الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشواقى، حتى أشاهد أنوار هاتيك الأخلاق الزكية، وأنتشق من أزهارها الذكية، فأشير على من مملوك مولانا بما حاصله أن تقدم الاستئذان على الوفادة، من أجل ما يتحلى به أدب المرء من السنن المستفادة.
ثم مع ذلك فالجوارح ناطقة بشكر ما لمولانا من جزيل الأيادى، والجوانح معترفة بعظيم نعمه التي عمت الحواضر والبوادى، والرعية معتكفة على حب أميرها، لاهجة بجميل الذكر على لسان صغيرها وكبيرها، والخصب ببركة مولانا قد أغنى وأقنى رفده، وجاد على الأعجم والناطق بما ملكت يده.
وهذه الحضرة المشرفة بعناية مولانا إذ جعلها من ذماره، واصطفاها لقربه وجواره، وشنفها من بديع الفراديس ورفيع القباب، ما لو رآه الإسكندر الأكبر لاعترف بأنه العجب العجاب، قد حليت من المحاسن بمنتهاها، أسعدها الإسعاف بنيل أرفع مشتهاها، والعلوم قد تدفقت بها أنهارها، وتفتقت على أوج التحصيل أزهارها، والأكف مرتفعة لمولانا بصالح الأدعية، والألسنة معربة بما لمولانا من عظيم الحق في المجالس والأندية، إذ هو حفظه الله رفع للعلم مناره، وبوأه قراره، وأحيا معالمه الدواثر، وألزم نصره الله نشر ما حوته الدفاتر، فله المنة بدءا وعودا وجميل الثناء والشكر على ما أولى وأسدى".
وفاته: توفى بمكناسة الزيتون زوال يوم الجمعة ثامن أو سابع شوال عام عشرين ومائة وألف عن أربع وثمانين فيم قيل، ودفن عند العصر بضريح ولى الله المولى عبد الله بن حمد خارج باب البرادعيين أحد أبواب المدينة، وقبره هناك مشهور.
243 - محمد بن عبد الرحمن بن محمد فتحا
.
الفاسى لقبا، الشاوى المعزاوى أصلا، المكناسى نشأة ودارا وقرارا.
حاله: ميقاتى فاضل معدل، حيسوبى ماهر، انتهت إليه رياسة التوقيت والتعديل وما يتعلق بذلك في زمانه، مع سمت حسن، ودين متين، فقيه أديب، لبيب زكى ذكى، كاتب بارع، ذو أخلاق مرضية، وأفعال سنية سنية، نزيه وجيه حيى أريحى مهذب، له اليد الطولى في الإنشاء والترسيل بديع الخط، رحل لفاس. ولازم فطاحل جلة أعلام مشايخها حتى فتحت له النجابة بابها وأدخلته المهارة حجابها، فرجع لمسقط رأسه مملوء الجراب آية في الفهم والإدراك لا يجارى ولا يبارى، فتولى رياسة التوقيت بالمسجد الأعظم بالحضرة المكناسية قبل وفاة والده إمام الفن المرجوع إليه فيه على عهد سيدنا الجد السلطان مولانا إسماعيل قدس الله روحه، وكانت توليته الوظيف المذكور عام ثمانية وعشرين ومائة وألف، وكان السلطان المذكور يجله ويبجله، وقفت على ظهير بإسناد الوظيف المذكور إليه ودونك نصه:
"الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، عن أمر عبد الله المتوكل على الله، المفوض جميع أمره إلى مولاه أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، الشريف الحسنى إسماعيل بن الشريف الحسنى الله وليه أيد الله بعزيز نصره أوامره، وظفر جنوده وعساكره، وخلد في الصالحات مآثره.
يستقر بعون الله تعالى هذا الظهير المبارك بيد حامله المتمسك بالله ثم به الفقيه الوجيه، المعزاوى النزيه، الموقت المعدل السيد محمد بن عبد الرحمن الفاسى لقبا المكناسى دارا الشاوى أصلا، يتعرف منه أننا حيث ثبت لدينا بتعريف من وثقنا بتعريفه الإمامة والعدالة والمعرفة والتوقيت وأحكامه وآلاته، وليناه خطة التوقيت بالمستودع من الجامع الكبير من حضرتنا العالية بالله، ومباشرة آلة التوقيت ليلا ونهارا، مواظبا على ذلك، ملازما لمحله وشغله منقطعا إليه دون معارض له ولا
منازع وأذنا له في قبض ما هو حبس على التوقيت بالمحل المذكور من الرباع وبلاد الحرث وغير ذلك.
