الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشيخته: أخذ عن جلة شيوخ فاس كالشيخ سيدى محمد القسمطينى، والشيخ أبى عبد الله المسناوى وغيرهما.
الآخذون عنه: أخذ عنه كثير من أعيان طلبة فاس وغيرهم.
وفاته: توفى في جمادى الأولى عام اثنين وخمسين ومائة وألف.
250 - محمد أبو عبد الله المكناسى الأصل الفاسى الدار والإقبار
.
حاله: علامة محصل، مصيب في مضمار السبقية مفصل، محرر العلوم ومفيدها، ومجدد شبيبة الفضائل ومعيدها، أحرز قصبة السبق في مضمار التحقيق، وشيد مناره فكان على أصل وثيق، جمع إلى غزارة العلم فصاحة اللسان، وإلى ثبات الجأش وتوقد الذهن براعة البيان، فكان مجلسه لأرباب المحابر نزهة الأفكار، وصيقل القلوب ومنظر الاعتبار، آية الله في خلقه العجيب، ونعمة كبرى على بعيد الناس والقريب، وضع له القبول في الأرض، طولها والعرض، فكان الخاصة والعامة فيه محبون، وببراعته ومحاسنه يلهجون.
ختم بجامع القرويين مختصر الشيخ خليل أوائل العشرة الثامنة من المائة الفارطة، ثم رحل لأداء فريضة الحج، وهو يعطر برياه كل فج، فاتفقت له هنالك نكبة، أعانت عليه ليالى الغربة، وذلك أن صهرا له سرق لكبير القفلة التي اتفق لهما السفر معها حساما مرصعا بياقوت وجوهر، فكان وصفه يستغرب إذ يذكر، وحين ألجأ الحال، إلى البحث عنه بسائر خيام الحاج، ومنها منزل صاحب الترجمة ألقى تحت وسادته دسه هنالك ذلك الصهر الخبيث، ظنا منه أن محل الفقيه المترجم ينزه عن التفتيش لجلالته وعظم مكانته في القلوب، وعدم تطرق التهمة فيه، ولما وقع العثور على الحسام بمحله اغتاظ غيظا شديدا، وتألم ألما مزيدا، ومن ذلك الوقت تردى رداء السقم، ولم يزل عليلا بتلك الغصة حليف العنا، ملازم الضنا، إلى أن قضى نحبه بعد قضاء نسكه رحمه الله وبرد ثراه.
251 -
محمد أبو عبد الله بن أحمد (1) بن الحسن بن أحمد بن محمد اليحمدى.
قال أبو الحسن على بن مصباح الزرويلى: هكذا كنت أراه بخطه أعزه الله في مكاتباته ورسائله، لا يزيد على ذلك. واليحمدى نسبة إلى بنى يحمد القبيلة المعروفة قرب جبال غمارة.
حاله: علامة فاضل نحرير، جهبذ نقاد، لوذعى أديب أريب، كامل مهذب، عارف خبير بصير، مستحضر محاضر بحر زخار في فنون العربية والإنشاء، نشأ ببلده بنى يحمد -بفتح الميم- في حجر الصيانة والعفاف، ولما شب ارتحل لفاس بقصد طلب العلم فأقام به مدة وكان ذكيًا نبيلا عاقلا، نزيها طاهر الشيم، حليته الوقار، ومئزره العفة والفخار، عالى الهمة مجتهد، في اقتناء المعانى وتأثيل المحامد، مبتعد عن السفاسف وكل ما يشين، له ولوع زائد بعلوم الأدب وكل ما يؤدى إلى مكارم الشيم، ولم يزل حميد السيرة محمود السريرة، حتى امتد ذكره وطار في الآفاق صيته، وأقر الخاص والعام بتفوقه وفضله.
