الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد تقبل الجميع فيما يبدو استعمال اللغة العربية سواء كانت فصيحة أو دارجة.
الموسيقى
الموسيقى الجزائرية أصيلة ومتنوعة. وترجع أصالتها إلى كونها مستوحاة من التراث المشترك الذي انتجته العبقرية الشعبية. وتمتد جذور هذا التراث إلى عهود قديمة قدم الإنسان الجزائري على أرضه. وهي أيضا موسيقى متنوعة لاختلاف مناطقها أو بيئاتها من جهة وللتأثيرات الخارجية من جهة أخرى. وكان اتساع الرقعة الجغرافية للجزائر وصعوبة المواصلات وتنوع الخارطة المناخية، قد جعل الموسيقى متنوعة النغمات والأداء والأسماء.
وقد كتب بعض القدماء عن هذه الموسيقى وربطوا بينها وبين الشعر، وبينها وبين الرقص والحركات الجسمانية والتأثيرات النفسية، ولكنهم لم يسجلوها أو يكتبوها حسب قواعد ثابتة وموروثة وإنما اعتمدوا في ذلك على الذاكرة وحدها. ولذلك قام الأجانب بكتابة قواعد هذه الموسيقى. فوجدنا في العهد العثماني عددا منهم يسجلون نماذج من النوطات، مثل الدكتور شو الإنكليزي. وبعد الاحتلال الفرنسي لم يقع الاهتمام بالموسيقى الجزائرية كما وقع الاهتمام مثلا باللهجات والمخطوطات والمعالم الأثرية. ولا نكاد نجد دراسات وصفية عميقة لتطور هذه الموسيقى وعلاقتها بحياة الناس اليومية.
وكانت الموسيقى شائعة في الحياة العسكرية أيضا. فقد كانت لفرق الجيش موسيقاها المميزة في الحل والترحال. ومعظم قادة الثورات ضد الاحتلال اتخذوا الفرق الموسيقية التي تسبق تقدمهم أو تعبر عن انتصارهم. وكان للأمير عبد القادر فرقة خاصة لعزف النوبة، وتسمى موسيقى السلطان (الأمير). وكان الموسيقيون يتقدمون تحت ظلال الأعلام أو الرايات الملونة، وهم يعزفون موسيقاهم التقليدية بآلات خاصة، ولهم رئيس معروف. ويذكر
ليون روش الذي عاش في معسكر الأمير وسار معه في الحملات أن الفرقة كانت تعزف ألحانا تركية (ربما يعني تقليدية متوارثة) وكذلك الألحان الأندلسية، ولاحظ أن الرايات كانت ترفع أمام وطاق (خيمة) الأمير، كما كانت تتبعه حيثما سار. وهذه الرايات كانت بالألوان الخضراء والصفراء والحمراء، وكانت مطرزة بالذهب والحرير على قماش من الساتان. والمطروز عبارة عن آيات من القرآن الكريم، وفي أعلى الرايات توجد الأهلة والكور الفضية. كما لاحظ روش أن الخيل كانت تتأثر بالموسيقى أيضا فتتوقف عن الاكل وترفع رؤوسها وتظهر الابتهاج بحركات الغدو والرواح والصهيل، وهي تتحرك بسيقانها كأنها تريد أن ترقص (1).
نشير إلى أن عددا من الدارسين قد اهتموا بها وألفوا فيها، وكان ذلك بعد إهمال لها بحجة عدم فهمها وجفائها وابتعادها عن الذوق الفرنسي. ومن الذين سبقوا إلى ذلك دانيال سالفادور الذي قد يكون من أصل إسباني، ولكنه نشر بحثه بالفرنسية سنة 1862، بعد أن قضى حوالي عشر سنوات وهو يمارس الموسيقى مع الفرق الجزائرية (2). ثم يأتي دور إدمون يافيل اليهودي الذي نشر سنة 1901 سجله عن هذه الموسيقى، وقد كان له فضل كبير في المحافظة عليها، رغم ما ارتكبه من أخطاء (3).
ومن الدارسين لها أيضا السيد رواني Rouanet سنة 1905 إذ نشر بحثا. بعنوان (الموسيقى العربية)، وقد وصفها وآلاتها وتطورها وأنواعها، ولا سيما موسيقى الحضر أو الأندلسية. وقد استعان في بحثه برجلين خبيرين في الموضوع، وهما يافيل المذكور ومحمد سفنجة. ويقول عن يافيل إنه كان يغار على الموسيقى العربية ويدفع عنها من ماله وغذائه، وله حماس شديد لها لإنقاذ
(1) ليون روش (اثنتان وثلاثون سنة في الإسلام)، ج 1، باريس 1884، ص 170 - 171.
(2)
دانيال سالفادور (الموسيقى العربية) في المجلة الأفريقية، سلسلة مقالات وفصول، 1862.
(3)
إدمون يافيل (سجل الموسيقى العربية والأندلسية)، الجزائر، 1901.
