من بركاته
…
ما أَوضحت لس الكمائم رمزه
طلعت طلائعه بكل ثنية
…
تهدى بدائعه وتنشر بزه
وجيوشه النوار تظهر في الرُّبى
…
أعلامه يبدى علاه وعزه
ملك الفصول له التقدم بينها
…
من رام شأو سناه منها عزه
فخر الزمان بصفيه وخريفه
…
وشتائه يوم الفخار وبزه
متصرف في الأرض عند وروده
…
فأشب نرجسه وشيب لوزه
تتنفس الجنات فيه أما ترى
…
أرجا سرى أحيا الفؤاد وهزه
وقال:
ما للظباء الجواز
…
أعرضن عند الجواز
فتكن بى فمن أفتى
…
في مهجتى بالجواز
بكل قد قناة
…
وكل شفر جراز
لهن في كل يوم
…
لدى فؤادى مغاز
قد طال للعين جور
…
وهن حلف اعتزاز
ولا شفاء لقلبى
…
إلا اللقا والتجازى
سأشتكى الظلم يوما
…
إلى (الشريف الحجازى)
فهو في الحب قاض
…
يقضى بحسن نجاز
قد حاز كم من خصال
…
فهو بها ذو إمتياز
ففى الفصاحة فرد
…
ما أن له من مواز
إن قال أسكت قهرا
…
كل فصيح مماز
وهل لديك صراخ
…
إن صاح في الأفق باز
أُقسم بالبيت حقا
…
وبالصفا والحجاز
ما إن رأَيت ظريفا
…
مثل الشريف الحجازى
وقال يتغزل:
ألا خبروا ذات الخلاخل والقرط
…
بأنى ملك للجمال بلا شرط
لقد أودعت قلبى وربك لوعة
…
غداة بدت بين الوشاحين والمرط
تميس كخوط البان غازله الصبا
…
وتسفر عن بدر وتفتر عن سمط
رمتنى بسهم الغنج عن قوس حاجب
…
فأصمت فؤاد المستهام ولم تخط
وما كان الحب إلا بنظرة
…
وتبتدئ النيران من ضرم السقط
عجبت لها مذ ورد الحسن خدها
…
وزينة كف المحاسن بالنقط
وحلت بقلب المستهام وأهلها
…
بذات الغضا ما بين نعمان وأسقط
وقال:
أبصر مقلتى فريد جمال
…
قد سبى مهجتى بثغر الرباط
ظبى أنس قد قلبى بلحظ
…
حل في حبه على رباطى
همت فيه لما تطلع بدرا
…
فوق غصن هفا بـ (برج السراط)
وقال مجيبا لبعض أهل الرباط، ممن كان له به معاشرة وارتباط، وضمنها مساجلة ومداعبة في عتاب، وملاما على تقصير في كتاب:
أَتانى نظام منك كالدر في السمط
…
فأنهلنى كأس الوداد على شحط
وذكرنى عهد الصبا ولطالما
…
صبا للصبا النجدى ذو اللمم الشمط
هززت به عطفى ارتياحا ونخوة
…
كأنك قد عاطيتنى كأس إسفنط
ودبت حميا لفظه في مفاصلى
…
جررت بها من نشوة طربا مرطى
وقرظت أرضا بالجهاد تشرفت
…
وحلت من العلياء في موضع القرط
أما في رباط الفتح للفتح آية
…
لمن يفهم المعنى المراد من الربط
ولكننى أُملى عليك دعابة
…
تلوح كأخت الظبى تختال في الربط
وأبديت في حكم الغرام تلونا
…
فطورا أخو ضبط وطورا أخو خبط
كأَنك في هذا خليع صبابة
…
يشبب بالسودان طورا وبالقبط
أراك استباك البحر والموج والهوى
…
وهمت هيام البط بالماء والشط
وقابلتنى لما نأيت بجفوة
…
ولم تجر في شرع الوداد على شرط
أما هذه شهران مرت ولم يجئ
…
رسولكم لا بالسلام ولا الخط
إلى أن أتت من بعد نأى رسالة
…
خبطت بها عشواء في مضمر الخبط
وجئت بها بدعا لفرط اختصارها
…
ولم تسم الأخبار والود بالضبط
ولولا اتضاح الصفح في صفحاتها
…
وما قد حواه الصدر من غرر البسط
لأرسلت من عتبى إليك كتائبا
…
مجللة بالزعف والبيض والخطى
ولولا الحياء من صفيى أبى العلا
…
أخى المجد والعليا والخلق البسط
لم يراعى السرى في الأرى واغتدى
…
على البعد يغرى الكف بالقد والقط
حماك حماه من سماع يراعى
…
فلا ترع بعد مربع الأثل والخمط
وقم في مقامى عنده وارع وده
…
وراع رعاك الله مالى من قسط
وكن شاكرا للفضل والفصل ذاكرا
…
عهودى ولا تصبح لذاك أخا غمط
فلا زلتما في نعمة وسلامة
…
بجيد كما حلى المكارم كالسمط
وقال من قصيدة:
بدور أَعارت للبدور كمالها
…
وأخفت بأفلاك السعود جمالها
حوى كل خدر بدر تم وأَسدلت
…
عليها الغوانى الحافظات حجالها
فقلت أفجر قد تبلج ضوؤه
…
أم الشمس أبدت في السحاب اعتدالها
فقيل بلى شمس الجمال تطلعت
…
فأَخفت لنا شهب السما وهلالها
تأَمل ترى حسن البداوة ساذجا
…
تجل عن التمويه من أن ينالها
تعلم منها الظبى حسن تلفت
…
وقد سلبت غض الغصون اعتدالها
تشابه حسنا ثغرها وعقودها
…
تأمل ترى أسلاكها وفصالها
وفى الكلة الحمراء بيضاء غادة
…
تود ذوات الحسن منها دلالها
لديها قلوب العاشقين أسيرة
…
تروم ببذل الروح منها وصالها
عجبت لها والليل أرخى سدوله
…
بآفاقها والنور يبدو خلالها
نظرت إليها نظرة يوم حاجر
…
فأَهدت إلى نفس المحب خبالها
وأخرى بأكناف العقيق فأرسلت
…
إلى القلب من قوس اللحاظ نبالها
فعدت وفى قلبى من الوجد لوعة
…
تهد من الشم الرواسى جبالها
وعاشت لما منت من الوصل برهة
…
وقد سئمت نفسي الغداة مصالها
إذا أزمعت وصلى نجازا لوعدها
…
تصدى لها واشى الهوى فأمالها
وإن رمت سلوان الهوى قال قائل
…
من الوجد هل تسلو الجياد اختبالها
سموت إليها بعد هدء وهجعة
…
وقد جدل النوم الثقيل رحالها
فقالت ألص أنت أم أنت فاتك
…
يروم من الحسناء قهرا منالها
فقلت لها إنى محب فقهقهت
…
وقالت لعًا لو كان غيرك قالها
أتهوى وصال الغانيات وقد بدا
…
بفودك صبح الشيب ينفى اتصالها
فأبت ولم تعلق بكفى ريبة
…
وعدت على نفسى أُقبح حاله
أشيب وعيب إن ذا غير لائق
…
بمن يبتغى الأخرى ويبغى كمالها