ولما اتصل خبره بسيدنا الجد الأكبر السلطان المولى إسماعيل أدناه لحضرته، وأجلسه على منصة وزارته، واصطفاه لمحاضرته وسمره، وجعله مستودع سره ومحل مشورته، وذلك سنة نيف وتسعين وألف، وصار يسميه باسم جده الأعلى أحمد حتى غلب عليه، وصار لا يعرف إلا به، وخصه بأنعم لم يشاركه فيها سواه وعظمه وبجل، ونوه بقدره، وقصر المفاوضة في المهمات عليه، وجعل بيده أزمة
(1) في هامش المطبوع: "توفى أحمد والد المترجم صبيحة الثلاثاء الحادى والعشرين من رجب عام اثنين وثلاثين ومائة وألف شهيدا بالبطن تاليا كتاب الله عز وجل صحيح الذهن والعقل ودفن بزاوية الولى الصالح أبى عثمان سعيد بن أبى بكر المَشَنْزَائى وحضر جنازته الخاصة والعامة وكذا بكناشة ولده المترجم. انتهى مؤلف.
الحل والعقد، حتى إنه لما عقد لوالده المولى المأمون على مراكش ألزمه الذهاب للمترجم لأخذ صك التقليد منه، وأمره بسماع وصيته والعمل بها رغما عليه، والحال أنه يعلم أن ولده المذكور يكره المترجم أشد الكراهة ولم يسمع منه وشايته فيه.
وقلده مفاتيح الخزانة المولوية التي حوت من التصانيف، وجمعت من أنواع الدفاتر وأسماء التآليف، ما لم تحوه خزانة بغداد، ولا علق بحفظ الدانى الأستاذ، وجعله الأمين عليها، بعد أن مدت أعناق شتى إليها، فنسخ أهم ما فيها في صحيفة صدره، وارتسمت علومها في مرآة فكره، فأصبح بحر علم لا يدرك قعره، ولا ينفد ولو كثر السائلون دره، قد تضلع في كل فن بما بهر الألباب، وترك جميع الكتاب وراء الباب، لاسيما في علوم الآداب، فإنه فيها العجب العجاب، له اليد الطولى في معرفة أيام العرب وأشعارها، وآثارها وأخبارها، لا يعزب عنه مثقال حبة من خردل من أمثالها، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا وهو خبير بتفصيلها وإجمالها.
وكان في جيد الدولة الإسماعيلية أفخر قلادة، وأفخم مأوى لأهل الفضل والسيادة، برعت في فن البلاغة أقلامه، وتقدمت في ميادين البراعة أقدامه، وطابت في عرش المعانى البديعية ثمرته، وخفقت في آفاق البيان أجنحته، لو رآه قدامة، لقدمه قدامه، ولو نظر إليه النضر بن شميل، لرآه أبعد عنه من السما وأعز عليه من سهيل، ولو أدركه محمد بن يزيد، لكان له كالتلميذ والمريد، يحمده عبد الحميد، ويعتمد عليه العماد وابن العميد، ولو بدا لشاعر بنى حمدان، أو لبدع همذان، لعداه بالخنصر من حسنات الزمان، وفرسان البلاغة والبيان، ولو فتح عينيه في الفتح بن خاقان، لطار لبه من شدة الخفقان، له الأفلام التي تخضع لكلماتها قامات الرماح، وتذوب منها في أجفانها القواضب الصحاح، استخدمت
الأقاليم ورجالها، وهابت فحول الكلام نضالها ونزالها، فمزنها كل يوم فسام الأوداء، وسم الأعداء هامى، حتى كأنه المعنى بقول التهامى:
وإذا رأس في الأنامل منه
…
قلما واستمد ساء وسرا
قلما دبر الأقاليم حتى
…
قال فيه أهل التناسخ أمرا
يتبع الرمح أمره أن عشريـ
…
ـن ذراعا بالرأى يخدمن شبرا
وبالجملة فترجمة الرجل طويلة الذيل، بعيدة النيل، أفردها عصريه أبو الحسن على بن أحمد بن قاسم مصباح الزرويلي بالتأليف في مجلد ضخم سماه: سنا المهتدى، إلى مفاخر الوزير ابن أبى العباس اليحمدى. ألفه سنة خمسة وعشرين ومائة وألف، حسبما أفصح بذلك عن نفسه في مؤلفه المذكور، وهو من نفائس مكتبتنا الزيدانية ومفاخرها الثمينة.
