الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشلف (الأصنام). أما القباب التي كانت في أوطان متيجة فلم يبق منها إلا القليل، ويبدو أن إقامة المستوطنات الفرنسية على أرض متيجة وتمديد الطرقات وتحديد حدود المزارع ونحو ذلك قد أدى إلى إزالة بعضها على الأقل، والباقي نسيه الناس فأهمل.
تعاليق حول الآثار الإسلامية
أما من الوجهة العمرانية، فقد نقل أوميرا رأي للصحفي (موتانيو) الذي كان يعيش زمن هدم المعالم والبنايات الدينية، فقال: إن الفرنسيين في الجزائر قد حولوا جهة باب الواد - وهي التي كانت تضم القسم الأكبر من البنايات الدينية - إلى ساحة مناورات عسكرية وإلى منتزهات، على حساب معالم وآثار ذات قيمة لقربها من المدينة، وهي آثار تعود إلى قرنين أو ثلاثة قرون، وربما أقدم من ذلك. وقد علق أوميرا على ذلك بأن الفرنسيين كانوا يخشون جرح عواطف المسلمين الدينية، وكذلك النواب في البرلمان الذين بكوا - كما قال - على الآثار وعلى الموتى، وعلى القبور (1)
…
وقد ذكرنا أن إقامة الليسي الفرنسي في منتصف الستينات من القرن الماضي قد أدى أيضا إلى إزالة ما بقي من مساجد وقباب وجبانات في جهة باب الواد.
ومن جهة أخرى أشار السيد ديفوكس إلى أن بعض الأشخاص قد لاموا الإدارة الفرنسية على هدم المساجد والتصرف فيها إذا كانت تهدد بالانهيار أو تشكل عراقيل في تنفيذ بناءات جديدة لتنظيف وتجميل المدينة. وقد رد هو على هؤلاء بأن المسلمين أنفسهم يتصرفون كذلك إذا حصلوا على الإنصاف في حقوقهم. وضرب مثلا بصاحب زاوف سيدي العباسي، الذي باعها لأحد
(1) أوميرا، 194. كان أوميرا من الصحفيين والمفكرين الليبراليين. وقد شارك في الكتابة عن معاداة السامية التي هزت الأوروبيين في الجزائر آخر القرن الماضي. وقد أشرنا إلى حياته باختصار في عدة مناسبات.
الفرنسيين بعد أن اعترفت له السلطات بحقوقه الوراثية فيها. واعتبر ديوكس هذا المسلم مثالا للمسلمين الذين ضحوا بالتقاليد وبالدين من أجل المصالح الذاتية، وقال إن لديه عدة أمثلة على ذلك. وقد رد على المنتقدين بقوله إن على الفرنسي أن لا يكون مسلما أكثر من المسلمين (1). ويبدو لنا أن ديفوكس قد ناقض نفسه في هذا المجال، لأنه كان في عدد من المرات ينتقد هدم الآثار الإسلامية من قبل سلطات بلاده أو من قبل المقاولين والملاك. ولعله كان برأيه الأخير يحاول أن يبرئ نفسه لأنه هو الذي تولى حصر المعالم والبنايات والتعرف على وثقائها ومتابعة سجلات الوكلاء وغير ذلك. كما أن أحد أصهاره كان مقاولا وعلى يديه جرت تهديمات عديدة للمعالم. وعند حديثه ذات مرة عن حي قطع الرجل وما جرى فيه من هدم للآثار الإسلامية، تأسف ديفوكس قائلا إنه لا أحد قام بإجراء تنقيب عن هذه الآثار المهدمة في الحي. ولاحظ أن البنايات الفرنسية الجديدة قد دفنت تحتها كاتابات وآثار كثيرة ترجع إلى العهد البربري (الإسلامي)، ولن تخرج من تحتها أبدا. وأضاف صراحة بأن تلك الكتابات (قد كسرت بدون رحمة بيد الهادم الجاهل)(2).
