المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ولعله لا يكفي أن نقول إن مصير المكتبات الخاصة والعامة - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ولعله لا يكفي أن نقول إن مصير المكتبات الخاصة والعامة

ولعله لا يكفي أن نقول إن مصير المكتبات الخاصة والعامة كان التلف والحرق والإهمال خلال العهد الفرنسي. يقول ليبيشو، مدير التعليم في الجزائر خلال الستينات من القرن الماضي، إن المخطوطات كانت متوفرة في مختلف المدارس (والزوايا) التي كانت بدورها منتشرة في المدن والأرياف. وكانت المخطوطات هي قاعدة الدراسة وفهم الدين. غير أن هذه المخطوطات قد أتلفت في أغلبها نتيجة الحملات العسكرية وتفريق الطلبة والعلماء (1). وكان على ليبيشو أن يضيف أيضا، أن المخطوطات قد انتزعت من أصحابها عن طريق الإفقار والتحايل ومصادرة المؤسسات العلمية والدينية، والهجرة، والاغتصاب. فالحروب لم تكن إلا إحدى العوامل في تلف المخطوطات واختفاء كثير من المكتبات.

وأثناء الثورات وحالات الطوارئ التي كانت تعلن خلال الحربين العالميتين، كان شك الفرنسيين يحوم أيضا حول كل كتاب بالعربية سواء كان مخطوطة أو مطبوعا. وإذا لم يفهموه، وقلما يفهمونه، كانوا يمزقونه أو يحرفونه، مع إيذاء صاحبه واتهامه بإخفاء المناشير السرية والوثائق المحرضة. وقد حدث ذلك خلال ثورات 1871، 1945، 1954. ويقول الشيخ المهدي البوعبدلي إن الحكومة الفرنسية في الجزائر قد مزقت خزائن الكتب وأتلفتها أثناء الحرب العالمية الأولى لأنها كانت متشددة، حسب تعبيره (2).

‌النساخة والنساخون

الحاج علي بن القيم: كان هذا الشيخ نساخا وجماعا للكتب أيضا رغم ترحاله الكثير. وقبل أن نتحدث عنه ناسخا نقول إنه جمع مكتبته من النسخ

(1) عبد الحميد زوزو، أطروحة الدكتوراه، مخطوطة، ص 6 72، هامش 1 نقلا عن الأرشيف 229 AOM - H .

(2)

من رسالة منه بتاريخ 10 أكتوبر 1979. والشيخ المهدي من خبراء هذا العهد ومن المولعين بالمخطوطات. ولذلك فإن حكمه له قيمة خاصة.

ص: 392

ومن الهدايا، ولا نظن أنه كان يشتري الكتب نظرا لفقره. والحاج علي بن القيم من مواليد قمار في أول القرن الثالث عشر الهجري. وتوفي حوالي 1908. وهو الحاج علي بن محمد بن مبارك المعروف بالقيم (بكسر القاف ومدها). وما تزال به بقايا مكتبة يبدو أنها كانت هامة، وهي عند ورثته في قمار. وقد ضاع جلها وتآكل الباقي المحفوظ في صناديق وحقائب. وقد تفضل بعض الورثة فتركوني اطلع وأعمل في المكتبة إلى أن قضيت منها حاجتي سنة 1983. وكان الشيخ علي حاذقا في فن النسخ الذي كان يكتسب منه، فينسخ الكتب ويبيعها، وكان بعض الأعيان يطلبون منه نسخ كتاب معين فيفعل ويأخذ على ذلك أجره، وهكذا.