مشيخته: منهم أبو محمد القادر الفاسى، وأبو العباس أحمد بن حمدان، وأبو عبد الله محمد بن عبد القادر الفاسى ونظراؤهم.
الآخذون عنه: منهم مخدومه السلطان الأكبر مولانا إسماعيل، فقد صرح قدس الله روحه بذلك لولده المأمون المذكور لما قال له في وشايته به إن اليحمدي يزعم أنه هو الذى علمك الدين، إذ قال في جوابه: والله إنه لصادق إن قال ذلك، هو الذى علمنى دينى وعرفني بربى. هـ.
وذلك أكبر دليل وأعظم شاهد على إنصاف هذا السلطان واعترافه بالحق وعدم ميله للنفس الأمارة.
مؤلفاته: منها كناشته الحفيلة المحشوة بكل نادرة وغريبة في مجلدات عشر ضخام، موجودة بتمامها بمكتبتنا، وقد وصف كناشته هذه بعض معاصريه بقوله:
ألف فيه نفائس تبهر العقول، واقتنص من جوها كل عنقاء من مستحسنات النقول، قال: وفيها أقول:
معان من الصنع البديع تصيدها
…
بزاة عقول في سماء من الفكر
تجول مجال الطير فى جو أفقها
…
وتسبح كالحيتان في لجة البحر
فمنها لطيف صيده نحلة
…
ومنها قوى يخطف الصيد كصقر
وله عدة رسائل مختلفة الأوضاع، تشهد له بما منحه من غزارة الاطلاع، أورد منها عصريه مترجمه في سنى المهتدى جملة وافرة تركنا جلبها هنا اختصارا.
ولادته: ولد على رأس الستين بعد الألف ببلده بنى يحمد حسبما صرح بذلك لعصريه مترجمه المذكور.
بعض ما قيل فيه من الأمداح
من ذلك قول أبى الحسن على مصباح المذكور مستشفعا عنده في ابن أخ له وعلى لسانه، وذلك أنه كانت ابنة له تحت ابن أخيه فأحفظها يوما فلحقت بأبيها المترجم، فاشتدت ندامة الزوج على ما صنع، فلما أراد أن يهب إلى صاحب الترجمة في شأن أهله هابه وخاف عقوبته، فكتب إليه هذه القصيدة وارتحل بها إليه، فلما قرأها سرى عنه وأرضاه، ورد عليه روجه راضية مرضية:
ما لى سوى ذا إليك سبيل
…
والذل بين يد الكرام جميل
فاصفح فمنك الصفح يرجى وامحون
…
حقدا جلاه حاسد وعذول
أولست طود الحلم والعفو الذى
…
لو زال هذا الدهر ليس يزول
وإذا دعت همم العلا أبناءها
…
فلانت جد جدودها وسليل
وإذا الطريق طريق كل مزية
…
ضلت فأنت إلى الطريق دليل
وإذا الوزارة قلدت فرشادها الـ
…
ـمتبوع أنت وغيرك التضليل
وإذا انتضيت العزم منك فإنه
…
سيف بأيدى الفاتكين صقيل
وإذا سخطت على الزمان بدا به
…
وجل يهين خطوبه ويديل
وإذا السياسة فاخرت بسراتها
…
فبأصغريك على الكبار تصول