آلاتها وفنوها. وأما سفنجة فقد قال عنه إنه (المعلم) العارف بهذا الفن وأنه تعلم منه وحده ألف نغم (ميلودي) وكلمات. كما أخذ عنه السيد رواني مجموعة من الآراء حول الموسيقى العربية. وسنرجع إلى الحديث عن هذه الدراسات.
وفي سنة 1913 قام المستشرق المجري بدراسة موسيقى نواحي بسكرة (بما فيها القنطرة وسيدي عقبة وطولقة). واسمه بيلا بارتوك. وقد نشرها أولا بالمجرية سنة 1917 ثم بالألمانية سنة 1920، واستخرج حوالي 65 نغما (ميلودي). ثم قام ليو - لويس باربيس بترجمة النص الألماني إلى الفرنسية، ونشره في (حوليات معهد الدراسات الشرقية سنة 1961) بالجزائر. وكان السيد بارتوك يعرف لغات عديدة منها ما ذكرناه (وقد درس في فرنسا سنة 1905) ومنها أيضا الأسبانية والإنكليزية. وكان مهتما بالفولكلور لدى مختلف الشعوب. وكان عمره عندما زار الجزائر وقام بمهمته المذكورة 32 سنة. وفي سنة 1932 قدم بارتوك ثلاث صفحات هامة للمؤتمر الموسيقي العربي الذي انعقد بالقاهرة. وسنعود إلى دراسته أيضا.
وفي سنة 1931 قدم الشيخ أحمد توفيق المدني وصفا مختصرا لوضع الموسيقى وآلاتها وأناسها وجمعياتها وأنواعها. وفي نفس السنة قام السيد لوسيان داروي DARROUY بنشر بحث عن (الموسيقى الإسلامية في شمال افريقية)، وكان للموسيقى الجزائرية فيه نصيب. وكان قد نشر الدراسة في مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر، واهتم بالخصوص بموسيقى العاصمة وتلمسان. وسنرجع إلى مقاله.
ومن أبرز ما قام به الكتاب العرب والمسلمون في الحديث عن الموسيقى التي نحن بصددها، الجهد الكبير الذي بذله محمود قطاط التونسي في وصف مختلف آلاتها وفنونها ومناطقها وتطورها. وتعتبر دراسته شاملة ومفيدة. وتبدو على صاحبها روح الإحاطة والخبرة بالموضوع والاهتمام به، وقد رأينا منها الجزء الذي نشره في مجلة (الحياة الثقافية) التونسية سنة 1984.
ومن المبكرين فى دراسة الموسيقى الجزائرية شعيب بن على، قاضى
تلمسان، الذي ألف كتابا في الموضوع، وكذلك أبو علي بن محمد الغوثي، وكلاهما من تلمسان، وكان وقت تأليفهما متقاربا. كما نشر محمد القاضي كتابا حول الشعر الملحون، وأخيرا نشر جلول يلس والحفناوي أمقران كتابهما في التراث الغنائي. وفي مجلة (آمال) عدد خاص عن الشعر الشعبي، وقام عبد الحميد حاجيات بتحقيق (الجواهر الحسان) الذي جمعه محمد بن مرابط. ولا شك أن لمحمد سفنجة وسفير البودالي وغيرهما أعمالا حول الموسيقى أيضا. وسنعرض لما كتبه جزائريون آخرون أمثال محمد زروقي وطالبي في الموضوع. وقد يكون عمر راسم الذي حضر مؤتمر القاهرة المذكور (1932) قدم عملا عندئذ سواء أثناء المؤتمر أو بعده (1).
…
إن الربط بين الموسيقى والشعر والغناء والرقص ضروري. والذي يؤرخ لهذه الأنشطة الإنسانية يلاحظ أنها مثل روح الشعب الذي ينتجها، تقدما وتخلفا، قوة وضعفا. وقد تدهور الشعر الغنائي منذ الاحتلال وكادت تختفي الموشحات. ولبس الناس لباس الحزن، كما عبر محمد بن الشاهد، وهو شاعر مجيد، وانفضت مجالس الطرب واللهو، واشتغل الناس بالحروب ثم الهجرة، وتفرقت العائلات وتشتت الأحباب، ثم تقوقع الباقي على أنفسهم وهم أقرب إلى القنوط منهم إلى الأمل والرجاء. ولذلك فإن ظاهرة الشعر الملحون - الأزجال - قد كثرت خلال هذا العهد على حساب الموشحات والشعر الغنائي الرقيق باللغة الفصحى، وذلك راجع بدون شك إلى إهمال الثقافة العربية وانقطاع الجزائري عن ماضيه وتراثه الشعبي. وماذا بقي بعد ذلك؟ بقي شعر الغزل بالعامية والشعر الديني، والتوسلات الصوفية، والفروسية، وظلت المرأة تترنم بالغناء لابنها أو ابنتها بأشعار تبدعها بعاطفتها الجياشة. كما استمر شعر الحزن والموت أو الرثاء. ولكن الشعر العامي (الملحون) خلال هذه الفترة ضعف أيضا لضعف الثروة اللغوية عند الشاعر أو
(1) عن هذه الأعمال انظر فصل الفنون.
