الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير هذا لا تفعله، ولعل استدعاء ابن المبارك للإمامة كان عام خمسة وثلاثين ومائة وألف، وهى السنة التي نزل فيها ضيفا على أبى القاسم بن دارا أياما بداره بمكناسة والله أعلم.
وفاته: لا أحفظ الآن تاريخ وفاته بيد أنه توفى بزاوية زرهون وضريحه أعلى سقاية البيبان، حذو باب المعراض عن يمين الطالع هناك لحومة تارجا.
236 - محمد البصرى المكناسى
.
حاله: طاهر السريرة، دين صالح بركة واعظ، إذا وعظ وجلت القلوب وذرفت العيون، ثلثاه غفلة لا يستعمل الأدب مع الملوك، فكان يتمرغ على نمارق المنصور مستندا بين يديه والمنصور يتحمل له ذلك لما يعلم من ديانته وصفاء باطنه.
ذكره القشتالى في مناهل الصفا، وقال في الصفوة: لم أقف على سنة وفاته، وقبره داخل مكناسة شهير هـ.
قلت: لا يعرف له اليوم قبر بل ولا ذكر، وإنما المعروف أبو عبد الله محمد الخطيب بصرى المترجم فيما قبل، وهو غير صاحب الترجمة قطعا كما يعلم بالوقوف على ترجمتيهما.
237 - محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بصرى المكناسى الشيخ المقرئ
.
حاله: فقيه جليل المقدار، جامع لأشتات خصال الفضل والمجد، حامل لراية الإقراء، وخاتمة الحفاظ والقراء، صدر عالم عامل، حافظ للسبع متقن عارف بتجويد القرآن العظيم، حسن الصوت، مجتنب للمحرمات، متوق للشبهات، لا تراه سالكا طريقا إلا وعيناه في الأرض، وإذا لقى امرأة نحى وجهه عنها، وكان ذا كرامات ظاهرة، وإشارات باهرة.
قال تلميذه أبو القاسم بن درة من أجل ما شاهدناه منها -يعنى كراماته- أن بعض الناس كان يحب أن يرومه بشئ يكرهه، فمهما أراد منه ذلك يعطيه الله ما يشغله عنه فيكف عنه إذايته، وقصده بذلك مرارا فلم يظفر به، ونجاه الله منه حتى لقى ربه. قال: ومن أعظم ما رأيت من مكاشفاته أنى جئته يوما فوجدته بداره التي بقرب الجامع من زقاق القرمونى، فقال لى: يا قاسم، ووجهه عبوس، ونظر إلى نظر مغضب، اترك أو فارق عنك كذا وكنت والله مصرا على ما نهانى عنه، فأظهرت له التجلد وتعللت له بعلل فصفح عنى ودعا لي بالهداية، وكان رحمه الله راضيا عنى ودعا لى عند موته بخير فما على إلا فضله وبركته.
سمع السلطان الأعظم مولانا إسماعيل بحسن صوته وجودة تلاوته فأمر بإحضاره ليلة سابع عشرى رمضان، فأم به تلك الليلة وختم القرآن برواية ابن كثير يكبر ويهلل عند ختم كل سورة من آخر والضحى إلى آخر والناس، وأدرج القراءة إلى المفلحون فخلع عليه السلطان دائرة سنية كانت عليه وطلب منه صالح الدعاء انتهى.
وقد حظى المترجم من لدن جناب مولانا الجد السلطان المذكور بإجلال ورعاية وتبجيل، ووصفه بأوصاف عالية في ظهيره الشريف المطاع الأوامر الذى أصدره بالتنويه بقدر بيت المترجم، ونشر ما لسلفه من المجد المؤثل، والحض على إنزالهم منزلتهم، ومقابلتهم بكل تكرمة وإعظام، والتعريف بما له ولسلفه وبنى عمه من الحظوة لديه، والاعتبار والإكبار، وإليك نصه بعد الحمدلة والصلاة:
"عن أمر عبد الله المتوكل على الله، أمير المؤمنين، المجاهد في سبيل رب العالمين، إسماعيل ابن الشريف الحسنى أيد الله أمره، وأعز نصره وخلد في صحف المجد والحمد ذكره، وأشرق في الصالحات شمسه وبدره، يستقر كتابنا هذا أسماه الله بيد حملته أولاد ولى الله تعالى العارف بربه الصالح سيدي بصرى نفع
الله به وأولاد أولاده وحفدته ومن انتمى منهم إليه، وخصوصا الفقيه الأجل السيد محمد بن أحمد بصرى، وبنى عمه وأولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويتعرف منه بحول الله وقوته، وشامل يمنه العميم وبركته.
إننا أسبلنا عليهم جلابيب الإيثار والوقار، وكسوناهم أردية الاحترام ونمارق الإجلال والإكبار، وعاملناهم بما يجب وما يجعل بنظائرهم من السادات الأخيار، ووقرناهم وحررنا جانبهم وأكرمنا مثواهم، وحشيناهم من كل بها يغيض بقدرهم، وأسقطنا عنهم كل مغرم أو تكليف، وسلكناهم مسالك آبائهم وأجدادهم وأسلافهم من قبلهم، وأنعمنا عليهم بمزيد أثرة، وكريم حظوة على ذلك، حيث هم بحمد الله من أولاد هذا الولى العارف المذكور، ومن خيار أهل حضرتنا العلية بالله، ومن لباب اللباب بها ومن أعيانها ومن ذوى الحسب والمروءة والأصالة منها.
