المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الزوايا في إقليم الوسط - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌الزوايا في إقليم الوسط

ذات الطراز التركي التي لها دور في التهدئة، لأنها في نظره حكومية وإدارية، وهي أقل حدة وصراخة من المنارات الأندلسية الطابع. واعترف بيرك أن (الفن العظيم قد اختفى). وكان بيرك يقارن بين العهد العربي - الإسلامي والعهد العثماني (التركي)، ولكنه سكت عن دور الاحتلال الفرنسي في اختفاء هذا الفن العظيم (1).

ورغم كثرة مساجد تلمسان وبناياتها الدينية وجمالها، فإنها جميعا قد حرمت من أوقافها، وتعرضت بذلك للتلف والبلى إلا ما بقي يقاوم لسمعة صاحبه أو نحو ذلك، مثل جامع وضريح سيدي أبي مدين. وكم من زاوية ومسجد عفى عليها الزمن في مدينة تلمسان نفسها خلال الاحتلال الفرنسي، لا بفعل الفأس والمطرقة كما حدث في الجزائر وقسنطينة وبجاية، ولكن بفعل الإهمال والحرمان واغتصاب الأوقاف التي هي حق من حقوق المؤسسة الدينية والمواطنين.

‌الزوايا في إقليم الوسط

نذكر الآن مصير الزوايا والأضرحة والقباب وحدها في مدينة الجزائر وإقليمها، وننبه إلى أن الزاوية لا تستعمل بالمفهوم الديني وحده كما هو الشائع اليوم أو كما أصبح شائعا لدى بعض الطرق الصوفية (2)، بل الزاوية كانت مؤسسة كاملة فيها السكن والطعام والملجأ والتعليم والعبادة. وكان بعضها يعتبر مدارس عليا لمواصلة التعليم الذي بدأه الفتيان في المكاتب أو المدارس القرآنية. ومن الزوايا ما هو خاص بفئة اجتماعية مثل الأشراف والأندلسيين. والزوايا في الريف تضيف إلى ذلك دورا اجتماعيا هاما، وهو الإصلاح بين الناس وتأمين الطرق ونحو ذلك. وقد عرفنا أن أساس الزاوية هو الرباط الذي قام على مبدإ الجهاد ونصرة الدين ورد الأعداء.

(1) أوغسطين بيرك (كراسات الاحتفال)، 1930، 99.

(2)

عن الزوايا بالمفهوم الديني - الصوفي، انظر فصل الطرق الصوفية.

ص: 110

وقد يفهم من الأضرحة والقباب أنها مجرد قبور لأصحابها. وهذا أيضا سوء فهم. لأن الأضرحة التي سنتحدت عنها والتي نعنيها اليوم كانت مؤسسات دينية واجتماعية ذات حجم كبير، وهي تضم حقا قبر الولي، ولكنها تضم أيضا مصلى ومساكن للوكيل والموظفين وجبانة لموتى المسلمين ومطاهر، ونحو ذلك. وسنرى أن بعض هذه الأضرحة استعملته السلطات العسكرية الفرنسية لأغراض مختلفة، ولكن اسم الزاوية واسم الضريح يختلطان أحيانا، لأن الزاوية تحتوي على الضريح والضريح يستلزم الزاوية لاستقبال وإيواء الزائرين.

وقد عرف بعضهم الضريح (القبة) بأنه بناية تضم قبر الولي (المرابط) وأحيانا قبور بعض أسرته أيضا. وقبر الولي يكون عادة مرتفعا ومغطى بتابوت خشبي عليه أقمشة مذهبة وملونة حريرية وغيرها، ومحاطا بشباك، ومعلقا عليه مصباح شرقي الصنعة، وتكون الأعلام والرايات التي ترجع إلى الطريقة التي ينتمي إليها إن كان من أصحاب الطرق، معلقة عليه أو تتدلى منه. إضافة إلى غرفة خاصة بالوكيل الذي يسهر على الضريح ويجمع الزيارات والتبرعات، ويصون القبة والضريح بالزينة والإضاءة (1) ويوفر حاجاتها.

وتعرضت الزوايا والأضرحة لما تعرضت له المساجد من الهدم والإهمال والتحويل عن مقصد الواقفين، واغتصبت السلطات الفرنسية أوقافها أيضا. وبذلك حرمت آلاف الموظفين والعلماء والفقراء من حقوقهم المشروعة، التي نصت عليها الأوقاف. وهذه البنايات الدينية كانت كثيرة وذات أحجام متنوعة ومواقع مختلفة. وقد تناولها عدد من الكتاب إحصاء ووصفا ومصيرا، بالنسبة لمدينة الجزائر. أما بالنسبة لغيرها فإن الوثائق شحيحة، ومصدرنا بالنسبة لمدينة الجزائر هو ديفوكس، وأوميرا، وروبير أساسا. وغرضنا ليس الإحصاء في حد ذاته، ولكن معرفة مصير البنايات الدينية. وسنحاول تقسيم ذلك إلى قسمين رئيسيين: الأول الزوايا المتعارف عليها أو التي ورد اسمها كذلك، ثم

(1) أشيل روبير، مرجع سابق، في (روكاي)، 1918، 244.