وكذلك أذنا له ووليناه الأذان في الصومعة وإقامة الصلاة ورواية الحديث الكريم على الكرسى يوم الجمعة موقرا محترما في جميع أحواله، وكذلك وقرنا والده الخير الدين السيد عبد الرحمن المذكور وأولاده العربى ومحمد توقيرا تاما لانتسابهم لهذا الوظيف الدينى وخدمة بيت الله الذى هو أشرف البيوت وأرفعها، والواقف على هذا المسطور الكريم يعمل به ولابد والسلام، وكتب في التاسع والعشرين من ذى الحجة الحرام مكمل ثمانية وعشرين ومائة وألف".
فانظر اعتناء واعتبار أسلافنا المتقين، لإقامة شعائر الدين، واحتياطهم جهدهم وطاقتهم في انتخاب من يرشحونه للقيام بذلك وبسطهم يد التصرف في الأوقاف المعينة لذلك الوظيف وقوفا مع ألفاظ المحبس التي يجب اتباعها شرعا وتحرم مخالفتها لتنزيله منزلة ألفاظ الشارع.
مشيخته: أخذ عن سيدى محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى، وسيدى العربي بن عبد السلام بن إبراهيم الدكالى وسيدى محمد بن أحمد بن الحاج وسيدى العربي بن عبد السلام الفاسى، والسيد عبد الواحد بن محمد بن هارون، أجازه عامة في الفنون التوقيتية والتعديلية وما ينضم إليها الأول والرابع والخامس، وشهد له بالمهارة والاستحقاق غيرهم.
ودونك نصوص ما كتبوه له على الترتيب ومن خطوطهم نقلت، كما ذلك إثر تقريره الإجازة منهم وسيمر بك بحول الله:
الحمد لله، ما قاله الشاب الأرضى الأزكى الأحظى، الفقيه الأديب الفاهم اللبيب، أبو عبد الله المذكور صحيح وقد أجزته في ذلك وغيره من التآليف
التوقيتية والآلات الفلكية، والله سبحانه يوفقنا وإياه، لما يحبه ويرضاه، بمنه وكرمه، نسأل من المجار المذكور ألا ينسانى من صالح دعائه.
وكتب عبيد الله وخديم أوليائه، محمد بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسى الكنانى غفر الله له وستر عيبه صح في التاريخ أعلاه. هـ.
الحمد لله الذى جعل في السماء بروجا وجعل الشمس سراجا والقمر نورا، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وفرض فيها للدين أوقاتا شرعية رحمة منه وبرورا، ونصب لمعرفتها دلائل أشرقت بيانا وظهورا، والصلاة والسلام على مولانا محمد المنتقى للرسالة قبل أن يكون آدم خلقا مذكورا، المبعوث لإقامة دين الحق فكان به مؤيدا منصورا، والرضى عن أصحابه الذين كان سعيهم مشكورا.
هذا وقد وقفت على ما سطره أعلاه الفقيه الأجل، العالم الأفضل، المعظم المبجل الأحفل، شيخ العلوم العقلية والنقلية، والمتفنن في حقائق ودقائق صوفية وشرعية وحكمية، وفرع دوحة تدلت بالعلم أفنانها، وفرع شجرة أظلت الكرام أغصانها، وبيت كرع الأعلام من مناهله، واغترفوا من سيب تياره ونائله.
شيخنا أبو عبد الله سيدى محمد بن شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، البحر الذى طما تياره، واستوى في البلاغة نظامه ونثاره، محلى أجياد المعانى بمنتقى جواهره، ومورق أفنان البلاغة بمونق أزهاره، الذى درس العلوم وألفها، وقرط المسامع بحلى فوائده وشنفها، ونظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وحاك ديباج البراءة وفوف، وقوم أود البيان وثقف، أبو زيد سيدنا ومولانا عبد الرحمن نجل الفضلاء الأعلام، أئمة الهدى ومصابيح الظلام، السادات الفاسيون دارا لقبا، الكنانيون أصلا ومنتسبا، أفاض الله تعالى علينا من بركتهم، وحشرنا في زمرتهم آمين.
من إجازته للشاب الفقيه النبيه الأزكى الأحظى الموقت الأديب الزكى المرتضى سيدى محمد بن الفقيه المؤقت العفيف النزيه الخير ذى الأخلاق الزكية، والأحوال المرضية، سيدى عبد الرحمن الفاسى لقبا المكناسى دارا وقرارا في التآليف التوقيتية والآلات الفلكية، فإنه لجدير بأن يجار في ذلك، وأحق بأن يؤذن له في سلوك تلك المسالك، لحذاقته ونبله، وقوة إدراكه، وصفاء مرآة ذهنه وعقله، وولوعه بحصول هذا الفن وتحصيله وعكوفه على طلبه بكرة الزمان وأصيله.
