المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبناء الأمير عبد القادر - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌أبناء الأمير عبد القادر

وفي ذلك درس عظيم لمن كان يريد استعمال ورقة الأمير عبد القادر عندئذ ودرس عظيم آخر لمن نقلوا رفاته سنة 1966) (1).

‌أبناء الأمير عبد القادر

.

ترك الأمير عبد القادر عشرة أبناء، دون البنات. وكانوا، كما رأينا، من أمهات مختلفات. وقد ذكرت بعض المصادر أن ابنه البكر، محيي الدين، قد توفي سنة 1837. ومن العشرة الذين عاشوا بعده من اشتهر في التأليف أو في السياسة، أو في الشؤون العسكرية، ولكن منهم من لا نعرف عنه إلا القليل مثل عبد الله وعبد الرزاق وأحمد. أما من حيث التبعية الدولية فإن موت الأمير عبد القادر قد جعل أبناءه ينقسمون قسمين على الأقل: قسم انحاز إلى الدولة العثمانية، وقسم انحاز إلى الدولة الفرنسية. ومن الصعب عليهم عندئذ أن لا يختاروا هذه أو تلك وأن يقفوا موقف الحياد الممكن كما فعل الأمير نفسه، خصوصا بعد 1870.

والمعروف أن الذين ارتبطوا بالدولة العثمانية هم محمد ومحيي الدين وعلي. وقد عرف عن عمر وأحمد وعبد الرزاق أنهم بقوا على علاقتهم بفرنسا. أما الهاشمي فقد سمحت له السلطات الفرنسية في الجزائر بالرجوع والإقامة في بوسعادة مع أبنائه. ولعلهم سمحوا له بالرجوع لأنه كان فاقد البصر. أما عبد المالك فقد انضم أولا إلى الفرنسيين، ثم حاربهم. ولا ندري الآن انتماء عبد الله.

والأبناء الذين والوا الدولة العثمانية اشتهروا في العالم الإسلامي أكثر من بقية إخوتهم. فقد كان الأمير محمد، باعتباره أكبر الأخوة، هو المتحدث باسمهم ورئيس العائلة. وهو الذي كتب سيرة والده وضمنها تاريخ الجزائر إلى 1852، أي إلى تسريح الأمير من السجن الفرنسي. وسندرس كتابه في

(1) بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة الأمير نشرت بيبلوغرافية بما ألف حوله، وهناك مؤلفات عديدة لم تشملها البيلوغرافية، وبلغات كثيرة. ونشير إلى أن مؤلفي سورية قد أوردوا عنه فى تراجم العلماء والأعيان أخبارا هامة تكمل (تحفة الزائر).

ص: 551

فصل التاريخ، وله مؤلفات أخرى سندرسها في مكانها. وكان محمد مواليا للسلطان عبد الحميد وسياسة الجامعة الإسلامية. وقد عرف الشيخ محمد عبده، ولعله عرف أيضا السيد جمال الدين الأفغاني، لأن الأمير محمد كان ينتقل أيضا إلى اسطانبول حيث كان الأفغاني يقيم في سنواته الأخيرة. وقد انتهى الأمير محمد من تأليف (تحفة الزائر) في نفس العام الذي توفي فيه الأفغاني (1897)، وأهداه إلى السلطان عبد الحميد. ووصل الأمير محمد إلى رتبة (جنرال) في الجيش العثماني، كما حصل على لقب الباشا. وقد ذكرت بعض المصادر سنة 1907 أنه كان يقيم في اسطانبول، وليس له أولاد (1). والمعروف أنه توفي سنة 1913.