الشاعرة، وضعف الثقافة الأدبية التي تهذب العاطفة وتساعد على توليد الأفكار وتقدم بدائل جديدة من لغة التراث. كما أن اللغة الفرنسية قد دخلت في الشعر الشعبي أيضا، فصرنا إذا قرأنا زجلا نجد فيه ألفاظا فرنسية تكثر أو تقل حسب الزمن الذي قيلت فيه وقرب صاحبها أو بعده من المراكز الفرنسية وتأثره بأهلها.
كما أن الرقص والغناء قد تأثرا بالعهد الجديد. فالحفلات والمناسبات قليلة، وكادت تنحصر في الاجتماعيات والدينيات. كان الغناء الديني مجالا واسعا لتطوير الأصوات وتطويعها سواء بالشعر القديم الفصيح أو الملحون. فانحصر أو كاد في الغناء الصوفي الذي يستعمل التوسل بالأولياء، واستقبال المشائخ، وشاع نوع من المدائح الدينية الغزلية - إذا صح التعبير - وهي تلك الأشعار التي يتخيل أصحابها الرسول شخصا محبوبا فينعتونه بأنواع من الألفاظ لا يستعملها إلا المحبون والعشاق. وهي أشعار تتناسب مع الأداء الصوتي الرخيم. أما الحفلات الإجتماعية فالرقص فيها للنساء، كما سنعرف. أما الرجال فلهم رقصات تسمى رقصات البارود والفروسية. وكل هذه التعابير (الغناء والرقص والشعر والموسيقى) قد اختلفت من منطقة إلى أخرى. ومن الصعب دراستها على أنها تمثل وحدة تعبيرية متميزة، ولكن لها مع ذلك قدر مشترك، وهو تلك الروح الشعبية العميقة التي أنتجتها عبقرية البيئة والإنسان.
في المدن، ولا سيما في العاصمة، كانت الحفلات تقام في المقاهي وفي خلوات خاصة طالما وصفها السواح والرحالة. وبعد الاحتلال استمرت هذه الأماكن في أداء مهمتها ولكن في شيء من الإنحلال الأخلاقي الذي يرضي الرغبات الجنسية ويجلب الشباب الأوروبي الغريب عن البلاد، وخصوصا العسكريين. وقد جيء بالنساء والولدان وآلات الطرب وأدخلت آلات جديدة للعزف وإحياء الليالي العابثة. والأوروبيون الذين حضروا مثل هذه الحفلات اعتبروها فنا جزائريا غريبا يستحق الوصف على أنه من بقايا ألف ليلة وليلة وحياة الشرق الغارق في التخلف والكسل، واعتبرها آخرون منهم فنا منحطا لا يليق بالأخلاق الكريمة، وهو خال من كل إبداع وسمو، وحكموا من خلال هذا الفن، استحقاق الشعب للاستعمار وفرض حضارة جديدة عليه. ولا
ننسى أن الهجرة قد أفرغت المدن من عناصرها البشرية الراقية فنا وعلما وثروة.
ولا يسعنا هنا ذكر نماذج كثيرة من أحكام الأوروبيين الأولين على ما وجدوه في الجزائر وما عاشوه من فنون شعبية وهي الموسيقى والغناء والرقص. وسنكتفي ببعض الأمثلة. فحين حل الحاكم العام الجديد، الكونت ديرلون، بالجزائر سنة 1834، أقام له الحضر، كما قيل، حفلة موسيقية في دار البلدية، كما أقام له الفرنسيون حفلة مثلها. وقد خصصت قاعتان في الدار، واحدة لكل نوع من أنواع الموسيقى، فالاختلاط كان محرما منذ أول لقاء بين المستعمر والمستعمر. فقد جعلت القاعة السفلى للرقص والموسيقى الفرنسية والقاعة العليا للموسيقى العربية. ووصف الواصفون خلال ذلك الذوق الراقي في التحضير والملابس الفاخرة وألوان الموسيقى، وكيف كانت الجلسة العربية من مظاهر الحياة الشرقية، وقد قلد فيها الفرنسيون العرب حتى في لباسهم وعمائهم وتدخينهم حتى ظنوا أنهم، كما قيل عنهم، في القاهرة أو في اسطانبول. وكانت القهوة تقدم في فناجين صغيرة على صحون صغيرة مفضضة حتى لا تؤذي الأصابع، وزخرفت القاعة وحيطانها بالأسلحة من جميع الأنواع وكانت الأسلحة أيضا محلاة بالفضة والأحجار الكريمة، وعرضت خلال ذلك المطروزات الزاهية. وقد حضر عشر نساء لأداء الرقص على الطريقة الحضرية. ثم بدأت الحفلة والرقص الفرنسي. ودامت الحفلتان إلى الصباح.