وأثناء تنقلاته كان بعض الأعيان يهدونه الكتب المطبوعة ذات الأجزاء أحيانا. ولعلهم كانوا يهدونه مخطوطات أيضا. وكان بعضهم يحبس عليه الكتب تحبيسا. وقد وجدنا نماذج من ذلك. ففي سنة 1324 (1907) حبس عليه الحاج الأخضر بن محمد بن الطيب، باشاغا الأرباع، كتاب (المدونة) المطبوع، في أربعة أجزاء. كما حبس عليه السيد النوي بن القندوز كتاب شرح عبد الباقي الزرقاني على مختصر الشيخ خليل. وحبس عليه السيد مسعود بن الحاج النوي جميع أجزاء حاشية الدسوقي على الدردير، في أربعة أجزاء مطبوعة أيضا، وتاريخ التحبيس هو 13 شوال 1326.

ومن آثار المكتبة شرح بهرام على مختصر خليل، وهو شرح يعود إلى سنة 797 هـ وأما نسخه فيعود إلى حوالي قرن بعد ذلك (890)، ونسخة من الدرة النحوية لابن يعلي الفاسي، وهي من نسخ محمد المهزيل (المزيلي؟) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الدائج بن علي الغريسي عام 1140 (1). وشرح الجرومية للراعي الأندلسي منسوخ بالجزائر عام 1140.

(1) في نسب وأخبار محمد المهزيل (المزيلي؟) إضافات منها أنه غريسي المنشأ (قرب مدينة معسكر) القاطن بالقشاشية (أي المدرسة القشاشية التي كانت بالعاصمة خلال العهد العثماني والتي هدمها الفرنسيون هي والجامع الذي يحمل نفس الاسم، جامع (القشاش). ويضيف أنه جزائري الإقليم - نسبة إلى مدينة الجزائر. وأسرة الدائج =

ص: 393

وفي المكتبة أيضا بعض المراسلات، منها رسالة مرسلة إليه من بسكرة فيها بعض أسماء علماء الوقت مثل الشيخ أحمد بن دغمان (سنة 1295 هـ).

ومن أعمال الشيخ علي نفسه وجدنا في المكتبة رجزا في التوسل في أبيات، وعدة خطب في موضوع الأعياد بقلم ابنه محمد البرقي. ولا ندري هل هي من وضع الأب أو الابن. ويغلب على الظن أنها للابن، لأن محمد البرقي قد تولى الإمامة بأحد المساجد بقمار قبل هجرته إلى الحجاز. كما توجد في المكتبة مجموعة من الخطب لا ندري أصحابها. ولعلها كانت في ملك ابنه (محمد البرقي). ووجدنا تعليقا يبدو أنه للحاج علي نفسه، وهو تعليق على منظومة في الطب لأحمد بن صالح (المتوفى سنة 1103) مضيفا إلى النسخة التي نسخها بيده تعريفات لأسماء الأعشاب في حوالي أربع صفحات (1).

أما الكتب التي نسخها الحاج علي وكانت لها آثار في بقايا المكتبة، فهي كتاب في الفقه نسخه سنة 1291 في قمار. ونسخة من منظومة الطب المذكورة التي يبدو أنه نسخها لمن طلبها منه، ونسخة من كتاب (الترح في منظومة ابن فرح)، سنة 1322، وكتاب الهيئة لعبد الرحمن الفاسي 1302. ولكن الكتب التي نسخها الشيخ تذهب عادة إلى أصحابها، ولا يبقى له منها إلا بعض التواريخ والآثار الدالة عليها فقط.

ولا نستطيع أن نبني بسهولة حياة هذا الشيخ الجوالة الذي مهر في علم النسخ إلى أخريات أيامه رغم وجود المطابع، ولكنا نقول إن مهارته قد تكون راجعة إلى جمال خطه واتقانه. أما حياته فما تزال مجهولة عندنا. والظاهر أنه تعلم في قمار وتونس (نفطة؟)، وقد أدى فريضة الحج كما يدل اللقب الديني المضاف إلى اسمه، ولكننا نعرف عن بعض الأماكن التي أقام فيها أو

= معروفة في معسكر أوائل هذا القرن، وكان أحدها متوليا للتدريس في جامع معسكر.

(1)

لا نعرف من هو أحمد بن صالح المذكور، وقد وجدنا تاريخ 1103 ونحسب أنه تاريخ وفاته، دون التأكد من ذلك.