وقال يصف أهل الزمان، وأن الإنسان لا يسلم منهم كيفما كان:
أرى الناس قد أُغروا ببغى وريبة
…
وغى إذا ما ميز الناس عاقل
وقد لزموا معنى الخلاف فكلهم
…
إلى نحو ما عاب الخليقة مائل
إذا ما رأوا خيرا رموه بظنة
…
وان عاينوا شرا فكل مناضل
وليس امرؤ منهم بناج من الأذى
…
ولا فيهم عن زلة متغافل
وإن عاينوا حبرا أديبا مهذبا
…
حسيبا يقولوا إنه لمخاتل
وإن كان ذا دين رموه ببدعة
…
وسموه زنديقا وفيه يجادلوا
وإن كان ذا زهد يسموه نعجة
…
وليس له عقل إلا فيه طائل
وإن كان ذا صمت يقولون صورة
…
ممثلة بالعى بل هو جاهل
وإن كان ذا شر فويل لأمه
…
لما عنه يحكى من تضم المحافل
وإن كان ذا أصل يقولون إنما
…
يفاخر بالموتى وما هو زائل
وإن كان مجهولا فذلك عندهم
…
كبيض رماد ليس يعرف خامل
وإن كان ذا مال يقولون ماله
…
من السحت قد رابى وبيس المآكل
وإن كان ذا فقر فقد ذل بينهم
…
حقيرا مهينا تزدريه الأراذل
وإن قنع المسكين قالوا لقلة
…
وشحة نفس قد حوتها الأنامل
وإن هو لم يقنع يقولون إنما
…
يطالب من لم يعطه ويقاتل
وإن يكتسب ما لا يقولوا بهيمة
…
أتاه من المقدور حظ ونائل
وإن جاد قالوا مسرف ومبذر
…
وإن لم يجد قالوا شحيح وباخل
وإن صاحب الغلمان قالوا ألَا بنت
…
وإن أجملوا في اللفظ قالوا مبادل
وإن هوى النسوان سموه فاجرا
…
وإن عف قالوا ذاك خبيث وباطل
وإن تاب قالوا لم يتب لزهادة
…
ولكن لإفلاس وما ثم حاصل
وإن حج قالوا ليس لله حجه
…
وذاك رياء أنتجته المحامل
وإن كان بالشطرنج والنرد لاعبا
…
ولاعب ذا الآداب قالوا مداخل
وإن كان في كل المذاهب نافذا
…
وكان خفيف الروح قالوا مثاقل
وإن كان مقداما ما يقولون أهوج
…
وكان ذا ثبت يقولون ناكل
وإن يعتلل يوما يقولوا عقوبة
…
لشر الذى يأتى وما هو فاعل
وإن صح قالوا ليس لله حاجة
…
بمن يتعداه الردى والغوائل
وإن مات قالوا لم يمت حتف أنفه
…
لما هو من شر المآكل آكل
وما الناس إلا جاحد ومعاند
…
وذو حسد قد بان منه التحامل
فلا تتركن حظا لخيفة قائل
…
فإن الذى تخشى وتحذر قائل
وقوله مادحا السلطان المذكور ومهنئًا له بشامخ تأييده لما خرج جيش الوداية عن الطاعة، وشقوا العصا ونبذوا يد الجماعة، وظهرت له مخايل الإعراض من جلالته قبل النكبة، واستجماع الهزبر للوثبة، وكثرت به الوشايات، ودبت له عقارب الإذايات، فخرج له المدح بالعتاب. وذكره بصالح خدمته لتلك الأعتاب، وما يغنى الدفاع إذا تمكنت الأسباب، وإلى الله المرجع والمآب:
أمولانا أمير المؤمنينا
…
حباك الله نصرًا مستبينا
وزادك رفعة وعلو شأن
…
وإسعادا وتمكينا مكينا
وحكم سيف عدلك في الأعادى
…
وأودى به البغاة المعتدينا
فإنك غالب بالله مهما
…
غزوت حبالك الفتح المبينا
كفاك به اعتصامك كل عاد
…
فعون الله للمتوكلينا
فقد حان حين مهلكهم ونادى
…
فقم بالله ربك مستعينا
ولو لم تغزهم لكفاك ربى
…
وكان لهم بمكرهم مهينا
وقد فشلت رياحهم وخابت
…
مكايدهم وعادوا صاغرينا
وقد ساموا كبارهم هوانا
…
وأَضحوا ما أَتوه ناكرينا
وقل لعبيد سيدنا البخارى
…
ومن في حزبهم والمسلمينا
ثقوا بالله واعتصموا وقولوا
…
إلهى أنت خير الناصرينا
فأنت ملاذنا وبك استعنا
…
على هلك البغاة المارقينا
سيخزيهم وينصركم عليهم
…
ويشفى صدور قوم مؤمنينا
ولا تخشوا فأنتم في جهاد
…
ونصرة دين رب العالمينا
فإن الشرع في الباغين أفتى
…
وألحق فعلهم بالمشركينا
وقدم أهل مذهبنا جهادا الـ
…
ـبغاة على جهاد الكافرينا
وحكم الشرع في الأعداء ماض
…
وليسوا في الأنام بمعجزينا
فقد شقوا العصا وبغوا وخانوا
…
بغدرهم أَمير المؤمنينا
فكم من مثلهم صاروا حديثا
…
وذكرا سائرا في الغابرينا
وإن البغى مرتعه وخيم
…
عقوبته معجلة يقينا
فهم أهل الردى إن لم يتوبوا
…
ولم يأتوا لحكمك طائعينا
وأنتم أهل مكرمة وحلم
…
وعفو عن جميع المذنبينا
يزيد الله أهل العفو عزا
…
كما بحديث خير المرسلينا
أمير المؤمنين إليك أشكو
…
أمورا خلفت قلبى حزينا
وأكبرها صدودك لا لشئ
…
سوى زور الوشاة الحاسدينا
وإهمال الخديم وذاك عار
…
على أهل الوفاء الأكرمينا
فلا كتب تسر ولا سلام
…
به يحيى المشوق إليك حينا
وإصغاء السماع إلى أعاد
…
حسبتهم لملكك ناصيحينا
وقد أشفوا صدورهم وأضحوا
…
بنا بين البرية سامتينا
وكم قاسيت بعدك من أمور
…
يكاد الصخر منها أن يلينا
بكيت لها دموع دم ولما
…
أجد بين البرية راحمينا
وضاقت هذه الأرضون عنى
…
لزور الممترين المفترينا
فلو كان الممات يباع يوما
…
لكنت لكأسه في الشاربينا
ولكنى سأسال عفو ربى
…
فإن الله خير الراحمينا
وأرجو الحق يبدى الحق حتى
…
يريك الأصدقاء والكاذبينا
فإن الله لا يخفاه شئ
…
وليس يضيع صدق الصادقينا
وهل يخفاكم أمرى وأَنى
…
خدمت جنابكم تسعا سنينا
وأَفنيت الشبيبة في رضاكم
…
ولم أمدد لغيركم عيونا
ولم تكن الخيانة من فعالى
…
ولست بناشئ في الخائنينا
ولكن ضاق بى الأعداء ذرعا
…
فابدوا من مكايدهم فنونا
فلولا حلمك البادى علينا
…
لكنت بمكرهم في الهالكينا
فديتك إن غدوت بعيد دار
…
فلا تسمع كلام العار فينا