ص: 111

القباب أو الأضرحة والجبانات.

الزوايا: ذكر السيد أوميرا سنة 1898 حوالي خمس عشرة زاوية في مدينة الجزائر، وكلها قد اشتهرت بهذه التسمية (الزاوية)، وسنورد هنا هذه الزوايا وندعمها إذا أمكن بمعلومات أخرى استقيناها من غيره.

1 -

زاوية القاضي: وكانت تقع في شارع باب عزون وزنقة كوربو. وكان مصيرها هو الهدم بحجة الصالح العام، سنة 1857 (1). ويقول عنها ديفوكس إن القاضي المقصود هنا هو القاضي المالكي. وأنها كانت مسكنا للطلبة في العهد العثماني، ولها غرف صغيرة تكفي الضرورات، وقد كان مصيرها هو مصير جامع دار القاضي ومسجد الشماعين المجاورين لها. ويضيف ديفوكس أن الزاوية قد أدمجت بعد هدمها في المنازل الواقعة في زنقة كيليوباطرا (2).

2 -

زاوية القشاش: وكانت تقع في شارع القناصل، وملاصقة للجامع الذي يحمل نفس الاسم (القشاش)، وكان مصيرها هو مصير الجامع المذكور، وكانت تضم مجموعة من الغرف، وكان بعض الناس يسمونها (وكالة) كما هو الحال في تونس، أي مبنى عموميا له أوقاف. وكانت ضخمة وتستعمل لإقامة العلماء والغرباء والطلبة الفقراء، وكان هؤلاء يحصلون فيها أيضا على الغذاء. وكانت زاوية القشاش ملجأ ومدرسة عليا. وممن نزلها قبل الاحتلال بسنوات قليلة الشيخ محمد بوراس الناصر المؤرخ والحافظ المعروف. وكان للزاوية أستاذ واحد على الأقل يدرس الفقه والتوحيد، وعشرة قراء يؤدون ما نصت عليه الوقفية من القراءات. وآخر وكيل كان مسؤولا على الزاوية هو محمد بن الجيلاني، والمعروف أن هذه المؤسسة (الجامع والزاوية) من أقدم المؤسسات الدينية. ويعتقد الباحثون أن قبر الشيخ القشاشں كان في إحدى الغرف السفلى للزاوية التي وقد حملت رقم 35 من

(1) أوميرا، مرجع سابق، 188.

(2)

ديفوكس، مرجع سابق، 64، 67.

ص: 112

شارع القناصل في البداية. ثم كان مصيرها الاحتلال العسكري ثم الهدم، كما هو مذكور مع الجامع (1).

3 -

زاوية سيدي الجودي: قال أوميرا إنها كانت تقع في شارع تروا كولور، وأن لها مسجدا، وجبانة كبيرة عمومية. وقد هدمت الزاوية سنة 1838 والجبانة سنة 1840، وكانت الجبانة قد عطلت منذ الاحتلال. أما الزاوية فكانت تضم رفات الولي سيدي الجودي، وموقعها كان داخل المدينة من جهة باب الواد (2).

4 -

زاوية الجامع الكبير: رغم قربها بل ملاصقتها للجامع الكبير فقد كانت مستقلة عنه، وكان لها مسجد صغير بدون منارة للصلاة يصلي فيه الطلبة والساكون بها. وكانت الزاوية عبارة عن مدرسة عليا ومسكن للعلماء والغرباء وملجأ للفقراء، وتتألف من طابقين من الغرف، ومطهرة عمومية وعيون جارية، بالإضافة إلى مساكن أخرى لعموم الناس. وإذا كان تاريخ الجامع الكبير يرجع إلى عهد المرابطين فإن بناء الزاوية يرجع إلى سنة 1039 (1629) بأمر من به الشيخ سعيد قدورة، عالم الجزائر ومفتيها في وقته والذي توارث أباؤه وأحفاده الخطابة والتدريس في الجامع الكبير، وكذلك توارثوا الوكالة عليه وعلى مكتبته الشهيرة. وقد بنيت الزاوية من فائض مداخيل الجامع الكبير. لكن الاحتلال الفرنسي أبى إلا أن يطفئ هذه الشمعة التي كانت تقدم التسهيلات للطلبة والعلماء من أجل البحث والدراسة. وإذا كان الفرنسيون قد انتظروا إلى سنة 1843 ليستولوا على أوقاف الجامع الكبير وينفوا مفتيه الشيخ مصطفى الكبابطي،

(1) نفس المصدر، 85. انظر سابقا.

(2)

نفس المصدر، 129، وأوميرا، 188. وقد جاء في أحد المصادر أن ضريح سيدي الجودي كان يقع داخل المدينة وأن اسمه علي. انظر (أنشودة جزائرية من القرن 18 م). في المجلة الإفريقية، 1894، 325 - 333. وفي هذا المصدر جاء ذكر الأولياء سيدي عبد الرحمن الثعالبي، وسيدي علي الفاسي، وسيدي ولي دادة، وسيدي عبد القادر. وكذلك الرجال السبعة، بالإضافة إلى سيدي الجودي.