ص: 394

تردد عليها وبعض تواريخ ذلك. وكان أمثاله من علماء المنطقة يذهبون إلى المدن الشمالية والتل للهروب من شظف العيش والحرارة الصيفية، وفي الغالب كانوا يرجعون إلى مسقط رأسهم مع بداية موسم الخريف. ويبدو أن الشيخ علي كان يفعل ذلك. وزادت مهنته من حبه للتجوال بين المكتبات والزوايا وأهل العلم، ولو طلب من أحد أن يكتب عن الجزائر العلمية في مدار هذا القرن لكان هذا الشيخ من الفرسان لمعرفته بأمور كثيرة تتعلق بالتعليم والدين والمكتبات. ولكنه كان منشغلا بأشياء أخرى عن التآليف.

وحسبما وجدناه مسجلا في أوراقه المحفوظة، وعلى بعض نسخ المكتبة فإن الشيخ قد زار البلدان والمناطق الآفة في أوقات مختلفة: العاصمة 1302، ولعله زارها أكثر من مرة ولكن ذلك هو ما وجدناه مسجلا. ونفس الشيء يقال عن بعض الأماكن التي سنذكرها، وهي سوق أهراس التي كان بها في ذي القعدة سنة 1299، حسب نسخة بخطه جاء فيها:(حين غربتي عن أهلي، وذلك لامتحان الزمان واحتياجي إلى الله). وهذا تعبير قد يكون فيه تلميح إلى غربة اضطرارية لأسباب سياسية أو اقتصادية، لأن ذلك معنى الابتلاء الذي أشار إليه وحاجته إلى معونة الله. وكثيرا ما وجدناه يقصد الأوراس ولا سيما بلدة زوينة ومنعة، وكذلك بسكرة، إضافة إلى نفطة بتونس. وكان ربما من أتباع الطريقة القادرية، لأنه ذكر عدة مرات زاويتين ترجعان إلى هذه الطريقة وهما زاوية ابن عباس بالأوراسں (منعة)، وهي قادرية بالتأكيد، وزاوية سيدي الحسين، بنفطة، ولعلها هي زاوية الشيخ الحسين بن إبراهيم، وهي أيضا قادرية، وكان الحسين أخا للشيخ الهاشمي صاحب زاوية عميش. وقد يكون الحاج علي من المنتمين لعدة زوايا أو طرق صوفية، لأن مهنته تقتضيه ذلك، وكذلك التغطية السياسية كانت ضرورية بالانتماء إلى عدة طرق في نفس الوقت (1).

(1) من الذين ترجموا للحاج علي بن القيم، الشيخ محمد الطاهر التليلي في مخطوط له، وتوجد بعض أخباره أيضا فى كتاب (أضواء) لعبد الباقي مفتاح (مخطوط).

ص: 395

أطلنا عن قصد في الحديث عن الحاج علي بن القيم لأنه من أبرز النساخ المعروفين في عهد الاحتلال. ونقول المعروفين لأن هناك من لا نعرفهم، وربما يتفوقون عليه. ولكن النساخة عانت في هذا العهد نتيجة ظهور الطباعة وتقدمها. ولم يسبق اللجوء إلى النسخ إلا عند انعدام المطبوع، أو الاحتفاظ بنسخة خطية تكريما للخط الجميل عند المحافظين على هذا الفن، سيما في المصاحف التي يتفنن النساخ في إخراجها وتذهيبها وزخرفتها. وقد كان بعض الناس يكرهون، وربما يحرمون، المصاحف المطبوعة بحرف المطبعة ويفضلون عليها خطوط اليد. ونلاحظ أن النساخة بقيت شائعة في الأرياف عموما حيث الزوايا والحياة الدينية والعلمية التي لم تتأثر بالغزو الثقافي الأجنبي.