لكن آخرين لا يتفقون مع هذا الرأي ويرون أن الفرنسيين ارتكبوا خطأ فادحا. في هدم البنايات والمعالم الإسلامية. ولا داعي لتكرار رأي كل من ديتسون، وبلاكسلي، وبولسكي وغيرهم، وقد ذكرنا ذلك من قبل.
بقي أن نعلق على حركة الاحتجاج من جانب المسلمين على هذه الأعمال: إن أوميرا وديفوكس يذكران أن المسلمين كانوا قدريين ومتسامحين ولم يبدوا أية حركة معارضة نحو هدم مقدساتهم، بل أثبتا أن بعضهم قد عطلها بنفسه وباعها للفرنسيين، وقد مر بنا أيضا أن بعض (المفتين) ورجال السلك الديني الرسمي كانوا يوافقون الفرنسيين على
(1) ديفوكس، 247. الأمثلة تخص مالكي زاوية سيدي العباسي وزاوية سيدي أيوب.
(2)
نفس المصدر، 229.
تحويل بعض المساجد إلى كنائس، ونقل رفات الأولياء وهدم أضرحتهم. وهذا مخالف للأحداث التي رواها هذان المؤلفان من جهة ومخالف للوثائق التي ربما لم يطلعا عليها من جهة أخرى. إن الاحتجاج السري أخطر من الاحتجاج العلني أحيانا، ومع ذلك فلم يكن الجزائريون دائما صامتين في احتجاجهم.
فقد ضم كتاب (المرآة) لحمدان خوجة كتابات احتجاجية علنية وكانت قد نشرت في وقتها، ويبدو أن كلا من ديفوكس المعاصر له وأوميرا المتأخر عنه لم يطلعا على كتاب المرآة، ولا على احتجاج المفتي ابن العنابي، ولا احتجاج المفتي ابن الكبابطي وابن الشاهد وغيرهم من رجال الدين والعلم. ولعل هؤلاء الفرنسيين يقصدون بالاحتجاج حركة عامة في شكل مظاهرة. إن غياب القادة الدينيين والسياسيين بالنفي المنظم والسجن والهجرة الاختيارية قد جعل عامة الناس بدون قيادة. ومع ذلك فقد كانت هناك حركة احتجاجية تلقائية مرتين على الأقل في العاصمة. الأولى عند إهانة المحكمة الإسلامية بدخول أحد الضباط الفرنسيين إليها عند مناقشتها لقضية تنصير امرأة مسلمة (عائشة بنت محمد) وخطفها وهي في عصمة زوجها المسلم (سنة 1834). والحركة الثانية عند تحويل جامع كتشاوة إلى كنيسة.
وهناك أحداث أخرى فردية عديدة لا داعي لذكرها جميعا. ويكفي أن نشير إلى أن ديفوكس نفسه أورد حادثة ذات معنى في هذا الشأن، جرت سنة 1846. فقد قال إن أحد (المتعصبين) واسمه الحاج جلول، ضرب بالمطرقة قطعة من الرخام عليها كتابات بالعربية تابعة للجامع (الجديد)، وكانت القطعة قد ظلت مرمية في الطريق بعض الوقت. وكان غرض الحاج جلول هو ألا يهين النصارى اسم الجلالة الموجود في الكتابة. ومن أجل ذلك اعتبره ديفوكس متعصبا (1). ولكن ديفوكس نفسه وصف الرجل المسلم الذي باع
(1) ديفوكس، 147. عن رأي حمدان خوجة في رد الفعل انظر محمد بن عبد الكريم (حمدان بن عثمان خوجة الجزائري)، دار الثقافة، بيروت، 1972، ص 222 - 225.
حقه في زاوية سيدي العباسي بالمتسامح (1).