فشيمتك الكريمة ذاك تأبى
…
وتأباه قلوب العارفينا
وحسن الظن خلقك قد عهدنا
…
فعاملنا بذلك ما حيينا
فرجع حسن ظنك بى فإنى
…
على حسن المذاهب ما بقينا
وتعلم حالتى وصلاح أمرى
…
وحسن تقدمى في الناصحينا
فما بدلت بعد البعد حالا
…
عرفت ولا رضيت سواها دينا
أنا الياقوت في طبع ونفع
…
يزيد علا بنار الموقدينا
وإنى إن عدت عنكم عواد
…
لملتزم لحضرتك الحنينا
وأسأل ربنا في كل وقت
…
يكن لك فهوض خير الناصرينا
بجدك سيد الأوان طه
…
محمدنا شفيع المذنبينا
عليه صلاة ربك مع سلام
…
وآل والصحابة أجمعينا
وقوله مخاطبا الأمير المذكور وقد بلغه أن أعداءه نسبوا له عنده الخوض مع خاض من أهل فاس في الفساد عند خروج الوداية، وتجردهم للفحش والإذاية، وكان السلطان يعرف براءته ودينه، ويورده من حسن الوداد معينه:
مولاى إنى بعهد ودك واثق
…
إذا أنت بالحال الخفى عليم
قد أكثر الواشون من بهتانهم
…
والزور في خلق الورى معلوم
ليس الملام عليهم فيما أتوا
…
بل من يصيخ إلى الوشاة ملوم
إنى صبرت على المكاره حسبة
…
والله يعلم أننى مظلوم
وكفى بعلم الله واسع قول من
…
قبلى وظلم الحاسدين قديم:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم
خافوا فضيحتهم بردى فانبروا
…
للسعى في هلكى وذلك لوم
إنى ليحجزنى الوفاء عن الجفا
…
والدين عما زوروا والخيم
فالود باق والمحبة غضة
…
والصدر من داء الفساد سليم
إن كنت خنتك في المغيب فخاننى
…
حال المصاب الصبر والتسليم
وإذا سمعت بما يسئ سماعه
…
أملت أن لو حل بى المحتوم
إنى سعيت ولا أزال بفضلكم
…
أسعى لنيل طلاحكم وأروم
وبذلك نفسى وما ملكت لأجلكم
…
وصبرت حيث المستعين عديم
ولسوف تتضح الحقائق جهرة
…
ويلوح من أسرارها المكتوم
وإذا علمت بحالتى ولم تصخ
…
للحاسدين فأمرهم معدوم
إن صح لى منك الوداد فإنه
…
حسبى وحسب الحاسدين الشوم
ظنى الجميل بكم لحسن وفائكم
…
ولدينكم ولفضلكم معلوم
أنا عبد إحسان له بولائكم
…
كولاء سلمان له التقديم
وعليكم حفظ الوداد لأنكم
…
أهل الوفاء وعيدكم مكروم
حاشاكم أن تشمتوا الأعداء بى
…
أو أن يساء على الوفاء خديم
والله أسأل أن يدوم لملككم
…
النصر والتمكين والتعظيم
بالمصطفين وبآله وصحابه
…
فعليهم الصلوات والتسليم
وقوله في حالة سجنه، وفقدان أمنه، يتضرع للسلطان في إقالة عثرته، واستنقاذه من نكبته:
الحلم شيمة أهل البيت والكرم
…
والصفح والعفو والإغضاء شأنهم
والرفق ينشأ منهم والحنانة مع
…
لطف وعطف فمهما استرحموا رحموا
حسن الوفاء وحسن العهد شأنهم
…
طول الدوام ومنهم تحفظ الذمم
لا يؤيسنك من غير عقابهم
…
فبعد رعد وبرق تسكب الديم
خلائق ورثوها عن أب فأب
…
قد سنها خير خلق الله جدهم
أقررت بالذنب والغفران يشملنى
…
وجئتهم تائبا والفضل فضلهم
وقد جعلت شفيع الخلق كلهم
…
وسيلتى أرتجى الغفران عندهم
يا سيدى عابد الرحمن عفوك عن
…
عبد مسئ بحلم منك يعتصم
قد تاب توبة صدق من جنايته
…
وعندك الحلم والإغضاء والكرم
عامله لله وأعتقه ورق له
…
فقد أضر به التعذيب والعدم
قد عم حلمك كل الناس من كرم
…
فكيف يخرج عنه مفرد علم
لا زال ملكك في عز وفى شرف
…
والفتح والنصر والعليا لكم خدم
بجاه جدك خَير الخلق قاطبة
…
صلى عليه إلهى ما بدا كرم
والآل والصحب ما هبت بجاهم
…
نسائم اللطف للقصاد فاغتنموا
وما سرى فرج للمستجير بهم
…
وجاء العفو والتسريح والنعم
وقال وهو بحال الاعتقال، وكان الحكيم محمد يفرح رحمه الله رمز له بمقال، وأوضح له لغز فال، فكتب له يستدعيه، كى يستفيد منه ما يعيه:
عسى نفحة من حضرة القدس تسرح
…
فيزهو بها قلب المعنى ويفرح
وتأتى بتفريج وأمن وبسطة
…
ويصدق ما قال الموفق يفرح
لقد غاب عنى النهار وضوؤه
…
فلا سره يبدو ولا الكتب تشرح
لئن صدر عنا النهار وضوءه
…
فبعد غروب الشمس مسرى ومسرح
عليه سلام الله ما هب ناسم
…
وما دامت الأرواح في الكون تسرح
وقال:
ألا عطفة يا آل بيت محمد
…
على ضائع في السجن من غير فائدة
أضر به ثقل الحديد وبرده
…
وهذى الليالى بالبرودة شاهدة
يحاكى الذى الموصول معنى وصورة
…
هبوا صلة بالفضل منكم وعائدة
وقال:
ألا يا سيد الشفعاء غوثا
…
لعان قد أضر به الحديد
وآلمه الثقاف وعظم حزن
…
يخر لبعضه البطل الشديد
دعاك وإنه فيك ذو يقين
…
يعالجه بك الفرح العتيد
وأَنزل رحله بك مستجيرا
…
فداركه بجاهك يا حميد
عليك الله في القرآن صلى
…
وسلم إنه الرب الحميد
وقال من قصيدة:
أسيدنا إنى بعفوك لائذ
…
من العتب أو من ظنة وملال
تكدر عيشى مذ رأيتك معرضا
…
وأسهرت في عد الذنوب ليال
فإن كنت قد أذنبت فالعفو واسع
…
وفى العتب للأحرار ضرب نكال
وفى سارعوا خير لمثلك نيله
…
وأخذك بالآداب خير منال
وسر العلا والود يظهر للفتى
…
بإفهام حال أو بلحن مقال
فلا تشمت الأعداء بى بعد ما غدت
…
رقابهم يوم الفخار نعال
ولا ترخصوا عرضى لهم بصدودكم
…
فإنى إن تولوا المبرة غال
ولا تجمعوا هجرا على وغربة
…
وداء عفاكما ربنا المتعال
خدمتكم عشرا سنين أعدها
…
وسابقت في الميدان كل مغال
