المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير - إتحاف أعلام الناس بجمال أخبار حاضرة مكناس - جـ ٤

[ابن زيدان السجلماسي]

فهرس الكتاب

- ‌206 - محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن على بن غازى العثمانى الأصل

- ‌207 - محمد فتحا بن عيسى الفَهْدى

- ‌208 - محمد بن مخلوف الضريسى المكناسى

- ‌209 - محمد بن قاسم بن عبد الواحد الكتانى النسب الفاسى الأصل المكناسى النشأة الحسنى الإدريسى

- ‌210 - محمد بن أبي القاسم بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى

- ‌211 - محمد بن الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد

- ‌212 - محمد بن حسين العبدلى السهلى، وقيل اسمه أحمد، شهر بأبى الرَّوَايَن

- ‌213 - محمد بن قاسم بن على بن أبى العافية المكناسى

- ‌214 - محمد بن محمد بن أحمد بن على بن عبد الرحمن

- ‌215 - محمد بن عبد الرحمن بن بصرى الولهاصى

- ‌216 - محمد فتحا بن الشيخ أبى المحاسن يوسف الفاسى وأكبر أولاده

- ‌217 - محمد فتحا بن محمد بن موسى المكناسى المدعو العشير

- ‌218 - محمد الوقاد المكناسى

- ‌219 - محمد بن أحمد بن محمد التلمسانى أبو محمد قاضيها يعرف بابن الوقاد

- ‌220 - محمد بن قاسم بن محمد الأنصارى المالقى الضرير الشهير بابن قاسم نزيل مكناسة الزيتون

- ‌221 - محمد بن محمد الغمارى بالمعجمة الكومى المكناسى

- ‌222 - محمد بن مبارك الزعرى الأصل المكناسى النشأة

- ‌223 - محمد السبع بن عبد الرحمن المجذوب الولى الشهير

- ‌224 - محمد بن أبى القاسم بن محمد بن محمد بن قاسم بن أبى العافية الشهير بابن القاضى المكناسى

- ‌225 - محمد بن أحمد بن عزون الجزنائى أبو عبد الله المكناسى

- ‌226 - محمد بن أحمد بن عزوز المكناسى

- ‌227 - محمد بن أحمد الصباغ لقبا البوعقيلى نسبا

- ‌228 - محمد فتحا ابن الحافظ الضابط أحمد بن أبى المحاسن يوسف الفاسى

- ‌229 - محمد العرائشى أبو عبد الله

- ‌230 - محمد الغمارى

- ‌231 - محمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى الأصل

- ‌232 - محمد بن الحسن المجاصى

- ‌233 - محمد بن أحمد المزطارى المكناسى الشاذلى

- ‌234 - محمد بن محمد العناية

- ‌235 - محمد بن عمر السجلماسى الأصل الزرهونى الزاووى الدار والإقبار

- ‌236 - محمد البصرى المكناسى

- ‌237 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بصرى المكناسى الشيخ المقرئ

- ‌238 - محمد بن محمد الكاتب القيسى الأندلسى نجارًا، الفاسى منشأ ودارا وقرارا

- ‌239 - محمد المدعو حم بن عبد الوهاب الوزير الغسانى الأندلسى الأصل الفاسى الدار والوفاة المكناسى الوظيف

- ‌240 - محمد فتحا بن مولانا الجد الأعظم أمير المؤمنين مولانا إسماعيل

- ‌241 - محمد بن الفقيه البركة أبى القاسم عليلش الحضرمى القرشى البكرى الصديقى التيمى

- ‌242 - محمد بن أبى مدين بن الحسين بن إبراهيم السوسى المنبهى

- ‌243 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد فتحا

- ‌244 - محمد أبو عبد لله بن محمد العكارى الرباطى

- ‌245 - محمد بن العربى الغمارى

- ‌246 - محمد فتحا الحاج بن عبد القادر التستاوتى

- ‌247 - محمد بن العلامة أبى عبد الله محمد بن الإمام المتقن أبي زيد عبد الرحمن بصرى الولهاصي

- ‌248 - محمد بن العياشى أبو عبد الله المكناسى

- ‌249 - محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن يوسف الفاسى

- ‌250 - محمد أبو عبد الله المكناسى الأصل الفاسى الدار والإقبار

- ‌252 - محمَّد حنوش

- ‌254 - محمَّد البوعصامى:

- ‌255 - محمَّد بن عبد الله بن مصالة الفازازى المعروف بابن عبود المكناسى

- ‌256 - محمَّد بن الطيب بن عبد القادر بن الحاج حم سكيرج

- ‌257 - محمَّد البوعصامى المكناسى أصلا الفاسى داراً ومنشأ وقراراً

- ‌258 - محمَّد المدعو البهلول بن عبد الرحمن الفيلالى البوعصامى

- ‌259 - محمَّد بن عبد السلام البيجرى

- ‌260 - محمَّد بن الحسن الملقب بالجنوى الشريف الحسنى العمرانى.نزيل مكناس

- ‌261 - محمَّد بن العلامة النظار محمَّد بن عبد السلام البيجرى المكناسى

- ‌262 - محمَّد بن عبد الواحد بن الشيخ الأموى المكناسى

- ‌263 - محمَّد بن الحسن الوكيلى

- ‌264 - محمَّد فتحا بن محمَّد بن سميه بن عبد الرحمن بن عبد الله

- ‌265 - محمد بن العلامة القاضى أبى عبد الله محمد الطيب

- ‌266 - محمد بن عبد الوهاب بن عثمان الكاتب السفير الرحالة الوزير الكبير المكناسى النشأة والدار

- ‌267 - محمَّد بن قاسم بن حَلَّام المكناسى الدار والقرار

- ‌268 - محمد بن عبد القادر بن محمد فتحا بن عبد القادر بن على بن موسى بن المير الصبيحى النافعى الغربوى أصلا الزرهونى داراً ومدفنا يعرف بابن قدور

- ‌269 - محمد بن العربى الزمورى، من زمور الشلح القبيلة البربرية الشهيرة، الحدرانى بفتح الدال وتشديد الراء نسبا المكناسى دارا

- ‌270 - محمد بن عيد الرحمن الشهير بابن هنو اليازغى قاضيها

- ‌271 - محمد بن أحمد بن الكبير العوفى قاضيها

- ‌272 - محمد بن الكبير العوفى

- ‌273 - محمد فتحا بن أحمد بن محمد بن الولى الصالح

- ‌274 - محمد بن عبد الوهاب أجانا

- ‌275 - محمد بن عمر الصنهاجى الأصيل المكناسى الدار

- ‌276 - محمد بن حمادى الصنهاجى الأصل المكناسى الدار

- ‌277 - محمد السلاوى أحد موالى السلطان مولانا سليمان والداً عن والد

- ‌278 - محمد الزرهونى الأصل الفاسى الدار

- ‌279 - محمد بن الطاهر بن محمد بن محمد فتحا بن السعيد

- ‌280 - محمد بن منصور الفويسى المراكشى

- ‌281 - محمد بن الطيب الشريف الحسنى العلوى البلغيثى

- ‌282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير

- ‌283 - محمد أبو عبد الله بن على بن حرزهم المكناسى أصلاً ومنشأ ودارا

- ‌284 - محمد فتحا بن أبي سالم عبد الله بن الطاهر الشريف الأمرانى

- ‌285 - محمد بن العربى بن عمر الصنهاجى أصلاً المكناسى داراً ومنشأ

- ‌286 - محمد فتحا ابن الهادى غريط المكناسى النشأة والدار المراكشى الإقبار

- ‌287 - محمد بن عبد السلام بن عبود أبو عبد الله المكناسى أصلًا ومنشأ السلاوى الدار والمدفن

- ‌288 - محمد الوزير أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله غريط

- ‌289 - محمد أمزاج المكناسى الأصل الفاسى النقلة والدار

- ‌290 - محمد بن هاشم العلوى الحرونى المكناسى الدار والإقبار

- ‌291 - محمد بن محمد بن التهامى بن حمادى الحمادي المدعو السريح المكناسى

- ‌292 - محمد بن الهادى بن عبود المكناسى النشأة والدار والقرار والإقبار

- ‌294 - محمد بن المجذوب ابن عزوز يدعى الهويج بالتصغير المنكاسى

- ‌295 - محمد بن محمد بن أحمد المصمودى

- ‌296 - محمد بن الهادى الشريف الحسنى العلوى حفيد السلطان مولانا سليمان

- ‌297 - محمد بن سميه بن العناية ابن فقيرة الأنصاري المكناسى

- ‌298 - محمد بن محمد المترجم قبله يليه ابن محمد بن فقيرة

- ‌299 - محمد الأمرانى

- ‌300 - محمد الزهنى الزرهونى

- ‌301 - محمد فتحا الأمرانى

- ‌302 - محمد بن على النيار أبو عبد الله الأندلسى القص رى مولدًا ومنشأً المكناسى دارًا ووفاة

- ‌303 - محمد بن محمد بن الجيلانى بن المعطى السقاط الأندلسى الأصل المكناسى

- ‌304 - محمد بن عبد الله الغريسى المشرى الحسنى نزيل معسكر

- ‌305 - محمد الخرزة

- ‌306 - محمد بن عبد الله بن محمد الطاهر بن عبد القادر بن عبد الله بن فخر الملوك مولانا إسماعيل

- ‌307 - محمد بن الأمين السيد المعطى المسطارى المكناسى النشأة والدار

- ‌308 - محمد بن إدريس بن الطيب الواسترى المكناسى

- ‌309 - محمد بن الخليفة التونسى الأصل المدني الدار، المغربى الرحلة والجوار

- ‌310 - محمد بن العربى المنونى المكناسى الأصل والنشأة والدار والإقبال

- ‌311 - محمد بن أحمد بن المكي السوسى

- ‌312 - محمد بن محمد فتحا المنونى الحسنى المكناسى النشأة والدار والوفاة

- ‌313 - محمد أبو عبد الملك بن زيدان

- ‌314 - محمد أبو عبد الله السوسى الأصل

- ‌315 - محمد أبو عبد الله الريفى

- ‌316 - محمد بن الهادى فَرْمُوج الصنهاجى الأصل المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌317 - محمد بن المهدى المنونى الحسنى المكناسى

- ‌318 - محمد بن الشريف الفقيه العدل مولاى عمر بن هاشم العلوى المدغرى

- ‌319 - محمد بن سميه بن هاشم العلوى الحرونى المدعو الشيخ التيكر

- ‌321 - محمد بن عبد الواحد بن محمد بن محمد بن عبد الواحد بن عبد الله بن محمد

- ‌322 - محمد بن محمد فتحًا المتقدم الترجمة

- ‌323 - محمَّد بن العباس المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌324 - محمَّد بن أحمد حلام المكناسى

- ‌325 - محمَّد يدعى منصور أبو منصور أبو عبد الله المرابط

- ‌326 - محمَّد فتحا ابن عمنا مولاى على بن الكبير العلوى الإسماعيلى

- ‌327 - محمَّد بن عبد السلام الطاهرى

- ‌328 - محمَّد بن حمدوش المكناسى الخزرجى

- ‌329 - محمَّد بن إدريس سميه بن عبد السلام ابن يوسف البوعنانى. المكناسى النشأة والدار والإقبار

- ‌330 - محمَّد أبو عبد الله الرجراجى المكناسى

- ‌331 - محمَّد دعى حمود بن محمَّد بن العربي بن محمَّد فتحا بن العربي

- ‌332 - محمَّد الشريف الأصيل ابن الحاج عبد الله بن البركة مولانا أحمد الوزانى

- ‌333 - محمَّد بن أحمد أبو عبد الله الوزانى الأصل المكناسى الدار والإقبار

- ‌334 - محمَّد اليزناسنى

- ‌335 - محمَّد غازى

- ‌336 - محمَّد القباب

- ‌337 - محمَّد بن عزوز

- ‌338 - محمَّد الغمارى

- ‌339 - محمَّد الإسحاقى

- ‌340 - محمَّد دادوش

- ‌341 - محمَّد الزرهونى الفقيه الأستاذ

- ‌342 - محمَّد الزولاتى

- ‌343 - محمَّد الجرارى

- ‌344 - محمَّد اقلال

- ‌345 - محمَّد المطاعى

- ‌346 - محمَّد البوعصامى

- ‌347 - محمَّد بن محمَّد البوعصامى

- ‌348 - محمَّد مخلوف الأستاذ

- ‌349 - مالك ابن العناية بن المفضل بن خدة الغرباوى الزاووى قرارا ومدفنا

- ‌350 - المختار بن الحاج الحبيب الأجراوى

- ‌352 - المكي ابن القاضى أبي القاسم العميرى

- ‌353 - المكي بن المختار الحناش

- ‌354 - المكي بن أحمد السوسى والد السيد فضول

- ‌355 - المكي أبو زكرى المكناسى الأصل والدار

- ‌356 - منانة مزوارة المكناسية

- ‌357 - المصطفى الشريف العلوى المدغرى ابن محمد الكبير

- ‌358 - المعطى بن العناية البخاري الغربوى السفيانى المعتكى من أولاد علال

- ‌359 - المعطى الشاوى المسكينى القرقورى نزيل مكناسة

- ‌360 - المعطى بن محمَّد بن الهادي بن عبود المكناسى

- ‌361 - مغيث أبو الفضائل زغبوش القرشي

- ‌362 - المفضل بن أحمد الفلوسى الزرهونى الوربى الأصل المكناسى النشأة والدار

- ‌363 - المفضل بصرى

- ‌364 - المفضل بن العدل الزكى السيد الهادي بن أحمد بن المجذوب صنو العارف بالله سيدي الطيب بن على بن عبد الرحمن بن على بن عزوز

- ‌365 - المفضل بن المكي بن أحمد السوسى

- ‌366 - المستضئ بنور الله ابن السلطان الأعظم أبي النصر والفدا إسماعيل

- ‌367 - مَسْلَمَة ويقال له بسلمة وسلامة ابن السلطان الأفخم أبي عبد الله محمَّد بن السلطان أبى محمَّد عبد الله ابن السلطان الأفخر أمير المُؤْمنين بالمغرب الأقصى أبي النصر إسماعيل الجد الأعلى

- ‌368 - مسعود الموقت ابن العلامة المشارك أبي محمَّد عبد القادر الطليطى الأَنْدلسيّ

- ‌369 - مسعود بن جلون

- ‌370 - مسعود البريشى

- ‌371 - المهدي الزريهنى بالتصغير

- ‌372 - المهدي بن عبد المالك بن إدريس بن عبد المالك بن المنتصر

- ‌373 - المهدي الكحاك

- ‌374 - المهدي بن العلامة الخير الدين أبي محمَّد الطيب بن الصغير بصرى

- ‌375 - المهدي قاضيها شيخ شيوخنا أبو عيسى ابن الطالب بن

- ‌376 - المهدى بن على الإسماعيلى

- ‌377 - المهدى بن فضول بصرى

- ‌378 - موسى بن محمَّد بن معطى العبدوسى وبه عرف أبو عمران

- ‌379 - موسى العزاف

- ‌380 - موسى بن الحجاج أبو عيسى المكناسى

- ‌381 - موسى بن عليّ الزرهونى

- ‌383 - الموهوب بن الإدريس الشبيهي

- ‌384 - المؤذن الكاتب

- ‌حرف الصاد

- ‌385 - صالح. قاضيها أبو محمد بن القاضي أبي العباس أحمد بن أحمد الحكَمى -بفتح الحاء والكاف