والغريب أن ديفوكس هو نفسه الذي ذكر حركة الهيجان لدى المسلمين عند إزالة مقبرة باب الواد. فقد قال إن الطريقة التي تمت بها عملية الإزالة قد أثارت هيجانا عميقا لدى الأهالي وأعطتهم فكرة وهي أن الفرنسيين لا يحترمون رمم الموتى ولا يقدسونها. وقد وصف الكتاب اللاحقون حالة الفرنسيين المعاصرين للاحتلال فقالوا إنهم كانوا غير متدينين حتى بنصرانيتهم ولا يحترمون المسيح عليه السلام. فكانوا إما جهلة من حثالات المجتمع وإما لائكيون وماسونيون من رواسب الثورة الفرنسية ونقمتها على رجال الدين والكنيسة. وقد انعكس ذلك حتى على موقفهم من الأوقاف الإسلامية ورجال الدين المسلمين. إذ نظروا إلى رجال الدين الإسلامي نظرة رجال الدين في فرنسا وطبقوا على الأوقاف الإسلامية ما طبقوه على أملاك الكنيسة في فرنسا نفسها. وسنذكر ذلك في الحديث عن الأوقاف.
إن إزالة الجبانة العمومية الواقعة في ناحية باب الواد منذ أول وهلة للاحتلال وبطريقة وحشية جعل المسلمين يأخذون عبرة خالدة من علاقتهم بالفرنسيين. وقد استنكر ذلك حتى من كانوا يدافعون عن هدم الآثار والمعالم الإسلامية للضرورة العامة من الفرنسيين. يقول ديفوكس واصفا إزالة المقبرة المذكورة بالجرافات وما لا ذلك من بعثرة عظام الموتى، ما يلي: إن أول المتأثرين بالاحتلال مباشرة هم الموتى المسلمون. لقد كان عليهم أن يتركوا المكان لشعب (متحضر) ونشيط جاء ليعمل ويحتل المدينة. ذلك أن وجودهم (الموتى) بها لا يتناسب مع وجود أحياء من جنس ودين آخر. فكان عليهم أن يتركوا المكان للساحات والحدائق والطرق العمومية ونحو ذلك (2).
(1) ذكر أوميرا عدة مرات موقف المسلمين المتسامح، انظر صفحات، 181، 200 من بحثه.
(2)
تقول بعض المصادر إنه عند أداء اليمين لأول بلدية في مدينة الجزائر سنة 1834 حلف المسلمون بالقرآن ولكن الفرنسيين حلفوا بالإخلاص للملك وطاعة القانون. وقيل إن العرب يحترمون كل الأديان لأنهم يحترمون دينهم. وقد استغرب المسلمون =
لكن ديفوكس اعترف أن العملية لم تتم بناء على الاحترام الواجب للأموات (وكأن الأحياء لا يستحقون ذلك أيضا). فقد اتخذت العملية شكل الاعتداء والإهانة. إن عظام الموتى بقيت (لمدة سنوات) مكدسة ومبعثرة هنا وهناك، ويمكن للمرء أن يراها خلال تلك الفترة كلها. وكانت هذه العظام مسحوبة ومجروفة بعنف من أضرحتها. وكانت ترمى في الهواء بغلظة. وكان يمكن تفادي ذلك مع بعض الاحتياط. ولم يقل ديفوكس إن ذلك كان لا يتناسب مع دعوى التحضر والتمدن التي يتشدق بها الفرنسيون، وإنما قال إن ذلك قد أثار هيجانا عميقا لدى الأهالي وجعلهم يعتقدون أن الفرنسيين لا يحترمون رفات الموتى. وهل كان الأهالي مخطئين في حكمهم؟
هذا عن الأحياء الفرنسيين مع الأحياء والأموات الأهالي. أما عن التاريخ والآثار فمسألة أخرى. قال ديفوكس: إن التاريخ عليه أن يتأسف على إزالة مقبرة أخرى كانت مخصصة لدفن الباشوات. فقد محيت هذه المقبرة تماما من الوجود، وهي مقبرة قديمة جدا أشار إليها هايدو الإسباني سنة 1581. وقد ضاع مع ذلك جانب هام من التاريخ والآثار.