وكان بالعاصمة سوق شهير للوراقين قضى عليه الفرنسيون منذ الأيام الأولى للاحتلال. كما قضوا على مختلف الصنائع المحلية، ثم عادوا يتأسفون عليها بعد أن صوح نبتها وانقرض جيلها. وحين تذكروا ذلك في آخر القرن الماضي أخذوا يلاحظون الفرق الموجود في صناعات المغرب وتونس، وحاولوا الاستعانة بها لإنشاء وتطوير الصناعات التقليدية في الجزائر على أساس أنها قريبة الصلة بها وبالأندلس (1).

وفي زواوة وبجاية اشتهر محمد الطاهر بن محمد السعيد بن إسماعيل الزواوي الوغليسي بفن النساخة. وكان قد عاش حتى أدرك الاستقلال (1873 - 1969). ومن خطه عدة نسخ من كتاب علي بن فرحون في الأنساب. وكتاب ابن أبي جمرة في الحديث، وشوارق الأنوار للورتلاني، وغيرها (2).

ويذكر الشيخ المهدي البوعبدلي أن الشيخ البشير محمودي البرجي (خطاط شهير). وأنه ورث خزانة كتب أسلافه، وكان كلما اطلع على وثيقة

(1) راجع كراسات الاحتلال، بحث أوغسطين بيرك.

(2)

مراسلة من على أمقران السحنونى، بتاريخ 14 أكتوبر 1981.

ص: 396

هامة في هذه المكتبة أطلع عليها البوعبدلي. ولأريحته استغله بعض الناس فبذر مكتبته إذ كانوا يستعيرون منه الكتاب ثم لا يرجعونه إليه. ولم يذكر البوعبدلي هل كان الشيخ البرجي ينسخ الكتب لنفسه أو لغيره أيضا (1).

وفي العاصمة اشتهر علي بن الحاج موسى وعمر راسم وعمر بن سماية بالخط والزخرفة الفنية. ولا ندري إن كان عمر راسم قد نسخ الكتب، فلعله كان خطاطا فقط يجود الكتابة ويتمتع بجمالها أو يفعل ذلك لأغراض فنية علمية كالرسومات واللوحات. وكانت جريدة المبشر قد استجلبته ليعمل فيها خطاطا ورساما. أما عمر بن سماية فقد عثرنا له على لوحات فنية - دينية وزخرفة بالمنمنمات مع خطوط جيدة، ولكننا لا نعلم أنه كان نساخا للكتب. أما ابن الحاج موسى فقد كان مؤلفا وناسخا. وهو ما يعنينا هنا، إذ كان يجمع الكتب، وينسخها بنفسه فكون بذلك مكتبة لنفسه (2).

وكان الشيخ محمد أرزقي بن محمد السعيد المهداوي أمغار قد اشتهر بالنساخة أيضا. وكان حيا سنة 1295. وكانت عائلته من عرش بني عباس بوادي بو مسعود (الصومام) أصلا ثم استطونت الجزائر. وذكر له علي أمقران عدة منسوخات في الكتب المدرسية القديمة مثل شرح خالد الأزهري على مقدمة الأجرومية ومجموعة من كتب الدين والتصوف مثل الاستغاثات والأدعية (3).

ويذهب علي أمقران إلى أن كل أبناء ابن أبي داود خطاطون ونساخون. وقد تركوا آثارا بذلك، وأن أكثر من نصف مكتبة هذه العائلة مخطوط. وكان جده (محمد السعيد السحنوني المتوفى سنة 1914) شديد الولع بالنساخة أيضا، ولا سيما نسخ المصحف الشريف والكتب المتداولة عند الطلبة، وكان له خط واضح مقروء بسهولة. وكان الجد المذكور غير مهتم بالتأليف،

(1) البوعبدلي مقدمة (دليل الحيران)، ط. الجزائر 1978.

(2)

عبد الحي الكتاني (فهرس الفهارس) 2/ 288.

(3)

رسالة منه إلي 16 أبريل 1980.

