الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقعه (1). ولا شك أن مشاريع طباعية أخرى قد ظهرت في الجزائر بعد الحرب المذكورة. وكذلك المكتبات التي تولت شؤون النشر، مثل مكتبة النهضة، ودار الكتب.
الجمعيات والنوادي الثقافية
الجمعيات والنوادي ظاهرة اجتماعية تدل على النضج والاستجابة لمتطلبات الحياة المدنية الحديثة. والجزائر التي كانت تعيش تحت تعسف قانون الأهالي البغيض (الاندجينا) لا يمكنها أن تتمع بهذا النشاط دون أن يتعرض القائمون عليه للاضطهاد والسجن. ومن جهة أخرى فقد كان الجزائريون محرومين من صفة وحقوق (المواطن) فقد كان القانون الفرنسي يعتبرهم (رعايا) ولا يمكنهم أن ينشدوا الحرية ولا الحقوق المدنية ولا السياسية، ولا حتى الجمعيات والنوادي الثقافية والفنية دون ملاحقة القانون التعسفي.
وقد كنا تناولنا دور الجمعيات والنوادي في مناسبات أخرى، باعتبارها ظاهرة اجتماعية تدل على اليقظة والنهضة (2). ويهمنا الآن جانب واحد من نشاطها وهو النشاط الثقافي والفني. ويبدو أن أول ما بدأ هذا النشاط كان بمبادرات فرنسية من فرنسيين متعاطفين مع القضايا الجزائرية أو بدفع من الإدارة الأهلية نفسها لأغراض تتماشى مع سياسة العناية بالجزائر الأهلية التي جاء بها شارل جونار بالخصوص، وسانده في ذلك دومينيك لوسياني. ذلك أن معظم الجمعيات والنوادي التي ظهرت لأول مرة كانت خلال العشرية
(1) انظر كلمة الشيخ الإبراهيمي عن هذه المطبعة في البصائر 3/ 9/ 1954.
(2)
انظر كتابنا (دراسات في الأدب الجزائري الحديث)، ط 3، تونس 1983. وكذلك الحركة الوطنية، ج 2، وتناول غيرنا ذلك في عدة مناسبات، مثل سعد الدين بن أبي شنب، ومحمد علي دبوز، وأحمد توفيق المدني، ومحمد ناصر، وعمار هلال. انظر أيضا رسالة الباحث عبد المجيد بن عدة (مظاهر الإصلاح
…
)، ورسالة الباحث أحمد مريوشں (الشيخ الطيب العقبي).
الأولى من هذا القرن. أما قبل ذلك فلم يكن يوجد سوى نوعين من الجمعيات المدعومة من الحكومة العامة أيضا، وهي الجمعيات الخيرية التي تتولى الاشراف على توزيع المساعدات الخيرية والصدقات على الفقراء في المدن، والثانية جمعيات الاحتياط التي تتألف عادة من المزارعين لحماية الفلاحين في السنوات العجاف (1).
أعطت السلطة الفرنسية إذن الضوء الأخضر لتكوين الجمعيات التعليمية والاجتماعية منذ أول هذا القرن. فظهرت في العاصمة عدة تنظيمات أبرزها الجمعية الرشيدية والجمعية التوفيقية. وقد رأسها في الظاهر بعض الجزائريين المتجنسين بالجنسبة الفرنسية والمتخرجين من المدارس الفرنسية، أمثال د. بلقاسم بن التهامي، ومحمد صوالح، ود. الطيب مرسلي، ومختار الحاج سعيد، والشريف بن حبيلس. فظهور الجمعيات إذن كان في أوساط المثقفين بالفرنسية المعروفين بالاندماجيين. وقد اندفع معهم عدد آخر من المثقفين بالعربية ومن رجال الدين فساندوهم بإلقاء محاضرات في موضوعات محددة، ومنهم: المفتي ابن الموهوب في قسنطينة والمجاوي في العاصمة والقاضي شعيب في تلمسان.