أما الموسيقى العربية فلم تعجب الواصف للحفلة. فقد وصفها بأنها مملة بالمقارنة إلى الموسيقى الأوروبية. وآلاتها عندئذ هي الدف (الطبل) والرباب. وقال الواصف الفرنسي إن النقر على الدفوف والغناء العربي غير المفهوم يحرج الآذان، وهذا من حكم الشعور بالتفوق طبعا، ولو كان الواصف من الطرف الآخر لوصف الموسيقى الفرنسية بأنها نشاز في نشاز. ولذلك قيل عن الموسيقى العربية والغناء العربي بأنهما لا يخضعان للإيقاعات الإيطالية والفرنسية التي تنسجم مع المعاني. ثم حكم الواصف في الأخير أن لكل بلد موسيقاه وغناءه (1).
(1) انظر لاحقا رأي دانيال سالفادور في حكم الأوروبيين على الموسيقى العربية.
وأثناء الحفلتين وقع ما لم يكن ليقع لولا قانون التطور الاجتماعي. ففي الوقت الذي كان فيه جزائريون آخرون يقاومون العدو في متيجة وعنابة وبجاية ووهران وسهول تلمسان ومعسكر، كان بعضهم يتبادلون الأنخاب مع الفرنسيين على أنغام الموسيقى، وقد اختلط الرجال بالنساء حسب وصف الواصفين، وصفت الأزهار، ودخن الجميع النرجيلة أو الغليون الطويل على أرائك فاخرة، وهم جالسون الجلسة العربية التقليدية، وكان النادلون من الخدم (العبيد) يناولونهم القهوة الساخنة. وحوالي منتصف الليل قدمت لهم المأكولات الجزائرية والمشروبات الفرنسية، ومن ضمنها لحوم الطير والفواكه الطازجة، ومن ضمنها أيضا ما أحل الله وما حرم (1).
هذا عن المستوى الرسمي، أما على المستوى الشعبي فقد وصف الواصفون حفلات المقاهي والخلوات الليلية بما يتناسب أيضا. فقد عد بولسكي أكثر من ستين مقهى في العاصمة كانت تقوم بهذا الدور، وكلها كانت تقع في الجزء الأعلى من المدينة (القصبة). وكانت الحفلات ليلية، والطريقة هي جلوس الفرقة الموسيقية قرب مطبخ المقهى حيث يتناول العازفون القهوة المنشطة، كما كانت تقدم القهوة والغلايين للزبائن. وقد وصف لنا الواصف نوعين من الموسيقى صاخبة وهادئة. وتحدث عن فنان مجهول ظل ستين سنة وهو رفيق قيثارته بينما تحطمت آماله بالاحتلال فأضاف الحزن إلى نغمة القيثارة وكتم آلامه لأن الفرنسيين لا يسمحون له أن يصرح أو يلمح بالتعبير عن ذكريات أجداده وأمجاده (2).
يقول بولسكي، إن الآلات الموسيقية تكاد تنحصر في الربابة ذات الثلاثة أوتار، إضافة إلى آلات النفخ الأخرى مثل الجواق والقيثار والطار
(1) أرسين يرتاي (وصف حفلة رقص أقامها كبار أعيان الحضر لمدينة الجزائر بمناسبة وصول
…
ديرلون
…
) في (الجزائر الفرنسية)، باريس 1856، ج 1، ص 426 - 431.
(2)
انظر لاحقا، ولعله هو الحاج إبراهيم الذي سيأتي ذكره.
الذي هو نوع غريب، في نظره، من الطبول التي تضرب عادة في الشوارع. أما آلات الصنج النحاسية، التي تصم الآذان في الاحتفالات بالأعياد وليالي رمضان فهي ممنوعة في المقاهي. إن الناس في المقهى يريدون الهدوء، وينتظرون الموسيقى التي تساعدهم على الأحلام اللذيذة والخيالات البعيدة، وتعينهم على السكينة والتأمل المناسب لطبائعهم. ولا يريدون الصخب والضجيج المرافق للحرب والفروسية لأنهما حسب قوله، يذكرانهم بماضيهم. ومن المقاهي كلها مدح بولسكي المقهى القريب من جامع كتشاوة (الكنيسة الكاثوليكية) لشهرتها ونكهة قهوتها ورقي مجتمعها وعزف جوقها الموسيقى الذي أعطاه، كما قال، علامة (جيدة جدا).
وكان رئيس الفرقة في هذه المقهى شيخا من أهل الحضر، وكان يعزف على الرباب بطريقة أصيلة ملفتة للنظر، وكان يحرك رأسه تبعا للمعاني والآلام التي يحملها، وكان يعبر بملامح الوجه عما يعتمل في دمه من حريق ووجد، كل ذلك كان مرفوقا بإشارات حزينة ورتيبة تعتبر في عين المتفرج وأذنه تسلية مثيرة. كان هذا الشيخ هو أحد الموسيقيين للداي حسين باشا. وقد ظل طيلة ستين سنة من حياته يغني ويعزف في مثل هذه الحفلات. وليت بولسكي أعطانا اسم هذا الفنان المجهول الذي غاب في التاريخ دون أن نعرف اسمه، حاملا معه هموم وطن عزيز استباحه العدو وشعب كريم أذله. كان هذا الشيخ الفنان محل تقدير العائلات التي غنى لها في الأفراح والأتراح. فطالما أفرحهم بمعزوفاته وصوته أثناء أحزانهم وأوجاعهم، فعند الميلاد والزواج كانت ألحانه ترقص الراقصين وتوجه خطواتهم، وعند الجنائز كانت أوتاره تئن بالنغمات الرتيبة التي تتناسب مع مشاعر الأسى كما تتناسب مع مشاعر الفرح. فمن هو يا ترى هذا الفنان؟.
