المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌زوار من المشرق والمغرب - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌زوار من المشرق والمغرب

(1902)

. وقد نتناول بعض مؤلفاته في الجزء الخاص فذلك (1). ومما يلفت النظر أن المصادر لا تذكر سوى ابنه الوحيد وهو بدر الدين الحسني الذي طبع كتاب والده (نثر الدر).

‌زوار من المشرق والمغرب

ما سنذكره عن زيارات المشارقة والمغاربة منذ وقت مبكر يدل على أن الجزائر لم تكن معزولة عن العالم العربي والإسلامي. فمنذ 1830 تطالعنا أسماء من الزوار المعروفين تاريخيا، أو الذين لا نعرف إلا أسماءهم، وأحيانا، لا نعرف حتى أسماءهم. وكانت زيارات هؤلاء معروفة الهدف أحيانا مثل نشر التصوف والعلم، والتوقف في الطريق، وزيارة بعض الصالحين، والاطلاع على أحوال المسلمين، ولكن أهداف بعض الزوار ظلت غامضة فلا يعلنون هم عنها صراحة، ولا الفرنسيون يعلنون عن رأيهم فيهم، بغير الشك والارتياب.

وقد كان الفرنسيون يلجأون إلى طرق مختلفة لاستقبال أو رفض الزائرين. فقد يستغلون الزيارة لصالحهم كما فعلوا مع أحمد المصطفى بن طوير الجنة الموريطاني، وقد لا نعرف موقفهم تماما من الزائر كما هو الحال مع الشيخ محمد صالح الرضوي. وهناك زوار يبدو أن الفرنسيين قد شجعوهم على الحضور للجزائر متوقعين منهم الثناء والمدح ولكن النتيجة كانت غير ذلك، كما فعلوا مع محمد بيرم الخامس والشيخ محمد عبده. بالإضافة إلى أن هناك من طرده الفرنسيون بعد اعتقاله.

وسوف يكون من المستحيل الإحاطة بجميع الزائرين وكتابة نبذة عن حياة وهدف كل منهم والعلاقات التي أقامها في الجزائر مع مثقفي البلاد ومع

(1) تعريف الخلف، 2/ 98، والخالدي (المهجرون)، ص 375، ومنتخبات تواريخ دمشق 2/ 704.

ص: 570

الفرنسيين. ذلك أن المدة التي نعالجها دامت أكثر من قرن. وقد تعددت خلالها الزيارات، وكان بعضها قد رافقته ضجة وحديث طويل. ولذلك سنكتفي بنماذج فقط، وأحيانا بالأسماء فقط محيلين على بعض المراجع الأخرى لمن أراد المزيد من المعرفة.

ولعل أحمد المصطفى بن طوير الجنة هو أول من دخل الجزائر غداة الاحتلال قادما من الحج وعابرا إلى الغرب ثم ودان (موريطانيا). وكان ذلك سنة 1832. وأثناء ذهابه إلى الحج مرورا بالمغرب كان سيعبر الجزائر ولكنه علم باحتلالها وأن الطريق منها محفوفة بالخطر فركب من طنجة، ولكنه أثناء الرجوع حل بتونس ودخل منها إلى الجزائر، واحتفت به السلطات الفرنسية باعتباره من الشخصيات الدينية والسياسية لعلها تحصل منه على معلومات وتقيم علاقات معه من جهة إقامته، وكذلك من جهة المغرب الأقصى. فاستقبلوه في الجزائر استقبالا خاصا، وأظهروا له الإكرام والاهتمام وأركبوه سفينة لهم إلى جبل طارق. وظلوا يتابعون أخباره حتى بعد وصوله إلى المغرب ثم إلى مقر إقامته. وقد سجل ابن طوير الجنة بعض الملاحظات على الجزائر والفرنسيين في رحلته التي نشرت بالإنكليزية فقط حتى الآن، وهي بعنوان (رحلة المنى والمنة)(1).

وبعد حوالي سنة حل بالجزائر الحاج موسى الدرقاوي. ولم يكن هذا من رجال الرحلة والملاحظة ولكن من رجال الجهاد والتصوف. قيل أنه مصري جاء إلى ليبيا وأخذ ورد الطريقة المدنية - الدرقاوية، ثم سار إلى المغرب الأقصى حيث مقر الطريقة الدرقاوية، ومن هناك علم بحركة الجهاد في الجزائر ضد الاحتلال، فدخلها واتصل برجال الجهاد الأولين أمثال محمد بن عيسى البركاني، والحاج سيدي السعدي، والحاج محيي الدين بن مبارك، وقد عقدوا جميعا مؤتمرا في متيجة سنة 1833 ونسقوا حركة الجهاد فيما بينهم. ورغم أنه درقاوي (أي ليس من طلاب الحرب والسلطة الدنيوية)

(1) انظر حديثنا عن هذه الرحلة في كتابنا (تجارب في الأدب والرحلة)، الجزائر 1982.