- ‌386 - صالح بن العربى بن صالح الطليقى الحلمونى البُخاريّ

- ‌387 - صالح بن يوسف البُخاريّ

- ‌388 - الصِّديق البُخاريّ الأجراوى

- ‌حرف العين

- ‌خلفاؤه:

- ‌حجابه:

- ‌أطباؤه:

- ‌عماله:

- ‌قضاته:

- ‌محتسبوه:

- ‌نظاره:

- ‌آثاره:

- ‌ما خلفه من الأولاد:

- ‌وفاته:

- ‌بعض ما قيل فيه من المديح:

- ‌علائقه السياسية:

- ‌390 - عبد الله بن حماد يعرف بابن زغبوش المكناسى النشأة والدار

- ‌391 - عبد الله بن محمد بن عيسى

- ‌392 - عبد الله بن أبى مدين الحاجب العثمانى

- ‌393 - عبد الله بن الحسن اللخمى عرف بابن الأصفر

- ‌394 - عبد الله بن حمد -بفتح الحاء والميم من غير ألف

- ‌395 - عبد الله بن العريف

- ‌396 - عبد الله بن محمد بن موسى بن محمد بن معطى العبدوسى -بفتح العين وضمها- الفاسى المكناسى

- ‌397 - عبد الله بن محمد اليَفَرْنى

- ‌398 - عبد الله الخياط

- ‌399 - عبد الله بن إبراهيم بن الجندوز

- ‌400 - عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبود بن على بن عبد الرحمن بن أبي العافية المكناسى الشهير بابن القاضى

- ‌401 - عبد الله مولى الرئيس الأوحد أبى عثمان سعيد بن حكم

- ‌402 - عبد الله بن على المعروف بالحجام الصبيحى

- ‌403 - عبد الله الجزار

- ‌404 - عبد الله بن السلطان محمد الحاج الدلائى رحمه الله

- ‌405 - عبد الله بن المجذوب القصرى العبدرى

- ‌406 - عبد الله بن محمد سميه بن الخياط بن محمد فتحا

- ‌407 - عبد الله بن العرفاوى الخيارى المكناسى

- ‌408 - عبيد المدعو المظلوم

- ‌409 - عبد الحق قاضيها أبو محمد بن سعيد بن محمد المكناسى

- ‌410 - عبد الحق الزرهونى

- ‌411 - عبد الحق أبو محمد السحيمى

الفصل: ‌282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير

‌280 - محمد بن منصور الفويسى المراكشى

.

ذكره الضعيف في تاريخه وحلاه بالأديب، وقال: إنه توفي بمكناس في شعبان عام ثلاثة ومائتين وألف.

‌281 - محمد بن الطيب الشريف الحسنى العلوى البلغيثى

.

حاله: فقيه عالم محقق عدل رضي وجيه، بزكة فاضل منور السريرة وقور معتقد، عالى الهمة، صلب في دينه، من أهل زاوية زرهون، تولي نيابة القضاء بالزاوية المذكورة من عام خمسين إلى ستين ومائتين وألف، ونسخ البخاري وغيره بيده، وبه اشتهر عقبه بأولاد ابن القاضى، وببلده الزاوية الإدريسية، توفي ودفن بالظهير المقبرة المعروفة بها.

مؤلفاته: منها شرح على الحكم العطائية في جزءين وقفت على جزء منه بخط يده.

وفاته: بعد الستين ومائتين وألف، إذ تاريخ رمام تركته ثانى ربيع النبوى عام ثلاثة وستين ومائتين وألف.

‌282 - محمد بن إدريس بن محمد العمراوى الوزير الأديب الكبير

.

حاله: فقيه أديب شهير، ناظم ناثر، إمام الصناعتين، وحامل لوائهما بدون مين، تزرى ببديع الزمان بدائعه وأوابده، وتخجل الفتح بن خاقان رقائقه وفرائده.

حلاه بعض حذاق الكتاب من معاصريه بما لفظه: رئيس الكتاب. الآخذ بحلقة الباب، الصدر الذي لا يحسن فيه التأخير، والحبر الذي لا ينبغى أن يعامل باليسير، برع في الأدب، وساد بالحسب والنسب. أخلاقه تنبئ عن نسبه، وشيمه تفصح بعراقة حسبه، كان ذا همة عالية وسلامة صدر عن الحقد خالية، يكافئ المسئ بالإحسان، ويعامله بما يناسب من الامتنان، ذا وجه وسيم، وثغر بسيم،

ص: 223

ومروءة ورزانة، وعفاف وصيانة، يحلم إذا أُوذى، ويجيب بالسيادة إذا نودى، ويكرم نزيله ويواسيه، ويتفقد أحواله ويدانيه، سهل المنال، لين المقال، صاحب همة عالية، ومائدة بأنواع الخيرات وافية، جاهد أولاده في تعليم القرآن والعلم، ودربهم على الاحتراف بالحلم، أشد الخدم اعتناء بخدمة مولاه، راع وحافظ لما تولاه، ناصح فالح، قادح مادح، إذا أطلق عنان القلم في القرطاس، أتى بكل غريبة وحجج مضيئة كالنبراس، لا يتوانى فيما أسند إليه من العمل، ولا يتراخى بطول الأمل، حنكته التجارب والخطوب، وعلمته المحن كل مكروه ومحبوب، هـ مختصرا.

وكان له معرفة بالحساب والتعديل والنحو واللغة والعروض والأدب، منحاش لجانب الله، محب في الصالحين وأهل الفضل والدين، زوار لهم، متطارح على أعتابهم، يحب السماع ويستنعش به ويرتاح له.

وكان في أول أمره ينسخ الكتب ويؤدب الصبيان، ثم انحاش إلى أبى القاسم الزيانى وصار ينسخ له مؤلفاته في الدولة العلوية وغيرها، ثم وقعت بينهما وحشة أوجبت انقطاع المترجم عن الزيانى، ثم عادت الوصلة بينهما على ما كانت عليه قبل حسبما أوضح ذلك الزيانى في بعض كتبه، وهو الذي قدمه إلى سيدنا الجد من قبل إلام السلطان الهمام، مولانا عبد الرحمن بن هشام، أيام خلافته بفاس إثر خمود نار ثورة أهله على السلطان العادل مولانا سليمان ولم يزل يقربه ويصطفيه.

ثم لما جلس على كرسى الخلافة بعد عمه السلطان مولانا سليمان أبقاه من جملة كتبته، بل رأسه عليهم لما رأى من حسن عقله وديانته، ثم استوزره فقام بشئون مأمورية وظيفه أحسن قيام لما أُسند إليه الرياسة، واختص بالتدبير والسياسة، وصار لا يدخل إلا من بابه، ولا تنال الرغائب من غير ميزابه، واستمر

ص: 224

على هذا الحال، مرضى المقال، مجاب السؤال، إلى سنة ست وأربعين فعزل في شوال منها عن الرياسة والكتابة، وأمر بلزوم داره وانقطع عند الوارد والصادر.

ثم سجن ونهب وثقل بالحديد، وأُصيب بالنكال الشديد، وجفاه القريب والبعيد، إرضاء للأوداية الذين أوغروا قلب السلطان عليه، وصرحوا بأنه السبب الوحيد في إيقاد نيران الفتن بينهم وبين السلطان أبى زيد مخدومه المذكور، وأنهم لا يرضخون للطاعة ما لم يقتص منه، ولا يرضون وساطته ولا يقبلون دخوله في أمر ما من أمورهم.

ثم بعد مدة سرح من السجن، وبعد أيام خرج بقصد زيارة مولانا عبد السلام بن مشيش فوشى به بعض الحسدة للسلطان وقرر له أن مقصوده بهذه الوجهة هو الهرب بمال كان دسه، والاستيجار بذلك الضريح، فوجه السلطان في إثره من رده على عقبه، ثم امتحن محنة أشد من الأولى، فبقى بفاس مدة يلتجئ إلى الله تعالى ويتعلق بأوليائه الصالحين، إلى أن أشار عليه من يشار إليه بالخير والصلاح بالتوجه لمكناسة الزيتون، والسلطان إذ ذاك بها، فذهب إليها واحترم بضريح جد الأملاك مولانا إسماعيل.

ولما بلغ خبره للسلطان أمنه وأمره بالطلوع لشريف أعتابه، فاستكتبه أولا مع وزيره الفقيه السيد المختار الجامعي، ولم يزل في ترق ودنو إلى أن رده لمنصبه وأعطاه الطابع وعزز له الوزارة بالحجابة، وذلك سنة إحدى وخمسين، ولم يزل على وظيفته بعد عزيزا مكرما، ملحوظا معظما، إلى أن استهل هلال المحرم من سنة أربع وستين فمرض اثنى عشر يوما وقضى نحبه على ما سنذكره بعد رحمه الله.

وكان من عادته أنه يلازم الجلوس بباب القصر السلطانى حتى في الأعياد وأيام البطالة، يذهب أرباب الوظائف والخدم لدورهم، ويبقى هو بالباب لا يبرح، فإذا تمم أشغاله نام هنالك، ولا يذهب لبيته إلا في أوقات محدودة، أو حاجة أكيدة، ويقول: الأيام حبالى لا يدرى ما تلد، فربما يحدث أمر وأكون غائبا.

ص: 225

وكان ذا ملكة واقتدار على الاشتغال، يَسُد مَسَدَّ أربعة إذا اجتهدوا، وكان ينبسط إلى الكتاب ويمازحهم قصداً لإدخال السرور عليهم، وكان إذا تحدث مع جلسائه في فن التوحيد أحجم، وقال: كان شيخنا سيدي محمد الحراق يقول:

نحن في شرعة الغرام أذله

إن أقمنا على الحبيب أدله

ويقول: يكفينا قول من قال: اللهم إيمانا كإيمان العجائز، وكان يقنع فيه بالتقليد ويكره الخوض فيه، ويقول: الخوض فيه مما يوقع اللبس في ذهن العاجز، وكان لا يرى في غالب أوقاته غير كاتب أو مطالع أو فصل، وكان محافظا على الطهارة كلما أحدث توضأ.

قال أبو عبد الله أكنسوس: وجدت بخطه يعني المترجم في ذكر بعض آبائه الكرام محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس ثلاث مرات، فقلت له: ما هذا التكرار؟ فقال: هكذا بخط والدى السيد محمد بن الإمام إدريس ابن إدريس بن عبد الله الكامل، بتكرير محمد بن إدريس في عمود آبائنا تبركا بالجد المذكور، قال: فقلت لوالدى: هذا النسب صحيح؟ قال: هكذا كان آباؤنا ينتسبون، وكانت عندهم ظهائر الملوك المتضمنة التعظيم والاحترام، وضاعت لهم في بعض الفتن الواقعة في باديتهم بعد انتقالهم لفاس هـ.

قال: وكان مقام سلفهم بقبيلة زمور من بني عمرو منهم من عهد قيام مغراوة على الأدارسة واختفاء الأدارسة في أغمار القبائل هـ.

قلت: وقد وقفت على تحليته وذكر نسبه وبعض آبائه في رسوم أنكحة بعض أولادها هكذا: "العالم العلامة، الصدر المكين الدراكة الفهامة، الوزير الشهير، الأديب الكبير، الذي نظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وأسكت كل لسان ببلاغته وأعجزه وأخجل، المرحوم المنعم بفضل الله عز وجل، سيدي محمد بن الفقية الناسك الأجل، الواعظ المحدث المبجل، سيدي إدريس بن الخير الأرضَى، سيدي محمد بن المكرم المرتَضَى، سيدي إدريس بن سيدي التهامى بن سيدي على بن سيدي محمد بن البركة الشهير الشريف المكين

ص: 226

الأنور المرفوع نسبه إلى أحد ولدى مولاتنا وسيدتنا فاطمة الزهراء البتول، سيدنا ومولانا الحسن أحد ريحانتى الرسول، أبى الحسن سيدي على الشريف الإدريسى الحسنى الشهير بالعمراوى الزمورى البويحياوى.

وكذلك عثرت على بعض الوثائق بيد أحفاده أحدها رسم يتضمن معرفة الشهود السيد أحمد بن يحيى ومن عطف عليه من المتعاشرين مع بني عمر من البربر المستقرين بالدروج بأنهم يعرفونهم على أتم وجوه المعرفة وأكملها وبها ومعها يشهدون ويتحققون انتسابهم للجانب العلى، واتصال نسبهم للسيدة فاطمة الزهراء تاريخ الشهادة رابع محرم عام ستين وتسعمائة، وبعدها أعمال بعض القضاة لها منهم على بن حماد الحسنى، وقاضى سَلَا، بتاريخ سادس عشر جمادى الثانية عام ثلاثة وخمسين ومائة وألف وغيرهم من القضاة المنطمس شكلهم، وبهذا الرسم بتر وانكماش.

والثانى ظهير إسماعيلى نصه بعد الحمدلة والصلاة والطابع السلطانى بداخله إسماعيل بن الشريف الحسنى:

"كتابنا هذا أسماه الله تعالى وأعز أمره. وأطلع في سماء المعالى شمسه النيرة وبدره،

بيد حملته الشرفاء أولاد سيدي أحمد بن يحيى الحسنى وهم السيد يخلف

عبد الملك بن أحمد، والسيد محمد بن أحمد، والسيد العميرى ابن أحمد، والسيد منصور بن أحمد، وكافة إخوانهم القاطنين بقبيلة بني عمر يتعرف منه بحول الله وقوته، ونصره ومعونته، أنه لما ثبت عندنا، واتضح لدينا، وأنهم شرفاء ينتسبون للشجرة النبوية وبيدهم رسوم وبراوات الملوك المتقدمة على

في ذلك وأسبلنا عليهم أردية التوقير والاحترام، وحملناهم على كاهل المبرة والإكرام،

عما يطالبون به العوام، بحيث لا

أو يحدث لشملهم

ولا زيادة

معارض يعارضهم ولا منازع ينازعهم، ومن نازعهم من قبيلة بني عمر ولا غيرهم يخاف على رقبته، والواقف عليه يعمل به والسلام في أوائل ربيع

ص: 227

النبوى عام عشرة ومائة وألف" وبعده شهد على الطابع الشريف صدره عدل فقبل، وانظر اتصال المترجم بهؤلاء المشهود لهم.