وهناك مقاهي أخرى أو مقاصف في الحقيقة، للرقص والغناء واللهو والعبث، وقد ذكر لنا منها بولسكي ثلاثة: مقهى شارع الديوان. وكان يملكه أحد أثرياء الحضر، وهو من عائلة إبراهيم شاوش الذي كان، كما قالوا، جلاد الداي حسين باشا والذي كان رجل سلطة وقوة. وكان الحضر يحترمون صاحب هذا
المقهى الذي لا نعرف من اسمه سوى أنه شاوش. وفي هذا المقهى كانت الفتيات يرقصن أيضا على أنغام الموسيقى، كما كن يغنين مع مطربين آخرين. ولا ندري هل كان ذلك الاختلاط قديما أو جديدا حدث مع الاحتلال. ومهما كان الأمر فإن هذه الحياة الليلية كانت لها قوانينها الخاصة حتى في العهد العثماني.
وهناك مقهى آخر كان يملكه أحد اليونانيين، وكان صاحبه يستجلب الزبائن إليه بشتى أنواع الإغراءات، حتى المنحطة منها. ويقول بولسكي إن أسوأ الأهالي كانوا يخالطون أسوأ الأوروبيين. وقد سبقه إلى ذلك ابن خلدون حين قال إن المغلوب مولع بتقليد الغالب. ولعله لا يعرف مثلنا الذي يقول إن الطيور على أشكالها تقع. ولا يهم بعد ذلك دين ولا وطن. فالغرائز واحدة والحيوانات تظل هي هي ولو نقلت من قارة إلى أخرى. ويفيدنا بولسكي أن أحد الرسامين الفرنسيين رسم صورة لهذا المجتمع المتسفل أو الخليط السافل، كما سماه، فجاء بصورة فظيعة عن الحياة في الجزائر عندئذ. وإنما هي البداية فقط، فنحن ما نزال في أول العهد الاستعماري. ومع ذلك يعتب الفرنسيون على الجزائريين الذين لم يرسلوا أولادهم إلى مدارسهم التي تحمل أنوار الحضارة!.
ويبدو أن المقاهي الأخرى كانت (متخصصة). فكل مقهى كان مختصا بتقديم حفلة أو موسيقى متميزة لزبائنه. فهناك تنافس على جلب الزبائن والتنفيس عن أحزانهم ودغدغة عواطفهم، وجمع المال من حرامه وحلاله. كما كانت للزنوج موسيقاهم التي يزفون فيها آلاتها يوم العيد. وكانوا يجوبون الشوارع ويضربون الدفوف بطريقة تصدع الآذان، حسب سواح ذلك الوقت، وهم لا يتصرفون إلا إذا قدم إليهم المارة قطعة أو أكثر من النقود (1). والمعروف أن حفلات المقاهي كانت تنشط خلال شهر رمضان حين يطول السهر، ويباح الخروج حتى للنساء أحيانا ويكثر اللعب والأكل واللهو ليلا. وكان بعضهم يسمي ذلك النشاط مهرجانات رمضان.
(1) بولسكي (العلم المثلث)، لندن، 1854، ص 32 - 33، 37.
وهناك محترفون وهواة لهذا النوع من الفن. فإذا غاب المحترفون ظهر الهواة ليملأوا الفراغ. كانت لهم آلات عديدة للعزف. منها الرباب ذو الوترين. وكان العازف يمسك بها على طولها، ويعزف آخر على آلة مثل الماندولين، والآخر يضرب على الدف (البندير)، وآخر يضرب بقطعتين من المعدن على بعضها ضربا صاخبا، وهو يزينها باسم (كاستانييت). وإلى جانب هؤلاء العازفين والضاربين هناك آخرون يأتون بالأصوات والحركات مما يؤلف جوقة (أوركسترا) متناغمة. ولكن الناقدين الأروبيين التي يحسونها خدشا في الآذان. فهم ينظرون إلى ذلك العزف كله على أنه جملة واحدة تتكرر، وهم يسمونه نوعا من (التريمولو) الذي يتبعه نوع آخر من الانتقال أو (الفورت أو بيانو Forte au Piano) ويعتبرون هذه الموسيقى كسولة ومنومة. وهي من حيث التأثير تجعل السامع يصر أسنانه، حسب تعبير أحدهم (1).