واشتهر الأمير علي بعدة مواقف وأحداث. منها نيابته عن سورية في مجلس المبعوثان (البرلمان) العثماني. وقيل عنه سنة 1907 إنه هو الرئيس الفعلي للعائلة رغم وجود أخيه الأمير محمد رئيسا نظريا لها، ربما لكبر سنه. وكان الأمير علي يملك أراضي شاسعة وأملاكا في حوران. وكان له عدد من الأولاد، ومن جهة أخرى كان قد زار الجزائر وفرنسا أثناء تحسن العلاقات بين الدولتين العثمانية والفرنسية. كما أن الفرنسيين حاولوا جره والاستفادة من نفوذه في المشرق. ولكنه لم يمل إليهم، وقد أظهروا له الاحتفاء والكرم في 1912، وجعلوه يزور موطن الآباء والأجداد سرأ. ومن أبرز مواقف الأمير علي حربه في الجيش الإسلامي (العثماني) ضد الإيطاليين في ليبيا سنة 1911 - 1912، إلى جانب عدد من الضباط العثمانيين، منهم أنور باشا ونوري بيك، ومصطفى كمال (أتاتورك، مستقبلا) وأيضا إلى جانب الأمير شكيب ارسلان وغيره من أعيان المسلمين والعرب. ولم يأت الأمير علي

(1)(المسلمون الجزائريون في المغرب وسورية) في مجلة العالم الإسلامي، 1907 ص 507 - 508. انظر أيضا دراستنا لكتاب (تحفة الزائر) في كتاب أبحاث وآراء، ج 2. وذكرت المجلة أن الأميرين أحمد وعمر كانا يتقاضيان من فرنسا سنويا اثنى عشر ألف فرنك فرنسي. وكذلك الأمير خالد بن الهاشمي الذي كان في الجيش الفر نسى (1907).

ص: 552

وحده بل رافقه ابنه عبد القادر الذي كان أيضا ضابطا. ومحاربا شجاعا.

أما الموقف الثالث الذي جعل الأمير علي يبرز فهو الدور الذي لعبه أثناء الحرب العالمية الأولى كواسطة ومتكلم رسمي باسم أخيه الأمير عبد المالك الذي أعلن الثورة على الفرنسيين في المغرب الأقصى (1). وكان الأمير علي يتنقل خلال ذلك بين اسطانبول وبرلين ودمشق. وكان في نفس الوقت يدعم ماديا. جريدة (المهاجر) الناطقة باسم المهاجرين. وهي الجريدة التي كان ابنه الأمير سعيد أحد محرريها. أما رئيس تحريرها فكان محمد شطا الأغواطي، أحد المهاجرين المعادين للفرنسيين.

هذه هي سيرة الأمير علي باختصار، ولكن صورته لا تكتمل إلا ببعض التفاصيل. من ذلك أنه تولى حاكما على القنيطرة سنة 1896، وكان متزوجا من شقيقة (عزت باشا العابد) أحد أعيان سورية والكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد. وهذا الجاه هو الذي فتح له الطريق ربما إلى البرلمان أيضا. وقد انضم الأمير علي إلى جماعة تركيا الفتاة، وإلى جمعية الاتحاد والترقي. وكان رئيسا لفرع دمشق. وعند اندلاع حرب طرابلس (1911) كان عمره 48 سنة. وقد نزل درنة ثم بنغازي (بني غازي) ثم طرابلس. وكان يحمل فكرة عظيمة فيما يبدو، وهي طموح والده، والانتقام له، إذ قال في دمشق وهو يستعد للتوجه إلى ليبيا: إن والدي قاوم الفرنسيين ربع قرن وأنا سأقاوم الإيطاليين في ليبيا مدى الحياة، كما كان مقتنعا بدفاعه عن أرض العروبة والإسلام. وعندما حل بليبيا استقبله الناس بحفاوة خاصة. ولم تخل الاحتفالات من الجو الديني والصوفي أيضا. فحين أراد التوجه إلى مصراته أقيم له احتفال ضخم من قبل الطريقة القادرية هناك جرى فيه نقر الدفوف والحركات الصوفية. وقد دخل الأمير علي ضريح المرابط سيدي عبد الهادي، وصلى هناك العصر ثم خطب في الناس كما خطب فيهم ابنه عبد القادر من بعده (2).

(1) عن ذلك انظر دراستنا عن الأمير عبد المالك في أبحاث وآراء، ج 1، وج 3.