وإذا السماحة ساجلتها أهلها
…
غمرتهم من راحتيك سجول
فلو أصبحت كف الغمام بخيلة
…
سقت البرية من يدك وبول
بالله ياغوث الطريد ويا أبا الـ
…
ـعباس يا من جوده مأمول
هذا ابن صنوك وابن نعمتك الذى
…
هو في أداهم شكرها مكبول
فلقد نزلت وفى اعتقادى أنه
…
ما إن يضام لدى الكرام نزيل
وأنا الذى لو لم تفيدنى اعتزا
…
زًا خامل بين الورى مجهول
لو لم تحى غمامة زهر الربا
…
لأتى عليه تصوح وذبول
ولقد ندمت ندامة الكسعى من
…
فعلى الذى هو فلتة مفعول
وتأوهى وتولهى وتملقى
…
وتواجدى شهدا على عدول
فامدد على من الرضاء سرادقا
…
يجلو الهناء وصدى الفؤاد يزيل
وامنح بفائقة الثريا بعلها
…
قد طال منه بها بكى وعويل
رضها إلى فإن روض مسرتى
…
مذ شح وابل وصلها لمحيل
إنى وحقك تائب توبا نصو
…
حا ليس ينسخ توبتى تنكيل
وأرى أقل حقوقها موتى إذا
…
غضبت على وأمرها مقبول
ولكم علينا يا منى أملى جميـ
…
ـل وافر متكامل وطويل
وقوله جوابا عن رسالة راسله بها المترجم مع صلة سنية وذلك قبل أن يقع بينهما تلاق جثمانى:
يا من بدا في سواد العين إنسانا
…
فوق الثرى لم أرى سواك إنسانا
رمنا تطاول ذلك العلا بتشـ
…
ـييد قباب من الثنا فأعيانا
ما زلت ترقى مقامات الجلال إلى
…
أن فقت في المجد أعيانا فأعيانا
لو حاول الدهر حسبانا لما بلغت
…
علياك باد وما أطاق حسبانا
يا يحمدى قر عينا إذ ظفرت بما
…
أعيت به كف يعرب وقحطانا
أنت البليغ متى تحز شبا قلم
…
أنسيت قسا بما تنشى وسحبانا
فداؤك النفس إذ كاتبتنا فلقد
…
كسوت والله جسما كان عريانا
روت أناملك اللطاف إذ كتبت
…
قلبا لأسجاعها العذاب غرثانا
كنا رماما لأجداث الخمول فها
…
كتابك اليوم بعد الموت أحيانا
أحببتنا عن سماع دون سابقة
…
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
فكم مساو سترت وهي بادية
…
وبالمحاسن كم شنفت آذانا
ولم تذر غير مشغوف بنامقة
…
ولم تدع من بسوء القول آذانا
كذلك الغيث لا يأتى على دمن
…
لم ترو في غابر الأزمان تهتانا
إلا وغادرها تزهو مقلدة
…
درا نفيسا وياقوتا وعقيانا
فها كها كاختلاس الوصل من رشاء
…
غراء راجحة معنى وميزانا
صنع امرئ ليس في التجنيس همته
…
إلا إذا دون ما قصد له جانا
لنا قواف لما نريد قافية
…
لم يعرف الناس إيطانا وأكفانا
وقوله معتذرا عن تأخير المكاتبة، وراجيا سد باب أليم ألم المعاتبة.