وبعض الحفلات الموسيقية كانت نسائية محض، وتستغرق أحيانا طول الليل. وتذكر إحدى السائحات الأوروبيات أنها حضرت سنة 1911 بالعاصمة حفلة أقامتها الحاجة خميسة على أثر رجوعها من الحج. وكانت الحاجة تسكن القصبة. وكانت الدار العربية ذات عرصات مرمرية، وحضرت الفرقة الموسيقية النسائية وحضر حوالي ثلاثين امرأة، وهن مثقلات بالجواهر والزهور، ورقصن وتناولن العشاء والحلويات والشاي. واستمرت الحفلة إلى مطلع الفجر (2). ولم تذكر هذه السائحة الإنكليزية التي حضرت مع صاحبتها الفرنسية، اسم الفرقة ولا صاحبتها. ولعل هذا النوع من الحفلات هو الذي ورثته مريم فكاي وفضيلة وغيرهما.
هذا عن الموسيقى عند الذين لم يتذوقوها أول الأمر من الأوروبيين، أما الرقص فقد قلنا إنه كان خاصا بالنساء عادة، فكن يمارسنه في حفلات المزوار. والنسوة اللائي يمارسن الرقص لسن من الحرائر ولا من بنات
(1) أوولف جوان (رحلة في أفريقية)، بروكسيل، 1850، ص 60. وهنا وهناك.
(2)
دفيرو بامبر Devereux PEMBER: (مظاهر الجزائر)، لندن 1912، ص 10 - 12.
الأصول والعائلات المحترمة. وقد كثر البغايا مع الاختلال وتطورت الخلاعة والمجون وأصبحت علنية متحدية بعد أن كانت محتشمة ومختفية. وقد وصفت السيدة بيلي العاصمة خلال الستيان من القرن الماضي، فقالت إنها كانت تعج بالمقاهي الموسيقية والمغنية والراقصة. فقد راجت سوق هذا الفن الخليع، وظهرت العاهرات من كل لون والخليط من كل جنس، وانتشر رقص هز البطن لإغراء الشباب والسواح الذين يرون في ذلك نمط حياة العرب والشرق. وكثرت أماكن البغاء. ووقف عندها العسكريون والمدنيون، وانتصب بعض هذه الأماكن قرب إحدى الزوايا فاضطر زوارها إلى هجرها (1). وقالت السيدة بيلي إن الرجال الفرنسيين لهم نوعان من الحياة، حياة في فرنسا بطقوس معينة وحياة في الجزائر طليقة وعابثة، ولعلها نسيت أن تقول عن الجزائريين أيضا نفس الشيء. وقد اشتهر شارع قطع الرجل الواقع بالقصبة بالنشاط المشبوه حيث اليهوديات وبعض الزنوج والشواذ من كل صنف (2).
وكان بعض الفرنسيين أو من يسميهم أشيل روبير بالمشبوهين، قد صدروا رقص هز البطن إلى الخارج أيضا تشويها لصورة الجزائر وصورة الإنسان العربي. وألصقوا ببعض النساء النائليات هذا النوع من الرقص. وكان الغرض من تصدير الرقص المتاجرة به وجلب الزبائن، كما حدث في معرض باريس الدولي سنة 1889. وقد قال عنه روبير إنه بعيد كل البعد عن الفن الأخلاقي والجمالي، واعتبره رقصا منفرا لبعده عن الأخلاق والجمال (3). ولكن المدن الجزائرية لم تصب كلها بهذا العفن، فقد بقيت في أغلبها محافظة على أصالتها طيلة العهد الاستعماري رغم المغريات والمؤثرات الكثيرة التي كانت تدفع إلى التغيير والانسلاخ عن الأصول الفنية والأخلاقية. وسنتحدث عن أنواع
(1) انظر عن ذلك فصل المعالم الإسلامية.
(2)
جاكلين بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، مرجع سابق، ص 77 - 80. شارع قطع الرجل كان منعزلا حيث لا حركة فيه ولا مرور لرجل أو قدم، ولكن ذلك تغير بعد الاحتلال. انظر عنه فصل المعالم الإسلامية.
(3)
أشيل روبير (الأعياد الدينية والعادات الإسلامية) في مجلة (روكاي)، 1925، ص 51.
الموسيقى التي ظلت تقام في تلمسان والعاصمة وقسنطينة وعنابة والبليدة، وموسيقى الحفلات العامة، والدينية، والعروبي في العاصمة والحوزي في تلمسان والمالوف في قسنطينة، ومشاركة النساء بالأغاني، وأنغام الحب والحرب.