ص: 113

فإنهم لم ينتظروا كل ذلك بالنسبة لزاوية هذا الجامع. فمنذ 1833 أعطوها لأحد المهاجرين الفرنسيين فحولها إلى حمامات فرنسية، وفي 1840 تخلى عنها هذا الفرنسي وهدمت وضمت إلى ما حولها من المنشآت الجديدة (1).

وبشأن زاوية الجامع الكبير قال أوميرا لقد تعودنا أن نرى المساجد هي التي تتبع الزوايا، أما بالنسبة للجامع الكبير فقد رأينا أن الزاوية هي التي تتبع الجامع. وكان موقعها في مقابلته وفي نفس الشارع (شارع البحرية). وبعد أن ذكر بشأنها ما ذكره زميله ديفوكس، قال أوميرا إن الزاوية لم تتخل عن وظيفتها بل استعملت كحمامات فرنسية بعد 1840 (خلافا لما قال ديفوكس)، والجديد في نظره، هو أنه وقع بيعها بعد أن كانت مؤجرة (2). ولا تسأل أين حقوق الجزائريين في هذه المؤسسة، تلك الحقوق التي نصت عليها وثائق الوقف. فالفرنسيون لم يكونوا مهتمين بذلك، رغم تعهداتهم المكتوبة سنة 1830.

5 -

زاوية أحمد أيوب: وتعرف بزاوية يوب. وهي زاوية واسعة، وكانت كغيرها من الزوايا تستعمل للأغراض الاجتماعية والعلمية. وكانت تقع في شارع تروا كولور، ويتبعها مصلى وجبانة. وكانت وكالتها وراثية في عائلة الولي أيوب. وقد اعترفت السلطات الفرنسية بهذه الوراثة للعائلة، ولكن الزاوية مع ذلك خرجت من يد الوكيل بطرق أخرى غير شرعية. يقول ديفوكس إن الوكيل رضي بالتخلي عنها لفائدة بعض الأوروبيين. أما أوميرا فقد جاء برواية أخرى تبرر الاستيلاء غير الشرعي على هذه الزاوية الواسعة، وهي أن الوكيل كان قليل التعصب الديني، فرضي بأن يبيع الزاوية، زاوية أجداده، إلى الفرنسيين (3).

(1) ديفوكس، 125.

(2)

أوميرا، مرجع سابق، 191.

(3)

نفس المصدر، 189، وديفوكس، 130.

ص: 114

6 -

زاوية الشرفة (الأشراف): وهذه زاوية أخرى كان مصيرها يشبه مصير سابقتها. وكانت تقع في شارع الجنينة وزنقة بروس. ويرجع بناؤها إلى عهد الداي محمد بكداش (أوائل القرن الثامن عشر)، الذي أمر ببنائها تقربا إلى الأشراف ورجال الدين في الجزائر. وقد تحدثنا عنها في غير هذا. وكانت لها جبانة ومسجد وأرض وأوقاف، وكانت تضم مساكن ومطاهر ونحوها، مثل غيرها من الزوايا. ومنذ 1832 طمع فيها الفرنسيون فعطلوها وبيعت بطريقة التحايل زاعمين أن وكيلها قد رضي بذلك. وهي في الواقع لا تخص شخصا بعينه ما دامت وقفا على الأشراف جميعا. ولم يكتف الفرنسيون بذلك بل صادروا الزاوية سنة 1841 واستولوا على أرضها وجبانتها وأوقافها، ثم هدموها ووسعوا بها، كما قالوا، مكاتب إدارة الداخلية - المدنية (1). وقد أضاف أوميرا معلقا على ما حدث للزاوية فقال (إن هذا يدل مرة أخرى على أن مسلمي الجزائر ليسوا متعصبين بالدرجة التي تقال عنهم). ولكنه أكد ما جاء في كتابة زميله، وقال إن مكانها تشغله الآن (سنة 1898) مكاتب الحكومة العامة، عدا الجزء الذي سقط منها في الطريق العمومي سنة 1841 (2).

7 -

زاوية سيدي ولي دادة: ويرجع تاريخ هذا الولي وأهميته إلى القرن العاشر الهجري وإلى معركة الجزائر سنة 1541، تلك المعركة الكبرى التي انهزم فيها الامبراطور شارلكان. وتعزو الأسطورة الشعبية إلى الولي داده أنه ببركته وكرامته ثارت عاصفة هوجاء أثناء المعركة أدت إلى هزيمة المعتدي (شارلكان)، ومن ثمة أنقذ الولي دادة الجزائر وأبقاها للإسلام بعد أن كادت تضيع كما ضاعت الأندلس. وقد حظيت زاوية الولي دادة بالتبرعات والزيارات، وهي تضم قبر الولي، ومسجدا وملجأ للعجزة

(1) ديفوكس، 164.

(2)

أوميرا، مرجع سابق، 189.

ص: 115

والفقراء. وقد جاء في وثائق القرن 18 م أن ضريح وزاوية الولي كانت تقع بالقرب من الدار القنصلية الفرنسية (1). ويقول بلاكسلي (سنة 1858) إنه كان لهذه الزاوية أوقاف هامة، منها مزرعة تقع على الضفة اليسرى لوادي الحراش (2).