ص: 571

فإن الحاج موسى خالف نصيحة زعيم الدرقاوية عندئذ، محمد العربي بن عطية، وخاض المعارك ضد الفرنسيين، واختلف مع الأمير عبد القادر مما أدى إلى تحاربهما حول المدية. ثم انسحب الحاج موسى نحو الجنوب - الأغواط والجلفة - وكون هناك فرعا لطريقته، وتزوج وأنجب أولادا، هم الذين خلفوه. بعد أن حارب جهة الظهرة وأولاد جلال، قتل مع الشيخ بوزيان في معركة الزعاطشة سنة 1849 (1).

وخلال الأربعينات زار الجزائر محمد صالح الرضوي. وهو من أعيان التصوف بالمشرق في وقته. ولا ندري لماذا سهل له الفرنسيون هذه الزيارة رغم أنها جاءت في وقت حرج إذ كانت المقاومة ما تزال على أشدها في عهد الأمير، وكان الحاكم العام هو المارشال بوجو. وقد سمح الفرنسيون للرضوي بالاختلاط بعلماء الوقت في الجزائر وإجازتهم. ثم ذهب منها إلى المغرب، ولعله رجع إلى المشرق عن طريق الجزائر أيضا. وسنعرض لزيارة الرضوي عند الحديث عن الإجازات.

أما زيارة يوسف كرم فهي أوضح من سابقتها. كان يوسف كرم من أعيان لبنان المسيحيين. وكان يتقد غيرة على (الجنس العربي) كما يسميه. وقد حدثت الزيارة للجزائر على إثر أحداث الشام التي تدخل الأمير عبد القادر لإطفائها. وكانت بين يوسف كرم والأمير مراسلات، وكان كرم يحث الأمير على قبول إمارة بلاد الشام إما تحت المظلة العثمانية أو بدونها أي بإعلان الاستقلال عنها. ويهمنا من ذلك كله أن يوسف كرم ثار ضد حاكم جبل لبنان من قبل السلطان، وهو داود باشا، وبعد حوالي سبع سنوات من الفتنة اتفق العثمانيون والفرنسيون على السماح ليوسف كرم بالخروج من البلاد والترخيص العثماني له في ذلك، على أن يذهب للإقامة في الجزائر. وفي 31 يناير 1867 ركب يوسف كرم من بيروت دارعة فرنسية وتوجهت به غربا (؟). ولعل يوسف كرم قد حل بالجزائر ثم غادرها إلى أوروبا حيث

(1) عن الدرقاوي انظر الحركة الوطنية، ج 1.

ص: 572

يجد النشاط السياسي والإعلامي الذي كان يبحث عنه. (1)

وكانت زيارة الشيخ محمد بيرم الخامس التونسي للجزائر سنة 1878. وقد سبق له زيارتها أكثر من مرة، ولكنه لم يتعمق في أجوائها ويعرف على رجالها إلا خلال السنة المذكورة. وكان الشيخ بيرم يعرف أوروبا. وله تفكيره الخاص في التقدم الأوروبي والنهضة الإسلامية، وكان من علماء جامع الزيتونة والعارفين بالفرنسية. وكذلك كانت له نظرة مقارنة بين تونس التي كانت ما تزال عثمانية والجزائر التي تأثرت بالتغييرات الفرنسية. ويكفي أن عائلته قد تولت الشؤون الدينية عقودا مختلفة، ومنها عمه بيرم الراعي الذي كان مفتيا وعالما زيتونيا، وهو الذي خلفه بيرم الخامس، في العلم والثروة والجاه، وكان بيرم الخامس صديقا لخير الدين باشا صاحب (أقوم المسالك) والداعي إلى الإصلاح. وتولى بيرم في تونس وظائف عديدة. وفي فرنسا عالج من مرضه العصبي، وزار معرض باريس الدولي، كما زار لندن. وفي الجزائر (أثناء رجوعه) زار عنابة وقسنطينة والعاصمة، وتعرف على بعض رجال الدين والقضاء، ذكر بعضهم في رحلته (صفوة الاعتبار). ومن هؤلاء أحمد بوقدورة، وعلي بن الحاج موسى، وعلي بن الحفاف، وقدور الشريف، والشرق الصفصافي، والسعيد بن شتاح. وكان محمد بيرم من الناقدين للحكم الفرنسي، سيما نظام القضاء والتعليم، وله نظرات دقيقة في المجتمع الجزائري. ولذلك لم تكن أحكامه لترضي الفرنسيون (2).

(1) عادل الصلح (سطور من الرسالة)، ص 105 هامش. لم نجد حتى الآن مصدرا يتحدث عن إقامة يوسف كرم في الجزائر مدة طويلة أو قصيرة. والمعروف أنه توفي بالقرب من نابولي الإيطالية، سنة 1889. وقصة كرم هذه تذكرنا بقصة ميشيل عون في عصرنا.