(2)

جورج ريمون (من داخل معسكرات الجهاد في ليبيا) ترجمة محمد عبد الكريم =

ص: 553

وقد اهتمت الصحف الفرنسية بنشاط الأمير علي وأقاربه عندئذ. فقد دخل تونس بعد توقيع الصلح مع إيطاليا، والتقى فيها بابن أخيه، الأمير خالد بن الهاشمي، الذي كان ضابطا، في الجيش الفرنسي. كما التقى ببعض أقاربه من عائلة بوطالب. واهتمت الصحافة بهؤلاء الأعيان وحضورهم رواية (كرمين) التي مثلت على خشبة مسرح تونس. وبالطبع كانت العيون تتبعهم حتى لا يقع اتصال بينهم وبين الجزائريين إلا مع من ترضى عنه السلطات الفرنسية. والغريب أن الكتاب الذي تحدث عن سيرة الأمير علي عندئذ قال إنه طلب من هذه السلطات السماح له بزيارة قبور أجداده وأرضهم فأذنت له. فدخل الجزائر سرا وخرج منها سرا بعد يومين. غير أن الزيارة لم تكن (سر) إلا على المغفلين، فقد قلده الفرنسيون وسام جوقة الشرف، وصوروه بلباسه الرسمي المهيب، وصدرت الصورة في (التقويم الجزائري) الرسمي، ولعلها صدرت في غيره أيضا. فالصحافة اليومية ليس معها سر، سيما إذا كان الأمر يتعلق برجل معروف مثل الأمير علي. وإنما الأقرب إلى العقول أن يكون الفرنسيون قد اشترطوا عليه عدم الاتصال بالناس والخطابة فيهم (1).

لم يتوجه الأمير على بعد ذلك إلى فرنسا، كما كان يرغب الفرنسيون، ولكنه رجع إلى سورية، وربما أحس بأن الفرنسيين كانوا يبنون على زيارته سياسة لا ترضى عنها الدولة العثمانية أو أنهم أساؤوا إليه أثناء زيارته للجزائر. وبعد رجوعه وصلته برقيتان إحداهما من أخيه والأخرى من ابن أخيه. الأولى من الأمير عبد المالك (سلطان مراكش) حسبما جاء في النص،

= الوافي، مكتبة الفرجاني، طرابلس 1972، ص 209 - 219 مع صور. وجورج ريمون فرنسي جاء يغطي الحرب ضد الإيطاليين ومعه ترجمان جزائري قال ان الأمير علي كان يعرف عائلته في الجزائر، وقد أهداه عقالا سوريا. عن الأمير علي انظر أيضا. مجلة (الليستراسيون) عدد 3612، ص 437.

(1)

(تاريخ حياة طيب الذكر)، دمشق 1918، ص 66 - 68. و (التقويم الجزائري) للشيخ محمود كحول، سنة 1912، وترجمته وصورته في التقويم المذكور، سنة 1913، ص 184.

ص: 554

رغم أننا ما نزال في سنة 1912، سنة احتلال فرنسا للمغرب. والبرقية كانت مكتوبة من طنجة في 3 أبل 1912. وقد جاء فيها:(أهنئكم على المساعي التي بذلتموها في سبيل الاتحاد الإسلامي). ويفهم من ذلك أن الأمير علي ربما كان مكلفا، بمهمة تتعلق بالجامعة الإسلامية. أما برقية الأمير خالد بن الهاشمي (ابن أخيه) فمكتوبة من الجزائر في 31 مارس 1912، وفيها:(نصر الله المجاهدين، فقد كان بلاؤكم حسنا، جعل الله على أيديكم كل نفع للإسلام)(1).

ورغم أن الأمير علي كان محسوبا على العثمانيين، كما رأينا، فإنه واجه سنة 1916 الاتهام بعدائهم وهو اتهام له عواقب وخيمة. ولذلك وضعوه في أحد سجون أناضوليا في نفس السنة التي أعدم فيها جمال باشا، والي الشام، مجموعة من الزعماء العرب، ومن ضمنهم أخوه الأمير عمر، وجزائريون آخرون مثل سليم السمعوني. ويقول أحد الدارسين ان الأمير علي قد حافظ على خيط من الصلة مع الفرنسيين. ولم ينجح الأمير علي في إنقاذ أخيه من المشنقة سنة 1916 ولا إنقاذ ابنه هو عبد القادر، سنة 1917 الذي اتهم لورنس بتدبير قتله عندما دخلت جيوش فيصل سورية (2)، ولم يلبث الأمير علي نفسه أن توفي، سنة 1918.