قطعت بها شرخ الشباب وقد بدا
…
صباح مشيبى في سواد قذال
ومثلى محسود عليكم ومثلكم
…
خبير بواش في الأنام وقال
إذا ما حوت نفسى رضاك فحسبها
…
ولست بحزب المبطلين أبال
وقد كنت في يمينى يديك جعلتنى
…
فلا تجعلنى بعدها في شمال
وأنت بتتميم الصنائع كافل
…
وبالرعى للخدام خير موال
وعودتنا من حسن عهدك شيمة
…
ومن خلقك المحمود حسن فعال
تسائل عنا حيث غبنا وتعتلى
…
وتمنحنا فضلاً بغير سؤال
وتولى الذى تلقى البشاشة راضيًا
…
وتلك لعمرى شىيمة المتعال
ولم يك عن سوء يظن تأخرى
…
وأنتم -حفظتم- تعلمون بحال
وإنى لمولاكم وكاتب سركم
…
ولى ذمة منكم وحرمة وال
أعادى الذى عاداكم وأذمه
…
وأمدح من والاكم وأوال
وإنى لعمر الله حسان مدحكم
…
أنافس في أمداحكم وأغال
وقلدت جيد الدهر كم من قلادة
…
بحمدكم فاقت سلوك لآل
فلا تحرمونى قربكم بعد نيله
…
ولا تقطعونى بعد طول وصال
ولا تطردونى بعد ما بعلاكم
…
عرفت فأنتم سادتى وموال
بقيتم بقاء الدهر كهفًا لأهله
…
وهنيتم النعمى بغير زوال
بجاه رسول الله جدك أحمد
…
شفيع الورى السامى بكل كمال
عليه صلاة الله ثم سلامه
…
وآل وصحب ماجدين وتال
وقال:
لمكناسة الزيتون عرج على صحب
…
وخيم به في ذروة السعد والرحب
وحى به من صفوة الود جيرة
…
كرام السجايا عاكفين على الحب
وأوطان أوطار سقى ربعها الحيا
…
وطيبها العرف الأريج من القرب
وقال:
نأت قوت قلبى فالصبابة عائدة
…
وزائدة في حرقة القلب زائدة
قد استأنفت نفسى لمكناسة هوى
…
لواذع شوقى نحوها متزايدة
وقد كان قبل بالقديمة لى هوى
…
ولكن نفسى بالحديدة واجدة
وقال:
أحن إلى ثغر الرباط وأهله
…
حنين غريم للصبابة والوجد
وأصبو إليه كلما عنَّ ذكره
…
صبابة قيس أو مضاض إلى هند
وما ذاك إلا أن قلبى ساكن
…
لدى سكن فيه قريب على بعد
متى تجمع الأيام بينى وبينه
…
وأشكو إليه ما لقيت من البعد
ويبدى الرضا والشوق منا تعانقًا
…
بصدر إلى صدر وخد إلى خد
فأجنى ثمار الوصل من روضة المنى
…
وأسقى كئوس الأنس من خمرة الود
وقال:
أخلاى بالحمراء هل شفكم بعدى
…
وهل شاقكم ذكر المعاهد من بعدى
وهل عهدكم باق كما قد عهدته
…
فإنى لعمر الله باق على العهد
وهل عهدكم صافى المناهل سلسل
…
جميل صفات الود مستحكم العقد
فإنى وإن شطت بى الدار عنكم
…
لأكثركم شوقًا ووجداً بذى ودى
فإن تدعوا في الشوق أبعد غاية
…
فأضعف ما تعنون عندكم عندى
سلوا الليل عن وجدى بكم وصبابتى
…
وبزل المطايا عن حنينى وعن وجدى
أكن الجوى والدمع يبدى سرائرى
…
فلله ربى ما أكن وما أبدى
عسى نفحة أو لمحة من جنابكم
…
تعلل صبا مستهامًا على بعد
وقال وقد لقى بعض السلويين فسألهم عن أدباء بلدهم فأخبروا عنهم بالعجب فشوقوه لرؤيتهم والرواية عنهم فأنشد:
أأهل سلا إنى مشوق لربعكم
…
لألقط من أشعاركم حلية النحر
وما هو إلا الدر نظم عندكم
…
ولا غرو يلفى الدر في ساحل البحر
وللقلب سر في سماع حديثكم
…
ليعلم كيف النفث في عقد السحر
وقال على شاطئ البحر بسلا في 20 محرم سنة 1238 م وكان قد توجه مع وفد إعلام، ذوى آراء وأحلام، قاصدين السلطان المولى سليمان فمكثوا بالعدوتين مدة، وخامرهم شوق جاوز حده:
عرانى من ذكر الأحبة وحشة
…
تضاعف وجدى عندها ونأى صبرى
لطيف سرى بالوهم وهنا خياله
…
فزار على بعد وقد كان لا يسرى
عجبت له أنى اهتدى ومتى ارتقى
…
إلى وكم من مهمه بيننا قفر
وولى فكم نار توقد في الحشا
…
اشتياقًا وكم دمع على أثره يجرى
فبت وجنبى عن قتادة مسند
…
وعينى حديث السهد تروى عن الزهرى
فقلت أسلى الهم عنى بنظرة
…
إلى خضرة أو بالتعجب في البحر
فما زادنى إلا اشتياقًا كلاهما
…
وصرت كمثل مطفئ الجمر بالجمر
لعل الذى كان التفرق حكمه
…
سيجمعنا بالقرب من حيث لا ندرى
وقال:
يا ظبية الأنس ذات الدل والخفر
…
كم صدت صبابسهم الغنج والحور
تخذت قلبى كناسًا تنزلين به
…
والقلب منزلة تعزى إلى القمر
متى أفوز بوصل منك مفردة
…
يا منية القلب والإسماع والبصر
ولا رقيب سوى كأس نروقها
…
ولا مؤنس غير رنة الوتر
وقال:
حنت لأحمال أثقال النوى عيرى
…
فذكرتنى أصوات النواعير
يا عيرى حثى الخطا واستنشقى أرجا
…
من نحو فاسى وإن عز الخطا طيرى
فما مقامى بأرض لا أنيس بها
…
ولا شراب سوى ماء الخطاطير
إيه فما البعد عن أرض بها سكنى
…
أهل الحضارة فيها والقناطير
في كل قطر بها روض وساقية
…
فلا مجاز سوى على القناطير
تلقى بها أوجها راقت نضارتها
…
مثل الدنانير في زى النواوير
وقال:
رأيت العز أجمع والمعالى
…
بظل المشرفية والعوال
وضرب الخيل المذاكى
…
وتسليط الرجال على الرجال
وإن خطابهم بلسان سيف
…
لأفصح من مخاطبة المقال
إذا أبدى على الراحات وعظا
…
هدى رشداً وأنقذ من ضلال
ومرهم بندق الجعبات شاف
…
لأهل البغى من مرض الخبال
إذا ومضت بوارقه وحنت
…
رعود الوند من طلب النزال
رقت روح الكماة إلى التراقى
…
وطار القلب من خوف اغتيال
وقال:
عسى نفخة الألطاف يهدى نسيمها
…
شذا فرح يشفى القلوب شميمها
فإنى بباب الله أنزلت حاجتى
…
وفى فضله آمال نفسى أسميها