والموضوعات التي عالجتها هذه الجمعيات لم تدخل ميدان المسرح والتمثيل ولا الحياة الفنية. وإنما دخلت ميدان التعليم والتوعية وتنشيط
(1) الجمعيات التعاونية كانت موجودة قبل الاحتلال وظلت موجودة بعده إلى حوالي 1850 حين حلها الفرنسيون خوفا منها. كما أن الباحثين تحدثوا عن جمعيات سرية مثل الجمعية الدينية التي ظهرت في السبعيات وتراسلت مع السلطات العثمانية. انظر عبد الجليل التميمي (بحوث)، تونس 1972. وقد وجدنا ما يدل على أن الأمير مصطفى فاضل - وهو أخو الخليوي اسماعيل والي مصر، كان له دور في الجمعية الدينية التي تراسلت باسم الجزائر مع السلطان العثماني طالبة منه العون ضد فرنسا، وقد ثبت أيضا أن ابنة الأمير المذكور كانت متزوجة من خليل بوحاجب بن سالم بوحاجب العالم والمصلح التونسي الذي تعاون مع خير الدين باشا التونسي في إصلاحاته خلال السبعينات. وعندما زار الشيخ محمد عبده تونس زيارته الأولى سنة 1884 نزل عند خليل بوحاجب وزوجته الأميرة نازلي.
الشباب وحمايته من الانحراف وحثه على العمل. نظمت المحاضرات باللغتين، وعالجت قضايا الفكر المعاصر من تراث وطب واختراعات وأدب وتاريخ. وشارك رواد الاتجاه الاندماجي (النخبة) بقسط وافر في هذا النشاط (1). وقد قيل عن الجمعية التوفيقية بأنها (ودية خيرية وتعليم أدبي وعلمي). وكان نادي صالح باي في قسنطينة من صنف هاتين الجمعيتين.
أما من الناحية الفنية فلا نعرف إلا وجود (جوقة) أو فرقة كان يقودها الفنان محمد بن علي سفنجة قبل الحرب العالمية الأولى، وقد تحدث عنها وعنه السيد رواني سنة 1904. أما الجمعية (المطربية) التي كونها اليهودي ادمون يافيل، فلا نعرف متى تكونت بالضبط، ولعلها لم تظهر إلا بعد 1919.
خلال العشرينات ظهرت عدة جمعيات ونواد أيضا في العاصمة وغيرها. وتوسع ذلك مع نشاط الحركة الإصلاحية وظهور الأحزاب السياسية وجمعية النواب. وقد رافق ذلك نوع من التسامح من الإدارة الفرنسية لإنشاء مثل هذه الخلايا الاجتماعية، ما دامت تحت رقابتها الشديدة. كما أن مبادرات الجزائريين لم تعد تتوقف على مبادرات الفرنسيين في ذلك. ومن أبرز الجمعيات غير الفنية والنوادي بالعاصمة، جمعية الشبيبة الإسلامية ونادي الترقي. وجمعية التربية والتعليم في قسنطينة ونادي السعادة في تلمسان وفي قسنطينة أيضا (تأسس سنة 1926)، ونادي الاتحاد الأدبي الإسلامي في مستغانم. وقد شهدت مدينة قسنطينة وحدها ميلاد حوالي 26 جمعية مدنية قبل الحرب العالمية الثانية. وقل مثل ذلك في غيرها من أنحاء القطر.
وكان نادي الترقي قد نظم بين 1927 - 1929 حوالي ثلاثين محاضرة بالعربية وعشرة بالفرنسية. وبلغ أعضاؤه 270 عضوا. وما يلفت النظر هو أن نادي الترقي كان يشجع الحياة الفنية الموجهة لأداء رسالة اجتماعية وذلك عند
(1) عن أعضاء الجمعية الرشيدية سنة 1910 انظر (مجلة العالم الإسلامي)، مارس 1910، ص 439. انظر كذلك الحركة الوطنية، ج 2.
احتفالاته السنوية. فقد مثل وغنى الممثل الفكاهي رشيد قسنطيني في حفلة أقامها النادي سنة 1929، كما أن جمعية الشبيبة الإسلامية كانت تحيي احتفالا سنويا يقوم به التلاميذ وغيرهم بتمثيل بعض الروايات وإنشاد الشعر والاستماع إلى القطع الموسيقية (1). وكذلك كانت تفعل مدرسة التربية والتعليم في قسنطينة ومدارس جمعية العلماء فيما بعد، إذ أصبح التمثيل والإنشاد والموسيقى الشعبية جزءا من وسائل جلب الجمهور وتوجيهه نحو الإصلاح والنهضة.