لا والذى زان الكواعب بالحور
…
وأجال في وجناتها ماء الخفر
وأسال من كفيك أمطار الندى
…
ما عن قلى غيث الرسائل قد فتر
كلا ولا ملل هفا إعصاره
…
يوما فغار لحره ماء الفكر
لكن نزلت بموطن متبذل
…
لا مبتدا السفراء منه ولا خبر
فلكم طرقت مسار ركبان إلى
…
تلك الديار فما عثرت على بشر
ولكم صبا منكم أثارت صبوتى
…
فتلاطمت أمواج فكرى بالدرر
فنظمتها نظم الخريدة عقدها
…
وغدا لها ديوان شعرى مستقر
درر بها ديوان شعرى قد زها
…
وكذاك يزهو بين أنجمه القمر
ومتى ابتأست لنكبة أنشدتها
…
والدمع فوق محاجرى يحكى المطر
فأرى رفاق الحزن ظاعنة وأفـ
…
ـنان الغرام إليك رائقة الزهر
وحياة من ليست تبيد حياته
…
ومؤيد الدين المؤيد بالسور
ما مر ذكر (اليحمدى) بخاطرى
…
إلا ترقرق ماء عينى فانهمر
يا سيدا تعنو الوجوه لذكره
…
غيبا وتكبره العيون إذا ظهر
لا زلت في برد الوزارة رافلا
…
محمودة منك الشمائل والسير
محفوفة بلطائف محفوظة
…
طول الزمان من الحوادث والغير
ما هام صب أو هما ودق وما
…
فازت يد الملهوف عندك بالظفر
وقوله:
بأى لسان أم بأى بنان
…
وأى خطاب أم بأى بيان
أترجم عن أعجوبة الدهر ماله
…
إذا عد أرباب المكارم ثانى
فتى أثقلت ظهر الزمان هباته
…
وأصبح من خدامه الثقلان
أمل على الدنيا من العدل ما به
…
إلى الناس طرا أنصف الملوان
فلولاه لا أودى به الدهر ما نجت
…
بنات المعالى من يد الحدثان
فذاك أبو عبد الإله الذي أتى
…
لدعوته الرفدان يبتدران
وما لا لا الآفاق الاثلاثة
…
سنا اليحمدى الوهاج والقمران
همام يخاف الدهر من سطواته
…
ويرمى برضوى رعبه وأبان
متى ما يعد ينجزك إحسان وعده
…
وينقض من إيعاده الحسنان (1)
وزير به استولى الأمير على العدا
…
وعاش بخفضى نعمة وأمان
متى ما يرم أمنية عجزت بها
…
فوارس قيس مده بأمانى
وكم في حماه من وزير وكاتب
…
ولكن بكف اليحمدى القلمان
لكلهم من بأسه متضائل
…
وهيبته قرت بكل جنان
بكفيه بحر الجود والفتك بالعدا
…
فكم مرج البحرين يلتقيان
وكم في قضايا الدين حكم فانتضى
…
لها صارما لم ينضه الحكمان
(1) في هامش المطبوع: "المراد بها هنا حبلان وعند أهل المدينة يطلقان على السبطين وعند أهل البصرة على الحسن البصري وابن سيرين، ولا يصح أحد الإطلاقين هنا. وقد ورد في اللسان العربى أسماء كثيرة بلفظ المثنى ألف فيها كثير من العلماء وجمع منها حمزة الأصبهانى في آخر كتابه في الأمثال جملة وافرة جداً وشرح أكثرها وأورد منها أبو الحسن على مصباح الزرويلى في كتابه سنا المهتدى مائة وثمانية وعشرين كلمة وشرح الخفى والمبهم منها. انتهى مؤلف.
وكم في سماء الفقه جلى طوالعا
…
يرى الحق من أضوائها الاخوان
وإن تبغ أخبار الزمان فإنَّه ابـ
…
ـن بجدتها السباق يوم رهان
خليلى لا تعتب على متقاصر
…
فما لي على إحصا علاك يدان
وإنى وإن كنت امرءاً ذا بلاغة
…
وسحر البيان اليوم طوع لسانى
وكنت متى لاحت صوارم فكرتى
…
أتيت بما ينسى صريع غوان
فإنى طورا تصطفينى يد الهوى
…
فنجرى بميدان القريض بنانى
وطورا ترى ذاك الجلال رويتى
…
فأمسك من فرط الحياء عنانى
وقوله:
من لصب مولع بالجفاء
…