إن الأوربيين الذين كتبوا عن الموسيقى العربية أو لاحظوها واستمعوا إليها لم تعجبهم واستغربوا من انعدام الشعور بالهرمونيا عند العرب المسلمين في الجزائر. وهذه السيدة بروس التي عاشت في الجزائر خلال الأربعينات من القرن الماضي، أي بعد ربع قرن فقط من الاحتلال، لاحظت أن الآلات الموسيقية الأوروبية كانت متوفرة لدى الجزائريين. وكانوا يستعملون آلة الرباب ذات الوترين. وقالت إن الموسيقيين العرب يعزفون أيضا على الماندولين الإيطالية، ولكن بدون ذوق ولا منهج، كما كانوا ينفخون آلة الجواق (القصبة) ذات الثقب الثمانية. أما عن الهرمونيا فقد قالت إنه ليس لدى المسلمين شعور بجمالها الذي لا يفهمه، حسب رأيها، إلا القليل منهم. وقد أوردت شاهدا على ذلك، ولكنه قد لا يكون حجة لها. فقد قالت إنها سألت أحد المستمعين الحضر، وكان حاضرا لحفلة أوروبية باسم (ويليام تيل) أحيتها فرقة عسكرية - سألته عن رأيه في الحفلة والموسيقى، فاجابها أنه لا يفهم لماذا كل هذه الآلات التي تفسد بعضها البعض. وقد اندهشت من جوابه الذي دل في نظرها، على عدم تذوقه للهرومونيا وتناغم الأصوات الموسيقية وتداخلها وأدائها جميعا أداء مؤثرا واحدا متكاملا، وهو الانفعال بالجمال والتسامي في المشاعر. وقالت إنها كادت ترد عليه بمثل رده وتقول له:(إن موسيقاه العربية البغيضة أكثر ملاءمة لأذنيه)(1) وهكذا كان يختلف الذوق ويتصارع الفعل الحضاري بين الطرفين.
…
ولعل الرجل الذي حكم على الموسيقى العربية بعد دراسة هو دنيال سالفادور، فهذا الفنان كان رأيه في الموسيقى العربية مثل رأي الأوروبيين
(1) السيدة بروس (إقامة فى الجزائر)، 1852، ص 281.
الآخرين قبل أن يدرسها ويندمج مع عازفيها ويتذوقها وتعود أذنه عليها. وقد روى علاقته بها في عبارات دالة. فقال إنه سكن العاصمة منذ 1853، وكان في أوقات فراغه يعزف الموسيقى العربية، ولكنه لم يفهمها في البداية، فأخذ يخالط أهلها وعاش معهم وعزف على آلا تهم، وبحث عندهم عن النغمة والنبرة والآلات والإيقاعات. وظهر له أنها موسيقى تحتوي على نوطة وقواعد متينة، ولكنها كانت تبدو له ولأمثاله نوعا من الضجيج والصخب. ثم كرس حياته لها فدرسها عن كثب ودرس الأشعار الغنائية وأنواع الرقص المرافقة لها. ولاحظ أن الأوروبيين لا يتذوقون هذه الموسيقى ولا يحسون بجمالها، لأنهم لم يتعو دوا على سماعها.
ثم أخذ سلفادور يسجل ملاحظاته على الموسيقى العربية عموما. والجزائرية خصوصا، بعد أن تجول في البلاد، وزار تونس والإسكندرية والأندلس، وجمع الأغاني الشعبية حتى بلغ ما جمعه 400 أغنية. ومن رأيه أن العرب قد استعاروا الموسيقى من الإغريق بواسطة آلتي القصبة والجواق (الناي). وقال إن الموسيقى العربية المعاصرة هي نفسها الموسيقى التي كانت شائعة منذ القرن الثالث عشر الميلادي (عصر الحروب الصليبية) وزعم أن الأوروبين أنفسهم لا يعرفون شيئا تقريبا عن الموسيقى السابقة لذلك العهد. وحكم سالفادور أن الموسيقى العربية موسيقى سماعية محفوظة في الذاكرة فقط وهي غير مسجلة. وأن العرب لم يحتفظوا بنظريات موسيقية سالفة. والذاكرة وحدها لا تكفي في هذا المجال بل لا بد من التدوين، لأن كثيرا من الإيقاعات السابقة قد ضاعت ونسيها الناس. وروى سالفادور بعض آراء الدكتور بيرون في المرأة العربية والموسيقى (1). ومن رأي سالفادور أن الأوروبيين الذين كتبوا عن الموسيقى العربية كانوا غالبا يجهلونها. وأنهم
(1) الدكتور بيرون (المرأة العربية منذ الإسلام). وكان بيرون قد اشتغل في مصر سنوات طبيبا وأستاذا في مدرسة الطب التي أسسها الفرنسيون في مصر، ثم عينه نابليون الثالث مديرا للمدرسة السلطانية (الامبريالية) في الجزائر التي أنشأها سنة 1857. وكان سالفادور معاصرا لبيرون أثناء كتابة بحثه عن الموسيقى العربية. عن بيرون انظر فصل الاستشراق، وكذلك فصل التعليم المزدوج.
اعتمدوا في ذلك على مصادر قليلة. فوقعوا في الخطأ.