ودار سكنى المترجم بمكناس كَانت أولا بحومة حمام الجديد، ثم عوضت لبنيه من بعده بأخرى أحسن بحومة تيبربرين لا زالت تعرف باسمه إلى الآن.

مشيخته: منهم أبو عبد الله بن محمد بن الطاهر بن أحمد الحبابى رئيس الموقتين بمنار القرويين، والفقية الأزمى، والسيد حمدون بن الحاج، والسيد محمد اليازغى، والعلامة سيدي محمد بن الطاهر العلوى المترجم فيما مر وغيرها ممن هو في طبقتهم، وأخذ عن الشريف سيدي الطيب الكتانى، والشريف سيدي عبد القادر العلمى دفين مكناسة الزيتون، وسيدى محمد الحراق، واستجار سيدي عمر ابن المكى الشرقاوى.

شعره: له شعر كثير، كالدر النثير، جمع بعضه ولده الكاتب الأديب الحاج إدريس المترجم فيما سبق في ديوان يقع في سفرين وقفت على أولهما ينتهى بحرف النون، قال أوله: إنه كان لوالده القدم الراسخ في موالاة أهل البيت الشريف ومحبتهم، والانقطاع إليهم وخدمتهم، من عصر الشبيبة إلى الشيخوخة والوفاة، وأنه كانت تصدر منه في أغراضهم أشعار رائقة، وقواف في أمداحهم رائقة، وعقود جواهر في تعداد وقائعهم متناسقة، غير أنه لشغله بالخدمة، وأداء حق النعمة، لم يحتفل بجمعها، ولا ابتغى غير الآخرة من نفعها، فتفرقت أوراقها. شذر مذر، وحجب تعاقب الليالى محاسن تلك الغرر، فشرح الله الصدر لجمع ما بقى منها في بطون الأوراق، وصدر أهل الأذواق، مما رق وراق، وأنه لما رأى ذلك من آكد الحقوق، والإعراض عن تلك البقية ضرب من العقوق، فجمع منها عُلالَة (1) بين أمداح نبوية، وتوسلات وهبية، وفوائد وعظية، وتيجان ملوكية،

(1) العلالة: بقية كل شيء.

ص: 228

وحقائق سلوكية، ونسيب وغزل، وجد في المسامرات وهزل، وقدمه هدية لمخدومه السلطان مولاى الحسن رحم الله الجميع.

ومن جيد شعره قوله من صدر ميلادية:

أعد الحديث عن الحمى وظبائه

فالسمع مشتاق إلى أنبائه

وصل الحديث عن اللوى وعقيقه

والنازلين الجذع من جرعائه

فهناك معترك النواظر والنهى

ومجال أفراس الهوى وظبائه

كم من صريع هوى بأفنية الحمى

فتكت عيون العين في أحشائه

ومتيم لعب الغرام بقلبه

لما سقاه الوجد من صهبائه

وأسير وجد في إسار جمالهم

قادته مرسلة العيون لدائه

أن القتيل من الغرام ودائه

مثل الشهيد مضرجا بدمائه

يا صاح إن وافيت منزلة اللوا

ومررت ما بين العذيب ومائه

ولقيت أسراب الظباء رواتعا

يمررن حول الحى في أرجائه

فاحفظ فؤادك من ظبا تلك الظبا

فلكم كمى صيد في أحيائه

وإذا بدا سلع فعرج نحوه

وتنشق الأرواح من تلقائه

وإذا مررت بحى قوم حيهم

وصل السلام على الحمى وظبائه

واخلع نعالك في مقدس وادهم

واحطط رحالك خاشعا بفنائه

فهناك طابت طيبة من طيب من

طاب الوجود بطيب طيب ثنائه

وهناك روضة خير من ركب المطا

وأجل من لاذ الورى بعلائه

وهناك قبر المصطفى من فضله

عمر الوجود بجوده وعطائه

ص: 229

وهناك مَنْ أسرى الإله بذاته

ليلا فنال الفوز في إسرائه

وحباه قربا لا يضاهى وخصه

بمصون سر الحب في إيحائه

وأراه من آياته وصفاته

ما كلت العقلاء عن إحصائه

وكساه من إجلاله وجلاله

ما حارت الأفكار في إنهائه

إلى أن قال يذكر السلطان:

فاق الثواقب بالمناقب والحلى

وزرى بطيب المسك طيب ثنائه

قد فاخر الأعصار عصر وجوده

وتنافس الأملاك في استصفائه

غمرتنى أنعمه التي قد أعجزت

شكرا فقمت لها ببعض أدائه

واتيت من حر الكلام بمدحه

خلع الجمال عليها حسن روائه

وجلوت عذراء المدائح غادة

وشىَّ حلاها الفكر من إنشائه

أهدى القريض لها عقود جواهر

نظمت على همز الروى وهائه

وأتى بكاملها الرفيع لكامل

بحلى الكمال سما على أكفائه

والله أسأل بالنبى محمد

في أن يمتعنا بطول بقائه

ويديم نصرته ويثبت عزه

وعلاءه ويثيبنا برضائه

صلى عليه الله ما حيى الحيا

وترنم الحادى بحسن غنائه

وعلى الأماجد آله وصحابه

والتابعين الحق من خلفائه

وقوله يمدح السلطان مولانا عبد الرحمن بن هشام ويذكر إجراءه الساقية المسماة بتسلطانت حوز مراكش إلى الغراس والجنات السلطانية:

ص: 230

وردت وكان لها السعود مواجها

والحسن مقصور على مواجها

وبدت طلائع بشرها من قبلها

كالشمس طالعة لدى أبراجها

وتسير ما بين الأباطح والربى

ترمى فريد الدر من أمواجها

وتصوغ من صافى النضار سبائكا

حلت بها الأعطاف من أثباجها

هبطت إليك من الجبال وطالما

تعبت ملوك الأرض في إخراجها

وأتتك راغبة تجر ذيولها

وتفيض غمر النيل من أفواجها

تنساب مثل الأفعوان وتنثنى

كالغصن بين وهادها وفجاجها

خطب الملوك نكاحها فتمنعت

وأتتك واهبة حلال زواجها

فلتهنك الخود الرفيعة منصبا

وليهنها أن صرت من أزواجها

حمراء عباسية بدوية

نشرت ذوائبها على ديباجها

وافتك وافدة صبغ الحيا

وجناتها وجرى على إدراجها

فكأنها بلقيس جاءت صرحها

لكنه صرح بغير زجاجها

حاكت لك السيف الصقيل مضرجا

بدم العدا إذ أُدميت للجاجها

فكأنما ذبحوا بها زمرا فذا

قانى الدماء يسيل من أوداجها

علمت أناملك الشريفة أبحرا

غرقت بحار الأرض في عجاجها

فأتتك طالبة الأمان لنفسها

لتنال بعض الصيب من ثجاجها

لبتك إذ سمعت نداك وأقبلت

مرهوبة تستن من إزعاجها

ونزعتها بالقهر من غصابها

والسابقون رضوا ببعض خراجها

حليت مراكشا بدر عقودها

وفتحت مغلق نهرها وشراجها

ص: 231

وجلبت منها للرعية نفعها

وحللت ما قد عز من أرتاجها

كم من مزارع أخصبت وحدائق

حلتها بالأقراط من أزواجها

يعلى على الإسكندر استدراكها

ويحار رسطاليس في استخراجها

نالت من النيل المقدس شعبه

وزرى بطيب المسك طعم مزاجها

لو يعلم الحكماء ما في مائها

ما عالجوا المرضى بغير علاجها

فاق الرضاب حلاوة وعذوبة

وحكى لباب الشهد حلو مجاجها

لو مازجت ماء البحار بمائها

غلبت عذوبة مائها لأجاجها

يغنى عن السكار طعم زلالها

وعن الغناء ينوب صوت لجاجها

تنسى الغريض ومعبدا نغماتها

ويحار إبراهيم في إهزاجها

حلت لنا دار الهناء وخصصت

روض المسرة إذ أتته بتاجها

أحيت نبات الأرض في جنباتها

وأرت نجابة دوحها ونتاجها

حيث الحدائق شاكلت زهو السما

في زهرها الزاهى وفي أبراجها

نسجت زرابى في الفلا مبثوثة

من نورها كالمسك في آراجها

حفت بها حلل الأعارب رغبة

في مائها وكلائها ونتاجها

جعلت بساحتها ملاعب خيلها

ومطالع الأقمار من أحداجها

وأسامت الأنعام حول فسيحها

فنمت بنجم جمالها ونعاجها

يا أيها المحيى شريعة جده

والمرشد الهادي إلى منهاجها

والباعث الجرد السلاهب ضمرا

نحو العدا تستن في أفواجها

تهدى أسنتها ولمع سيوفها

نحو العدا كالشهب تحت عجاجها

ص: 232

تجتاب باسمك كل خرق سبسب

وتعود بالإفلاج عند معاجها

الله يسر ما تروم أما ترى

عقم المنى عادت إلى استنتاجها

لو شئت من زهر الكواكب وصلة

لهداك رافعها إلى معراجها

كم أمة شقيت بسيفك إذ عثت

أخنى عليها الدهر باستدراجها

وقبيلة تبعت سبيلك فاهتدت

حاطتها حارسة العلا بسياجها

وممرد لعب الهوى بضميره

أرضته خطية القنا بزجاجها

ومحب حق قد جذبت بضبعه

فحبته أيدى المكرمات بساجها

تفد الوفود عليك طالبة الغنى

تزجى الركائب تحت مبهم داجها

فتنال غاية قصدها ولو انها

نادتك لباها ندى أفلاجها

عمت مواهبك الأنام فمالها

إسآدها يهدى إلى إدلاجها

أنزلت رحلى في حماية مالك

سامى المناقب والحلى وهَّاجها

ولئن لجأت فقد لجأت لسيد

كشاف معضلة الورى فرَّاجها

طود الجلالة أصل كل فضيلة

بدر الخلافة في الورى وسراجها

خذها أبا زيد نتيجة فكرة

بكراً تهز العطف في ديباجها

طالت فطابت كالمنوه باسمها

إن شئت سحر البابلى فناجها

والبس من المدح المنظم حلة

قد طرزت واعطف على نساجها

واسلم لدهر أنت شمس زمانه

ولأمة أنت الكفيل بحاجها

وقوله في العنب:

عرائس الروض تزهو في عرائشها

لها خدور لصون الحسن والحسب

ص: 233

قد ربيت في مهاد ما يحركه

إلا النسيم إذا يهفو على كثب

وأرضعتها ثدى السحب درتها

في كل حين ولم تبرز من الحجب

فأصبحت بعد ما تمت رضاعتها

تعزى إلى الكرم لا تعزى إلى السحب

تكاد تسقط سكرا في أريكتها

لو لم تقم بسرير العود والعنب

فيها لأهل التقى شكر ومهمله

وزر لأهل الهوى وذا من العجب

وقوله يداعب الشريف الفكه الظريف مولاى الحجازى العلوى الذي كان المولى عبد الرحمن يتأنس بمداعبته وكان قد مات له غلام يسمى بيدق وجارية تسمى شويطرة:

هى الأيام تفجع بالمصاب

وتمزج حلو نعمتها بصاب

تكدر بالمنية كل عيش

وتولع بانتهاب واغتصاب

وتختلس النفوس ولا تبالى

وتستلب النفيس ولا تحاب

رمت عن قوس نبعتها سهاما

أتت من لم يكن لي في حساب

أصابت بيدقا ورمت جهارا

شويطرة ولم تشفق لمآب

فهذا كان يتبعنى نهارا

وتلك خديمتى عند الإياب

فتحسن عشرتى وتقم بيتى

وتحرسه وتغسل لي ثياب

وذلك كان يحفظ لي مغيبى

وأمتعتى ويحرس حول باب

وكان الصدق شأنهما ولكن

جيوش الموت تولع بالرغاب

أأضحك بعد نيل الموت مني

وأنعم بالطعام وبالشراب

وقد علقت شويطرة المنايا

وجاورت البويدق في التراب

ص: 234

فأفجعت الفؤاد بها وحسبى

آسى وعلى الإله أرى احتساب

وكانت أنفس الأشياء عندى

وأحذق من يجيب إلى خطاب

وكنت أُعدها لأمور نفسى

وأحبسها لأنسى في اغتراب

وأطمع في اقتضائى لافتضاضى

بكارتها فيرجع لي شباب

فوا أَسفا على ما فات منها

فإنى بعدها حلف اكتئاب

مضت عني شويطرة وأبقت

فؤادى من هواها في عذاب

وإنى أرتجى خلفا قريبا

من الرحمن مع حسن المآب

وقوله وقد وصله كتاب، من شانئ يريد السباب، فسد في وجهه الباب:

ألا أيها الرامى بسهم سبابه

على جهة التعرض لي في كتابه

رويدك عندي للسفيه مثالب

ولكن أغض الطرف دون جوابه

رميت امرءا لا يعلق الذم ثوبه

وليس يحوم العيب من حول بابه

ولى من لسانى صارم الحد فاتك

يقد حشا المغتاب لي في قرابه

فإن مضك الذم الذي أنت أهله

فأنت الذي أَحوجتنى لجوابه

وإن مزقت أسمال عرضك نفثتى

فأنت طرقت الليث في وسط غابه

نهيتك عن أمر تبينت غيه

وقلت لك التوفيق عند اجتنابه

فآليت أن لا ترعوى لنصيحة

وزدت لجاجا في عظيم اغتيابه

إذا المرء لم يقبل نصيحة مشفق

ولم يتحرج من قبيح اكتسابه

فدعه وأحداث الزمان تنوشه

سيطرقه من لم يكن في احتسابه

ص: 235

وقوله:

ذكرت ريح الصبا عهد الصبا

فهوى لصب هواها وصبا

ما سرت إلا وسرت قبله

ونفت عنه العنا والوصبا

باكرت روض النقاد وارتشفت

من لمى ثغر الأقاع الأشبا

صافحت زهر اللواغب السرى

وأتت صبحا تشكى الوصبا

جررت ذيل دلال سابغا

وجرت طلقا بأكناف الربا

شوشت أغصان بان عندما

نازعتها برد خز وقبا

سلبت من كل نور نفحة

وغدت تهدى إلينا السلبا

جددت وجدا لنجد والحما

منذ اهدت مواليه نبا

ما هفت يوما على القوم وقد

سكنوا إلا استطاروا طربا

وأتت من طيها في حيها

بشذا فاق العبير والكبا

كيف لا تسمو على الطيب وقد

جاورت جيره سلع وقبا

وقوله:

مضى في المناهى والملاهى شبابى

كأنى لم أُومن بيوم حساب

ولم أَدخر رادا ليوم مقامتى

ولم أتخذ عقبى وحسن مآب

أنافس مثلى في البطالة والهوى

وأُعرض عن تقوى ونيل مثاب

وأَسريت في ليل الجهالة خابطا

به خبط عشوا في هوى وسراب

أَأَنعم عيشا في الورى بعد ما بدا

بياض مشيبى في سواد شباب

ص: 236

وقوله:

وأنفع النفثات السحريات رقى

يبثها قلم الإنشاء في الكتب

وأكبر السحر تأثيراً وأصعبه

سحر تولد بين الحبر والقصب

قاض على الكل مقبول وقد شهدت

له المصاقع عند الحكم بالغلب

لم يهرم الدهر ما أثنى على هرم

زهيره وفنى ما نال من نشب

وقوله:

أما الرسوم فلم ترق لما بى

واستعجمت عن أن ترد جوابى

ولقد وقفت بها أُكفكف عبرتى

طوراً وأمسح في فضول ثياب

وأسائل الربع المحيل تولها

حتى رثى صحبى ورق ركاب

وقوله:

أريد إقامة الحجج المواضى

لا محو زور أقوال الوشاة

وأدحض بالحقيقة كل وغد

يبين الود وهو من العداة

وقوله وقد كان في سفر مع السلطان ماراً ببلاد زمور الشلح فبدا سرب من نسائهم متعرضات للسلطان فاستنشده بعض الرفقاء فأنشده بديهة:

أظباء زمور سلبتم مهجتى

بقنا القدود وصارم اللحظات

وهتكتم بالقهر حصن تنسكى

بجيوش حسن خريدة ومهات

شنت علينا بالنواظر غارة

فأخذتم الألباب في الثارات

كفوا ألحاظكم الكحيلة وارددوا

أسلاب ألباب على المهجات

أولا أيبحوا للشفاه شفاءها

ولتستحلوا لثم تى الوجنات

ص: 237

قالت أفى شرع الغرام تحكم

أرأيت منحكم على الفتيات

نحن الملوك على الملوك وإنما

أحكامنا بالقهر والغلبات

الجور عدل عندنا والظلم حـ

ـق بيننا والذنب كالحسنات

وقوله في معنى التغزل والوداع. وعرض لذلك داع. وتخلص منه لمدح السلطان:

عرضت لنا كالظبية المغناج

تختال في حلل من الديباج

هيفاء فوق قضيب بأن أطلعت

بدر التمام بليل شعر داج

ورنت بعين مهاة رمل أُودعت

فتنا تنسى فتنة الحلاج

لضعيف ذاك الجفن صولة قادر

في العاشقين كصولة الحجاج

خرسى الخلاخل والسوار وقرطها

والحلى مهما مشت كثير لجاج

يشكو لليل الشعر مدمج خصرها

ما مسه من ردفها المواج

والعين من فرط السقام شكت لنا

ما يشكيه الخصر من إدماج

أعدى سقام جفونها جسمى كما

قلبى بنار الخد ذو إنضاج

إن مت من فرط الغرام فقاتلى

غيد الغوان بكل طرف ساج

دينى على ظبيا تهن مواعد

بالقرب منهام الغرام علاج

كم من شفا بين الشفاه لذى الجوى

ودواء صب في لذيذ نتاج

أَصف الدواء لذى الهوى وأَظننى

من لحظ عين العين لست بناج

إن التي سفكت دمى بلحاظها

وسبت فؤادى بطرفها المعتاج

حيت فأحيت صبها بمكحل

أحوى ووجه أبلج وهاج

ص: 238

وتبسمت فأرتنا سمطى جوهر

بمفلج لمدامة مجاج

لم أنس وقفة عيسها يوم النوى

والظعن في الإلجام والإسراج

والقلب من ألم الفراق على لظى

والعين تسخو بمد مع ثجاج

تشكو النوى لمحبها بلواحظ

نعس الشفار ومقول لجلاج

ساروا فكم من مهجة في إثرهم

ومدامع تستن كالأمواج

هم أودعوا قلبى الجوى إذ ودعوا

وطووا بدور التم في الأحداج

نعب الغراب ببينهم فتفرقوا

ليت الغراب مقطع الأوداج

بانوا فبان تصبرى من بعدهم

وكلفت بالتأويب والإدلاج

سقبا لمنزلة اللوى من معهد

فلكم قضينا بربعه من حاج

أيام تسعدنى سعاد بقربها

وتزيح عنى الهم حين تناج

والدهر غض جفون كل مكاشح

أوقاته للأنس ذات نتاج

كم ليلة طلعت طلائع أُنسها

فجلت جيوش نوائب ودياج

إذ نطلع الكاسات فيها أنجما

تجلى على النغمات والأهزاج

وندير من خمر الصبابة بيننا

صبهاء صافية بغير مزاج

لا نقتفى غير العفاف ولا نرى

غير الوفا في الحب من منهاج

وعشية رقت وراقت منظرا

في شط بحر زاخر عجاج

يبدو فتحسبه سماء أفرشت

أمواجه تلتاح كالأبراج

لو كنت شاهده وقد هب الصبا

لعلمت كيف تلاطم الأمواج

والشمس ناشرة دوائب شعرها

تبدو لدى آفاقه كالتاج

ص: 239

وتزين صفحته بمذهب نورها

فيهز عطف التيه عقبى الداج

والموج أمثال الكتائب يرتمى

ويغير نحو الشط في أفواج

تهدى إليه بنفسجا من مائها

فيرده متكسرا كالعاج

ويكاد يحكى الملك الرضا

في جودها لو كان غير أُجاج

المالك الميمون طائره ومن

حياه وجه السعد بالأفلاج

ما عابد الرحمن إلا رحمة

ظهرت لحسم ضلالة وعلاج

وقوله:

قالوا أنراك عدلت عن سنن الهوى

مذ حدت عن نظم القريض ونسجه

فأجبتهم برد الزمان أصابنى

فجمود نار قريحتى من ثلجه

وقوله:

ترقرق في وجه الصباح صبوح

فبان به للهم عنى سروح

وعاودنى للأنس عيد مسرة

به لعهود الأنسات فتوح

ولم أر مثل (المامونية) معهدا

بأكنافه تغدو المنى وتروح

هو السهب للشهب الزواهر مطلع

وللفضل فيه والجلال وضوح

قباب كأبراج السما ومنازل

خلال بروج قد علت وصروح

بها للظباء الكانسات ملاعب

سمت ولربات الجناح جنوح

وقد صفقت تحت الظلال مذانب

وساحت فصاحت في الغصون صدوح

ظللنا بها والسحب ينثر دره

وللغصن فيه والأضات طموح

تلون فيه الجو كالدهر بشره

يمازجه تحت الغمام كلوح

ص: 240

وللريح في تلك الخمائل زفرة

كزفرة صب قد عراه نزوح

وللكأس في كف السقاة تبسم

وللشرب تقطيب لها وكلوح

فلا زال مأوى للملوك وللعلا

تقرر فيه للسرور شروح

وقوله:

بنفسى روض من جمال جلوته

وقد غفل الواشون عند صباح

سقاه حيا حتى ارتوى ورد خده

حياء فحيانا بثغر أقاح

وغرد ورق الحلى من فوق قامة

سمت فوق ردف كالكثيب رداح

فعانقت منها الغصن يهتز ناعما

وقبلت منها البدر غب لياح

وقوله:

دعا داعى الشريعة للجهاد

فلبوا مهطعين إلى الجلاد

فما هذا التثاقل والتوانى

وحزب الشرك يضرب في البلاد

وكم هذا التغافل والتعامى

وقد حفت بكم زمر الأعادى

وقال من مولدية:

يا نسمة هبت مع الأسحار

تحيى القلوب بعرفها المعطار

وتقر من أهل المحبة أعينا

لم تكتحل بعد النوى بغرار

حيت بأنفاس الخمائل أنفسا

تشرى اللقا بنفائس الأعمار

وافت تجر من الدلال ذيولها

وهنا وتسمح أوجه النوار

تروى أحاديث العقيق وحاجر

عن بان نجد عن شذا الأزهار

فتسوق للصب المشوق صبابة

وتشب في الأحشاء جذوة نار

ص: 241

وتبث عن عرب برامة خيموا

سرا تنزهه عن الإضمار

تتمايل الأشجار عند سماعه

طربا وتفصح ألسن الأطيار

لم تدر دارين لسالب مسكها

طيب الأريج ولا ظفير ظفار

لم لا تفوق وقد تلقفها الصبا

وروى شذها نسائم الأسحار

وأتت على دار الحبيب فآذنت

منه بقرب مسرة ومزار

وتوافق السعدان فازداد العلا

فصل الربيع ومولد المختار

شهر به اهتز الوجود بأسره

لظهور سر الله في الأسرار

وسرت مسرته على طول المدى

وتجددت بتجدد الأعصار

لاحت بغرته السعود وأشرقت

فرحا بوسطه سنا الأنوار

وتزينت فيه الجنان وحورها

وتبررت بمنصة استبشار

وقال من قصيدة يهنئ بها مولانا على بن مولانا سليمان بدار أسكنه فيها والده السلطان رحمه الله وقد جمع فيها العلماء والأعيان، لقراءة ختمات من القرآن، وكان ممن جمعته تلك الجملة، وانخرط مع أولئك الجلة،:

حياك حياك رب العرش يا دار

ودار مع ساكنيك العز ما داروا

ولن تزالى بإذن الله دار على

والمجد والجود والعلياء عمار

دار تود الشموس لو تحل بها

وتحسد النازلين فيها أقمار

شيدت بها غرف من فوقها غرف

وقد جرى تحتها كالخلد أنهار

بها سوارى عوارى كالجوار بدت

عليها للحسن والإتقان أنوار

قد نمقت ببديع الحسن ساحتها

كأنها الروض والألوان أزهار

ص: 242

جرى بها سلسل مثل اللجين بدا

في خصة فيها للرائين أسرار

فما البديع بديع عند رؤيتها

وليس يذكر للرهراء أخبار

أست على الدين والتقوى ألست ترى

فيها مدى الدهر للرحمن أذكار

عذراء قد بهرت حسنا وقد عنست

دهراً لكفء لها في الناس تختار

فكفؤها المرتضى الأسمى أبو حسن

فنعم من حلها ونعمت الدار

وزادها شرفا فخما إلى شرف

أن قد غدا صنوه الأسمى لها جار

بتنا بها ليلة ما كان أقصرها

كذا ليال الوصال فيها أقصار

للقارئين لدى أرجائها

وللمصلين بالتسبيح إظهار

بنعمة تدهش الألباب مطربة

ليست تحاكيها قينة وأوتار

للند والعود في أرجائها أرج

وللمدائح إقبال وإدبار

وللشموع سطوع في مجالسنا

كانهن قنا له سنانها النار

قابلن جيش الدجى ففر منهزما

إن الدجا من جيوش النور فرار

وللمصابيح في تأنيقها عجب

مثل النجوم لها في الليل إزهار

نردد الطرف في أرجائها عجبا

فيرجع الطرف عنها فيه إحسار

يقول مبصرها من حسن بهجتها

وللورى ببديع الحسن إقرار

يا روضة الحسن منك الحسن مسترق

وللبها منك إيراد وإصدار

أنت التي جمعت للحسن أجمعه

لما ثوى بك من للمجد مختار

ص: 243

وقال يهنئ أخاه في الله الفقيه النزيه السيد محمد الشرفى بعرس:

هنيئًا أبا عبد الإله لك البشرى

فهذا زمان السعد قد أظهر البشرا

وهذى رياض الحسن تزهو أريضة

وهذى بشارات السعود أتت تترا

فرد من زلال الود غير مكدر

وجل برياض الحسن واقتطف الزهرا

فقد وصلت من بعد طول تشوق

غزال بليل الشعر قد أطلعت فجرا

سرت وظلام الليل أرخى سدوله

وزارت على بعد الديار لنا بدرا

عجبت لشمس زارت البدر في الدجى

وعهدى بأن الشمس لا تدرك البدرا

حكت ظبية وعساء جيدا وناظرا

وأزرت بقد الغصن والصعدة السمرا

تشوق منها القرط صوت خلاخل

فأرسل للإتيان بالخبر الشعرا

وقد غردت من فوق غصن قوامها

حمائم حلى آذنت باللقا جهرا

تريك عقود الدر عند ابتسامها

وتسقيك من سلسال ريقتها خمرا

ولا عيب فيها غير سقم جفونها

وكفل رداح ثقله أنحل الخصرا

وغير حديث قد حكى السحر رقة

له في سويدا قلب سامعه مسرا

فواصل بها وصل السرور ودم على

ذرى المجد والعلياء مرتقيا فخرا

وخذها كما شاء الوداد خريدة

تفوق الذى أُعطيت في وصلها مهرا

ودونكها كالروض قد نشر الحيا

بأرجائه من دمع ديمته درا

ففتق من صوب الكمام أزهرا

فأَعبقت الأرجاء من طيبها نشرا

ونادت طيور الشكر فوق غصونها

هنيئا أبا عبد الإله لك البشرا

ص: 244

وقال يتغزل:

سحرتك بالطرف الكحيل الساحر

وبحسن قد كالقضيب الزاهر

وبغرة كالفجر تحت ذوائب

كدجنة فاعجب لحسن باهر

وبنقطة مسكية في وجنة

وردية ذات الأريج العاطر

وبريقها المعسول إلا أنه

يشفى الحشا من كل داء ضائر

ريق أعز على من نيل المنى

وألذ من رشف الرحيق لخاطرى

ماذا وكم أَوقعتنى في حسرة

وجلبت لى من شقوة يا ناظرى

ولكم جمحت بتيه مبدان الهوى

وحصلت في شبكات ظبى نافر

ولأنت يا قلبى فكم أصليتنى

ورميتنى في بحر حب زاخر

أدخلتني في وسط معركة الهوى

ما بين جيش قواضب وبواتر

وتركتنى في حى ليلى مثخنا

بظبا ظباء لم أجد من ناصر

يا سعد هل لى في الهوى من سعد

بشفا شفاه اللعس تحت غدائر

أم هل بنجد هواهم من منجد

لمتيم في حاجز بمحاجر

فتكت عيون العين في أحشائه

بشفار ألحاظ رمت بخناجر

وسطت عوامل قدهن بقلبه

فغدا أسير عوامل ونواظر

أوثقنه بجبال وعد مخلف

وشددن أسر وثاقه بمغادر

نفسى الفداء لظبية فتانة

فتاكة بشفار شفر فاتر

نامت نواظرها وقد سلبت كرى

طرفى بطرف بابلى ساحر

وغدا الجمال بأسره في أسرها

والسحر أُيد جنده بعساكر

ص: 245

فإذا بدت سجد العيون لحسنها

تسبيحها سبحان ربى الفاطر

وترى القلوب خواشعا لجمالها

مكسورة من كسر طرف كاسر

شمس على غصن تكون في نقا

من تحت ليل ذوائب وغدائر

نصبت قسى حواجب موتورة

بالسحر ترمى كل صب ناظر

فكأنما هاروت عن أجفانها

يروى فيسند ساحر عن ساحر

ورعت رعاها الله في ربع الحشا

حب القلوب ولم تخف من زاجر

كيداء قد ورثت محاسن يوسف

ناهيك من حسن بهى باهر

وتوطنت بالمنحنى من أضلعى

ومحصب الأحشا رمت من حاجر

فغدوت ما بين الأنام متيما

بجمالها ومهيما في سائر

وغدا عذولى عاذرا في حبها

فاعجب لعاذل ذى غرام عاذر

كم من عذول في الهوى ومكاشح

غابت شواهده بوجه سافر

ولكم رقيب في الهوى ألفته

بالشعر حتى عاد عند أوامرى

ولكم نظمت سلوكه في غادة

فاقت قلائده بدر فاخر

ولكم ليال قد جلوت فريدة

والكاس نجم في سماء أزاهر

ومديرنا رفع العقيرة منشدا

قطعا ألذ من المدام الدائر

يشدو فيبدو الدر من أصدافه

ثغر وشعر مع عقود جواهر

سقيا لأيام الوصال وقربها

وزمان أنس بالأوانس زاهر

إنى لأذكره فأحسب أننى

من كثرة الأشواق بين محاضرى

وأقول للأيام هل من عودة

لزماننا الماضى بوصل حاضر

فعساه يظهر لى المتاب بعودة

ويكفر الماضى حسن الآخر

ص: 246

وقال يمدح سيدى محمد بن السلطان الموالى عبد الرحمن وكان إذ ذك خليفة والده بمراكش وولى عهده ووجهها له سنة 1262 مع ولده الحاج إدريس:

عرضت وجيرتنا على أوفار

في سرب عين بالنسيم جواز

هيفاء يعطفها الدلال فتستثنى

فرحا ويكسوها حلى الإعزاز

هزت من القد القويم مهفهفا

ومن اللحاظ الدجع حد جراز

حكمت بحلية الدماء ومادرت

أن الشريعة لم ترد بجواز

وقضت علينا بالوفاء ولم تدن

في مطل موعدها لنا بنجاز

بانت فقلبى خافق ومدامعى

مرمضة والصبر في أعواز

تلك الظباء ظباء رامة قد غدت

في جيش أرباب الغرام غواز

من كل قاصرة تطول إذا رنت

حزب الكماة وهى في تجواز

تبدى التأنس بالنسيب وطالما

أعيت مكايده على الغناز

جور الحسان على الكرام وظلمهم

عدل بلا شكوى ولا اشمئزاز

ما ذاك إلا أن أنصار الهوى

في صولة تخشى وفى إعزاز

ملك الجمال على القلوب محكم

وجيوشه من أفخد الأوشار

تعنو لهيبته الرقاب كما عنت

لمحمد المحمود ذى الأحراز

علم تفرد بالجلالة والنهى

وغدا لخصل السبق ذا إحراز

زان الرياسة بالسياسة والعلا

بسخائه والوعد بالإنجاز

وسما إلى رتب الكمال بعزمة

لا تنثنى وبصارم هزهاز

فاق الثواقب بالمناقب وارتقى

عن طيب أخلاق وطيب نجاز

ص: 247

قل للمحاول شأوه أقص فقد

ساويت بين الصقر والخزباز

ما كل برق لاح برق تهامة

كلا ولا كل النسيم حجازى

والطير يظهر في المطاعم فضلها

ما صيد باشقها كصيد الباز

حاولت مدح محمد فأقامنى

إجلاله في موقف الإعجاز

وأطلت في أوصافه متطفلا

فوجدت بسط القول كالإيجاز

يا مفردا جمع الفضائل كلها

ما إن لفضلك في الزمان موازى

أرهقت أرباب الضلال بصولة

ردت أبى النفس كالجلواز

وأسمت سرحك في رياض سعادة

وسواك سام السرح في الأجراز

وكساك والدك الرضا حلل الرضا

وقضى لوعد علاكم بنجاز

أَدركت في التقديم كل حقيقة

لما اكتفى منها السوى بمجاز

سابقت أرباب العلوم ففقتهم

بذكاء فهم زائد وحزاز

فلك اليد البيضاء في أنواعها

والسبق في الميدان يوم براز

فسعيت سعى موفق ومسدد

ونطقت نطق مصدق ممتاز

كم فتكة بكر لسيفك في العدا

ومشاهد مشهودة ومغاز

كيف النجاة وسيف سعدك طالب

للمارقين وسبف كفك غاز

قدت الخميس إلى الوطيس بعزمة

تذر الكماة الصيد كالحراز

واسود حرب غابها سمر القنا

مشهورة بالفتك في الشراز

لا يعرفون سوى التقدم في الوغا

والضرب في الأعناق والأجواز

وإليكها أبكار فكر غضة

جهزتها لحلاك خير جهاز

ص: 248

تاهت على شعر العراق لطافة

وزرت بأهل الرى والأهواز

يهوى الرقيق الطبع رقة طبعها

وبعدها الجهال في الألغاز

قد جئت بالدر النفيس مفصلا

عقدا وما أَنفقت من أعواز

ولطالما طلب الغواة ذخائرى

حرصا ففاقهم نفيس ركاز

سمحت بها الأفكار وهى لواعب

فأتت بغنة قينة ميجاز

وأَتتك عفوا حرة من حرة

والحر لا يحتاج للمهماز

أنى يعارض الغوى وقد غدت

بصفات حمدك في صوان طراز

حصتها بعلاك خير تميمة

من كيد كل مكاشح هماز

ترمى نجوم سمائها حرسا لها

شهبا لحرق الكاشح اللماز

ويحوط حوزة سرها ذو مرة

فكأنه باز على قفاز

ولكم دَعِىٍّ رام عجم عقودها

والدر لا يمتاز للبزاز

أسدى وألحم في مجال غروره

ما حرفة الصواف كالقزاز

والشعر يعرف قدره من حاكه

نساجه أدرى من البزاز

دم في ذمام المجد محروس العلا

في نعمة موصولة بمفاز

وقال:

نادى السرور بسعدكم فتنزهوا

فالروض قد أَهدى حلاه وخزه

بسط الربيع به بساط زبرجد

قد أحسنت أيدى السحائب طرزه

قد كان كنزا في التراب مطلسما

فتحت رقى كنز الغمائم كنزه

أبدت خبايا الأرض من بركاته

ما أَوضحت لس الكمائم رمزه

ص: 249

طلعت طلائعه بكل ثنية

تهدى بدائعه وتنشر بزه

وجيوشه النوار تظهر في الرُّبى

أعلامه يبدى علاه وعزه

ملك الفصول له التقدم بينها

من رام شأو سناه منها عزه

فخر الزمان بصفيه وخريفه

وشتائه يوم الفخار وبزه

متصرف في الأرض عند وروده

فأشب نرجسه وشيب لوزه

تتنفس الجنات فيه أما ترى

أرجا سرى أحيا الفؤاد وهزه

وقال:

ما للظباء الجواز

أعرضن عند الجواز

فتكن بى فمن أفتى

في مهجتى بالجواز

بكل قد قناة

وكل شفر جراز

لهن في كل يوم

لدى فؤادى مغاز

قد طال للعين جور

وهن حلف اعتزاز

ولا شفاء لقلبى

إلا اللقا والتجازى

سأشتكى الظلم يوما

إلى (الشريف الحجازى)

فهو في الحب قاض

يقضى بحسن نجاز

قد حاز كم من خصال

فهو بها ذو إمتياز

ففى الفصاحة فرد

ما أن له من مواز

إن قال أسكت قهرا

كل فصيح مماز

وهل لديك صراخ

إن صاح في الأفق باز

ص: 250

أُقسم بالبيت حقا

وبالصفا والحجاز

ما إن رأَيت ظريفا

مثل الشريف الحجازى

وقال يتغزل:

ألا خبروا ذات الخلاخل والقرط

بأنى ملك للجمال بلا شرط

لقد أودعت قلبى وربك لوعة

غداة بدت بين الوشاحين والمرط

تميس كخوط البان غازله الصبا

وتسفر عن بدر وتفتر عن سمط

رمتنى بسهم الغنج عن قوس حاجب

فأصمت فؤاد المستهام ولم تخط

وما كان الحب إلا بنظرة

وتبتدئ النيران من ضرم السقط

عجبت لها مذ ورد الحسن خدها

وزينة كف المحاسن بالنقط

وحلت بقلب المستهام وأهلها

بذات الغضا ما بين نعمان وأسقط

وقال:

أبصر مقلتى فريد جمال

قد سبى مهجتى بثغر الرباط

ظبى أنس قد قلبى بلحظ

حل في حبه على رباطى

همت فيه لما تطلع بدرا

فوق غصن هفا بـ (برج السراط)

وقال مجيبا لبعض أهل الرباط، ممن كان له به معاشرة وارتباط، وضمنها مساجلة ومداعبة في عتاب، وملاما على تقصير في كتاب:

أَتانى نظام منك كالدر في السمط

فأنهلنى كأس الوداد على شحط

وذكرنى عهد الصبا ولطالما

صبا للصبا النجدى ذو اللمم الشمط

هززت به عطفى ارتياحا ونخوة

كأنك قد عاطيتنى كأس إسفنط

ص: 251

ودبت حميا لفظه في مفاصلى

جررت بها من نشوة طربا مرطى

وقرظت أرضا بالجهاد تشرفت

وحلت من العلياء في موضع القرط

أما في رباط الفتح للفتح آية

لمن يفهم المعنى المراد من الربط

ولكننى أُملى عليك دعابة

تلوح كأخت الظبى تختال في الربط

وأبديت في حكم الغرام تلونا

فطورا أخو ضبط وطورا أخو خبط

كأَنك في هذا خليع صبابة

يشبب بالسودان طورا وبالقبط

أراك استباك البحر والموج والهوى

وهمت هيام البط بالماء والشط

وقابلتنى لما نأيت بجفوة

ولم تجر في شرع الوداد على شرط

أما هذه شهران مرت ولم يجئ

رسولكم لا بالسلام ولا الخط

إلى أن أتت من بعد نأى رسالة

خبطت بها عشواء في مضمر الخبط

وجئت بها بدعا لفرط اختصارها

ولم تسم الأخبار والود بالضبط

ولولا اتضاح الصفح في صفحاتها

وما قد حواه الصدر من غرر البسط

لأرسلت من عتبى إليك كتائبا

مجللة بالزعف والبيض والخطى

ولولا الحياء من صفيى أبى العلا

أخى المجد والعليا والخلق البسط

لم يراعى السرى في الأرى واغتدى

على البعد يغرى الكف بالقد والقط

حماك حماه من سماع يراعى

فلا ترع بعد مربع الأثل والخمط

وقم في مقامى عنده وارع وده

وراع رعاك الله مالى من قسط

وكن شاكرا للفضل والفصل ذاكرا

عهودى ولا تصبح لذاك أخا غمط

فلا زلتما في نعمة وسلامة

بجيد كما حلى المكارم كالسمط

ص: 252

وقال من قصيدة:

بدور أَعارت للبدور كمالها

وأخفت بأفلاك السعود جمالها

حوى كل خدر بدر تم وأَسدلت

عليها الغوانى الحافظات حجالها

فقلت أفجر قد تبلج ضوؤه

أم الشمس أبدت في السحاب اعتدالها

فقيل بلى شمس الجمال تطلعت

فأَخفت لنا شهب السما وهلالها

تأَمل ترى حسن البداوة ساذجا

تجل عن التمويه من أن ينالها

تعلم منها الظبى حسن تلفت

وقد سلبت غض الغصون اعتدالها

تشابه حسنا ثغرها وعقودها

تأمل ترى أسلاكها وفصالها

وفى الكلة الحمراء بيضاء غادة

تود ذوات الحسن منها دلالها

لديها قلوب العاشقين أسيرة

تروم ببذل الروح منها وصالها

عجبت لها والليل أرخى سدوله

بآفاقها والنور يبدو خلالها

نظرت إليها نظرة يوم حاجر

فأَهدت إلى نفس المحب خبالها

وأخرى بأكناف العقيق فأرسلت

إلى القلب من قوس اللحاظ نبالها

فعدت وفى قلبى من الوجد لوعة

تهد من الشم الرواسى جبالها

وعاشت لما منت من الوصل برهة

وقد سئمت نفسي الغداة مصالها

إذا أزمعت وصلى نجازا لوعدها

تصدى لها واشى الهوى فأمالها

وإن رمت سلوان الهوى قال قائل

من الوجد هل تسلو الجياد اختبالها

سموت إليها بعد هدء وهجعة

وقد جدل النوم الثقيل رحالها

فقالت ألص أنت أم أنت فاتك

يروم من الحسناء قهرا منالها

ص: 253

فقلت لها إنى محب فقهقهت

وقالت لعًا لو كان غيرك قالها

أتهوى وصال الغانيات وقد بدا

بفودك صبح الشيب ينفى اتصالها

فأبت ولم تعلق بكفى ريبة

وعدت على نفسى أُقبح حاله

أشيب وعيب إن ذا غير لائق

بمن يبتغى الأخرى ويبغى كمالها

وقال يصف أهل الزمان، وأن الإنسان لا يسلم منهم كيفما كان:

أرى الناس قد أُغروا ببغى وريبة

وغى إذا ما ميز الناس عاقل

وقد لزموا معنى الخلاف فكلهم

إلى نحو ما عاب الخليقة مائل

إذا ما رأوا خيرا رموه بظنة

وان عاينوا شرا فكل مناضل

وليس امرؤ منهم بناج من الأذى

ولا فيهم عن زلة متغافل

وإن عاينوا حبرا أديبا مهذبا

حسيبا يقولوا إنه لمخاتل

وإن كان ذا دين رموه ببدعة

وسموه زنديقا وفيه يجادلوا

وإن كان ذا زهد يسموه نعجة

وليس له عقل إلا فيه طائل

وإن كان ذا صمت يقولون صورة

ممثلة بالعى بل هو جاهل

وإن كان ذا شر فويل لأمه

لما عنه يحكى من تضم المحافل

وإن كان ذا أصل يقولون إنما

يفاخر بالموتى وما هو زائل

وإن كان مجهولا فذلك عندهم

كبيض رماد ليس يعرف خامل

وإن كان ذا مال يقولون ماله

من السحت قد رابى وبيس المآكل

وإن كان ذا فقر فقد ذل بينهم

حقيرا مهينا تزدريه الأراذل

وإن قنع المسكين قالوا لقلة

وشحة نفس قد حوتها الأنامل

ص: 254

وإن هو لم يقنع يقولون إنما

يطالب من لم يعطه ويقاتل

وإن يكتسب ما لا يقولوا بهيمة

أتاه من المقدور حظ ونائل

وإن جاد قالوا مسرف ومبذر

وإن لم يجد قالوا شحيح وباخل

وإن صاحب الغلمان قالوا ألَا بنت

وإن أجملوا في اللفظ قالوا مبادل

وإن هوى النسوان سموه فاجرا

وإن عف قالوا ذاك خبيث وباطل

وإن تاب قالوا لم يتب لزهادة

ولكن لإفلاس وما ثم حاصل

وإن حج قالوا ليس لله حجه

وذاك رياء أنتجته المحامل

وإن كان بالشطرنج والنرد لاعبا

ولاعب ذا الآداب قالوا مداخل

وإن كان في كل المذاهب نافذا

وكان خفيف الروح قالوا مثاقل

وإن كان مقداما ما يقولون أهوج

وكان ذا ثبت يقولون ناكل

وإن يعتلل يوما يقولوا عقوبة

لشر الذى يأتى وما هو فاعل

وإن صح قالوا ليس لله حاجة

بمن يتعداه الردى والغوائل

وإن مات قالوا لم يمت حتف أنفه

لما هو من شر المآكل آكل

وما الناس إلا جاحد ومعاند

وذو حسد قد بان منه التحامل

فلا تتركن حظا لخيفة قائل

فإن الذى تخشى وتحذر قائل

وقوله مادحا السلطان المذكور ومهنئًا له بشامخ تأييده لما خرج جيش الوداية عن الطاعة، وشقوا العصا ونبذوا يد الجماعة، وظهرت له مخايل الإعراض من جلالته قبل النكبة، واستجماع الهزبر للوثبة، وكثرت به الوشايات، ودبت له عقارب الإذايات، فخرج له المدح بالعتاب. وذكره بصالح خدمته لتلك الأعتاب، وما يغنى الدفاع إذا تمكنت الأسباب، وإلى الله المرجع والمآب:

ص: 255

أمولانا أمير المؤمنينا

حباك الله نصرًا مستبينا

وزادك رفعة وعلو شأن

وإسعادا وتمكينا مكينا

وحكم سيف عدلك في الأعادى

وأودى به البغاة المعتدينا

فإنك غالب بالله مهما

غزوت حبالك الفتح المبينا

كفاك به اعتصامك كل عاد

فعون الله للمتوكلينا

فقد حان حين مهلكهم ونادى

فقم بالله ربك مستعينا

ولو لم تغزهم لكفاك ربى

وكان لهم بمكرهم مهينا

وقد فشلت رياحهم وخابت

مكايدهم وعادوا صاغرينا

وقد ساموا كبارهم هوانا

وأَضحوا ما أَتوه ناكرينا

وقل لعبيد سيدنا البخارى

ومن في حزبهم والمسلمينا

ثقوا بالله واعتصموا وقولوا

إلهى أنت خير الناصرينا

فأنت ملاذنا وبك استعنا

على هلك البغاة المارقينا

سيخزيهم وينصركم عليهم

ويشفى صدور قوم مؤمنينا

ولا تخشوا فأنتم في جهاد

ونصرة دين رب العالمينا

فإن الشرع في الباغين أفتى

وألحق فعلهم بالمشركينا

وقدم أهل مذهبنا جهادا الـ

ـبغاة على جهاد الكافرينا

وحكم الشرع في الأعداء ماض

وليسوا في الأنام بمعجزينا

فقد شقوا العصا وبغوا وخانوا

بغدرهم أَمير المؤمنينا

فكم من مثلهم صاروا حديثا

وذكرا سائرا في الغابرينا

ص: 256

وإن البغى مرتعه وخيم

عقوبته معجلة يقينا

فهم أهل الردى إن لم يتوبوا

ولم يأتوا لحكمك طائعينا

وأنتم أهل مكرمة وحلم

وعفو عن جميع المذنبينا

يزيد الله أهل العفو عزا

كما بحديث خير المرسلينا

أمير المؤمنين إليك أشكو

أمورا خلفت قلبى حزينا

وأكبرها صدودك لا لشئ

سوى زور الوشاة الحاسدينا

وإهمال الخديم وذاك عار

على أهل الوفاء الأكرمينا

فلا كتب تسر ولا سلام

به يحيى المشوق إليك حينا

وإصغاء السماع إلى أعاد

حسبتهم لملكك ناصيحينا

وقد أشفوا صدورهم وأضحوا

بنا بين البرية سامتينا

وكم قاسيت بعدك من أمور

يكاد الصخر منها أن يلينا

بكيت لها دموع دم ولما

أجد بين البرية راحمينا

وضاقت هذه الأرضون عنى

لزور الممترين المفترينا

فلو كان الممات يباع يوما

لكنت لكأسه في الشاربينا

ولكنى سأسال عفو ربى

فإن الله خير الراحمينا

وأرجو الحق يبدى الحق حتى

يريك الأصدقاء والكاذبينا

فإن الله لا يخفاه شئ

وليس يضيع صدق الصادقينا

وهل يخفاكم أمرى وأَنى

خدمت جنابكم تسعا سنينا

وأَفنيت الشبيبة في رضاكم

ولم أمدد لغيركم عيونا

ص: 257

ولم تكن الخيانة من فعالى

ولست بناشئ في الخائنينا

ولكن ضاق بى الأعداء ذرعا

فابدوا من مكايدهم فنونا

فلولا حلمك البادى علينا

لكنت بمكرهم في الهالكينا

فديتك إن غدوت بعيد دار

فلا تسمع كلام العار فينا

فشيمتك الكريمة ذاك تأبى

وتأباه قلوب العارفينا

وحسن الظن خلقك قد عهدنا

فعاملنا بذلك ما حيينا

فرجع حسن ظنك بى فإنى

على حسن المذاهب ما بقينا

وتعلم حالتى وصلاح أمرى

وحسن تقدمى في الناصحينا

فما بدلت بعد البعد حالا

عرفت ولا رضيت سواها دينا

أنا الياقوت في طبع ونفع

يزيد علا بنار الموقدينا

وإنى إن عدت عنكم عواد

لملتزم لحضرتك الحنينا

وأسأل ربنا في كل وقت

يكن لك فهوض خير الناصرينا

بجدك سيد الأوان طه

محمدنا شفيع المذنبينا

عليه صلاة ربك مع سلام

وآل والصحابة أجمعينا

وقوله مخاطبا الأمير المذكور وقد بلغه أن أعداءه نسبوا له عنده الخوض مع خاض من أهل فاس في الفساد عند خروج الوداية، وتجردهم للفحش والإذاية، وكان السلطان يعرف براءته ودينه، ويورده من حسن الوداد معينه:

مولاى إنى بعهد ودك واثق

إذا أنت بالحال الخفى عليم

قد أكثر الواشون من بهتانهم

والزور في خلق الورى معلوم

ص: 258

ليس الملام عليهم فيما أتوا

بل من يصيخ إلى الوشاة ملوم

إنى صبرت على المكاره حسبة

والله يعلم أننى مظلوم

وكفى بعلم الله واسع قول من

قبلى وظلم الحاسدين قديم:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداء له وخصوم

خافوا فضيحتهم بردى فانبروا

للسعى في هلكى وذلك لوم

إنى ليحجزنى الوفاء عن الجفا

والدين عما زوروا والخيم

فالود باق والمحبة غضة

والصدر من داء الفساد سليم

إن كنت خنتك في المغيب فخاننى

حال المصاب الصبر والتسليم

وإذا سمعت بما يسئ سماعه

أملت أن لو حل بى المحتوم

إنى سعيت ولا أزال بفضلكم

أسعى لنيل طلاحكم وأروم

وبذلك نفسى وما ملكت لأجلكم

وصبرت حيث المستعين عديم

ولسوف تتضح الحقائق جهرة

ويلوح من أسرارها المكتوم

وإذا علمت بحالتى ولم تصخ

للحاسدين فأمرهم معدوم

إن صح لى منك الوداد فإنه

حسبى وحسب الحاسدين الشوم

ظنى الجميل بكم لحسن وفائكم

ولدينكم ولفضلكم معلوم

أنا عبد إحسان له بولائكم

كولاء سلمان له التقديم

وعليكم حفظ الوداد لأنكم

أهل الوفاء وعيدكم مكروم

حاشاكم أن تشمتوا الأعداء بى

أو أن يساء على الوفاء خديم

والله أسأل أن يدوم لملككم

النصر والتمكين والتعظيم

بالمصطفين وبآله وصحابه

فعليهم الصلوات والتسليم

ص: 259

وقوله في حالة سجنه، وفقدان أمنه، يتضرع للسلطان في إقالة عثرته، واستنقاذه من نكبته:

الحلم شيمة أهل البيت والكرم

والصفح والعفو والإغضاء شأنهم

والرفق ينشأ منهم والحنانة مع

لطف وعطف فمهما استرحموا رحموا

حسن الوفاء وحسن العهد شأنهم

طول الدوام ومنهم تحفظ الذمم

لا يؤيسنك من غير عقابهم

فبعد رعد وبرق تسكب الديم

خلائق ورثوها عن أب فأب

قد سنها خير خلق الله جدهم

أقررت بالذنب والغفران يشملنى

وجئتهم تائبا والفضل فضلهم

وقد جعلت شفيع الخلق كلهم

وسيلتى أرتجى الغفران عندهم

يا سيدى عابد الرحمن عفوك عن

عبد مسئ بحلم منك يعتصم

قد تاب توبة صدق من جنايته

وعندك الحلم والإغضاء والكرم

عامله لله وأعتقه ورق له

فقد أضر به التعذيب والعدم

قد عم حلمك كل الناس من كرم

فكيف يخرج عنه مفرد علم

لا زال ملكك في عز وفى شرف

والفتح والنصر والعليا لكم خدم

بجاه جدك خَير الخلق قاطبة

صلى عليه إلهى ما بدا كرم

والآل والصحب ما هبت بجاهم

نسائم اللطف للقصاد فاغتنموا

وما سرى فرج للمستجير بهم

وجاء العفو والتسريح والنعم

وقال وهو بحال الاعتقال، وكان الحكيم محمد يفرح رحمه الله رمز له بمقال، وأوضح له لغز فال، فكتب له يستدعيه، كى يستفيد منه ما يعيه:

ص: 260

عسى نفحة من حضرة القدس تسرح

فيزهو بها قلب المعنى ويفرح

وتأتى بتفريج وأمن وبسطة

ويصدق ما قال الموفق يفرح

لقد غاب عنى النهار وضوؤه

فلا سره يبدو ولا الكتب تشرح

لئن صدر عنا النهار وضوءه

فبعد غروب الشمس مسرى ومسرح

عليه سلام الله ما هب ناسم

وما دامت الأرواح في الكون تسرح

وقال:

ألا عطفة يا آل بيت محمد

على ضائع في السجن من غير فائدة

أضر به ثقل الحديد وبرده

وهذى الليالى بالبرودة شاهدة

يحاكى الذى الموصول معنى وصورة

هبوا صلة بالفضل منكم وعائدة

وقال:

ألا يا سيد الشفعاء غوثا

لعان قد أضر به الحديد

وآلمه الثقاف وعظم حزن

يخر لبعضه البطل الشديد

دعاك وإنه فيك ذو يقين

يعالجه بك الفرح العتيد

وأَنزل رحله بك مستجيرا

فداركه بجاهك يا حميد

عليك الله في القرآن صلى

وسلم إنه الرب الحميد

وقال من قصيدة:

أسيدنا إنى بعفوك لائذ

من العتب أو من ظنة وملال

تكدر عيشى مذ رأيتك معرضا

وأسهرت في عد الذنوب ليال

فإن كنت قد أذنبت فالعفو واسع

وفى العتب للأحرار ضرب نكال

وفى سارعوا خير لمثلك نيله

وأخذك بالآداب خير منال

ص: 261

وسر العلا والود يظهر للفتى

بإفهام حال أو بلحن مقال

فلا تشمت الأعداء بى بعد ما غدت

رقابهم يوم الفخار نعال

ولا ترخصوا عرضى لهم بصدودكم

فإنى إن تولوا المبرة غال

ولا تجمعوا هجرا على وغربة

وداء عفاكما ربنا المتعال

خدمتكم عشرا سنين أعدها

وسابقت في الميدان كل مغال

قطعت بها شرخ الشباب وقد بدا

صباح مشيبى في سواد قذال

ومثلى محسود عليكم ومثلكم

خبير بواش في الأنام وقال

إذا ما حوت نفسى رضاك فحسبها

ولست بحزب المبطلين أبال

وقد كنت في يمينى يديك جعلتنى

فلا تجعلنى بعدها في شمال

وأنت بتتميم الصنائع كافل

وبالرعى للخدام خير موال

وعودتنا من حسن عهدك شيمة

ومن خلقك المحمود حسن فعال

تسائل عنا حيث غبنا وتعتلى

وتمنحنا فضلاً بغير سؤال

وتولى الذى تلقى البشاشة راضيًا

وتلك لعمرى شىيمة المتعال

ولم يك عن سوء يظن تأخرى

وأنتم -حفظتم- تعلمون بحال

وإنى لمولاكم وكاتب سركم

ولى ذمة منكم وحرمة وال

أعادى الذى عاداكم وأذمه

وأمدح من والاكم وأوال

وإنى لعمر الله حسان مدحكم

أنافس في أمداحكم وأغال

وقلدت جيد الدهر كم من قلادة

بحمدكم فاقت سلوك لآل

فلا تحرمونى قربكم بعد نيله

ولا تقطعونى بعد طول وصال

ص: 262

ولا تطردونى بعد ما بعلاكم

عرفت فأنتم سادتى وموال

بقيتم بقاء الدهر كهفًا لأهله

وهنيتم النعمى بغير زوال

بجاه رسول الله جدك أحمد

شفيع الورى السامى بكل كمال

عليه صلاة الله ثم سلامه

وآل وصحب ماجدين وتال

وقال:

لمكناسة الزيتون عرج على صحب

وخيم به في ذروة السعد والرحب

وحى به من صفوة الود جيرة

كرام السجايا عاكفين على الحب

وأوطان أوطار سقى ربعها الحيا

وطيبها العرف الأريج من القرب

وقال:

نأت قوت قلبى فالصبابة عائدة

وزائدة في حرقة القلب زائدة

قد استأنفت نفسى لمكناسة هوى

لواذع شوقى نحوها متزايدة

وقد كان قبل بالقديمة لى هوى

ولكن نفسى بالحديدة واجدة

وقال:

أحن إلى ثغر الرباط وأهله

حنين غريم للصبابة والوجد

وأصبو إليه كلما عنَّ ذكره

صبابة قيس أو مضاض إلى هند

وما ذاك إلا أن قلبى ساكن

لدى سكن فيه قريب على بعد

متى تجمع الأيام بينى وبينه

وأشكو إليه ما لقيت من البعد

ويبدى الرضا والشوق منا تعانقًا

بصدر إلى صدر وخد إلى خد

فأجنى ثمار الوصل من روضة المنى

وأسقى كئوس الأنس من خمرة الود

ص: 263

وقال:

أخلاى بالحمراء هل شفكم بعدى

وهل شاقكم ذكر المعاهد من بعدى

وهل عهدكم باق كما قد عهدته

فإنى لعمر الله باق على العهد

وهل عهدكم صافى المناهل سلسل

جميل صفات الود مستحكم العقد

فإنى وإن شطت بى الدار عنكم

لأكثركم شوقًا ووجداً بذى ودى

فإن تدعوا في الشوق أبعد غاية

فأضعف ما تعنون عندكم عندى

سلوا الليل عن وجدى بكم وصبابتى

وبزل المطايا عن حنينى وعن وجدى

أكن الجوى والدمع يبدى سرائرى

فلله ربى ما أكن وما أبدى

عسى نفحة أو لمحة من جنابكم

تعلل صبا مستهامًا على بعد

وقال وقد لقى بعض السلويين فسألهم عن أدباء بلدهم فأخبروا عنهم بالعجب فشوقوه لرؤيتهم والرواية عنهم فأنشد:

أأهل سلا إنى مشوق لربعكم

لألقط من أشعاركم حلية النحر

وما هو إلا الدر نظم عندكم

ولا غرو يلفى الدر في ساحل البحر

وللقلب سر في سماع حديثكم

ليعلم كيف النفث في عقد السحر

وقال على شاطئ البحر بسلا في 20 محرم سنة 1238 م وكان قد توجه مع وفد إعلام، ذوى آراء وأحلام، قاصدين السلطان المولى سليمان فمكثوا بالعدوتين مدة، وخامرهم شوق جاوز حده:

عرانى من ذكر الأحبة وحشة

تضاعف وجدى عندها ونأى صبرى

لطيف سرى بالوهم وهنا خياله

فزار على بعد وقد كان لا يسرى

عجبت له أنى اهتدى ومتى ارتقى

إلى وكم من مهمه بيننا قفر

ص: 264

وولى فكم نار توقد في الحشا

اشتياقًا وكم دمع على أثره يجرى

فبت وجنبى عن قتادة مسند

وعينى حديث السهد تروى عن الزهرى

فقلت أسلى الهم عنى بنظرة

إلى خضرة أو بالتعجب في البحر

فما زادنى إلا اشتياقًا كلاهما

وصرت كمثل مطفئ الجمر بالجمر

لعل الذى كان التفرق حكمه

سيجمعنا بالقرب من حيث لا ندرى

وقال:

يا ظبية الأنس ذات الدل والخفر

كم صدت صبابسهم الغنج والحور

تخذت قلبى كناسًا تنزلين به

والقلب منزلة تعزى إلى القمر

متى أفوز بوصل منك مفردة

يا منية القلب والإسماع والبصر

ولا رقيب سوى كأس نروقها

ولا مؤنس غير رنة الوتر

وقال:

حنت لأحمال أثقال النوى عيرى

فذكرتنى أصوات النواعير

يا عيرى حثى الخطا واستنشقى أرجا

من نحو فاسى وإن عز الخطا طيرى

فما مقامى بأرض لا أنيس بها

ولا شراب سوى ماء الخطاطير

إيه فما البعد عن أرض بها سكنى

أهل الحضارة فيها والقناطير

في كل قطر بها روض وساقية

فلا مجاز سوى على القناطير

تلقى بها أوجها راقت نضارتها

مثل الدنانير في زى النواوير

وقال:

رأيت العز أجمع والمعالى

بظل المشرفية والعوال

ص: 265

وضرب الخيل المذاكى

وتسليط الرجال على الرجال

وإن خطابهم بلسان سيف

لأفصح من مخاطبة المقال

إذا أبدى على الراحات وعظا

هدى رشداً وأنقذ من ضلال

ومرهم بندق الجعبات شاف

لأهل البغى من مرض الخبال

إذا ومضت بوارقه وحنت

رعود الوند من طلب النزال

رقت روح الكماة إلى التراقى

وطار القلب من خوف اغتيال

وقال:

عسى نفخة الألطاف يهدى نسيمها

شذا فرح يشفى القلوب شميمها

فإنى بباب الله أنزلت حاجتى

وفى فضله آمال نفسى أسميها

وجاه رسول الله أفضل شافع

إلى الله في حاج لعبد يرومها

فما خاب من إفضاله متوسل

به فهو مقبول المساعى عظيمها

وما لى مع حسن الرجاء وسيلة

سوى دعوات بالخضوع أديمها

وقولى وقد ضاق الخناق ضراعة

مقالة مكسور الجناح هضيمها

ألا يا رسول الله غوثًا لضارع

فإنك محمود الخلال كريمها

وإنى وإن علقت كفى بصاحب

وقربى بباب الله لست أريمها

وقال:

حيت فأحييت بروج اللطف والفرج

وانشقت من شذاها أطيب الأرج

صبًّا صبا كل صب نحوها شغفا

إذا هفت أذهبت ما كان من حرج

عجيبة الصنع لو مرت على جدث

أحيت به ميت الأشباح والمهج

ص: 266

ولو سرى نفس منها على كبد

حرا لأطفأ ما تلقى من الوهج

ولو تنسم يوما عرفها دنف

عان لعالجه الرحمن بالفرج

وافت وقد حملت من كل نافحة

شذا به يدرك الإفراج كل شج

في ضمنها من ربى نجد وجيرته

ما فاوح العنبر الشحرى في أرج

جاءت بنشر الخزامى في تنفسها

وحنوة وعبير عبهر بهج

فلو درى مسك دارين بهبتها

إذا سرى سرقا من نشرها الأرج

وهل يقاومها طيب وقد نفحت

من نحو طيبة مأوى صاحب الفرج

محمد صفوة الأكوان من خلقت

لأجله واكتست من نوره البهج

ما زال يدعو إلى الرحمن حتى هدى

من اهتدى لسبيل الرشد والفلج

وكانوا من قبل في ظلماء مجهلة

حتى استضاءوا بصبح منه منبلج

خير الوسائل أزكاها وأشرفها

عند الإله وأوفاها بمنزعج

به توسل آدم فنال علا

وفاز بالتوبة الخلصاء والعلج

وكل فضل بدا في الكون منشؤه

من سيد الرسل والخيرات منه تجى

وكل من نال تشريفًا ومكرمة

فمن علاه رقى لأرفع الدرج

عمت شفاعته دنيا وآخرة

لكل فرد بذاك الجاه مندرج

بالمصطفى كل صعب يستلين لنا

في كل ضيق بإذن الله منفرج

وباسمه إن دعونا يستجاب لنا

أو استجرنا ننال الأمن في اللجج

فسل بجاه النبى كل ما أمل

وافتح بجاه الرسول كل مرتتج

فجاهه عند رب العرش ذو عظم

وقدره أرفع الأقدار والحجج

ص: 267

إنى نزلت حماه الرحب محتميًا

بجاهه دافعًا للضيق والحرج

وإن عرتنى من الأيام نازلة

ناديت يا أزمتى بالمصطفى انفرج

وإن تخوفت مكرًا أو خشيت أذى

فليس إلا على علياه منعرج

فلن يخيب امرؤ حط الرحال به

وإن غدا عن سبيل الرشد ذا عوج

أستغفر الله مما ضاع من عمر

في سكرة الجاه محسوداً على الهوج

وما اقترفت من الأوزار مشتغلاً

في كل ممشى إلى نيل الدنا ومج

يا ليتنى قد خلصت من حبالتها

رأسا برأس ولم أحصل على حرج

وليس لى عند حسن الظن أو لجإى

لباب خير الورى بمنطق لهج

يهيج الوجد شوقى من تذكره

وأى قلب بذكر الحب لم يهج

أقول للنفس إذ جد الرحيل بنا

ونحن من خدع الأيام في وهج

قدمت شيئًا تنالين الأمان به

قالت نعم برجاء المصطفى فلج

ما خاب قاصد خير الخلق من مضر

وكيف وهو بكل المكرمات حج

كم ذا التوانى وركب القوم قد سبقوا

لحضرة الله والمغبون في هوج

فإن حضرة خير الخلق قد فتحت

باللطف بادر إلى أبوابها ولج

وسر على نهج أهل الخير مقتفيًا

أثر الثقات وإن أصبحت ذا عرج

وتب إلى الله واضرع في القبول له

وابك الذنوب بدمع غير ممتزج

والجأ إلى الله في التوفيق مبتهلاً

بالمصطفى ولتقل بمنطق هزج

يا رب بالمصطفى والآل عترته

وكل قلب بذكر الله مبتهج

دارك عبيدك يا رب بمرحمة

وستر لطف بسر العطف منتسج

ص: 268

واحفظه في أهله وماله أبداً

وامددهم مدد الخيرات في فرج

وصل رب وسلم دائمًا أبداً

على حبيبك هادى الخلق للنهج

والآل والصحب والأخيار أجمعهم

فالكون من نورهم في منظر بهج

وارض عن الأولياء الصالحين فهم

حصنى وأمنى وهم بين الورى سرج

إنى بكم يا رجال الله في وزر

فدار كونا بخير الخلق بالفرج

وقال:

والله لولا سبعة أرجو بها

نيل المفاز ورحمة الرحمن

ما قمت في باب الخلافة آمرا

أو ناهيا في خدمة السلطان

إبلاغ حاجات وغوث مؤمل

ودفاع مكروه وبذل أمان

وعلاء إسلام وبث نصيحة

وإعانة الإخوان والأخدان

وقال:

أدر كاس البشارة يا نديم

فقد رضى الإمام على الخديم

وقابله بإقبال ورفق

وعاتبه معاتبة الكريم

علمت بأننى عبد لمولى

سما بالفضل والصدر السليم

يعود على الجناة بفضل حلم

إذا صدقوا ويعفو عن المظلوم

أضعت الحزم من جهلى فأغضى

وأدبنى بتأديب كريم

درى إنى سبيل رضاه أقفو

فعلمنى وناهيك من عليم

فلم يهمل لحسن العهد أمرى

وأجرانى على العهد القديم

ولولا فضله ما كنت شيئا

ولكنى انتسبت إلى عظيم

ص: 269

إذا ظفرت يدى برضاه عنى

حصلت على الكرامة والنعيم

وإن آنست منه وحاش غيرا

يلملنى مململة السليم

أدام الله رفعته وولى

كرامته على النهج القويم

وأسأله رضاه في رضاه

وفوراً بالنجاة من الأليم

بجاه جده المختار من قد

حبا الرحمن بالخلق العظيم

سلام الله والصلوات تترا

على علياه من رب رحيم

وآل والصحاب ومن تلاهم

على نهج الصراط المستقيم

وقوله متغزلاً:

حوراء لو نظرت إلى صم الصفا

عادت كثيبًا باللحاظ مهيلاً

ولو انتمت يومًا لعزة حسنها

لا ترتضى غير النجوم قبيلاً

وقال:

من لى بأهيف أحوى الطرف أحوره

ممزق الود حلو الوعد كاذبه

بدر ولكن قلبى من مطالعه

ظبى ولكن فؤادى من ملاعبه

رفعت راية حبى إذ خفضت له

قدرى فجاد بجرى عن نواصبه

لو لم يكن مفرداً في الحسن ما كتبت

يد العذار سطورا حول شاربه

لو لم يكن حبه قد حل في خلدى

ما بت ليلى أرعى في كواكبه

أقول للنفس إذ لج الغرام بها

أما ترين الجوى الذى كواك به

وقال:

أحب القدود الهيف والأعين النجلا

وأهوى الثغور البيض والساعد العبلا

ص: 270

وأهفو لذات الردف والعطف إن مشت

تحمل ضعف الخصر من عظم ثقلا

فيا رب نعمنى بإدراك غادة

فإنك يا مولاى عودتنى الفضلا

وقال:

وافت تجر من الدلال ذيولا

ومن الهوى تجرى إلى خيولا

هيفاء تخطر في برود شبابها

فتزيد نظرتها المحب ذبولا

وتهز مرط قوام قد مثمر

بدرا كسا بدر السماء أفولا

وقال:

سل الرواة عن نفثات شعرى

فكم أبرأن من قلب سقيم

وكم أظهرن جودا من بخيل

وكم أولدن من بكر عقيم

فإن الشعر في التحقيق سحر

كما قد جاء في الأثر الكريم

ولى في نظمه القدم المعلى

وأسرار تغيب عن العليم

فأنظم حين أنظم رائعات

تفوق الدر في العقد النظيم

وأرفع بالمديح مقام قوم

وإن كانوا ذوى أصل لئيم

وأخمل بالهجاء منار قوم

وإن كانوا ذوى قدر عظيم

ولى قلم به بأس شديد

يثلم حده حد الصريم

يلين بالبلاغة كل قاس

ويسحر بالبيان لهى الصريم

ويترك ضربه الأقران صرعى

لدى الميدان بالضرب القويم

نثره: من ذلك في ظهير شريف، علوى منيف، أصدره السلطان مولاى عبد الرحمن لولده ولى عهده سيدى محمد معلمًا له بما أتاح له المولى من الفتح

ص: 271

والظفر بمردة قبيلة زمور الشلح في واقعة سنة تسع بتقديم المثناة على السين وخمسين ومائتين وألف، تلك الواقعة التي فات منهم فيها الأحزاب، وتقطعت بهم الأسباب: "ولدنا الأرضى الابن الأرشد، سيدى محمد أصلحك الله وسلام عليك ورحمة الله تعالى وبركاته.

وبعد: فقد كنا أردنا الإبقاء على قبيلة زمور رحمة وإشفاقًا، وحملهم على الاستقامة بالإرهاب من الشدة في بعض الأمور هداية وإرفاقاً، فلم يرد الله بهم خيرا لفساد نيتهم، وخبث طويتهم، واتكالهم على حولهم وقوتهم، فما رأوا منا ميلاً وسداداً، إلا ازدادوا شدة وفساداً، ولا أظهرنا لهم عظة وإرشادا، إلا أظهروا تطاولاً وعنادا، وما أخرنا المحلة المنصورة عن الركوب إليهم إبقاء وإلفا، إلا ظنوا ذلك عجزاً وضعفًا، قد طمس الإعجاب منهم بصرا وسمعا. ولم يروا أن الله قد أهلك من قبلهم من القرون من هو أشد منهم قوة وأكثر جمعًا:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضر كوضع السيف في موضع الندا

فلما رأينا لجاجهم وعماهم، وعدم رجوعهم عن هواهم، وأنهم لم يعتبروا بجلائهم عن بلادهم، ولا بما أصابهم من الفتنة في أنفسهم وأولادهم، ولم يرعوا ما نهب من زرعهم القائم والحصيد، ولا ما استخرج من مخزونهم الكثير العتيد، رأينا قتالهم شرعًا، وجهادهم ذبا عن الدين ودفعا، فاعتمدنا على حول الله وقوته وأمرنا بالزيادة عليهم في الأخذ والتضييق، والمبالغة في النهب والتحريق، وتركهم محصورين في أوعارهم، ومقهورين في أوكارهم، إِذْ رُبَّ مطاولة؛ أبلغ من مصاولة، فتوالت عليهم الغارات، وتتابعت عليهم النكبات، لا يجدون إلى الراحة سبيلاً، أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً، ففى كل يوم تثمر العوالى رءوس

ص: 272

رؤسائهم، وتختطف أيدى المنايا أهل بأسائهم، وكلما زادوهم إقبالا وطلبًا، ازدادوا توغلاً في الجبال هربا. حتى نهكتهم الحرب، وضرستهم موالاة الطعن والضرب، وضاع بالحصار الكسب والمال، ولحق الضرر الأولاد والعيال، فجعلوا يرحلون لقبائل جوارهم، طالبين لحلفهم وجوارهم، وبلغ البؤس فيهم غايته، وأظهر الله فيهم آيته.