أما الأمير عمر فقد ولد في سنة 1871 بدمشق، وعاش فيها، وخالف اتجاه إخوته الكبار مثل محمد ومحيي الدين، ومال، كما قلنا إلى الفرنسيين، أي بقي على صلة القنصلية هناك، بل أصبح المتكلم باسم المهاجرين الجزائريين الذين بقوا على صلة ببلادهم في كل ما يتعلق بهم مع الفرنسيين. وكان يسافر بين

(1)(تاريخ حياة طيب الذكر)، مرجع سابق، ص 74.

(2)

دراسة الآن كريستلو (مخطوطة) عن البعثة الفرنسية إلى الشريف حسين 1916، بإشراف إدوارد بريمون. وأوضح هذا المصدر علاقة الأمير علي بعزت باشا العابد وابنه محمد علي العابد الذي كان سفيرا للدولة العثمانية في واشنطن، ثم أصبح من الأعيان السوريين الذين تولوا الوظائف السامية في عهد الانتداب الفرنسي، وكانت له ثروة مالية يديرها من باريس. أما أبوه عزت باشا فقد توفى فى مصر سنة 1924.

ص: 555

دمشق وباريس. ولا نعلم أنه قد دخل الجزائر. وما دام أمره كذلك فإننا نتوقع أن يكون في الصف المعادي للعثمانيين، ولذلك قيل عنه انه انضم إلى الجمعيات العربية السرية، وتعرضت أسرته للإبعاد إلى أناضوليا. وفي إحدى زياراته لفرنسا حصل على وسام من رئيس جمهوريتها. وإذا كان نشاطه ذلك مغفورا في عهد السلم، فانه سيكون خطرا عليه وقت الحرب. ذلك أن السلطات العثمانية في دمشق قد قبضت عليه وأعدمته ضمن من أعدمت من القادة العرب الذين اتهمتهم بموالاة أعدائها الفرنسيين، في 6 مايو 1916 (1).

كانت علاقة الأمير الهاشمي بوالي دمشق العثماني تؤدي أحيانا إلى توترات بين السلطات العثمانية والقنصلية الفرنسية. ويبدو أن عاهة العمي، والإدلال بالجاه الفرنسي أو فلنقل عدم التفاهم مع الأتراك، هو الذي جعل الأمير الهاشمي كثير القلق ولا يحسن تقديم قضيته أمام الوالي. وقضيته عادة هي شكاوى المهاجرين أو شكواه هو حول الأرض والمصالح المادية. وفي إحدى المرات غادر الهاشمي دمشق غاضبا وتوجه إلى بيروت، ولكن القنصل الفرنسي أقنعه بالرجوع. واشترط الهاشمي أن يرجع معه القنصل ففعل، مما أثار استغراب ودهشة الجالية الجزائرية. ولاحظ عليه الفرنسيون أنه كان يبالغ في طلب النقود والمعيشة الفاخرة. واقترح القنصل نقله إلى منطقة أخرى. وكانت مصر إحدى البلدان الممكنة، غير أن الهاشمي طلب الإقامة في الجزائر، فوافقت على ذلك الحكومة الفرنسية، وغادر دمشق خلال اكتوبر 1892 متجها بعائلته إلى بيروت (2) ثم الجزائر.

(1) الخالدي (المهجرون

) مرجع سابق، مخطوط، ص 430. ذكر الخالدي عددا من المراجع تتحدث عن الأمير عمر على أنه من شهداء القضية العربية. والغريب أن بعض هذه المصادر يتهم أسعد الشقيري وشكيب أرسلان بالمساعدة على الكشف عنه. عن وسام الأمير عمر من فرنسا وزيارته لها انظر (التقويم الجزائري) للشيخ محمود كحول، 1913. وكذلك (مجلة العالم الإسلامي) مرجع سابق 1907، ص 507. وباردان (الجزائريون والتونسيون)، مرجع سابق، ص 140.