ص: 397

ولذلك كرس اهتمامه للنسخ (1). ومن الشائع قديما أنه قلما يجتمع حب التأليف أو موهبته مع حب النسخ وموهبته، لأن المؤلف يشتغل بالتفكير أكثر من الخط عكس النساخ الذي يهتم بجماليات الخط أكثر من صيد الأفكار. وبعض المؤلفين لا تكاد تقرأ لهم خطا لسرعتهم في الكتابة وانشغال الذهن وحركة القلم والأصابع حتى أنهم كانوا ينسون بعض الكلمات في أقلامهم دون أن يخطوها بأيديهم على الورق، وهم يظنون أنهم كتبوها.

وفي قسنطينة اشتهر محمد الصالح العنتري بحسن الخط. وهو من عائلة كانت، فيما يبدو، تشتغل بالخطاطة والنساخة، إذ وجدنا مجموعا بخط أحمد بن محمد العنتري (ربما هو والد محمد الصالح) ويرجع إلى سنة 1223 (1808) ويتضمن خلاصات لكتب وأخبارا ومختارات في السياسة والخطابة والرسائل، منها كتاب سلوك المسالك في تدبير الممالك لابن أبي الربيع، ومجموعة من القصائد في المراثي لأدباء تونس (2). وكان أحمد العنتري كاتبا موظفا عند الحاج أحمد، باي قسنطينة، وقيل إنه تخلص منه في ظروف غامضة متهما إياه بأخذ الرشوة من الفرنسيين. أما إبنه (محمد الصالح) فقد ارتفع مقامه عند رئيس المكتب العربي البارون بواسوني وأصبح من كتاب المكتب العربي لحسن خطه. وقد اطلعنا له على بعض الرسائل وعلى تقييده المسمى مجاعات قسنطينة بخطه، فكان خطه على درجة جيدة من الدقة والفن. ولكننا لا نعلم أنه نسخ الكتب أو اشتغل بالوراقة (3).

وأثناء تصفحنا لبعض المجاميع في مكتبة أحمد بن السائح في بسكرة بتاريخ 21 سبتمبر 1983، عثرنا على عدة أعمال تذكر الناسخين، وأغلبهم كانوا من قمار أصلا وكانوا يقيمون أو يترددون على بسكرة. منهم: أحمد بن

(1) علي أمقران السحنوني، تاريخ 23 فيفري، وأخرى في 18 مايو، 1981. وله معي مراسلة أخرى أبريل 1979 (دون ذكر اليوم).

(2)

المجموع رقم 5093 في المكتبة الوطنية - تونس، يرجع المخطوط إلى المكتبة الأحمدية بالجامع الأعظم (الزيتونة) وعليه تحبيس رسمي.

(3)

انظر رسالة له إلى فيرو نشرناها في كتابنا (أبحاث وآراء) ج 3.

ص: 398

سالم الباي، بتاريخ 1307 (1889)، وعلي بن مبارك بن سالم الباي، ومحمد بن قدور بن علي بن فرحات الذي له منسوخات ترجع إلى سنة 1295 (1878)، وعلي بن الحاج صالح بن فرحات بن بلقاسم الذي نسخ للحاج محمد بن عمار بن أحمد بن عبدالله، سنة 1301. أما أحمد بن عمارة بن سعيد العمري فقد نسخ سنة 1306 كتاب وصف طيبة (المدية المنورة)، وكان الشيخ أحمد العمري (من أولاد عمر) إماما في جامع الشريعة بقمار.

وفي مكتبة الشيخ الحاج علي بن القيم بقمار أيضا وجدنا نسخة من الشاطبية المعروفة بحرز الأماني في القراءات من نسخ أحمد بن محمد بن بلقاسم السوفي نسبا التماسيني دارا (سنة 1298) كما وجدنا عملا منسوخا آخر في القراءات لمحمد بن أحمد بن عبد الله بن دغمان سنة 1297.