وأخذه عن ذويه وخصوصا ما أحرز وحازه عن الشيخ العارف أعلاه فإنه القدوة في ذلك المشهور، وعلم الفلك في هذا العصر عليه مقصور، وهو قطبه الذى عليه يدور، فقد صادفت إجازته صوب الصواب، وكشفت عن وجوه الحق اللئام والنقاب، سيما وهو قد انتصب بالفعل لمباشرة الأوقات، بالحساب والآلات، ومارس أدوارها الفلكية بالأدراج والساعات، وظهرت في ذلك نجابته، وتحققت فيه موافقته للصواب وإصابته، وصدق فيه مقاله، وصح فيه حسابه وأعماله، في ليله ويومه، وصحوه وغيمه، منذ مدة مديدة وأزمان، وليس الخبر كالعيان، والله تعالى يوفقه ويمده بمدده، ويعينه على ما هو بصدده، وكتب الفقير إلى رحمة مولاه الكريم محمد العربي بن عبد السلام بن إبراهيم الدكالى كان الله له وليا وبه حفيا آمين. انتهى.
الحمد لله المجاز المذكور، بما هو مكتتب ومسطور، أولا وآخرا حرى بحلاه، وما نظم ورقم أعلاه، إلى ما جمعه من لآلئ ويواقيت، وصار به فذا في المواقيت، نشأة سنية، وسيرة سنية، والله جل جلاله ينفعنا وإياه، ويديم رقيه وبغياه، وكتب طالبا دعاءه، وملبيا نداءه، ومتلمسا من مولاه ذى الطول، يوم الحر والهول، ظله ورداءه، محمد بن أحمد بن الحاج وفقه الله بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وذريته الأكرمين. انتهى.
الحمد لله وكاتبه الواضع اسمه عقب تاريخه أحق بإجازة المجاز أعلاه، لمهارته في فن التوقيت وغيره، ولا أعلم أن في بلاده أفضل منه في فنه، ولا في بلادنا هذا، وكتب عبيد الله تعالى العربي بن عبد السلام الفاسى، كان الله له وليا ونصيرا بمنه. انتهى.
الحمد لله ما كتبه شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، أدام الله الانتفاع به آمين، من إجازته للفقيه الأديب، العدل النجيب، أبى عبد الله بن الماجد الأنجد، العدل الأرضى الأسعد، سيدى عبد الرحمن الفاسى المذكور أعلاه، هو كما قال وهو عين الحق والصواب، لأن المجاز وفقه الله وأسعده ممن له في ميدان التحقيق والدراية جريان، فلا مرية أنه أهل لذلك أدام الله توفيقه، وله اليد الطولى والحمد لله في فن الحساب والتوقيت وسائر تعلقاته الفلكية، وآلاته الشعاعية، وله علم ومعرفة بفن التعديل، وقد أجزناه في ذلك كله كما أجازه شيخنا المذكور ونسأله أن لا ينسانا من دعائه الصالح، وكتب عبيد الله تعالى العياشي بن إبراهيم الخلطى الزرهونى وفقه الله بمنه آمين. انتهى
الحمد لله المجاز المذكور أعلاه، الموصوف بما واصفه به قد حلاه، وهو الفقيه النجيب، الفاضل اللبيب، أبو عبد الله سيدى محمد بن الفقيه النبيه، المرابط النزيه، أبى زيد سيدى عبد الرحمن الفاسى حقيق والحمد لله بالإجازة، لما قام به من التحقيق في علم المواقيت وحازه، وقد أجزته لما سبق له من القراءة من كتب الفن، وإن كنت لست ممن سلك تلك المسالك، كما أجازه شيخنا الإمام، الأوحد الهمام، سيدنا وسندنا أبو عبد الله سيدى محمد بن شيخنا العلامة المشارك الدراكة إمام عصره، وعلامة دهره، أبى زيد سيدى عبد الرحمن الفاسى والله يوفقنا وإياه، لما فيه رضاه، بجاه نبينا ومولانا محمد وآله، وفى الحادى والعشرين من ربيع النبوى، عام ثلاثة وعشرين ومائة وألف.
وكتب عبيد ربه المعترف بذنبه الراجى عفو ربه عبد الواحد بن محمد بن هارون. انتهى.