(2)

باردان، مرجع سابق، ص 70، 134.

ص: 556

عرفنا أن الأمير الهاشمي كان على صلة بالفرنسيين منذ وفاة والده، الأمير عبد القادر. ونحن نجد بعض المراجع تقول ان الحكومة الفرنسية قد وافقت على منح إبنيه منحة دراسية في ثانوية لويس لوقران سنة 1888. وكلاهما رافقه إلى الجزائر، ولعلهما سبقاه إلى الدراسة بفرنسا. وكان الأمير الهاشمي يهنئ بعض أعيان الفرنسيين بالعام الجديد، كما فعل آخر سنة 1890 مع لويس تيرمان الحاكم العام للجزائر، فقد هنأه منذ منتصف ديسمبر من هذه السنة بالعام الجديد. وتدخل الهاشمي في شأن أقارب العائلة بالجزائر أيضا، إذ كتب رسالة في 18 نوفمبر 1890 إلى الحاكم العام نفسه يطلب فيها تقديم العون لأرملة ابن عمه آمنة بنت الميلود بوطالب، التي توفي عنها زوجها مصطفى بن عبد القادر، وهو في القضاء بمستغانم (1).

ومنذ أن حل الأمير الهاشمي بالجزائر استقر في بوسعادة، بعائلته، كما ذكرنا، وواصل ابنه الأمير خالد التعلم في مؤسسات فرنسا العسكرية. وتخرج ضابطا في الخيالة (صبائحية). أما إبنه الآخر مصطفى فلا نعلم إلى أي درجة وصل ولا مصيره، ويبدو أنه لم يواصل التعليم، وقد يكون توفي مبكرا. وأما الأمير الهاشمي نفسه فيبدو أنه توفي أوائل هذا القرن، أي قبل سنة 1907 على كل حال. ولعل الهاشمي كان من أبناء الأمير عبد القادر المهجنين، أي أن أمه كانت وصيفة أو أم ولد، إذ تصفه بعض الوثائق بأنه كان أسمر البشرة أجعد الشعر (2).

من أبناء الأمير عبد القادر الذين تركوا إسما قويا في التاريخ نذكر الأمير

(1) ابن سديرة (كتاب الرسائل)، مرجع سابق، ص 230 - 231. وقد ذكر كريستلو، ص 281 أن مصطفى بوطالب قد عمل في القضاء بين 1858 - 1883 وهي سنة عزله منه، وربما توفي حوالي 1890 بعد أن رجع إلى القضاء، كما تشير رسالة الأمير الهاشمي.

(2)

السيدة بروس (إقامة في الجزائر)، مرجع سابق، ص 315. لعله هو الذي عناه الواصف حين وصف أطفال الأمير في سجن امبواز (فرنسا) وكانوا يلعبون على زربية بالقرب من أمهاتهم.

ص: 557

محيي الدين، وهو الذي سماه الأمير على والده وعلي ابنه المتوفي (سنة 1837 حسب بعض الروايات). ولد محيي الدين في القيطنة سنة 1259 (1843)(1). وبعد أربع سنوات هزم والده وحمل إلى سجون فرنسا، فكان الطفل محيي الدين يتبع أباه وأمه. وقد كان عمره حوالي تسع سنوات عند إطلاق سراح والده في آخر سنة 1852. وفي امبواز علمه والده القرآن الكريم، رفقة أخيه محمد وبعض أبناء المرافقين للأمير في السجن. وكانت حياته في الطفولة والمراهقة تشبه حياة أخيه محمد أيضا، إذ قضى محيي الدين بضع سنوات في بروسة مع أسرته قبل أن تنتقل إلى دمشق. فكان عمره حوالي اثني عشر سنة عندما انتهى بهم المطاف إلى الشام. وثمة انتظمت حياته العلمية. فدرس على جزائريين وسوريين. ومن الجزائريين والده ومصطفى بن التهامي، ومن السوريين محمد عبد الله المغربي الخالدي، ومحمد الطنطاوي، ومحمد الجوخدار. وتعلم العربية والتركية، وربما تعلم بعض الفرنسية. وازدادت علومه بالإطلاع الواسع على الكتب والأسفار. فكان يزور أوروبا واسطانبول أيضا. وتكونت لديه ملكة شعرية قوية، وأحب الأدب، واهتم بالفروسية والتاريخ. وقرأ سيرة الأبطال المسلمين، ومنهم والده، فتاقت نفسه إلى المجد ورسم اسمه في لوحة الشرف التاريخية.