وماذا فعلت السلطات الفرنسية مع هذه الزاوية؟ يقول ديفوكس إنها صادرتها، وبذلك أخرجتها عن غرضها الإسلامي والاجتماعي. وفي سنة 1864 ألحقتها بمبنى (جمعية الرحمة) الكاثوليكية، أما رفات الولي دادة فقد نقلت من ضريحه هناك إلى زاوية الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، وتصرفت السلطات الفرنسية فيما بقي من زاوية الولي دادة، فالملجا مثلا ألحق ببناية أخرى (3)، أما الأوقاف الكثيرة التي كانت للزاوية وكانت معاشا للفقراء والعجزة فقد حولت إلى خزينة الدولة الفرنسية وذهبت في مهب الرياح في جيوب الفرنسيين، وكأنها ليست ملكا خاصا محددا بالشروط القانونية لأصحابه. والغريب أن أوميرا أهمل ذكر زاوية الولي دادة تماما، رغم أنه ذكر ما هو دونها في الأهمية.

8 -

زاوية المولى حسن: يقول عنها ديفوكس إنها كانت منزلا مخصصا لسكنى المسلمين غير المتزوجين، وإن السلطات الفرنسية قد عطلتها وحولتها عن غرضها منذ 1840، ولكنه قال إنها ما تزال قائمة إلى وقته (1874). أما أوميرا فقد حددها بقوله إلا كانت تقع في شارع الديوان، ثم أكد ما قاله زميله، ولكنه لم يصفها في وقته (1898). ولعلها قد أدمجت في غيرها أيضا (4).

9 -

زاوية الأندلس: لقد تأسست هذه الزاوية في القرن الحادي عشر

(1) فانتور دي برادي، (أنشودة جزائرية

) المجلة الإفريقية،. R.A (1894)، 325، وما بعدها.

(2)

بلاكسلي، مرجع سابق، 29.

(3)

ديفوكس، 173.

(4)

أوميرا، 189. وديفوكس، 173.

ص: 116

(1033/ 1623) استجابة للنزوح الأندلسي نحو المغرب العربي، وقد كان العطف على الأندلسيين عندئذ يشبه العطف على الفلسطينيين اليوم، ولكنه في كلا الحالتين كان عطفا بدون قوة تدعمه، عطف الضعيف على الضعيف، لأن الدويلات المحلية كانت عاجزة، برغم قوة الجزائر الظاهرية، ولأن الدولة العثمانية كانت في حالة تدهور. كان لهذه الزاوية مسجد أيضا بنفس الاسم. وهو خاص بأهل الأندلس. وكانت الزاوية تقع في شارع بور، ولها أوقاف كثيرة وغنية، ووكيل يديرها، ومهمتها التضامن مع الأندلسيين وتقديم المساعدات للنازحين منهم أو من كان أصله من الأندلس.

هذه الزاوية التي قاومت مدة قرنين تعاقب الحدثان لم تستطع أن تبقى في نظر الفرنسيين بضع سنوات بعد الاحتلال. وقالوا إنها تدهورت سنة 1843 فأخلوها وعطلوها وتصرفوا فيها كما لو كانت ملكا لأجدادهم. كما اغتصبوا أوقافها. ويذهب ديفوكس الذي كان شاهدا على هذا التصرف والذي زكاه وباركه، إلى أن الحكومة الفرنسية استمرت في تقديم المساعدات للعائلات الأندلسية المستحقة (1). لكن من أين؟ وإلى متى؟ ألم يكن لهذه العائلات ما يكفيها من الأوقاف ويغنيها عن التسول من سلطات الاحتلال؟ وقد أكد أوميرا كلام زميله حول هذه الزاوية، ولكنه سكت عن المساعدات الفرنسية، لأنها بدون شك قد انقطعت في وقته.

10 -

زاوية الشبارلية: ويطلق عليها أيضا زاوية شيخ البلاد وزاوية كتشاوة. وهي من آثار شيخ البلاد (رئيس البلدية) الحاج محمد خوجة المكتابجي سنة 1201 (1786). وكانت تقع في شارع الكورون، وهذه الزاوية في الواقع ليست لولي من الأولياء مثل بعض الزوايا الأخرى، فهي مدرسة للعلم بكل معنى الكلمة، ولذلك كان فيها كل ما يهم الطلبة والمدرسين، من مسجد وغرف، ومطاهر. وقد أوقف عليها الحاج محمد بنفسه ثم أوقفت عليها زوجته (حيفة) بعد ذلك. وكان يشرف عليها وكيل

(1) ديوكس، 176.

ص: 117

سبل الخيرات. أما مصير هذه الزاوية - المدرسة، فهو التعطيل ثم الهدم. وبذلك حرم منها الطلبة والعلماء، واغتصبت أوقافها وأرضها ومسجدها. فقد استولى عليها أولا الجيش الفرنسي (الدرك)، ثم تخلى عنها بعد خمس سنوات إلى مكاتب بيت المال التابعة لمصلحة أملاك الدولة. وفي 1840 حولت عن غرضها، وهدمت، ودخلت في بناءات ما سمي ببازار أورليان (1). وقد نقل السيد أوميرا كلام ديفوكس حول هذه الزاوية ولم يضف إليه جديدا.