لقد تعهد الفرنسيون بإزالة الجبانات بعناية تحافظ على كرامة الأموات وقيمة التاريخ، ولكن ذلك التعهد لم يحترم. فقد استعملوا المعاول والجرافات لا لنشر ما في القبور ولكن لكسر المشاهد والشواهد والكتابات وتحصيل الأحجار للبناء وبيع عظام الموتى في أسواق مرسيليا. وقد شهد ديفوكس الذي كان ما يزال صغير السن عندئذ، بأن معالم تاريخية هامة قد ضاعت مع ضياع الأضرحة والقباب، مثل التواريخ المحفورة على الرخام أو على اللوحات (الشواهد). لقد وقع تخريب هذه الصفحات، كما قال، تخريبا مطلقا. وضاعت معها الوثائق الخطية التي تؤدي إلى معرفة تواريخ حكم الباشوات وأزمنة الموظفين السامين في الجزائر. إن جميع ذلك إما هدم
= عدم التدين الذي كان عليه الفرنسيون. انظر بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، 282.
وإما بقي غنيمة للصوص والمضاربين. وقد استعملت أحجار الشواهد كمواد للبناء. ولم ينج من هذه المجزرة الرهيبة للموتى والآثار التاريخية إلا القليل من الشواهد التي وجدت طريقها إلى المتحف. ومن ثمة فإن القباب التي ذكرناها والتي بقيت بعض الوقت قائمة هي التي لم تكن ضمن المقابر التي تعرضت للهدم الجماعي والتي وصفها ديفوكس (1).
والغريب في الأمر أيضا أن الوقفية الهامة التي سجلت جميع هذه المعالم قبل هدمها وبعده قد فقدت سنة 1843. فقد كانت وقفية مفصلة لها باب خاص كل معلم ديني: مساجد، قباب، زوايا، مدارس، أضرحة، جبانات. وهي وقفية أصلية. هذه الوقفية فقدت أثناء وضع الإدارة الفرنسية يدها على أوقاف الجامع الكبير (1843). ثم عثر على نسخة غير كاملة منها وغير مؤرخة. وكانت هذه النسخة الناقصة قد وضعت عند القاضي المالكي، وهي ترجع، حسب ديفوكس، إلى أوائل القرن الثاني عشر للهجرة (حوالي (1101 - 1125)(2).
وقد علمنا أن الجامع الكبير والجامع الجديد بالعاصمة قد خضعا للهدم الجزئي والتشويه العمراني، ثم خطط الفرنسيون لإزالتهما تماما مرتين، مرة في عهد تيرمان في الثمانينات وأخرى في عهد جونار سنة 1905. ولولا الخوف من رد فعل السكان والهيجان الذي رافق التحضير لإصدار قرار الإزالة لما تراجع الفرنسيون عن خطتهم. فكيف نقول إن الجزائريين كانوا متسامحين في أمور دينهم ومعالم حضارتهم؟ حقيقة أن السلطات الفرنسية أخذت تراعي مشاعر المسلمين وتداهنهم عندما تمس الآثار الإسلامية. ونحن نجد عدة أمثلة على ذلك. فكانت تستصدر أولا (فتوى) من رجال
(1) ديفوكس، 18 - 19. وقد شارك في هذا (الأسف) زميله أوميرا حين قال إن عظام هؤلاء المسلمين (الباشوات والأولياء) قد رميت للريح، وبيعت حجارتها الشاهدية في المزاد العلني. وهي شيء (مؤسف) حسب تعبيره، لأنها كانت تحتوي على كتابات هامة وأثارا. أوميرا، 195.
(2)
ديفوكس، 16.
الدين، وتحضر الرأي العام للعملية التي ستقبل عليها. حدث ذلك عند نقل رفات سيدي فرج إلى جهة سطاويلي ونقل رفات سيدي منصور من قبته إلى مقبرة الشيخ الثعالي.
ويروي جورج مارسيه أن الكولون كانوا يحسون بالغيرة من المدن والآثار الإسلامية. فقد كانوا يعملون على تخليص أو تطهير المدينة التي هم فيها من أي شيء يجلب الزوار إليها مثل المعالم الإسلامية. وكان مارسيه يتحدث عن موقف الكولون من مدينة تلمسان. إن الكولون فيها كانوا لا يريدون لعاصمة بني زيان أن تنافس أي دائرة من دوائر فرنسا. وقد وعدهم مارسيه نفسه بأن تلمسان الأثرية ستنقرض بالتدرج، كما انقرضت في نظره مدينة الجزائر القديمة، وستسقط (تلمسان) تحت ضربات معاول المنتصرين (الفرنسيين)، ولكنها ستظل مدة طويلة محجة لزوار الفن المعماري (1).