شف جسمى ولم يجد بشفائى
كلما خلت جمر شوق طفا زا
…
د اصطلاء الجوى على الأحشاء
رست صيد العنقاء إذ رست سلوا
…
نا وأخيب بصائد العنقاء
قلت للصحب ما الدواء فقالوا
…
ما لأدواء من صبا من دواء
حظ كل بني الصبابة تذرا
…
ف الدموع ودائم البرحاء
هم أناس موتى جسوما وأحيا
…
ء قلوبا سكرى بلا صهباء
حملوا الحب وهو أثقل من رضـ
…
ـوى وهم في نحولهم كالهباء
فارتدوه زيا شريفا وزادوا
…
في التصابى بأنفس شماء
كم ظريف أودت به لحظات
…
أوردته موارد الشهداء
فغدا في أيدى الرواة حديثا
…
بعد ما عاش في عنى أو رواء
فتمثل بعروة ابن حزام
…
إذ قضى النحب في هوى عفراء
لفتاة كانت تضئ كبدر
…
مزقت عنه حلة الظلماء
أو كظبى نقى نقى المحيا
…
صدته غرة بصيد الظباء
يتثنى غصنا ويفتر عن د
…
ر يرنو بمقلة حوراء
فتجنى من بعد ما قد جنى طر
…
في من ورد وجنتيه عنائى
ما بدا لي إلا وأوعدنى هجـ
…
ـرا كهجران واصل للراء
رث صبرى به وجسمى حتى
…
قد رثت لي في حبه أعدائى
كم بوعد أومى فعاد وعيدا
…
خلق أهل الجمال خلف الوفاء
كم أمانى راقبت من طول آما
…
لي فمالت بها يد الرقباء
كم ليال قطعتها نابغيا
…
ت أناجى تنفس الصعداء
كم دموع أذريتها كغمام
…
أو يد (اليحمدى) يوم سخاء
كعبة المجد والعلا بحر جود
…
لم يكدر عبابه بالدلاء
سيد لم يزل يرود العلا حـ
…
ـتى ارتدى بالمآثر الغراء
طار في كل بلدة صيته حـ
…
ـتى غدا في اشتهاره ابن ذكاء
حسبه مفخرا ورفعة قدر
…
أنَّه اليوم سيد الرؤساء
أعلم الأدباء في وقته بل
…
هو في الوقت أأدب العلماء
أحرز السبق في الصناعة حتى
…
فاق أهل الإنشاد والإنشاء
فإذا ما احتذت أنامله الأقـ
…
ـلام أبدى أرق ما أنت رائى
ما رأى الناس مثله لا ولم يظـ
…
ـفر به المنذر ابن ماء السماء
أو علا الأفق ماجد بمزايا
…
هـ مشى اليحمدى على الجوزاء
أبنى (يحمد) له فاشكروا حيـ
…
ـث حصلتم به على الكيمياء
قد بنت كفه لكم قبة المجـ
…
ـد ولم يبن مثلها من بناء
لم تقوض ولا تقوض حتى
…
يرجع القارظان (1) بعد اختفاء
إنما (اليحمدى) على الناس طرا
…
لسعيد من جملة السعداء
علم الله أنَّه لسداد الـ
…
ـرأي حق لصحبة الخلفاء
فحباه منها بما لم ينل قد
…
ما نديما جذيمة من صفاء
يا وزيرا في عصمة الوزرا لا
…
ح لنا كاليتيمة العصماء
بأبى أنت دع لسانى يرد من
…
حوض أمداحك الشهى الماء
ما أريد استقصاء مدح وهل ينـ
…
ـزح بحر مخضم بالركاء
أنا ظمآن إن وردت حياض الـ
…
ـمدح فيك استبعدت منها ارتوائى
منذ دهر والقلب صب وقد اتـ
…
ـعبت بيني وبينكم سفرائى
فقدمنا عليكم كى نقضى
…
بعض ما تقتضى حقوق الإخاء
واصطنعنا من الثنا حللا تقـ
…
ـصر عنهن صنعة الخنساء
وشيها مطمع ويجز من حا
…
وله من جهابذ الشعراء
كل بيت منها يحث إلى القلـ
…
ـب غراما كالمقلة النجلاء
(1) في هامش المطبوع: "تثنية قارظ والقارظ مجتنى القرظ وهو نبت يدبغ به أو يصبغ. قال الجوهرى: هما رجلان خرجا في طلب القرظ فلم يرجعا فضربت العرب بهما المثل في الغيبة الطويلة وفي تمديد المدة بما لا ينقضى وكلاهما من عنزة قال ذو الرمة:
وأنت غريم لا إخال قضاءه
…
ولا العنزى القارظ الدهر جائيا انتهى. مؤلف".