وجاه رسول الله أفضل شافع
…
إلى الله في حاج لعبد يرومها
فما خاب من إفضاله متوسل
…
به فهو مقبول المساعى عظيمها
وما لى مع حسن الرجاء وسيلة
…
سوى دعوات بالخضوع أديمها
وقولى وقد ضاق الخناق ضراعة
…
مقالة مكسور الجناح هضيمها
ألا يا رسول الله غوثًا لضارع
…
فإنك محمود الخلال كريمها
وإنى وإن علقت كفى بصاحب
…
وقربى بباب الله لست أريمها
وقال:
حيت فأحييت بروج اللطف والفرج
…
وانشقت من شذاها أطيب الأرج
صبًّا صبا كل صب نحوها شغفا
…
إذا هفت أذهبت ما كان من حرج
عجيبة الصنع لو مرت على جدث
…
أحيت به ميت الأشباح والمهج
ولو سرى نفس منها على كبد
…
حرا لأطفأ ما تلقى من الوهج
ولو تنسم يوما عرفها دنف
…
عان لعالجه الرحمن بالفرج
وافت وقد حملت من كل نافحة
…
شذا به يدرك الإفراج كل شج
في ضمنها من ربى نجد وجيرته
…
ما فاوح العنبر الشحرى في أرج
جاءت بنشر الخزامى في تنفسها
…
وحنوة وعبير عبهر بهج
فلو درى مسك دارين بهبتها
…
إذا سرى سرقا من نشرها الأرج
وهل يقاومها طيب وقد نفحت
…
من نحو طيبة مأوى صاحب الفرج
محمد صفوة الأكوان من خلقت
…
لأجله واكتست من نوره البهج
ما زال يدعو إلى الرحمن حتى هدى
…
من اهتدى لسبيل الرشد والفلج
وكانوا من قبل في ظلماء مجهلة
…
حتى استضاءوا بصبح منه منبلج
خير الوسائل أزكاها وأشرفها
…
عند الإله وأوفاها بمنزعج
به توسل آدم فنال علا
…
وفاز بالتوبة الخلصاء والعلج
وكل فضل بدا في الكون منشؤه
…
من سيد الرسل والخيرات منه تجى
وكل من نال تشريفًا ومكرمة
…
فمن علاه رقى لأرفع الدرج
عمت شفاعته دنيا وآخرة
…
لكل فرد بذاك الجاه مندرج
بالمصطفى كل صعب يستلين لنا
…
في كل ضيق بإذن الله منفرج
وباسمه إن دعونا يستجاب لنا
…
أو استجرنا ننال الأمن في اللجج
فسل بجاه النبى كل ما أمل
…
وافتح بجاه الرسول كل مرتتج
فجاهه عند رب العرش ذو عظم
…
وقدره أرفع الأقدار والحجج
إنى نزلت حماه الرحب محتميًا
…
بجاهه دافعًا للضيق والحرج
وإن عرتنى من الأيام نازلة
…
ناديت يا أزمتى بالمصطفى انفرج
وإن تخوفت مكرًا أو خشيت أذى
…
فليس إلا على علياه منعرج
فلن يخيب امرؤ حط الرحال به
…
وإن غدا عن سبيل الرشد ذا عوج
أستغفر الله مما ضاع من عمر
…
في سكرة الجاه محسوداً على الهوج
وما اقترفت من الأوزار مشتغلاً
…
في كل ممشى إلى نيل الدنا ومج
يا ليتنى قد خلصت من حبالتها
…
رأسا برأس ولم أحصل على حرج
وليس لى عند حسن الظن أو لجإى
…
لباب خير الورى بمنطق لهج
يهيج الوجد شوقى من تذكره
…
وأى قلب بذكر الحب لم يهج
أقول للنفس إذ جد الرحيل بنا
…
ونحن من خدع الأيام في وهج
قدمت شيئًا تنالين الأمان به
…
قالت نعم برجاء المصطفى فلج
ما خاب قاصد خير الخلق من مضر
…
وكيف وهو بكل المكرمات حج
كم ذا التوانى وركب القوم قد سبقوا
…
لحضرة الله والمغبون في هوج
فإن حضرة خير الخلق قد فتحت
…
باللطف بادر إلى أبوابها ولج
وسر على نهج أهل الخير مقتفيًا
…
أثر الثقات وإن أصبحت ذا عرج
وتب إلى الله واضرع في القبول له
…
وابك الذنوب بدمع غير ممتزج
والجأ إلى الله في التوفيق مبتهلاً
…
بالمصطفى ولتقل بمنطق هزج
يا رب بالمصطفى والآل عترته
…
وكل قلب بذكر الله مبتهج
دارك عبيدك يا رب بمرحمة
…
وستر لطف بسر العطف منتسج
واحفظه في أهله وماله أبداً
…
وامددهم مدد الخيرات في فرج
وصل رب وسلم دائمًا أبداً
…
على حبيبك هادى الخلق للنهج
والآل والصحب والأخيار أجمعهم
…
فالكون من نورهم في منظر بهج
وارض عن الأولياء الصالحين فهم
…
حصنى وأمنى وهم بين الورى سرج
إنى بكم يا رجال الله في وزر
…
فدار كونا بخير الخلق بالفرج
وقال:
والله لولا سبعة أرجو بها
…
نيل المفاز ورحمة الرحمن
ما قمت في باب الخلافة آمرا
…
أو ناهيا في خدمة السلطان
إبلاغ حاجات وغوث مؤمل
…
ودفاع مكروه وبذل أمان
وعلاء إسلام وبث نصيحة
…
وإعانة الإخوان والأخدان
وقال:
أدر كاس البشارة يا نديم
…
فقد رضى الإمام على الخديم
وقابله بإقبال ورفق
…
وعاتبه معاتبة الكريم
علمت بأننى عبد لمولى
…
سما بالفضل والصدر السليم
يعود على الجناة بفضل حلم
…
إذا صدقوا ويعفو عن المظلوم
أضعت الحزم من جهلى فأغضى
…
وأدبنى بتأديب كريم
درى إنى سبيل رضاه أقفو
…
فعلمنى وناهيك من عليم
فلم يهمل لحسن العهد أمرى
…
وأجرانى على العهد القديم
ولولا فضله ما كنت شيئا
…
ولكنى انتسبت إلى عظيم
إذا ظفرت يدى برضاه عنى
…
حصلت على الكرامة والنعيم
وإن آنست منه وحاش غيرا
…
يلملنى مململة السليم
أدام الله رفعته وولى
…
كرامته على النهج القويم
وأسأله رضاه في رضاه
…
وفوراً بالنجاة من الأليم
بجاه جده المختار من قد
…
حبا الرحمن بالخلق العظيم
سلام الله والصلوات تترا
…
على علياه من رب رحيم
وآل والصحاب ومن تلاهم
…
على نهج الصراط المستقيم
وقوله متغزلاً:
حوراء لو نظرت إلى صم الصفا
…
عادت كثيبًا باللحاظ مهيلاً
ولو انتمت يومًا لعزة حسنها
…
لا ترتضى غير النجوم قبيلاً
وقال:
من لى بأهيف أحوى الطرف أحوره
…
ممزق الود حلو الوعد كاذبه
بدر ولكن قلبى من مطالعه