أما الجمعيات ذات الطابع الفني المحض فلم تظهر على يد الجزائريين إلا خلال عقد العشرين وما بعده. فقد تحدث أحمد توفيق المدني سنة 1929 عن وجود جمعية في تلمسان باسم (جوق) الحاج العربي بن صاري. وذكر عدة جمعيات أخرى يبدو أنها ظهرت في العاصمة وهي (الجزائرية) و (الأندلسية) و (الطليعة) التي قال عنها - أي الطليعة - إنها تتبنى الموسيقى العصرية. ومن ذلك جمعية (المطربية) التي لم يذكر تاريخا لظهورها، غير أننا نعرف أن محيي الدين باش تارزي قد تولاها بعد وفاة يافيل، كما مر (2). أما سعد الدين بن أبي شنب فقد ذكر جمعية (المهذبة) التي رأسها علي الشريف الطاهر، سنة 1921، وهي جمعية للأدب والتمثيل العربي. وقد مثلت ثلاث مسرحيات بين 1921 - 1924. وقال أيضا إن هناك جمعية أخرى لم تتشكل شرعا وقامت بتحميل رواية (في سبيل الوطن) في ديسمبر 1922، ونجحت نجاحا باهرا ولكن السلطات الفرنسية منعتها من تمثيلها مرة أخرى. ولم يكشف ابن أبي شنب عن اسم ولا مسؤولي هذه الجمعية التمثيلية المجهولة. وبالإضافة إلى ذلك لم تعلن جمعية أخرى عن نفسها أو
(1) هذه الظاهرة نجدها أيضا في نادي صالح باي، قبل 1914، إذ كان ابن الموهوب ينظم أشعارا للتلاميذ ليغنوها على ألحان السيد بسطانجي. انظر الحركة الوطنية، ج 2.
(2)
المدني (كتاب الجزائر)، مرجع سابق، ص 342. انظر لاحقا، فصل المنشآت الثقافة 2.
لم تتحدث عنها وسائل الإعلام عندئذ وهي الجمعية التي مثلت رواية (المصلح) سنة 1923 في العاصمة أيضا، وكانت الرواية من تأليف أحمد فارس (1). ولعلها هي الجمعية المجهولة التي مثلت رواية (في سبيل الوطن). وأخيرا نذكر جمعية (الزاهية) أو فرقتها وهي التي كونها علي سلالي (علالو) حوالي 1929 ودامت إلى سنة 1932.
وتثبت بعض الإحصاءات أن قسنطينة وحدها قد عرفت ميلاد عدد من الجمعيات الفنية التي تهتم بالتمثيل والموسيقى والمسرح، حتى بلغت أربع عشرة جمعية بين 1930 - 1935. ثم ظهرت جمعيات أخرى بعد هذا التاريخ، كما اختفت جمعيات كانت قائمة.
ومن ذلك جمعية أحباب الفن التي تأسست في مايو، 1933 لإحياء التراث العربي من الآداب والموسيقى والفنون. وكانت برئاسة محمد رحموني وعضوية إبراهيم العموشي وأحمد بوشمال. وكانت على صلة بحركة الإصلاح التي يقودها ابن باديس في المدينة. ولذلك كان نشاطها مرتبطا بنشاط مدرسة التربية والتعليم أيضا، فكانت تحيي السهرات الفنية لجمع التبرعات والمال لأبناء المدرسة، وهي إحدى وسائل ابن باديس في توسيع مشاريعه.
ثم تأسست جمعية الشباب الفني في إبريل، 1937، بعد انقسام حدث في جمعية أحباب الفن. فقد تولى الجمعية الجديدة (الشباب الفني) أحمد بوشمال وإبراهيم العموشي. وكان كاتبها العام هو الشيخ عبد الحفيظ الجنان، أحد تلاميذ ابن باديس. وكانت الشباب الفني قد أخلصت في أهدافها للحركة الإصلاحية. وقد وظفت الفن والتمثيل والموسيقى لخدمة النهضة العربية الإسلامية في الجزائر. وضمت أيضا، الأسماء التالية: الشريف حاج سعيد، وعبد السلام بلوصيف، وخليل بلقشي. وكانت جمعية الشباب
(1) سعد الدين بن أبي شنب، (المسرح العربي الجزائر)، في المجلة الافريقية، 1935، ص 75.
الفني المدعومة من ابن باديس تمثل أيضا في مدن إقليم قسنطينة وتجد نجاحا كبيرا، ومن أبرز حفلاتها تلك التي كانت بكلية الشعب بقسنطينة في مايو 1937. وتلتها سهرة أخرى في ديسمبر من نفس السنة. وقد حضرها مئات الجزائريين (ألف شخص حسب بعض الاحصاءات) وفيها أيضا النساء، كما حضرها بعض الأوروبيين. وكانت الحفلة مسيسة إذ كان من بين الحاضرين أعضاء من حزب الشعب والعلماء والنواب والشيوعيين. وكان للفرقة لباس رسمي موحد، وكانت تقدم التمثيليات والقطع الموسيقية. وفي المناسبة الأولى ألقى ابن باديس نشيده (اشهدي يا سماء) وهو نشيد وطني يبشر بالجزائر الحرة (1).