وهم في خلال هذا كل حين يتشفعون، ويتذللون في قبول توبتهم ويتضرعون، ونحن نظهر لهم التمنع والإباية لنبنى أمرهم على أساس الجد، ونجازيهم على ما ارتكبوه من خلف الوعد، فلما أنجزت القهرية فيهم وعدها، وبلغت العقوبة فيهم حدها، قابلنا إساءتهم بالإحسان، ورعينا فيهم وجه المساكين والنساء والصبيان، فولينا عليهم منهم ثلاثة عمال، ووظفنا عليهم خمسين ألف مثقال، وشرطنا عليهم تقويم مائتين من الحراك مثل قبائل الطاعة، والتزام الصلاح والخدمة جهد الاستطاعة، فقاموا بذلك أحسن قيام، وأعطوا المراهين في أداء المال بعد أيام، وكان أخذهم بعد تقديم الأعذار، وتكرير الإنذار، وعفونا عنهم عفو غلب واقتداء، ورب عقاب أنتج حسن طاعة، وتوبة نصوح تداركت ما سلف من التفريط والإضاعة، وفى الناس من لا يصلح إلا مع التشديد، وربك يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد:

وما عن رضا منها عطية أسلمت

ولكنها قد قادها للهدى القهر

أردنا بها الإبقاء فازداد عجبها

وأد بها التشديد والفتك والأسر

ولو قيدوا النعمة بالشكر لأمنوا الزوال، وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال، والسلام فاتح رجب الفرد الحرام عام تسعة وخمسين ومائتين وألف".

وقوله في مقامة:

ص: 273

"الحمد لله. حدثنا فتح بن سلامة، عن نصر بن كرامة، قال: ألحفنى السعد ببرده، وأتحفنى بحلو عيشه وبرده، وبوأنى من حمى الخلافة العلوية العلية ظلالا، وأعلق كفى في خدمة الحضرة المولوية العبد الرحمانية حبالا، في دولة علوية أعلى العلا أعلامها، وحمى الإله حماها، عقد السعود على التناصر عقدها وذمامها، واليمن قد واخاها، فبلغت بطلعتها أمنها ومرامها، وتوصلت لمناها، وبنى الأئمة من قريش مجدها ومقامها بين الورى وعلاها، حموا الشريعة بالسيوف وأوضحوا أعلامها وتنوروا بسناها، فكنت منتظمًا في سلك كتابها، ومعهود في خدمة أعتابها، وصحبت ركاب مولانا العلى العلوى، وجيشه المنصور المولوى، في إحدى قدماته من الحوز، في سفر أسفر طالعه عن وجه الظفر والفوز:

في عسكر ملأ القلوب مهابة

والأرض خيلا بالعوارف يفهق

للفتح والتمكن فيه دلائل

وعليه ألوية السعادة تخفق

نهض لها أيده الله غرة ذى الحجة متم عام ناشر، والسعد لمعهود العنانة ناضر، والرعب يقدم جنوده، والسعد ينشر ألويته وبنوده، والنصر تحت ظلال أعلامه، وحفظ الله من خلفه وأمامه:

والدهر معتدل الآناء مقتبل

والشمس حلت ببرج السعد والشرف

ومطارف السندس بالآفاق قد نشرت، وجنود النور حشدت ألوانها وحشرت:

والأرض تجلى عروسًا في ملابسها

وشت حلاها يد الأنواء بالزهر

والنسيم قد عطر بنشره الأودية، وغازل الأغصان فنازعها المطارف والأردية، وجر ذيل دلالة في الآكام والأودية.

والريح تلطم أرداف الربى

مرحا وتلثم أوجه الأزهار

ص: 274

ومنابر الأغصان قد قامت بها

خطباء مفصحة من الأطيار

وألسن الحال تهدى إلى التفكير في مصنوعات الله وترشد، وكأنها تتمثل بقول أبى نواس وتنشد:

تأمل في نبات الأرض وانظر

بدائع ما بها صنع المليك

عيون من لجين شاخصات

على أطرافها الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات

بأن الله ليس له شريك

والناظر الأديب المتأمل، ينشد قول المجنس الممثل:

إن هذا الربيع شئ عجيب

تضحك الأرض من بكاء السماء

ذهب حيث ما ذهبنا ودرٌّ

حيث درنا وفضة في الفضاء

والجيش المنصور بحر متلاطم الأمواج، يسير فيملأ الفضاء ويغص الفجاج، ويقيم فيكون هالة على بدر سعود وشرف، وسور حفظ لا يعرف له طرف، قد رصت صفوفه، وتعددت ألوفه، وتنوعت أجناسه وصنوفه:

من كل أبيض قد تقلد أبيضا

عضبا وأسمر قد تقلد أسمرا

والخيل تمرح في أعنتها، وتمضى في الخيلاء على سنتها، قد خليت من الأسلحة بما راق وراع، وأعجز وصفه ألسن اللسن وأهله اليراع:

مؤصلة من ذى العقال وداحس

وآل الوجيه والنعامة والخيفا

فمن أشهب لبس النور رداء، وسابق البرق عداء:

فكأنه في حليه وسلاحه

صبح تقلد حلية الجوزاء

ومن أدهم خلع الليل عليه إهابه، وأثبت بين عينيه شهابه:

فكأنما لطم الصباح جبينه

فاقتص منه فخاض في أحشائه

ص: 275

واحمر فأما وصفه فمطهم عتيق، وأما لونه فعقيق، واصفر كأنما صيغ من ذهب، أو خلق من لهب:

ألقى الأصيل عليه من نضارته

غلالة وشت الظلما حواشيها

ومن أزرق قد تسربل حلة السماء وتحلى بالنجوم، أو رام استراق السمع فرمته بشهب الرجوم:

عطايا أمير المؤمنين وبره

بأجناده والبر بالجند يحمد

مليك حليفاه التوكل والرضا

وأوصافه علم وحلم وسؤدد

يصاحبه أمن ويمن ورحمة

ويعضده فتح ونصر مجدد

فتى المجد أما هديه فموفق

رشيد وأما رأيه فمسدد

به الدين سام والشريعة غضة

تروق وركن المجد عال مشيد

وإن له في مقعد الحكم حكمة

يحل بها في الله طورا ويعقد

فلا زال محمود المساعى مؤيداً

يغور ثناه في البلاد وينجد

فسرنا تحت ظلال العدل والأمن، نستجلى كل حين من غرته الميمونة طالع الفتح واليمن، ونرفل في أردية المعالى الضافية، ونكرع في بحار الجود الصافية، ونتمسك من النجح بالعهود الوافية، ونرتع في روض الأمانى والعافية:

وقد بدت لنا وجوه الهدى

مسفرة ولاح نور الفلاح

فلما خيمنا بشاطئ وادى العبيد، قابلنا بوجه الجبار العنيد، وأبدى من مده آية الإعجاز، وقال بلسان حاله لا مجاز لا مجاز، واستعان من ثلج الجبال بالمذاب، فأرانا بحراً طامى العباب:

نهر يريك السهم سرعة جريه

والبحر عمقًا والشفير سعيراً

ص: 276

فليسلم النفس المريد عبوره

إن لم يكن لطف الإله ظهيرًا

فأحجم عن عبوره القوم، واستبشر بالزبون العارف بالسباحة والعوم، وبات الناس في الآراء يترددون، ولقصص الناجين والغرقى يعدون، وقصارى أمنية كل واحد عبور ذلك الصراط، والانتظام في سلك الناجين والانخراط، حتى أنشد بعضهم واستحسن، وتمنى ما تمنى الحسن:

ألا ليت شعرى هل أبيتن (1) ليلة

بسهب الثنين أو بسهب بنى ورا

وهل تعبرن نهر العبيد ركائبى

وهل أتركن دايا وأدواءها ورا

فلما تبلج أدهم الليل عن أشهب الصباح، وحيعل الداعى بحي على الفلاح، وتولت نجوم الليل تقفو إثره، وغدت سيوف ذكاء تخرق ستره، وأدى الناس النفل والفرض، وأشرقت بنور ريها الأرض.

ولاحت لنا شمس النهار كغادة

بدا حاجب منها وضنت بحاجب

صدر الإذن المولوى بالعبور، وقدم له الصبور فالصبور، وجعل فاتحة ذلك نجله الأسعد، وفرعه الأنجب الأصعد، سيدنا ومولانا محمد، تفاؤلا لتستحسن العاقبة وتحمد، وكان قد تقدم الأمر المطاع بإعداد المعادى، للإعانة على عبور ذلك العدو العادى، فلم يكن إلا أن عبر الأول مكتفيًا بالمختصر عن المطول، وظهر من لطف الله وسعادة مولانا ما عليه المعول، وحمد الناس الله على ما سهل من ذلك وخول، وتتابع العبور على الريح والأعواد. مع سلامة الأنفس والأرواد. وشاهد الناس لجيش مولانا المنحمى، شبه ما ظهر من الكرامة لعبد الله بن الحضرمى، ولا غرو أن يعطى التابع حكم المتبوع، ويظهر للعيان حقيقة ما هو مروى ومسموع، ولله قوم يسعدهم ويسعد بهم، ويظهر عنايته على من تعلق بسببهم.

(1) تحرف في المطبوع إلى: "أبين" وهو غير صحيح عروضيّا، والبيتان من بحر الطويل.

ص: 277

وإذا السعادة أحرستك عيونها

نم فالمخاوف كلهن أمان

واصطد بها العنقاء فهى حبالة

واقتد بها الجوزاء فهى عنان

ولما خيمت الجموع بالعدوة الأخرى، ورأوا السلامة غنيمة وذخرا، وعاين الناس ما تعودوه مع أمير المؤمنين من النجاة والصعود، والفوز المشهور المشهود، والتيسير المعلوم المعهود، هنأ بالسلامة بعضهم بعضًا، وجعلوا ذلك بينهم سنة وفرضًا، فلا تلقى غير حامد وشاكر، ومقر بنعم الله ذاكر، واتسع لديهم المجال، في الروية والارتجال، فمن ناظم وناثر، ومقصر ومكاثر. ومن قائل:

أرى نهر العبيد غدا عنيدا

يعاملنا بجور واشتطاط

عبرناه على خطر وخوف

على غير اختيار واحتياط

وذلَّله الإله لنا فسرنا

من الريح المسخر في بساط

يهنئ بالعبور البعض بعضا

كأنا قد عبرنا على الصراط

ومن متمثل في عبور الوادى. على المعادى:

لئن كنا ركبناها ضلالا

فيا لله إنا تائبونا

فأخرجنا عن المرغوب منها

فإن عدنا فإنا ظالمونا

ومن منشد، وإلى لطف الله مرشد:

عبرت نهر العبيد قهرا

على بساط من الهواء

ولما حمد الناس الإيراد والإصدار، واستقرت بهم بعد العبور الدار، وشكروا على فضل الله إمامهم، وجعلوا القبيلة التادلية أمامهم، وذكروا معاهد البلد ورجالها، وأطالت الألسن في ذلك مجالها، وأوضحوا بذكر كراماتهم غرر السيادة وأحجالها، فقام زعيمهم، فقال: يا قوم إن الشعر ديوان العرب، ووسيلة لقضاء

ص: 278

الأرب، ومفتاح لكنوز الأسرار، ووصلة إلى عطف الأبرار، وحلية للفضلاء والأحرار، تنفعل النفوس الكريمة لنشيده، وتعنو الهمم العلية لبديعه ومشيده، وترتاح إليه الطباع العربية، وتهتز له النفوس الأبية، فتستجلب الأرباح بتقليد أعلاق فريده، وتستحلب أخلاف الفضل بحديثه الغض وجريده:

فكم شفع القريض فنال سعدا

وقرب للسيادة من قصى

وكم أغنى أخا فقر وأقنى

وكم أعلى أخا قدر دنى

وحسبك آية إكرام كعب

وما قد نال من عطف النبى

فهل فتى منكم يورى في مدحهم زنده، وينفق على أخوته مما عنده، ويجلب للجميع ببديع الاستلطاف، ورفيع الاستعطاف، ما تفيض به أبحر المواهب، وتستجلى به وجوه المذاهب. فقال أحدهم أجل، وقام وارتجل:

أرجال تادلة إليكم عزمتى

تسمو وعطفكم الذخيرة والسنا

أنزلت رحلى في حمى عرصاتكم

فعلى الكرام لضيفهم نيل المنى

فتعطفوا لنزيلكم وتلطفوا

ونداكم يقضى بإدراك الغنى

فقالوا لقد دعوت منهم مجيبًا، وسترى من سر الله عجيبًا، غير أنك اقتصرت واختصرت، وقصرت لما اهتصرت، فهلا آثرت من نحن جميعًا تحت ظلاله الوارفة، وخصصت من ملكنا بفضله تالد المجد وطارفه، واستجلبت فإن المولى، أحق بالأثرة وأولى، مع أن نواله للبرية شامل، وأفضل ما به يدين الإنسان الله ويعامل، وقد أفصح عن ذلك وأعرب، أثر الدعاء إذا كان أعم كان إلى الإجابة أقرب، فأنشد فتى وما روى، وأنقع غلة السامعين وروى:

ص: 279

أرجال تادلة الأكا

رم أنتم خير الرجال

وإليكم تنمى العوا

رف والمعارف والمعال

ولديكم يرجو المؤمـ

ل عطف أرباب الكمال

هذا أمير المؤمنيـ

ـن بحيكم حط الرحال

متفيئا من ظلكم

وعلاكم ضافى الظلال

وقراه نيل العطف من

كم والقبول والوصال

راج منكم فتحا ونصـ

راً ظاهرين بلا قتال

وصلاح أحوال الرعـ

ـية في مقام وارتحال

ومنال تيسير المقا

صد كلها في كل حال

فلأنتم أسمى الوسا

ئل في السؤال والابتهال

ولأنتم الحصن الحصيـ

ـن إذا طغا خطب وهال

ولأنتم العضد القو

ية والقواضب والنبال

وحماكم الحرم الأميـ

ن لذى اعتلاء واعتلال

ما أمكم متوسل

بعلاكم إلا ونال

كلا ولا انتصر امرؤ

بجنابكم إلا وصال

فلتقبلوا ولتقبلوا

بالفضل يا أهل لكمال

إلى أن قال: فلما أكمل الإنشاد، وأشاد من المفاخر ما أشاد، بلغت النفوس مرادها، واستحسنوا ختام المجلس بذكر أهل الفضل والنسك، واستنشقوا مسك ختامه وكان ختامه مسك".

ص: 280