…
ظبى ولكن فؤادى من ملاعبه
رفعت راية حبى إذ خفضت له
…
قدرى فجاد بجرى عن نواصبه
لو لم يكن مفرداً في الحسن ما كتبت
…
يد العذار سطورا حول شاربه
لو لم يكن حبه قد حل في خلدى
…
ما بت ليلى أرعى في كواكبه
أقول للنفس إذ لج الغرام بها
…
أما ترين الجوى الذى كواك به
وقال:
أحب القدود الهيف والأعين النجلا
…
وأهوى الثغور البيض والساعد العبلا
وأهفو لذات الردف والعطف إن مشت
…
تحمل ضعف الخصر من عظم ثقلا
فيا رب نعمنى بإدراك غادة
…
فإنك يا مولاى عودتنى الفضلا
وقال:
وافت تجر من الدلال ذيولا
…
ومن الهوى تجرى إلى خيولا
هيفاء تخطر في برود شبابها
…
فتزيد نظرتها المحب ذبولا
وتهز مرط قوام قد مثمر
…
بدرا كسا بدر السماء أفولا
وقال:
سل الرواة عن نفثات شعرى
…
فكم أبرأن من قلب سقيم
وكم أظهرن جودا من بخيل
…
وكم أولدن من بكر عقيم
فإن الشعر في التحقيق سحر
…
كما قد جاء في الأثر الكريم
ولى في نظمه القدم المعلى
…
وأسرار تغيب عن العليم
فأنظم حين أنظم رائعات
…
تفوق الدر في العقد النظيم
وأرفع بالمديح مقام قوم
…
وإن كانوا ذوى أصل لئيم
وأخمل بالهجاء منار قوم
…
وإن كانوا ذوى قدر عظيم
ولى قلم به بأس شديد
…
يثلم حده حد الصريم
يلين بالبلاغة كل قاس
…
ويسحر بالبيان لهى الصريم
ويترك ضربه الأقران صرعى
…
لدى الميدان بالضرب القويم
نثره: من ذلك في ظهير شريف، علوى منيف، أصدره السلطان مولاى عبد الرحمن لولده ولى عهده سيدى محمد معلمًا له بما أتاح له المولى من الفتح
والظفر بمردة قبيلة زمور الشلح في واقعة سنة تسع بتقديم المثناة على السين وخمسين ومائتين وألف، تلك الواقعة التي فات منهم فيها الأحزاب، وتقطعت بهم الأسباب: "ولدنا الأرضى الابن الأرشد، سيدى محمد أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد: فقد كنا أردنا الإبقاء على قبيلة زمور رحمة وإشفاقًا، وحملهم على الاستقامة بالإرهاب من الشدة في بعض الأمور هداية وإرفاقاً، فلم يرد الله بهم خيرا لفساد نيتهم، وخبث طويتهم، واتكالهم على حولهم وقوتهم، فما رأوا منا ميلاً وسداداً، إلا ازدادوا شدة وفساداً، ولا أظهرنا لهم عظة وإرشادا، إلا أظهروا تطاولاً وعنادا، وما أخرنا المحلة المنصورة عن الركوب إليهم إبقاء وإلفا، إلا ظنوا ذلك عجزاً وضعفًا، قد طمس الإعجاب منهم بصرا وسمعا. ولم يروا أن الله قد أهلك من قبلهم من القرون من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعًا:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
…
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
…
مضر كوضع السيف في موضع الندا
فلما رأينا لجاجهم وعماهم، وعدم رجوعهم عن هواهم، وأنهم لم يعتبروا بجلائهم عن بلادهم، ولا بما أصابهم من الفتنة في أنفسهم وأولادهم، ولم يرعوا ما نهب من زرعهم القائم والحصيد، ولا ما استخرج من مخزونهم الكثير العتيد، رأينا قتالهم شرعًا، وجهادهم ذبا عن الدين ودفعا، فاعتمدنا على حول الله وقوته وأمرنا بالزيادة عليهم في الأخذ والتضييق، والمبالغة في النهب والتحريق، وتركهم محصورين في أوعارهم، ومقهورين في أوكارهم، إِذْ رُبَّ مطاولة؛ أبلغ من مصاولة، فتوالت عليهم الغارات، وتتابعت عليهم النكبات، لا يجدون إلى الراحة سبيلاً، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، ففى كل يوم تثمر العوالى رءوس
رؤسائهم، وتختطف أيدى المنايا أهل بأسائهم، وكلما زادوهم إقبالا وطلبًا، ازدادوا توغلاً في الجبال هربا. حتى نهكتهم الحرب، وضرستهم موالاة الطعن والضرب، وضاع بالحصار الكسب والمال، ولحق الضرر الأولاد والعيال، فجعلوا يرحلون لقبائل جوارهم، طالبين لحلفهم وجوارهم، وبلغ البؤس فيهم غايته، وأظهر الله فيهم آيته.
وهم في خلال هذا كل حين يتشفعون، ويتذللون في قبول توبتهم ويتضرعون، ونحن نظهر لهم التمنع والإباية لنبنى أمرهم على أساس الجد، ونجازيهم على ما ارتكبوه من خلف الوعد، فلما أنجزت القهرية فيهم وعدها، وبلغت العقوبة فيهم حدها، قابلنا إساءتهم بالإحسان، ورعينا فيهم وجه المساكين والنساء والصبيان، فولينا عليهم منهم ثلاثة عمال، ووظفنا عليهم خمسين ألف مثقال، وشرطنا عليهم تقويم مائتين من الحراك مثل قبائل الطاعة، والتزام الصلاح والخدمة جهد الاستطاعة، فقاموا بذلك أحسن قيام، وأعطوا المراهين في أداء المال بعد أيام، وكان أخذهم بعد تقديم الأعذار، وتكرير الإنذار، وعفونا عنهم عفو غلب واقتداء، ورب عقاب أنتج حسن طاعة، وتوبة نصوح تداركت ما سلف من التفريط والإضاعة، وفى الناس من لا يصلح إلا مع التشديد، وربك يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد:
وما عن رضا منها عطية أسلمت
…
ولكنها قد قادها للهدى القهر
أردنا بها الإبقاء فازداد عجبها
…
وأد بها التشديد والفتك والأسر
ولو قيدوا النعمة بالشكر لأمنوا الزوال، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، والسلام فاتح رجب الفرد الحرام عام تسعة وخمسين ومائتين وألف".