11 -

زاوية أبي التقي: وتسمى أيضا زاوية شخطون، وهو اسم لأحد وكلائها (2). أما أبو التقى فهو أحد الأولياء. وكانت تقع في شارع ليقل (النسر). ومنذ الاحتلال صودرت الزاوية أيضا وضمت إلى الثكنة المعروفة بالخراطين، ثم تحولت هي والثكنة إلى مستشفى عسكري. وفي أكتوبر 1838 ألحقت الزاوية بالمستشفى المدني وكذلك الخزينة والبريد. وكان مصيرها هو الاختفاء تماما لأن المقاولين الذين مدوا الشارع قد جعلوا بقاياها تختفي فيه. والشارع المقصود هو شارع الجمهورية الذي يقول عنه أوميرا إن فتحه وتوسيعه (حتم) اختفاء الثكنة والزاوية معا (3).

12 -

زاوية سيدي أحمد بن عبد الله: وهي كغيرها من الزوايا القديمة وكانت تتألف من مسجد وجبانة وبيوت للعلماء والغرباء والطلبة. وأحمد بن عبد الله مثل الشيخ الثعالبي، كان يعتبر من العلماء وكان معاصرا له، وهو صاحب القصيدة المعروفة (بالمنظومة الجزائرية) في التوحيد، وكانت قصيدة مدروسة ومشروحة ومتداولة بين العلماء في الجزائر وغيرها، لمدة قرون. وكانت الزاوية في مدة الاحتلال تقع في شارع كوسيجا. وقد اغتصب الفرنسيون أوقافها الكثيرة وعطلوها عن وظيفتها منذ الاحتلال، وألحقوا جزءا

(1) نفس المصدر، 182.

(2)

يقول كلاين إنها ترجع إلى القرن 16. وقد أكد نفس المعلومات بشأنها.

(3)

ديفوكس، 192، وأوميرا، 189. انظر قبة أبي التقى في القباب، وكذلك ارجع إلى اسمه في المساجد أيضا.

ص: 118

منها بالشارع المجاور الذي أحدثوه، أما الجزء الباقي فقد جعلوه مدرسة عربية - فرنسية (1)، ولو تركوها جميعا تؤدي وظيفتها في التعليم لكان خيرا للمسلمين. وقد ذكر السيد أشيل روبير (1918) أنها قد هدمت، ولا ندري متى.

13 -

زاوية سيدي السعيد: ليس هناك وصف لهذه الزاوية فيما كتبه ديفوكس، ولم يذكرها أوميرا. ويقول الأول إن مصير الزاوية كان هو مصير جامع ابن شكور (شاكر؟). فإذا عدنا إلى هذا الجامع نجده قد قال عنه إنه احتل من قبل الجيش ونزل به الدرك وأصبح ثكنة مدة طويلة. أما زمن الكتابة (1874) فقد أصبح الجامع، وكذلك الزاوية، تابعين للبناية المخصصة لمدرسة البنات المسلمات (2). وقد كنا أشرنا إلى أن هذه التسمية خاطئة أو مضللة لأن المؤسسة تصبح عبارة عن ورشة فرنسية تابعة (للدومين) وليست تابعة للمسلمين. ومن ثمة فإن المسؤولين على هذه الورشة (لتعليم الطرز والخياطة واللغة الفرنسية) كن نساء فرنسيات متطوعات أو معينات.

14 -

زاوية سيدي عبد المولى: كانت هذه الزاوية كغيرها تتبعها بنايات إضافية كالجبانة. وقد استغلها الفرنسيون في البداية دون أن نعرف، في أي شيء، ولكن استيلاءهم على أوقافها وضمها إلى مصلحة أملاك الدولة، جعلها تتدهور وتؤول للسقوط. وقد ذكر ديفوكس أنهم أهملوها سنة 1840 بسبب حالتها، ثم هدمت ودخلت في البيوت المجاورة لها (3). أما أوميرا فلم يذكر هذه الزاوية.

15 -

زاوية سيدي محمد الشريف: هذه من الزوايا التي بقيت

(1) ديفوكس، 212.

(2)

نفس المصدر، 214. ويؤكد كلاين هذه المعلومات ويضيف أن السيدة لوس بن عابن هي التي أدارت ورشة (مدرسة) الطرز، وأن مكان هذه الورشة قد تحول فيما بعد إلى مدرسة عمومية.

(3)

ديفوكس، 231.

ص: 119

للمسلمين، لكنها تعرضت إلى تعديل وتغيير وتعطيل أيضا. كانت من الزوايا الكبيرة في العاصمة. وكانت تتألف من باحة واسعة، فيها مجموعة من القبور، ومن مطهرة وميضآت، ومن غرفة (قبة) مربعة ومزينة بالأعلام تحتوي على ضريح سيدي محمد الشريف، والضريح مغطى بتابوت غير مزخرف، حسب رواية ديفوكس. وتضم الزاوية مسجدا بمنارة (1) ودهليزا فيه قبور أخرى، وغرفة أخرى فيها ضريح ولد سيدي محمد الشريف، وهي في نفس الوقت مقر لوكيل الزاوية، كما تضم جبانة عمومية، ومدرسة حديثة البناء، ثم ثلاث غرف للسكنى. وتاريخ وفاة سيدي محمد الشريف هو 948 (1542).