وقد عرفت عائلة ابن صارمشق في تلمسان بجودة الخط والنسخ والرسم والهندسة. وكلها فنون متصلة ببعضها. وأثرت هذه العائلة بفنها على المنطقة فوجدنا آثار ابن صارمشق في معسكر وغيرها، وكان أحد أفرادها يقيم بالجزائر سنة 1859 (1).

ونعرف من مراسلة جرت بين إيميل ماسكري، عميد مدرسة الآداب وأحد التجار الميزابيين في قصر البخاري سنة 1881. أنه كان في غرداية نساخ ماهر (لعله هو الذي كان ينسخ الكتب أيضا للشيخ أطفيش)، ومنها ما نسخه لماسكري وأوصله إليه عن طريق التاجر المذكور (2).

وحين ذكرت ترجمة الشيخ محمود بن الشيخ علي بن الأمين ذكر معها

(1) عن ذلك انظر ليكليرك عن جامع العين البيضاء بمعسكر في المجلة الأفريقية، 1859، ص 42 - 46. واسم هذا الشخص هو حمو بن سارمشق المولود بتلمسان والمقيم عندئذ بالجزائر. وفي تلك الأثناء أصدرت عليه السلطات حكما قضائيا لا ندري محتواه، حسبما جاء في (الأخبار) أكتوبر 1859.

(2)

ابن سديرة (كتاب الرسائل)، ص 216. منها كتاب تبيين أفعال العباد وكتاب أحكام الديوان.

ص: 399

أنه كان (نساخا عجيبا) للكتب. وقد عرفنا في مكان آخر أن هذا الشيخ هو الذي استعمل قلمه في (المبشر) وتولى التدريس بالجامع الكبير بالعاصمة وكان إماما في الليسيه (الثانوية)، وأنه توفي في 17 فبراير 1897.

وذكر أبو القاسم الحفناوي أن والده كان له (خط جميل لا نظير له في الجزائر)، وكان قد تعلمه في نفطة عندما كان تلميذا، للمدني بن عزوز في الزاوية الرحماية - العزوزوية. ونفهم من كتابة الحفناوي أن والده اعتمد في معيشته على الزراعة ونسخ الكتب. وكانت وفاته سنة 1893 (1).

وكان الحاج الباهي العنابي من أبرز النساخين والخطاطين أيضا. وكان يوقع منسوخاته بعبارة (خديم الطلبة) أي العلماء والمتعلمين. ويغلب على الظن أن إقامته كانت في قسنطينة وليس في عنابة. ومن منسوخاته (نتيجة الاجتهاد) لأحمد الغزال (وكفاية المحتاج) لأحمد بابا، كلاهما نسخة لمحمد العربي بن عيسى، ناظر الأوقاف بقسنطينة عندئذ، وقاضيها زمن الحاج أحمد باي. جاء في نهاية النسخة أنه كتب لسيده (الجهبذ النقاد العالم العلامة ذي السداد، مأوى الفقراء، مولانا أبي عبد الله محمد العربي ناظر النظراء، ببلد قسنطينة ذات الهواء، فما أسعده من بلد احتوى على عالم الوراء) وقد فرغ من النسخ في ربيع الثاني، سنة 1248 هـ. وكانت مكتبة محمد العربي بن عيسى، كما سبق، هي إحدى المكتبات الخاصة التي عاث فيها الجنود الفرنسيون عبثا وفسادا، ثم حمل منها بيربروجر ما استطاع إلى العاصمة (2)

وعرف الشيخ أبو يعلى الزواوي بنسخ الكتب أيضا وكذلك بجودة الخط. ونعرف أنه نسخ في شبابه للمستشرق لوسياني كتاب (أعز ما يطلب) لابن تومرت، ورأينا خطه في بعض مراسلاته. واطلعنا على بعض الأوراق

(1) تعريف الخلف، 2/ 187.

(2)

وجدنا خط الناسخ الحاج الباهي العنابي على مجموع رقم 1738 بالمكتبة الوطنية - الجزائر. والتاريخ هو 1248 (حوالي 1832). وعن الحاج الباهي انظر أيضا فصل النثر.

ص: 400