الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لباس قاضي القضاة]
وفيها ألبسَ الملك المُعَظَّم قاضي القضاة زكيّ الدّين الطّاهر، القِباء والكلوتة بمجلس الحكم بداره.
قَالَ أَبُو المُظَفَّر [1] : كَانَ في قلبِ المُعَظَّم منه حزازات، كَانَ يمنعه من إظهارها حياؤه من أبيه [2] ، وكان يشكو إليَّ مرارا. ومَرضت ستُّ الشَّام عَمَّة المُعَظَّم، وكانت أوصَتْ بدارها مدرسة، فأحضَرَت القاضي المذكور والشهود، وأوصت إلى القاضي، وبلغَ ذَلِكَ المُعَظَّم فعز عليه، وقال: يحضر إلى دار عمتي بغير إذني ويسمع كلامها. ثُمَّ اتّفق أَنَّ القاضي أحضر جابي العزيزيّة وطلب منه حسابا، فأغلظ لَهُ، فأمر بضربه، فضُرب بين يديه كما تفعل الوُلاة. فوجد المعظم سبيلا إلى إظهار ما في نفسه، وَكَانَ الجمال المَصْرِيّ وكيل بيت المال عدوا للقاضي، فجاء فجلس عند القاضي والشهود حاضرون، فبعث المعظم بقجة فيها قباء وكلوتة [3] ، وأمر أن يحكم بهما بينَ النّاس، فقامَ من خوفه فلَبِسَهما، وحكمَ بين اثنين.
قَالَ أَبُو شامة [4] : جابي المدرسة هُوَ السَّديد سالم بن عَبْد الرَّزَّاق خطيب عَقربا، وجاء الَّذِي ألْبَسه الخِلْعة إلى عند شيخنا السَّخَاويّ، فتأوّه الشَّيْخ وضرب بيده عَلَى الْأخرى، فَكَانَ ممّا حكى أنْ قَالَ: أمرني السّلطان أن أقول لَهُ: السّلطان يسلّم عليك وَيَقُولُ لك: الخليفة سلام الله عليه إذا أراد أن يشرف أحدا خلع عليه من ملابسه، ونحن نسلك طريقه. وفتحتُ البقجة، فَلَمَّا رآها وَجَمَ، فأمرتُه بترك التوقف، فمد يده ووضع القباء على كتفيه، ووضع عمامته وحط الكلوتة على رأسه، ثمّ قام ودخل بيته.
[1] في المرآة ج 8 ق 2/ 604.
[2]
أي الملك العادل.
[3]
الكلوتة: تلبس على الرأس بدون عمامة chezlesArabes -R.Dozy -LibrairieduLiban ،Beirut 1843 -p.387.NomsdesVetements.
[4]
في ذيل الروضتين 117- 118.
قَالَ أَبُو شامة [1] : ومِن لُطف اللَّه بِهِ أن كَانَ المجلس في داره، ثُمَّ لزم بيته، ولم تُطْل حياته بعدها، ومات في صفر سنة سبع عشرة، رمى قِطَعًا من كبده، وتأسف الناس لما جرى عليه، وكان يحب أهل الخير، ويزور الصالحين. وبقي نوابه يحكمون بين النَّاس: ابن الشِّيرَازِيّ، وابن سَنِيّ الدّولة، وشرف الدّين ابن المَوْصِليّ الحَنَفيّ، كَانَ يحكم بالطَّرْخانية بجَيْرون، ثُمَّ بعد مدَّة أضيف إليهم الجمال المَصْرِيّ.
وَقَالَ أَبُو المُظَفَّر [2] : كانت واقعة قبيحة، ولقد قُلت لَهُ يوما: ما فعلتَ هَذَا إِلَّا بصاحب الشرع؟ ولقد وجب عليك دية القاضي، فقال: هو أحوجني إلى هذا، ولقد ندمت. واتفق أن المعظم بعث إلى الشرف بن عنين- حين تزهد- خمرا ونردا، وقال: سبح بهذا! فكتب إِلَيْهِ [3] :
يا أيُّها المَلِكُ المُعَظَّم، سُنَّةً
…
أحدَثْتَها تبقى عَلَى الآباد
تجري المُلُوك عَلَى طريقك بعدها
…
خلع القضاة وتحفة الزهّاد [4]
[1] المصدر نفسه.
[2]
في: مرآة 8/ 605.
[3]
انظر ديوانه 93.
[4]
انظر البيتين في: ذيل الروضتين 118، ونهاية الأرب 29/ 100، ومرآة الزمان ج 8 ق 2/ 605/ 606، والبداية والنهاية 13/ 84، وتاريخ الخلفاء 457.