وقوله في مقامة:
"الحمد لله. حدثنا فتح بن سلامة، عن نصر بن كرامة، قال: ألحفنى السعد ببرده، وأتحفنى بحلو عيشه وبرده، وبوأنى من حمى الخلافة العلوية العلية ظلالا، وأعلق كفى في خدمة الحضرة المولوية العبد الرحمانية حبالا، في دولة علوية أعلى العلا أعلامها، وحمى الإله حماها، عقد السعود على التناصر عقدها وذمامها، واليمن قد واخاها، فبلغت بطلعتها أمنها ومرامها، وتوصلت لمناها، وبنى الأئمة من قريش مجدها ومقامها بين الورى وعلاها، حموا الشريعة بالسيوف وأوضحوا أعلامها وتنوروا بسناها، فكنت منتظمًا في سلك كتابها، ومعهود في خدمة أعتابها، وصحبت ركاب مولانا العلى العلوى، وجيشه المنصور المولوى، في إحدى قدماته من الحوز، في سفر أسفر طالعه عن وجه الظفر والفوز:
في عسكر ملأ القلوب مهابة
…
والأرض خيلا بالعوارف يفهق
للفتح والتمكن فيه دلائل
…
وعليه ألوية السعادة تخفق
نهض لها أيده الله غرة ذى الحجة متم عام ناشر، والسعد لمعهود العنانة ناضر، والرعب يقدم جنوده، والسعد ينشر ألويته وبنوده، والنصر تحت ظلال أعلامه، وحفظ الله من خلفه وأمامه:
والدهر معتدل الآناء مقتبل
…
والشمس حلت ببرج السعد والشرف
ومطارف السندس بالآفاق قد نشرت، وجنود النور حشدت ألوانها وحشرت:
والأرض تجلى عروسًا في ملابسها
…
وشت حلاها يد الأنواء بالزهر
والنسيم قد عطر بنشره الأودية، وغازل الأغصان فنازعها المطارف والأردية، وجر ذيل دلالة في الآكام والأودية.
والريح تلطم أرداف الربى
…
مرحا وتلثم أوجه الأزهار
ومنابر الأغصان قد قامت بها
…
خطباء مفصحة من الأطيار
وألسن الحال تهدى إلى التفكير في مصنوعات الله وترشد، وكأنها تتمثل بقول أبى نواس وتنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظر
…
بدائع ما بها صنع المليك
عيون من لجين شاخصات
…
على أطرافها الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات
…
بأن الله ليس له شريك
والناظر الأديب المتأمل، ينشد قول المجنس الممثل:
إن هذا الربيع شئ عجيب
…
تضحك الأرض من بكاء السماء
ذهب حيث ما ذهبنا ودرٌّ
…
حيث درنا وفضة في الفضاء
والجيش المنصور بحر متلاطم الأمواج، يسير فيملأ الفضاء ويغص الفجاج، ويقيم فيكون هالة على بدر سعود وشرف، وسور حفظ لا يعرف له طرف، قد رصت صفوفه، وتعددت ألوفه، وتنوعت أجناسه وصنوفه:
من كل أبيض قد تقلد أبيضا
…
عضبا وأسمر قد تقلد أسمرا
والخيل تمرح في أعنتها، وتمضى في الخيلاء على سنتها، قد خليت من الأسلحة بما راق وراع، وأعجز وصفه ألسن اللسن وأهله اليراع:
مؤصلة من ذى العقال وداحس
…
وآل الوجيه والنعامة والخيفا
فمن أشهب لبس النور رداء، وسابق البرق عداء:
فكأنه في حليه وسلاحه
…
صبح تقلد حلية الجوزاء
ومن أدهم خلع الليل عليه إهابه، وأثبت بين عينيه شهابه:
فكأنما لطم الصباح جبينه
…
فاقتص منه فخاض في أحشائه
واحمر فأما وصفه فمطهم عتيق، وأما لونه فعقيق، واصفر كأنما صيغ من ذهب، أو خلق من لهب:
ألقى الأصيل عليه من نضارته
…
غلالة وشت الظلما حواشيها
ومن أزرق قد تسربل حلة السماء وتحلى بالنجوم، أو رام استراق السمع فرمته بشهب الرجوم:
عطايا أمير المؤمنين وبره
…
بأجناده والبر بالجند يحمد
مليك حليفاه التوكل والرضا
…
وأوصافه علم وحلم وسؤدد
يصاحبه أمن ويمن ورحمة
…
ويعضده فتح ونصر مجدد
فتى المجد أما هديه فموفق
…
رشيد وأما رأيه فمسدد
به الدين سام والشريعة غضة
…
تروق وركن المجد عال مشيد
وإن له في مقعد الحكم حكمة
…
يحل بها في الله طورا ويعقد
فلا زال محمود المساعى مؤيداً
…
يغور ثناه في البلاد وينجد
فسرنا تحت ظلال العدل والأمن، نستجلى كل حين من غرته الميمونة طالع الفتح واليمن، ونرفل في أردية المعالى الضافية، ونكرع في بحار الجود الصافية، ونتمسك من النجح بالعهود الوافية، ونرتع في روض الأمانى والعافية:
وقد بدت لنا وجوه الهدى
…
مسفرة ولاح نور الفلاح
فلما خيمنا بشاطئ وادى العبيد، قابلنا بوجه الجبار العنيد، وأبدى من مده آية الإعجاز، وقال بلسان حاله لا مجاز لا مجاز، واستعان من ثلج الجبال بالمذاب، فأرانا بحراً طامى العباب:
نهر يريك السهم سرعة جريه
…
والبحر عمقًا والشفير سعيراً
فليسلم النفس المريد عبوره
…
إن لم يكن لطف الإله ظهيرًا
فأحجم عن عبوره القوم، واستبشر بالزبون العارف بالسباحة والعوم، وبات الناس في الآراء يترددون، ولقصص الناجين والغرقى يعدون، وقصارى أمنية كل واحد عبور ذلك الصراط، والانتظام في سلك الناجين والانخراط، حتى أنشد بعضهم واستحسن، وتمنى ما تمنى الحسن:
ألا ليت شعرى هل أبيتن (1) ليلة
…
بسهب الثنين أو بسهب بنى ورا
وهل تعبرن نهر العبيد ركائبى
…
وهل أتركن دايا وأدواءها ورا
فلما تبلج أدهم الليل عن أشهب الصباح، وحيعل الداعى بحي على الفلاح، وتولت نجوم الليل تقفو إثره، وغدت سيوف ذكاء تخرق ستره، وأدى الناس النفل والفرض، وأشرقت بنور ريها الأرض.