ولا سيما وفيهم ومنهم النشأة الطيبة والنخبة الزكية الجامع لأشتات خصال الفضل والمجد حامل راية الإقراء، وخاتمة الحفاظ والقراء، الفقيه الصدر العالم العامل السنى أبو عبد الله السيد محمد بن عبد الرحمن بصرى وابن عمه الأحظى الأجل، الأنوه الفقيه النبيه الأمثل، السيد أحمد بن محمد، فما عندنا أعز منه ومنهم، فنحن منه وهو منا وفينا وإلينا، ومحسوب على الله وعلينا، والعلم والدين والسنة معه تجمعنا، والجهل مع البدعة لغيره يفرقنا والعلم والخلافة إخوان.
وما هو لدينا في نفوسنا الكريمة إلا من أعيان العصر؛ وأعوان النصر؛ والقلوب تتجازى فلا يقرب أحد ساحته وساحة أهله وبنى عمه وأقاربه بما يسوءهم أو يضرهم في نفوسهم أو يشوشهم على أسبابهم ومعاشهم أو أمر من أمور دنياهم في هذا الأوان، ولا فيما يأتى من الأزمان، ما تعاقب الجديدان، واختلف الملوان، وعلى الدوام، وما توالت السنون والأعوام، من غير منازع، ولا معارض ولا مدافع فيما قابلناهم به وحملناهم عليه واختصصناهم به وأردناه لهم وآثرناهم به
عن سواهم، لأننا جربنا الناس وبلوناهم فألفيناهم ليسوا كغيرهم، وكفى بشهادة الناس فيهم والناس شهداء الله في أرضه، وما علمنا في جملة أولاد سيدي بصرى إلا خيرًا وصلاحًا، ونجدة ومروءة وفلاحا، وكيف يجهل قدرهم أو لا تراعى حرمتهم ولا نؤثرهم على من عداهم. فنعهد بمسطورنا الكريم أعزه الله لكل من وقف عليه من أولادنا أو ولاة أمرنا وقوادنا ووصفاننا أن يعتقد فيهم معتقدنا، وأن ينهج فيهم منهجنا حسب الواقف عليه العمل بمقتضاه، ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، صدر به أمرنا المعتز بالله والسلام بتاريخ ربيع النبوى عام اثنى عشر ومائة وألف".
وكان المترجم مع ذلك بارعًا في فنون العربية والتصريف كاتبا بليغا شاعرا مجيدا فقيها محققا فصيح اللسان في الخطبة والتلاوة كثير التواضع ثاقب الذهن كريم الأخلاق حسن اللقاء أمه السيدة آمنة بنت أبى سرحان مسعود بن محمد ولى الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بصرى وأمها السيدة عائشة من حفدة سيدى على منون وأم أبيه السيدة عائشة بنت الفقيه السيد العربى المرينى من ذرية ابن الحنفية.
مشيخته: أخذ القراءات السبع على شيخى التجويد أبى زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد القادر الرايس وأبى الحسن على بن أحمد بن جارية القصرى وأجازاه في القراءات وسلم له جماعة من أئمة عصره ما في الإجازتين، ومن شيوخه أبو عبد الله محمد بن أحمد القسمطينى وأبو العباس أحمد بن العربي بن الحاج وأبى عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسى وأبو مدين السوسى وبردلة وغيرهم.
الآخذون عنه: أخذ عنه من أهل مكناسة والطارئين عليها خلق كثير لا يحصى منهم عبد الوهاب ابن الشيخ وأبو عبد الله محمد العربي بصرى صاحب منحة الجبار.
مؤلفاته: له شرح على مختصر خليل بلغ فيه إلى الزكاة واخترمته المنية ومنظومة في إمالة أبى عمرو ابن العلاء وأخرى أفرد فيها رواية ابن عامر الشامى تسمى المنار السامى.
شعره: من ذلك قوله في منظومة الإمالة:
يقول عبد ربه محمد
…
عرف بالبصرى ربى أحمد
ثم الصلاة والسلام السرمدى
…
على النبي المجتبى محمد
وبعد فالقصد بذا النظام
…
ذكر إمالة الرضى الإمام
أعنى أبا عمر والزكي بن العلا
…
من لاح بالبصرة بدرًا كملا
وقوله في نظم رواية الشامى:
قال محمد بن بصرى وقد
…
نوى افتتاحا باسم ربنا الصمد
مصليا على الرسول المجتبى
…
وآله وتابعيه النجبا
وبعد فالقصد بذا النظام
…
بيان مقرأ الإمام الشامى
ولما أوقف عليه شيخه أبا مدين سماه له بيت رجز بالمنار السامى:
هذا واسميه المنار السامى
…
لمبتغ نهج الإمام الشامى
ومن شعره قوله:
ظعنت وفى نفسى من البين لوعة
…
ونار اشتياقى في الضلوع كما هيا
وجئت بجسم فارغ من فؤاده
…
وربى عليم أين حل فؤاديا
لعمرى لقد خلفته رهن ما اشتهى
…
بأيدى أناس يحسنون التقاضيا
وددت ولم أيئس من إدراكى المنا
…
لو أن إله العرش حل عقاليا