نثره: من ذلك تقرير إجارة لفظها بعد البسملة والصلاة:
الحمد لله الذى رفع بعلم ما أودع من أسرار، ونفع بما نزع من قلوب المعتدين الأشرار، وأمتع لمن برع بما كشف عنه لأهله الأستار، فصاع بما أبدع مما لا تدركه العقول والأفكار، ورصع بما جمع القلوب بالسبر والمسبار، نحمده سبحانه على ما أبرز من نعمه وحجز من إثمه، وتجاوز عمن طلب الإجازة عن ذنوبه واجتزم من ظلمه، وأنعم على من أكرم بحسن الإنعام، فوفقهم لتعديل الأحكام ففازوا بالحياة والمكاسب، وحازوا بعد الانتقال حسن العواقب، فطوبى لمن صدق برسله ووعده، وتبا لمن عبد الشيطان وحكم بنده، فذلك الذى ضيع دنياه، وفاته مناه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص عبادته وعلمه، ووحده في ملكه وشهد بأن الملوك خدمة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذى أرسله بالهدى فيسر منهجه القويم بالموافق، وأصلح بيسارته الإصلاح الفائق، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الشموس المضيئة مع الأقمار، كل بنوبته في روضة الأزهار، الذين تبعوا سنة المختار في الإقبال والإدبار، ففازوا بالأصل الحقيقى والمعدل، وبعد قطرهم عن الميل الثانى والميل الأول، وفضلوا بارتفاع البصر، في أبد الدهر، وحسن النعت، بتعديل السمت، على أن سمت الارتفاع، ظله باع، ومطالع الاستوا، في أفقها استوى، فلله من طالع قوى، ولله من غارب ارتفع صاحبه فكأنه ليس في المغرب ولا هوى، فهناك تود أن المواهب عندها تكمل، وتتلألأ المراتب أبهى من الشموس في الحمل.
هذا وإن للعلم ذروة يتبوأها كل ذى حجا، وهمة يتفيأ ظلالها المتفيئ في النهار وفى الدجى، وإن لذويه لخصيصة راسخة، ومراتب سنية غير رازخة، تأهل
السير إليها حتى لجا، وقد سنى الله لنا زمنا امتن فيه بالمنة التي يجب شكرها أبدا، ويستمر على مر الزمان وحقائب المدى، أن تيسر لى ما جنح إليه البال، وسنح بحسب الحال منه المئال، الذي بحضرة شيخنا الذى افتقرت الكواكب في موضع معرفتها إليه، وتنورت منيراتها قبس يديه، فأصبحت تطيب منه النفوس، وقيل أن لا عطر بعد عروس، فهو محتد الفضائل والهدى، وَمَعَشُّ الاهتدا (1) يبدر وإن بدا. الهمام المتفنن، والجهبذ المتقن، العلامة الدراكة البركة المشارك الفهامة النحرير، أبى عبد الله سيدى محمد بن الإمام الأكبر، العلامة الأشهر، شيخ المعقول والمنقول، الذى له اليد الطولى في الفروع والأصول، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر، أبى زيد سيدى عبد الرحمن نجل الشيخ الإمام، القدوة العارف الهمام، شيخ الجماعة أبى محمد سيدى عبد القادر بن على الفاسى خلد الله مناقب آبائه الحميدة، وأدار فلكه في سمائه السعيدة، فهو الجامع لما تفرق من مهم المهم، والمفرق لما تجمع من أباطيل الجهل الملم، فلله دره جمعا للعلم والفضائل، وتفريقا للجهل ومنكرات الأباطل.
فكم خصلة افترقت في غيره فجمعت عنده، وكم فضلة افتضلها رشحت واردها لما يكفى عن عدة، فمن ثمالته منهل المعاصر، ومن ذبالته ينبلج سنا العلم في المفاكر والمناظر، فإذا شرقت علينا بمشارقه العجيبة، ومفارقه الغريبة الرحيبة، كانت قراءته بغية الطلاب للإمام العلامة أبى عبد الله الحباك أروى فيها بمنهله المدرار وبمناجاته السقرطية ومفاكهته العبقرية يروق المنصف النحرير، ويعنى بها الألهوب (2) والسفسير، بجمع من الشروح، وزيادة وضوح فوضوح، ثم كتاب السيارة، فما آربه أحباره، ورسالتى الربع المجيب والكامل، إلى غير ذلك من المسائل، مما تناولته حين الاقراء إلى هلم جرا.
(1) في هامش المطبوع: "بياض بالأصل".
(2)
الألهوب: اجتهاد الفرس في عدوه حتى يثير الغبار.