كان عمره سنة 1870 هو عمر والده سنة 1830 تقريبا. لقد كان في السابعة والعشرين عندما اختفى من دمشق وسار نحو المغرب العربي متخفيا في زي تاجر، عبر مصر ومالطة وتونس، ثم دخل الجزائر من الجهة الشرقية، ناحية تبسة، يرافقه بعض الأوفياء. وكان ذلك في خريف سنة 1870 (ربما منتصف أكتوبر؟) ولم تكن ثورة المقراني ولا الشيخ الحداد قد بدأت بعد. كان هناك تذمر وعصيان ناجية سوق أهراس، وهناك الشيخ الكبلوتي زعيم الحنانشة المغاوير. وأخذت الرسائل والبرقيات العربية (كلمة السر) تتردد في

(1) هكذا وجدنا في المراجع. ويحتاج الأمر إلى دقة. لأن سنة 1843 كانت فيها الحرب عوانا بين الأمير والفرنسيين، وقد استولوا قبلها على تلمسان ومعسكر، ثم استولوا على الزمالة المتنقلة. فكيف يولد محيي الدين في القيطنة؟.

ص: 558

أوساط الأهالي الذين ملوا التعسف الاستعماري وتجريد الأعيان والأعراش من أراضيهم بدعوى الملكية الفردية. وتحدثت قرى زواوة والهضاب العليا عن وجود ختم الأمير عبد القادر على الرسائل الواصلة إلى الأعيان وشيوخ الطرق الصوفية، كما تحدثت بأن الخليفة العثماني قادم لنجدة الجزائريين. وكانت فرنسا عندئذ محتلة وباريس تحت براثن خيول بيسمارك، فضلت الحكومة الفرنسية الهروب إلى بوردو بدل البقاء في باريس. إنها إذن الفرصة المنتظرة لكي يضرب المظلوم ضربته.

وفي هذا الجو اندلعت الثورة سنة 1871، باسم المقراني في البداية. لكن هل تلقى المقراني رسالة من محيي الدين باسم الأمير عبد القادر؟ إن دعاية الوقت قالت إن المقراني وعد بأن الخليفة العثماني سيدعم الثورة وكذلك (السلطان) عبد القادر. وأن وجود محيي الدين داخل حدود الجزائر عندئذ قد نفخ روحا قوية للثورة والأمل في التحرر. فإلى أي حد كان محيي الدين محركا أو منشطا للثورة؟ ذلك ما لا نستطيع أن نجازف به الآن. ولكن استجابة الطريقة الرحمانية التي طالما نسقت المواقف في المقاومة مع الأمير عبد القادر منذ الثلاثينات، تدل على استمرار ذلك التنسيق. فقد نادى الشيخ محمد امزيان الحداد، بضغط من ابنه عبد العزيز (عزز) بالجهاد. فهل كان الشيخ عبد العزيز على صلة بمحيي الدين أو ببعض رسائله على الأقل؟.

لكن هذه المغامرة لم يقدر لها النجاح. فقد جرت ضغوط على الأمير عبد القادر ليعلن رأيه. ولعله قد أعطى موافقة ضمنية لابنه بعد سقوط نابليون الثالث وتغيير النظام في فرنسا بل وهزيمتها. فذلك كله يحرره من الالتزام الذي قيل إنه وعد به نابليون، رغم أنه شخصيا لم يدخل الجزائر، ولكن الذي دخلها هو ابنه. ويبدو أن هذا الابن قد جاء بنية البقاء فترة طويلة بل بدون التفكير في العودة إلى الشام، وإنما جاء ليفتح طريق الدخول إلى والده الذي قارب الستين سنة.