أما مصير هذه الزاوية فقد رواه ديفوكس وغيره كما يلي: منعت السلطات الفرنسية الدفن في جبانة سيدي محمد الشريف سنة 1830، هكذا تعسفا وبدون مبرر، بطريقة مخالفة لما هو في وثائق الواقف. ورغم أن هذه السلطات قد أبقت الزاوية في يد المسلمين إلا أنها أغلقتها سنة 1830، ثم أعادتها بعد أن رممتها وبنت إزاءها مدرسة، ولكن هذه المدرسة هدمت أيضا سنة 1855 بدعوى توسيع الزاوية (2). ونستنتج من ذلك أنه قد وقع العبث بهذه الزاوية من قبل السلطات الفرنسية، فمن جهة أغلقتها ومنعت الدفن فيها، ثم استولت على أوقافها، ثم عادت لأسباب سياسية (ترضية فئة الأشراف (3)) فرممتها وبنت إزاءها مدرسة ثم هدمتها ووسعت الزاوية، ولا نظن أن هذه الزاوية قد احتفظت بكل عقاراتها

(1) نفس المصدر، 239. وأوميرا، 190.

(2)

لم نتحدث عن هذا المسجد في المساجد لأنه فيما يبدو ظل قائما، ولأن سمعة الزاوية كانت هي الغالبة.

(3)

من الأسباب أن عائلة سيدي محمد الشريف الزهار قد انضمت للمقاومة بقيادة الأمير عبد القادر، وهاجر بعض أفرادها إلى المغرب، ثم رجعوا بعد هزيمة الأمير، ومن ثمة محاولة الفرنسيين إظهار التلطف نحو عائلة نقيب الأشراف والمعتقدين فيها. انظر ترجمة أحمد الشريف الزهار في فصل التاريخ. وكان أحد أبناء العائلة من المختطفين سنة 1843، إذ حمله الفرنسيون رهينة إلى باريس. وهكذا نفهم لماذا عبث الفرنسيون بهذه الزاوية.

ص: 120

ومساحتها رغم بقائها بيد المسلمين.

16 -

زاوية سيدي أحمد العباسي: وهو أبو العباس أحمد بن سالم العباسي الشرق. وترجع إلى القرن العاشر الهجري (925/ 1520). وتعرف أيضا بزاوية سيدي عيسى بن الحسن (بلحسن)، وقد وقع لهذه الزاوية ما وقع لشقيقتها (1). فقد زعم بعض الكتاب أن السلطات الفرنسية قد (اعترفت) بالزاوية ملكية خاصة لأسرة الشيخ العباسي. وقامت بتمليكها لها، نعم هكذا! وكأن القرون السابقة والوثائق لا تكفي لتملك هذه العائلة الشريفة فظلت تنتظر السلطات الفرنسية لتعترف لها بتراث أجدادها. وقد أضاف هؤلاء الكتاب فقالوا إن العائلة باعتها إلى أحد الفرنسيين بعد ثبوت ملكيتها. هكذا أيضا! ثم قام هذا الفرنسي بهدمها وتصرف فيها بالبناء ودخلت بعد ذلك في المنازل المجاورة لها. وكانت هذه الزاوية تقع في شارع التمر (دي دات) وكانت تتبعها جبانة وغيرها من مستلزمات الزوايا.

ولا ندري كيف تصرف الشاري الفرنسي مع هذا التراث الإسلامي. وقد أكد أوميرا كلام زميله واستغرب كيف تم البيع رغم أن البائع مسلم. ولكن ديفوكس علق على عملية البيع بقوله إن المسلمين إذا اعترف لهم بالحق فإنهم لا يترددون عن بيع ما يرجع إليهم من بنايات مخصصة للدفن أو للصلاة إلى الفرنسيين، مضحين بتقاليدهم الدينية من أجل مصالحهم (الدنيوية؟)، ورد ديفوكس على من انتقد الحكومة الفرنسية على استيلائها على أملاك المسلمين بقوله: إن على المرء ألا يكون مسلما أكثر من المسلمين أنفسهم! ونحن بدورنا نتساءل ما المصلحة التي تجعل المسلم يبيع زاوية عائلته وضريح جده إلى فرنسي؟ لا بد أن يكون هناك سر سكت عنه ديفوكس وأوميرا، إذا كانت عملية البيع هذه صحيحة فعلا.

17 -

زاوية سيدي الرحمن الثعالبي: وتعتبر من أهم الزوايا خلال العهد

(1) انظر سابقا: زاوية سيدي محمد الشريف.