وهناك جمعيات أخرى اهتمت أيضا بالفن والتمثيل في قسنطينة، وهي مرافقة لحركة النهضة، كما ذكرنا. ومنها جمعية الهلال التي ظهرت سنة 1932 (12 جوان). أسسها بعض هواة الفن الذين رغبوا في المحافظة عليه، وقد دفعتهم إلى ذلك الغيرة على التراث والخوف من اندثاره.
وفي أوائل 1934 تكونت في نفس المدينة جمعية المنوبية، على يد شباب المدينة الهواة للموسيقى والفنون الأخرى. ولعلهم كانوا متأثرين بالحركة الفنية في تونس أيضا. ثم تكونت جمعية الهلال التمثيلي، وهي غير الأولى، سنة 1938 (18 مايو). وكان هدفها تجديد الفن وإحياء اللغة العربية الفصحى عن طريق المسرح. وقد ذكرنا سابقا أن هذه الجمعية قد مثلت سنة 1939 مسرحية عن آفات الخمر والأمية. وتعاونت مع زميلتها الشباب الفني في استقبال أعضاء نادي الشباب بقالمة (2).
إلى جانب هذه الجمعيات الفنية هناك جمعيات غير فنية في ظاهرها
(1) جريدة (المغرب العربي)، 18 جوان 1937، عدد 4. ومعلومات مكتوبة قدمتها لنا الباحثة كريمة بنت حسين في مايو، 1990.
(2)
كريمة بنت حسين، مراسلة، مايو 1990، من قسنطينة. وكذلك (الشهاب) ابريل 1939، ص 155.
ولكنها كانت تعبر بالأناشيد ونحوها على دورها في إحياء الشعر العربي الفصيح والتمثيل، ومعظم هذه الجمعيات كانت كشفية أو خيرية. والأمثلة على ذلك توجد في كشافة الرجاء وكشافة الصباح التي توحدت تحت اسم واحد وهو الرجاء. وقد أشار ابن باديس إلى كليهما في قصيدته الشهيرة (شعب الجزائر مسلم). وكان إعداد شبابهما إعدادا عسكريا، مما جعل جريدة (المغرب العربي) تقول عن الفرقتين (ارتفع الستار عنهما في لباسهما الرسمي، وفي شكل حركات الجندية بإعدادهما ونظاماتهما الخصوصية
…
فهتفت لهما الأيدي بالتصفيق الحاد، والقلوب بقولها: اللهم حقق الرجاء. وانسحبوا (أي الكشافة) من القاعة، كما ظهروا، بحركات عسكرية تثبت في الأفئدة وترسخ في العقول حتى يتحقق الرجاء، إن شاء الله) (1).
وفي 1940 (20 يناير) قدمت جمعية الشباب الفني مسرحية (الدكتاتور) أو المستبد، على مسرح قسنطينة. ولا نعرف الآن من ألف هذه المسرحية. ويبدو أن موضوعها كان يتناول استبداد الإدارة الفرنسية في الجزائر بالتلميح، كما يتناول في الظاهر الاستبداد النازي في ألمانيا والعالم. ومن ثمة فالمسرحية كانت من وحي الاستعمار والحرب. وكان ابن باديس قد أوقف مجلة الشهاب، كما أوقفت جمعية العلماء جريدتها البصائر، فلا سبيل لمعرفة المزيد عن هذه المسرحية منهما (2).
أما جمعية المزهر البوني للتمثيل فقد تأسست سنة 1932. واسمها يدل على أنها وليدة مدينة عنابة، كما ذكرنا آنفا. وكان غرضها هو محاربة الآفات الاجتماعية والنهوض بالمجتمع عن طريق الموسيقى والتمثيل بتشجيع استعمال العربية الفصحى والرقي بها (3).
(1) جريدة المغرب العربي، عدد 4، 18 جوان 1937. وقد كان (شباب المؤتمر الإسلامي) يتكون أيضا على هذا النمط بين 1936 - 1938.
(2)
كريمة بنت حسين، مرجع سابق.
(3)
مجلة (الشهاب) ابريل 1932، ص 242. عن الجمعيات الفنية انظر أيضا فقرة المسرح لاحقا.