ويقول البعض إن الأمير قد غضب على ابنه لأنه يعتقد أن ما قام به كان

ص: 559

مجازفة وتهلكة للشعب (1). ومع ذلك فلم يرجع الأمير محيي الدين إلى سورية إلا في يوليو 1871، وكانت الثورة في الجزائر عندئذ قد ضعفت، وقتل الحاج محمد المقراني، وسجن الشيخ الحداد، واستسلم الشيخ عبد العزيز وأخوه محمد. ولم يبق في الميدان إلا أحمد المقراني بومزراق الذي أخذ في الانسحاب بأتباعه نحو الجنوب الشرقي (2).

رجع الأمير محيي الدين إلى الشرق واستقر في صيدا، ليتفادى إحراج والده مع القنصلية الفرنسية. وقد ذكر منح الصلح أنه هو الذي أشار عليه بالإقامة عند بعض الأقارب في صيدا بعض الوقت، ونحن نستبعد ما قيل إن الأمير عبد القادر قد (طرد) زوجة ابنه وأبناءها، لأن ذلك ليس من أخلاقيات الأمير ولا من أخلاقيات المسلمين. كما نستبعد ما ذكره باردان من أن الأمير محيي الدين كتب رسالة من صيدا إلى القنصل الفرنسي روستان يعترف له أنه ذهب إلى الجزائر ليس بقصد الإساءة إلى فرنسا، وأن هناك أسبابا مالية (؟) هي التي جعلته يغادر دمشق (3). ونحن لم نطلع على هذه الرسالة ولا على قرار الأمير بطرد عائلة ابنه، فالتحفظ أمام هذه الإدعاءات أسلم في الوقت الراهن.

طالما كان الأمير عبد القادر على قيد الحياة، كان محيي الدين في ظل والده يتبع سياسته ويطيعه. وأثناء حياة والده حصل على أوسمة من السلطان عبد العزيز العثماني، ومن نابليون الثالث، وغيرهما. وكان مهتما بالحياة

(1) الخالدي (المهجرون

) مرجع سابق، ص 234. وعادل الصلح

(سطور من الرسالة)، بيروت، 1966، ص 23. وكان الصلح ينقل عن والده المعاصر للأمير عبد القادر. عن دور محيي الدين في ثورة 1870 انظر كتابنا (الحركة الوطنية)، ج 1.

(2)

يبدو أن الفرنسيين كتموا أخبار وجود الأمير محيي الدين في الجزائر عن قصد، وظل خبره مغيبا حتى بعد انتهاء الثورة.

(3)

باردان (الجزائريون والتونسيون)، مرجع سابق، ص 28 - 29. ذكرنا سابقا أن الأمير علي رفض التوجه إلى فرنسا سنة 1912.

ص: 560

العسكرية والأدب والأسفار، بالإضافة إلى إعالة أسرته. وبعد وفاة والده فضل هو وأخوه محمد وعلي الولاء لآل عثمان كما ذكرنا. مع بقائهم على حب الجزائر والقضية العربية والجامعة الإسلامية. وقد شجعته السلطات العثمانية على ذلك أيضا. فمنحه السلطان عبد الحميد أوسمة وعينه جنرالا على فيلق شرفي، ومساعدا للسلطان. وقد كلفه السلطان سنة 1888 (بعثمنة) الجزائريين في سورية، أي إدخالهم تحت الرعاية العثمانية بدل الرعاية الفرنسية. فجاء محيي الدين إلى بيروت رفقة أخيه محمد، ثم توجها إلى دمشق، وأخذ محيي الدين يوزع الألقاب والمرتبات على إخوته وعلى الجزائريين لذلك الغرض. وكان ممثلو السلطان في بيروت قد استقبلوا الأمير محيي الدين استقبالا. رسميا باعتباره مبعوث السلطان. فاحتجت السفارة الفرنسية في اسطانبول على ذلك النشاط، وطالبت بإرجاع محيي الدين وإنهاء مهمته .. وأخذت القنصلية الفرنسية في دمشق، من جهتها، تحرك أخوته ضده وضد سياسة العثمنة، ومنهم الأمير الهاشمي الذي سبق الحديث عنه (1)، كما أن آخرين وجدوا في ذلك فرصة لمضاعفة طلباتهم من القنصلية الفرنسية. ومهما كان الأمر فإن السفارة الفرنسية في اسطانبول لاحظت أن المهاجرين الجزائريين مالوا إلى الدولة العثمانية وأن ذلك يعني نجاح سياسة الجامعة الإسلامية (2).