أنا شمس القريظ إن شئت أبدو
…
كى يرانى الورى وأنت سمائى
وعلى الشكر الجميل لما أو
…
ليتنى أنت أنت مذكى سنائى
هاكها سيدي ولا عيب فيها
…
غير مدح يسلى عن العذراء
لست بالراهب المريب ولا الرا
…
غب أثنى معرضا بالحياء
أنت كوالد الشفيق وحزم
…
بالفتى أن يبر بالآباء
ذاك أبقى للود وهي لي الشيـ
…
ـمة أقضى بحسن قضائى
وقوله:
بدت فأرتنا الصبح في وجناتها
…
وحيت بإيماء حذار وشاتها
وولت فكاد الترب يدمى بنانها
…
إذا ما مشت تختال في حبراتها
فتاة روينا من طلا الحب حين إذ
…
روينا حديث السحر عن لحظاتها
بدت وقلوب صاحبات من الهوى
…
فأصبحن سكرى من كئوس ظباتها
فما ظبية ترعى الخزامى بربوة
…
تراع لخفق الريح في أثلاتها
بأحسن منها يوم مرت عشية
…
وقد قصر الإعياء من خطواتها
تضئ كبدر الأفق والزهر حوله
…
إذا ما مشت تهتز بين لداتها
وعن كعبير المسك ضوع نشرها
…
كريحانة أهدى الصبا نسماتها
وقد ملأت رحب الإزار بردفها
…
كما ملأت عينى من عبراتها
ولاح لحانى في الصبابة كلما
…
رآنى طموح النفس نحو جهاتها
وقال اصح من خمر الصبابة ترشدن
…
وما ظن أن الرشد عند سقاتها
وقال أتلهو والليالى مناكد
…
فكن حذرا يا صاح من غمراتها
فقلت ومالى والليالى فإننى
…
أمنت بجاه اليحمدى أزماتها
فلو ساورته لانثنت وصروفها
…
مفللة والذل فوق قناتها
يداه يد يغنى عن السحب جودها
…
وأخرى يخاف الدهر من فتكاتها
يزاحم في نيل العلا وهو واحد
…
وما سقط الأقوام مثل سراتها
كذلك أعلام المناسك جمة
…
ولكن جماع الحج في عرفاتها
وأن مصابيح السماء كثيرة
…
وما الصبح إلا من طلوع مهاتها
به الدولة الغراء دام سكونها
…
فلا قدر الرحمن من حركاتها
ولا زالت الآمال تعشو لضوئها
…
ولا انقض نجم السعد من جنساتها
فدى لك نفسى أيها العلم الذي
…
به اعتصمت من دهرها وعداتها
إليك تناهى كل مجد وسؤدد
…
فدم في المزايا واصعدن درجاتها
بنيت قباب المجد أركانها التقى
…
ورصفت من غمر الندا شرفاتها
فلو جمرات العرب كن بواقيا
…
لما كان إلا أنت من جمراتها
لك القلم العالى الذي ببيانه
…
تكسر من سمر القنا شبواتها
وتفتض أبكار المعانى بحده
…
إذا احتجبت من عزها عن كماتها
ومنه بأحشاء الأعادى رواعد
…
قواتل لا ينجون من سطواتها
ودونكها غراء تغرى على الصبا
…
وها السحر كل السحر في لفظاتها
تشهيك في ترجيع إنشادها متى
…
بلغت بإنشاد إلى أخرياتها (1)
(1) في هامش المطبوع: "للمؤلف بحث خاص بالوزير اليحمدى ألقاه محاضرة في مؤتمر الثقافة العربية المنعقد بحاضرة تونس في شعبان عام 1350".