وبناء على رأي سالفادور فإن الموسيقى العربية متميزة، وهي تقوم على قواعد وأصول معينة تماما مثل ما هو الحال بالنسبة للموسيقى الأوروبية. وتحتوي على أربعة عشر طبعا أو إيقاعا. والإيقاعات أو الطبوع تقوم في نظره على النغمة ونصف النغمة مثل الموسيقى الأوروبية، لكن العرب ليس لهم أولا تتميز عندهم نغمة الثلث وكذلك ربع النغمة. والإيقاعات الأساسية عندهم هي: العراقي والمزموم والذيل والجيركة. وهناك أربعة ثانوية وهي: اللسين (؟) والسيكة والماية ورصد الذيل. ولاحظ أن العرب لا يكادون يعرفون منها سوى اثني عشر إيقاعا، ولذلك لم يتوصل هو إلى معرفة الإيقاعين الباقيين. وقد قام بدراسة الأربعة الأساسية بالتفصيل. فقال إن نغمة المزموم ترقص عليها نساء قسنطينة، وهي نغمة بطيئة، وتعبر عن أغاني الحب. ونغمة الذيل تمثل رقصة الحرب والفخر. كما درس سالفادور النغمات الثانوية. أما النغمات (الإيقاعات) الأخرى فهي: رمل الماية، والصباح، والزيدان، والغصين (1)؟.
والحفلة العربية في نظره تقوم على (النوبة) و (البشراف). والنوبة هي القطعة الموسيقية الكاملة في الحفلة. وقد أطال في وصفها، ولاحظ أنها تبدأ بطيئة ثم تأخذ في تصاعد الألحان إلى أن تنتهي. أما البشراف فهو نوع من التمهيد للنوبة لكي يتغير الإيقاع (2).
من دراسة سالفادور للموسيقى العربية نفهم أن للعرب حبا جارفا للموسيقى، فهم كما قال يتزاحمون على سماعها ولو كان العازف لها من اليهود. ومن هذه الملاحظة انطلق سالفادور إلى القول بأن أشهر المغنين في الحفلات هو اليهودي يوسف عيني المعروف باسم بالخراية. ونحن نفهم من
(1) دانيال سالفادور (الموسيقى العربية) فى (المجلة الافريقية) 1862، ص 195 - 200. مثل سلفادور لنغمة المزموم. بأغنية (البيرو يامليح) التي تغنى في بوسعادة. و (البيرو) هو المكتب الفرنسي. ومثل لنغمة الذيل بأغنية عن بوجو وأخرى عن راندون التي تغني في زواوة. كلاهما كان حاكما للجزائر.
(2)
نفس المصدر، ص 111 - 112.
ذلك أن المجال كان فارغا من الفنانين العرب لأسباب منها ربما انقراض الجيل الباقي من العهد العثماني، واهتزاز قيم المجتمع الحضري بعد جيل (كتب هو سنة 1862) من الاحتلال والاستعمار. ولو كان هناك تواصل لما خلا الجو ليوسف عيني ليكون أشهر المغنين في الحفلات الحضرية. والغريب أن الفرنسيين قد التجأوا إلى هذا اليهودي ليغني أمام نابليون الثالث وزوجته عندما زارا الجزائر سنة 1860 و (ليمثل) أهل الحضر وأغانيهم الشعبية وليكون (رئيسا للموسيقيين الأهالي) حسب تعبير سالفادور (1).
أما عن الآلات الموسيقية فقد ذكر سالفادور أنها واحدة عند العرب والإغريق، وعند يهود الأندلس وعند الإسبان. ومنها القصبة، والجواق (أربع ثقب) ومزمار داود، والطار والدف، ثم الغيطة، والطبل والدربوكة والكمنجة، والرباب والقيثارة (الكويترة). ولاحظ أن الفرقة العربية كانت تعزف جماعيا ومن ثمة فلها أداء منسجم أو هرموني (2).
ويبدو أن سالفادور قد استمر في دراسة الموسيقى العربية. فقد قيل إنه قام سنة 1879 بفصل الأجزاء المتأثرة بالموسيقى الإغريقية وأبقي على ما هو متصل بالنوبة الشائعة في المدن مثل العاصمة وقسنطينة وتلمسان (3).
وذكر السيد سالفادور أسماء آلات لم نجدها إلا عند السيد نجيب ماضي، مثل الصبا، والحسيني. وهناك بعض الأسماء لم نهتد إلى أصلها وربما يرجع ذلك إلى سوء النطق والتهجية. ويستعمل ماضي العلامات للنوطات. وجاء بأسماء أخرى متناثرة فيما يبدو بالعثمانية والفارسية، مثل الديوان، والسيكاه (السيكة) والجيهاركاه (الجيركة). ومن الآلات الوترية
(1) سالفادور، مرجع سابق، ص 106.
(2)
نفس المصدر، ص 284 - 288.
(3)
قوانار (الجزائر) مرجع سابق، ص 280. يجب أن نذكر أيضا أن الفرنسيين أنشاوا جمعية الفنون الجميلة في الجزائر منذ 1851، ولكن عنايتها بالفن (الأهلي) لم تكن داخلة في برنامجها إلا عرضا. كما أنشأوا الكونسرفتوار في وقت لاحق. ولا شك أن بعض العناية قد وجهت إلى موسيقى المدن مثل تلمسان، سيما بين الحربين.