ولا ندري إلى أي حد استغل الأمير محيي الدين تنافس العثمانيين والفرنسيين على ولائه. فتدخله في الجزائر 1870 - 1871، وشخصيته، وأدبه قد جعلته كلها محط النظر من هؤلاء وأولئك. وتذكر بعض المصادر أن السلطات الفرنسية عرضت عليه بعد وفاة أبيه نفس الراتب الذي كانت تعطيه له، على أن يظل تحت رعايتها، فأبى الأمير محيي الدين ذلك. وقبل الراتب

(1) في هذه الأثناء (1888) أعلنت فرنسا أنها منحت ابنين للأمير الهاشمي منحة دراسية في ثانوية لويس لوقران. انظر سابقا.

(2)

باردان (الجزائريون

)، مرجع سابق، ص 60 - 61. انظر أيضا، الخالدي (المهجرون

) ص 556.

ص: 561

الشهري الذي عرضه عليه السلطان عبد الحميد. وقد كلفه السلطان نفسه بعدة مهمات في المشرق والمغرب. من ذلك أن العلاقات بين الدولة العثمانية والدولة العلوية (المغرب) قد أخذت في التحسن أثناء عهد الحسن الأول الذي كان يحاول التخلص من ضغط الدول الأوروبية عليه. وذهب سفير مغربي إلى اسطانبول. وأرادت الدولة العثمانية الكشف عن حسن نيتها في التعامل مع المغرب فرشحت الأمير محيي الدين لهذه المهمة. وقد عينته سفيرا لها في مراكش. لكن فرنسا وقفت ضد ذلك، لأنها كانت ضد سياسة الجامعة الإسلامية وضد تعيين الأمير محيي الدين بالذات الذي حاول الثورة ضدها. ثم أنها كانت تعمل على احتلال المغرب حين تسمح الظروف الدولية بذلك (1).

حين وقعت الحرب العثمانية - الإيطالية على ليبيا سنة 1911 كان الأمير محيي الدين يدب نحو السبعين سنة، ولذلك لم نسمع عنه شيئا عندئذ وإنما سمعنا بدور أخيه علي. وقد عاش الأمير محيي الدين حتى قارب التسعين إذ أدركته الوفاة في دمشق سنة 1336 - 1918. ودفن في مقبرة الشيخ محيي الدين بن العربي إلى جوار والده. ولا شك أنه لم يكن سعيدا عندئذ فقد سمع بانتصارات الحلفاء ضد الدولة التي أيدها، وسمع بثورة الشريف حسين، ورأى فكرة الجامعة الإسلامية التي عمل لها تنهار على أيدي جمعية الاتحاد والترقي والحركة الطورانية والحركة الصهيونية، واشتداد العداوة بين العرب والترك. وفاز أعداء الطرفين. ولا شك أيضا أنه عاش إلى وفاة أخيه محمد سنة 1913، وشنق أخيه عمر سنة 1916، ونفي أخيه علي من دمشق. فهل بقي الأمير محيي الدين بعد ذلك على ولائه لآل عثمان؟ لا نظن ذلك. لقد تغيرت نفوس كثيرة بعد سقوط السلطان عبد الحميد، وظهور حركة التتريك، وقيام الحكم العربي في سورية.

لقد ترك الأمير محيي الدين أبناء بعده، منهم عبد القوي الذي سماه على أحد جدوده. وخصص الشيخ عبد الرزاق البيطار ترجمة واسعة للأمير

(1) علال الفاسى (الحركات الاستقلالية)، طنجة، 1948، ص 88.

ص: 562