ص: 121

العثماني وقد بقيت كذلك زمن الاحتلال أيضا. ولا ندري التطورات التي خضعت لها، سيما بعد إقامة (حديقة مرنقو) بجوارها وهدم العديد من المساجد والقباب والجبانات القريبة منها والتي أصبحت داخلة في الليسي الذي أصبح اليوم ثانوية الأمير عبد القادر. إن هذه الظروف لا تتحدث عنها المصادر الفرنسية. ولكن زاوية الشيخ الثعالبي بقيت على أية حال. وقد زارها أوميرا سنة 1898، وعاصر ديفوكس الأحداث التي ذكرناها أيضا، وهو الذي وصف أوقافها ذات الثروة الهائلة التي استولى عليها الفرنسيون وأدخلوها في مصلحة أملاك الدولة. وقد بقي للزاوية وكيل ولكنه أصبح فقيرا معدما بعد أن حرم من مدخول الوقف، وكان اسمه أحمد بن محمد. فقد كتب أحمد هذا شكوى إلى الحاكم العام، ذاكرا أوقاف الزاوية واستيلاء السلطات عليها، ومذكرا له بأن غلة (ريع) الأحباس كانت تصرف في إطعام الطعام للفقراء والمساكين في كل ليلة جمعة وفي المواسم، وكذلك في صيانة المسجد وأجور الإمام والحزابين، وغير ذلك. وقال هذا الوكيل المسكين في شكواه إنه ذهب كالعادة إلى مصلحة الدومين لتعطيه النصيب الذي قرروه له، فامتنعوا، (فضاق علي الحال، ولم يمكني إلا أن نشتكي حالي إليك، لأني لم أقبض شهريتي ثلاثة أشهر)(1).

كانت زاوية الشيخ الثعالبي، تضم مجموعة من المصالح، مسجد بمنارة مربعة ومزينة بالزليج الملون، وقبة ضخمة تضم عدة أضرحة، أهمها ضريح الشيخ الثعالبي، وجبانة ومساكن، وميضات وغرفا للموظفين، ومطاهر (2). ومن الذين دفنوا في جبانة الثعالبي، الحاج أحمد، باي

(1) ابن سديرة (كتاب الرسائل)، 283، ولا بد أن كون هذه الشكوى صادرة بعد 1848، وهي السنة التي ضمت فيها أوقاف الزاوية إلى أملاك الدولة الفرنسية، وكانت عائلة ابن الحاج موسى تتوارث وكالة الشيخ الثعالبي حوالي قرن. انظر سابقا وكذلك فصل السلك الديني.

(2)

أوميرا، 192.

ص: 122

قسنطينة، وبعض أفراد عائلة حمدان خوجة. ولم تكن زاوية الشيخ الثعالبي مشهورة بالتعليم في العهد العثماني. ولكن الفرنسيين أنشأوا إزاءها مدرسة رسمية لتخريج القضاة، سموها (الثعالبية) ..

18 -

زاوية سيدي يعقوب: وكانت تقع خارج باب الواد في الجزء الشمالي منه وتتبعها أيضا جبانة وقبة خاصة بسيدي يعقوب. وكان مصير هذه الزاوية التي لا نعرف حجمها ولا دورها، هو الاحتلال العسكري، منذ 1830. فقد احتلها الجيش الفرنسي واستعملها لأغراضه. ويقول أوميرا إنها اليوم تشكل ملحقة سالبتريير (1) Salptriere . وكانت للزاوية أوقافها وهي تتمثل في ستة حوانيت وبستان وضيعة. ويضيف كلاين أنها تعرف أيضا بمرابط الزيتونة. وأن السلطات العسكرية سلمتها إلى مدينة الجزائر في مارس، 1865، وأن أقواسها العربية الجميلة والأصيلة قد اختفت سنة 1910، بينما شيدت في مكانها دار جديدة، أي أن الزاوية قد هدمت.

19 -

زاوية سيدي عمار التنسي: هذه الزاوية كانت تقع في الجزء الأسفل من المدينة لكن فوق مدخل باب الواد، وهي تتألف من مسجد بدون منارة، وقبة لضريح الولي. وكان لها وكيل وأوقاف. لكن الدرك الفرنسي احتلها منذ 1831، وحولها إلى ثكنة عسكرية. وظل أمرها كذلك إلى أن هدمت وضمت أرضها إلى الأرض التي بنى عليها ليسي بوجو (الأمير حاليا)(2).

20 -

زاوية جامع الصباغين: وتسمى أيضا زاوية المقايسية. وكانت تقع تحت الأقواس بساحة الحكومة (الشهداء حاليا) ولكنها هدمت مع المسجد الذي يحمل نفس الاسم (جامع المقايسية - انظره).

21 -

زاوية جامع السيدة: وقد هدمت أيضا، مع الجامع الذي يحمل نفس الاسم، منذ 1830 ودخلت في ساحة الحكومة (انظر جامع السيدة).

(1) نفس المصدر، وكذلك ديفوكس، 23.

(2)

نفس المصدر.

ص: 123

لا يعني هذا أننا أتينا على كل الزوايا التي تصرف فيها الفرنسيون بعد الاحتلال في العاصمة (1). ولكننا حاولنا أن نذكر تلك التي تأثرت بالهدم والتعطيل والتحويل ونحو ذلك نتيجة استيلاء السلطات الفرنسية عليها واغتصاب أوقافها. وقد رأينا أن تعطيل الزوايا أو هدمها أدى إلى البؤس الاجتماعي والجفاف العلمي. كما فقدت البلاد معالم أثرية - حضارية كانت تدل على التراث العمراني الذي هو ملك للأجيال.