واعترف بعض علماء الفرنسيين بأن الجزائريين قد حافظوا على الآثار. ومنذ 1846 كتب أحد المستشرقين، وهو أشيل فوكيه، بعد أن تجول في نواحي قسنطينة وبسكرة، قائلا: إن العرب (يقصد الجزائريين) قلما يهدمون الآثار. فالصخور المتراكمة فوق بعضها لا يمسونها. واعترف فوكيه أن الفرنسيين قد هدموا خلال الخمس عشر سنة من الاحتلال ما لم يهدمه العرب خلال عشرة قرون، وهو هنا يكلم عن الآثار الرومانية (2). وإذا كان العرب لا يهدمون الآثار الرومانية فالأولى عدم هدم الآثار الإسلامية.
ونفس الملاحظات تقريبا. نجدها عند بيقوني سنة 1903. فقد تأسف لما حدث لزاوية يحيى بن محجوبة في مدينة قسنطينة. وكان ابن محجوبة من علماء عصره (القرن 11 هـ). وكانت الزاوية تحفة فنية وعلى بابها نقيشة
(1) جورج مارسيه وويليام مارسيه (المعالم العربية لتلمسان)، 1903، ص 111.
(2)
أشيل فركيه (جولة من قسنطينة إلى بسكرة) في (مجلة الشرق) R. du L'Orient، باريس 1846، ص 144 - 145. وكان فوكيه قد قرأ جولته (بحثه) أمام الجمعية الشرقية في باريس يوم 2 يونيو، 1846.
تمجدها وتؤرخ بناءها، ولكن الفرنسيين لم يصبروا عليها فهدموها سنة 1865 ودخلت في المباني الفرنسية المحاذية لما كان يسمى بالطريق الوطني (ابن مهيدي حاليا). وكان إلى جانب الزاوية جبانة صغيرة أيضا. وقد عاتب بيقوني الهادمين على اللامبالاة نحو المعالم العربية وعدم عنايتهم بكل ما يمكن أن يخدم المعرفة التاريخية في الجزائر. كما أنهم لم يراعوا في نظره. المشاعر الفنية التي تحتويها الكتابات والخطوط والنقائش والزخارف لمختلف العصور. وقال إنه جاء قسنطينة سنة 1878 يبحث فيما أصبحت عليه بعد أربعين سنة من الاحتلال، فلم يتمكن من الوصول إلى أي شيء، لأن الأهالي والأوروبيين جميعا كانوا غير مهتمين. وبعد تفكير وجد بيقوني المقاول الذي هدم عماله مجموعة من المعالم فرخص له بالبحث في أكوام المباني المهدمة. ثم قص كيف وجد النقيشة التي تؤرخ لبناء زاوية ابن محجوبة، في حالة يرثى لها. وفيها آية قرآنية هي {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} (1).
والواقع أن بعض العناية بالآثار الإسلامية بدأت في عهد كامبون ثم انطلقت في عهد جونار. ولكن جهود المنقبين والباحثين عندئذ وجدت الخطيئة قد ارتكبت والمعالم قد هدمت، ولم يبق إلا محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. واعترف أحد الباحثين بأن الفرنسيين قد اعتنوا منذ البداية بالآثار الرومانية والبيزنطية وأهملوا الآثار الإسلامية. فالمجلات التي ظهرت منذ منتصف القرن الماضي قد فاضت بالكتابات عن العصور السابقة للإسلام في الجزائر.
ومن ثمة كان ظهور كتاب عن قلعة بني حماد في آخر القرن الماضي مثار تنويه عند بعضهم، مضيفا أن الفرنسيين قد انشغلوا بكل ما هو روماني حتى استنفدوا هذا الميدان، وأهملوا الآثار البربرية والعربية والتركية، وهي
(1) بيقوني E. Bigonet (كتابة عربية من قسنطينة) في المجلة الإفريقية، 1903، ص 305 - 311.