لا شك أن هناك جمعيات ونوادي أخرى قامت بدور التمثيل المسرحي والموسيقى والغناء، كما حدث في تلمسان. وكان بعض هذه الجمعيات قد أسس لدفع حركة التعريب، وبعضها قد أسس لتشجيع التمثيل بالدارجة والوصول إلى الجمهور للرقي به فنيا وذوقيا. وهناك من أسس الجمعيات لأغراض اجتماعية في إطار ما تسمح به القوانين الفرنسية ومماشاة للتيار التجديدي أو العصري، بينما تأسست جمعيات ونواد تابعة لجمعية العلماء لخدمة الاتجاه الإصلاحي على العموم. وقد تنافست في ذلك الأحزاب أيضا بعد أن سمحت لها الإدارة بالنشاط، ولا سيما بعد 1946.
ونلاحظ أن بعض الجمعيات والنوادي كانت تحمل أسماء اجتماعية وأخرى أسماء فنية. ولكنها جميعا تقريبا، أسماء مستمدة من التراث العربي الإسلامي. ومن هذه الأسماء نجد كلمات: الإسلامي، والديني، والفلاح (بتخفيف اللام)، والسعادة، والرجاء، والاتحاد، والإرشاد والإصلاح والحياة والشباب والأخوة والاستقامة والنهضة والفتح
…
أما الجمعيات والنوادي الفنية فتحمل أسماء مثل المزهر، والعندليب، والأوتار، والفن والأدب، والمطربية، الخ (1).
ويجب ألا يفهم من تركيزنا على بعض المدن أن المدن الأخرى صغيرة أو كبيرة، لم تشهد ميلاد النوادي والجمعيات، ولم تعرف النشاط الفني والكشفي والموسيقي. إن الظاهرة كانت عامة، وكان هناك تنافس كبير. ولكن الإمكانات لم تكن متوفرة للجميع بدرجة واحدة. وقد تعرضنا في كتابنا (دراسات في الأدب الجزائري) إلى بعض التفاصيل.
رأينا أن المنشآت الثقافية في الجزائر كانت متباعدة ولا يمكنها أن تخدم أهدافا واحدة. فالفرنسيون أسسوا المكتبات والمتاحف والجمعيات العلمية والمسارح والسينما والصحافة والإذاعة لأنفسهم. كما أنشأوا
(1) عمار هلال (النوادي الثقافية
…
) في (مجلة الدراسات التاريخية) عدد 7 سنة 1993، ص 124 - 140. وكذلك دبوز (نهضة)، ص 229 - 260.
المقاصف والكونسيرفتوار والفرق الموسيقية لخدمة الجالية الفرنسية في الجزائر. وقد رأينا أن المطابع والتمثيل والصحافة وفرق الموسيقى، كلها قد تأخرت عشرات السنين في الظهور بالنسبة للجزائريين. ولذلك بدأت مقلدة في أغلبها لما كان شائعا منها على يد الفرنسيين. والمقلد قلما يتفوق على المقلد. وهذه المنشآت الثقافية الجزائرية واجهت صعوبات جمة سياسية ولغوية وتعليمية وفنية. فالقوانين كانت لا تسمح بحرية التعبير ولا الحركة ولا التجمع. والشعب قد أضرت به الأمية، وارتمى في أحضان الطرقية والخرافة، والذوق الفني والجمالي كان يعاني من البعد عن التراث وإنتاج الحضارة العربية - الإسلامية، وقد رأينا أن الصحافة العربية نفسها قد بدأها الأجانب، وأن الموسيقى كما سنرى، قد سجلها أحد اليهود، وأن المسرح كان يعتمد في أوله على بعض الممثلين الأجانب أيضا، وأن المطابع كانت كلها أجنبية إلى أوائل هذا القرن.
ومع ذلك فإن نهاية الحرب الثانية قد عرفت انطلاقة كبيرة في عدة ميادين ثقافية كانت من قبل محتكرة للأجانب. وإذا كانت المكتبات العامة والمتاحف والإذاعة ظلت من احتكار السلطة الفرنسية، فإن الصحافة والمسرح والمطبعة والموسيقى ونحوها قد تحررت وأخذ المبدعون الجزائريون يؤسسون الصحافة والمطابع والفرق الموسيقية والتمثيلية. وساندت حركة الشعر والغناء وانتشار التعليم هذه المنشآت. كما وظفت الأحزاب السياسية والجمعيات هذه الوسائل للنهضة وتوعية الجمهور.