وقد وجدت الزوايا أيضا في سهل متيجة والمدن الوسطى كالبليدة والمدية وشرشال ومليانة، ولكن الزوايا خارج المدن لم تتضرر كثيرا بالهدم والتعطيل. ومع ذلك هدم بعضها نتيجة الحروب والانتفاضات. ومنها زاوية سيدي محمد بن عبد الرحمن - بوقبرين - التي تعرضت للهدم مرتين. الأولى في آيت إسماعيل أثناء الثورة التي قادها الحاج عمر سنة 1857 والتي كانت نهايتها احتلال زواوة. والمرة الثانية كانت على إثر ثورة 1871 التي تزعمها الشيخ محمد أمزيان الحداد، شيخ الرحمانية عندئذ في صدوق.

ويقول ليونار بارليت: إن (آيت) بني إسماعيل ظلوا على ثورتهم بين 1857 و 1871. ففي هذه السنة أعلن الشيخ محمد الجعدي الجهاد في آيت مرجة عند قبة سيدي محمد بن عبد الرحمن، وكان محمد بن الحاج بلقاسم، أمين أمناء بني إسماعيل، قد شارك بقسط وافر في هذه الثورة. ولذلك كان

(1) من الزوايا التي لم نتناولها هنا زاوية سيدي محمد (الأزهري) بالحامة. وذكر كلاين عدة زوايا أخرى انقرضت، منها زاوية سيدي عيسى التي ترجع إلى 1682 والتي أصبح مكانها سينما. وزاوية سيدي عبد القادر الجيلاني التي اختفت سنة 1866 حين مد الشارع (قسنطينة) وكذلك اختفت معها النخلة الباسقة التي كانت علامة عليها والتي كانت تشرب مباشرة من باطن الأرض. كما ذكر زاوية كتشاوة التي ترجع إلى سنة 1786 والتي بناها الحاج محمد خوجة المقطاعجي كاتب قصر الداي. وقال كلاين إن هذه الزاوية (مدرسة؟) قد احتلها الدرك سنة 1835 ثم استولت عليها بيت المال، ثم هدمت. وهناك زاوية القيصرية التي هدمت من أول وهلة لفتح ساحة الحكومة. وزاوية سيدي سالم التي اتخذها الجنود مرقدا سنة 1830 ثم اختفت سنة 1862 حين دخلت في ساحة الأيالة.

ص: 124

أول قرار اتخذه الجنرال سيريز هو غلق جامع سيدي محمد بن عبد الرحمن ومنع أي تجمع فيه وأي زيارة له. وقال بارليت إن الولاية قد أكدت هذا المنع والغلق سنة 1874 أيضا، وأن ذلك القرار بقي ساري المفعول إلى سنة 1913. ولكن بارليت لا يذكر أن السلطات العسكرية قامت أيضا بتخريب الزاوية عن آخرها سنة 1871 (زاوية صدوق) ونفت رجالها إلى كايان وكاليدونيا الجديدة وحكمت عليهم بالغرامات الثقيلة واستولت على أراضيهم. ومن جهة أخرى قسمت السلطات الفرنسية بني إسماعيل إلى قسمين انتقاما منهم سنة 1893 (دوار بونوح، ودوار أنيسمان). وكانت قد أطلقت العنان للمبشرين (الآباء والأخوات البيض) على أرض بني إسماعيل، بين سنوات 1879 و 1885 (1).

وهناك زاويتان أخريان تعرضتا للهدم والتدمير في زواوة. الأولى هي زاوية محمد (أمحند) الحاج الواقعة في قرية باجو، ببني وغليس. وكان مصيرها الانقراض مع أوائل الاحتلال.

أما الثانية فهي زاوية تيزي راشد المعروفة باسم زاوية الحسين بن أعراب، وكان ذلك نتيجة لثورة 1871. وهذه الزاوية كان لها سمعة كبيرة في نشر التعليم، خلال القرن 18 م. وقد ذكرناها في غير هذا. وقد توقف نشاطها منذ الاحتلال وانقرضت بعد الثورة المذكورة. وممن تخرج منها قديما مؤسس الطريقة الرحمانية (سيدي محمد بن عبد الرحمن) والسعيد بن أبي داود مؤسس زاوية تاسلنت (آقبو)(2). ولكن زوايا زواوة، كغيرها من زوايا الوطن، قد تعرضت للمراقبة الشديدة والتدخل السافر في شؤونها الداخلية، وفي منهج تعليمها والحد من نشاطها الديني والاجتماعي، بالإضافة إلى الاستيلاء على أوقافها. وفي ذلك كله ضرر كبير وإلغاء

(1) ليونار بارليت (مونوغراف بلدية ذراع الميزان المختلطة) في SGAAN (1913)، 443 - 444. وكان بارليت متصرفا مساعدا للبلدية المختلطة، فهو يكتب عن خبرة وتجربة.

(2)

من أوراق الشيخ علي أمقران السحنوني.

ص: 125