ولاحت لنا شمس النهار كغادة
…
بدا حاجب منها وضنت بحاجب
صدر الإذن المولوى بالعبور، وقدم له الصبور فالصبور، وجعل فاتحة ذلك نجله الأسعد، وفرعه الأنجب الأصعد، سيدنا ومولانا محمد، تفاؤلا لتستحسن العاقبة وتحمد، وكان قد تقدم الأمر المطاع بإعداد المعادى، للإعانة على عبور ذلك العدو العادى، فلم يكن إلا أن عبر الأول مكتفيًا بالمختصر عن المطول، وظهر من لطف الله وسعادة مولانا ما عليه المعول، وحمد الناس الله على ما سهل من ذلك وخول، وتتابع العبور على الريح والأعواد. مع سلامة الأنفس والأرواد. وشاهد الناس لجيش مولانا المنحمى، شبه ما ظهر من الكرامة لعبد الله بن الحضرمى، ولا غرو أن يعطى التابع حكم المتبوع، ويظهر للعيان حقيقة ما هو مروى ومسموع، ولله قوم يسعدهم ويسعد بهم، ويظهر عنايته على من تعلق بسببهم.
(1) تحرف في المطبوع إلى: "أبين" وهو غير صحيح عروضيّا، والبيتان من بحر الطويل.
وإذا السعادة أحرستك عيونها
…
نم فالمخاوف كلهن أمان
واصطد بها العنقاء فهى حبالة
…
واقتد بها الجوزاء فهى عنان
ولما خيمت الجموع بالعدوة الأخرى، ورأوا السلامة غنيمة وذخرا، وعاين الناس ما تعودوه مع أمير المؤمنين من النجاة والصعود، والفوز المشهور المشهود، والتيسير المعلوم المعهود، هنأ بالسلامة بعضهم بعضًا، وجعلوا ذلك بينهم سنة وفرضًا، فلا تلقى غير حامد وشاكر، ومقر بنعم الله ذاكر، واتسع لديهم المجال، في الروية والارتجال، فمن ناظم وناثر، ومقصر ومكاثر. ومن قائل:
أرى نهر العبيد غدا عنيدا
…
يعاملنا بجور واشتطاط
عبرناه على خطر وخوف
…
على غير اختيار واحتياط
وذلَّله الإله لنا فسرنا
…
من الريح المسخر في بساط
يهنئ بالعبور البعض بعضا
…
كأنا قد عبرنا على الصراط
ومن متمثل في عبور الوادى. على المعادى:
لئن كنا ركبناها ضلالا
…
فيا لله إنا تائبونا
فأخرجنا عن المرغوب منها
…
فإن عدنا فإنا ظالمونا
ومن منشد، وإلى لطف الله مرشد:
عبرت نهر العبيد قهرا
…
على بساط من الهواء
ولما حمد الناس الإيراد والإصدار، واستقرت بهم بعد العبور الدار، وشكروا على فضل الله إمامهم، وجعلوا القبيلة التادلية أمامهم، وذكروا معاهد البلد ورجالها، وأطالت الألسن في ذلك مجالها، وأوضحوا بذكر كراماتهم غرر السيادة وأحجالها، فقام زعيمهم، فقال: يا قوم إن الشعر ديوان العرب، ووسيلة لقضاء
الأرب، ومفتاح لكنوز الأسرار، ووصلة إلى عطف الأبرار، وحلية للفضلاء والأحرار، تنفعل النفوس الكريمة لنشيده، وتعنو الهمم العلية لبديعه ومشيده، وترتاح إليه الطباع العربية، وتهتز له النفوس الأبية، فتستجلب الأرباح بتقليد أعلاق فريده، وتستحلب أخلاف الفضل بحديثه الغض وجريده:
فكم شفع القريض فنال سعدا
…
وقرب للسيادة من قصى
وكم أغنى أخا فقر وأقنى
…
وكم أعلى أخا قدر دنى
وحسبك آية إكرام كعب
…
وما قد نال من عطف النبى
فهل فتى منكم يورى في مدحهم زنده، وينفق على أخوته مما عنده، ويجلب للجميع ببديع الاستلطاف، ورفيع الاستعطاف، ما تفيض به أبحر المواهب، وتستجلى به وجوه المذاهب. فقال أحدهم أجل، وقام وارتجل:
أرجال تادلة إليكم عزمتى
…
تسمو وعطفكم الذخيرة والسنا
أنزلت رحلى في حمى عرصاتكم
…
فعلى الكرام لضيفهم نيل المنى
فتعطفوا لنزيلكم وتلطفوا
…
ونداكم يقضى بإدراك الغنى
فقالوا لقد دعوت منهم مجيبًا، وسترى من سر الله عجيبًا، غير أنك اقتصرت واختصرت، وقصرت لما اهتصرت، فهلا آثرت من نحن جميعًا تحت ظلاله الوارفة، وخصصت من ملكنا بفضله تالد المجد وطارفه، واستجلبت فإن المولى، أحق بالأثرة وأولى، مع أن نواله للبرية شامل، وأفضل ما به يدين الإنسان الله ويعامل، وقد أفصح عن ذلك وأعرب، أثر الدعاء إذا كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، فأنشد فتى وما روى، وأنقع غلة السامعين وروى:
أرجال تادلة الأكا
…
رم أنتم خير الرجال
وإليكم تنمى العوا
…
رف والمعارف والمعال
ولديكم يرجو المؤمـ
…
ل عطف أرباب الكمال
هذا أمير المؤمنيـ
…
ـن بحيكم حط الرحال
متفيئا من ظلكم
…
وعلاكم ضافى الظلال
وقراه نيل العطف من
…
كم والقبول والوصال
راج منكم فتحا ونصـ
…
راً ظاهرين بلا قتال
وصلاح أحوال الرعـ
…
ـية في مقام وارتحال
ومنال تيسير المقا
…
صد كلها في كل حال
فلأنتم أسمى الوسا
…
ئل في السؤال والابتهال
ولأنتم الحصن الحصيـ
…
ـن إذا طغا خطب وهال
ولأنتم العضد القو
…
ية والقواضب والنبال
وحماكم الحرم الأميـ
…
ن لذى اعتلاء واعتلال
ما أمكم متوسل
…
بعلاكم إلا ونال
كلا ولا انتصر امرؤ
…
بجنابكم إلا وصال
فلتقبلوا ولتقبلوا
…
بالفضل يا أهل لكمال
إلى أن قال: فلما أكمل الإنشاد، وأشاد من المفاخر ما أشاد، بلغت النفوس مرادها، واستحسنوا ختام المجلس بذكر أهل الفضل والنسك، واستنشقوا مسك ختامه وكان ختامه مسك".