(2)

انظر صفوة الاعتبار، ج 4. وكذلك هنري بيريز (رحلتان) في (المؤتمر الأول لاتحادية الجمعيات العلمية

) 1935، ص 263 - 264. وبعد احتلال تونس 1881 هاجر بيرم إلى المشرق، واستقر بالقاهرة وأصدر جريدة (الإعلام) التي كانت تكتب عن تونس والجزائر وتعارض الاستعمار الفرنسي. وقد توفي بالقاهرة، سنة 1889.

ص: 573

وخلال التسعينات من القرن الماضي زار الجزائر ثم استقر بها الأخوان قدور وأحمد رودوسي. وكانا من جزيرة رودس التي كانت تحت الدولة العثمانية. وكانا مهتمين ببيع الكتب في العالم العربي. ويبدو أن اتفاقا بينهما وبين السلطة الفرنسية أدى إلى استقرارهما بالعاصمة وإنشاء مكتبة للبيع ومطبعة لطبع الكتب العربية. ولا شك أن هناك خلفيات قد تكون سياسية لهذه الصفقة، ولكنها كانت مفيدة للجزائر على كل حال إذ أصبحت مطبعة رودوسي أول مطبعة عربية في الجزائر يملكها مسلم من أصول قد تكون تركية أو جزائرية (1). ويجب أن نلاحظ أن الفرنسيين كانوا يتعاملون بشأن الكتب العربية مع المسيحيين اللبنانيين عادة. وربما تواصل ذلك حتى بعد الاتفاق مع رودوسي.

وهناك شخصيات من أصول جزائرية مولدا أو نسبا زارت الجزائر بعد أن خرجت منها لظروف الحرب أو نحوها. وأسباب الرجوع أو الزيارة عديدة، منها تفقد الأهل والأقارب، وزيارة الصالحين، والحصول على نصيب من التركات، وحب الاطلاع والمعرفة. ومن أبرز هؤلاء أبو حامد المشرفي، من مشارف معسكر، صاحب التأليف العديدة. فقد جاء من المغرب الأقصى أثناء حجه. وكتب عن أحوال الجزائر كما رآها سنة 1849 ثم سنة 1877، ومن رأيه أن حالتها (الفرنسية) تدل على أن التقدم فيها كان مستمرا، وأن رجال الدين منتظمون ومحترمون، وأن المدارس متوفرة والدين مرعي. وقد كان المشرفي من الذين سخطوا على الأمير عبد القادر لتأثير حاشيته عليه، أي لأسباب قبلية عائلية، وعبر عن ذلك في كتابه (طرس الأخبار) الذي سندرسه (2).

(1) نلاحظ أن اسم (قدور) لم يكن شائعا في المشرق، وربما كانت أسرة رودوسي من العثمانيين الذين أخرجهم الفرنسيون قهرا سنة 1820. وكانوا قد حلوا بأزمير وجزيرة رودس وغيرهما.

(2)

حياة المشرفي وكتبه في كتابنا أبحاث وآراء ج 2. وكذلك فصل التاريخ انظر أيضا بيرو (رحلتان)، مرجع سابق.

ص: 574

وتردد على الجزائر أفراد من عائلة مصطفى بن عزوز الرحمانية التي استقرت بنقطة (تونس) منذ حوالي 1844. ومنهم الشيخ محمد الخضر حسين الذي زار الشرق الجزائري والعاصمة حوالي 1905، وكتب (رحلة جزائرية) ذكر فيها بعض الأعيان الذين لقيهم ووصف الحالة الاجتماعية عموما، وسجل ملاحظات دقيقة، وكانت زيارته في نفس السنة التي انعقد فيها مؤتمر المستشرقين الرابع عشر بالعاصمة. وقد ذكرنا محمد الخضر حسين في عدة مناسبات أخرى، ولكننا لاحظ أنه كان عندئذ من علماء جامع الزيتونة وهو المنشئ لجريدة (السعادة العظمى). وقد نشر رحلته المذكورة فيها، ولعل ذلك مما شجع بعض الطلبة الجزائريين على الالتحاق بالزيتونة.

والشخصية الثانية من نفس العائلة هو المكى بن عزوز. فقد كان أيضا من مواليد نفطة ومن علماء تونس، ومن أصول جزائرية، وكان ميالا إلى الزهد والعلم. فتردد على الجزائر قبل وبعد رحيله إلى المشرق. وكانت للشيخ المكي مصاهرة مع أهل الديس (قرب بوسعادة). وقد اتخذ هذه المصاهرة وسيلة لتكثير الزيارات ونشر أفكاره التي كان يأتي بها من المشرق. وترك الشيخ أبناء، منهم الشيخ الكامل الذي أكثر هو أيضا من الزيارات والتنقل بين الجزائر والمشرق إلى أن استقر ناحية العين البيضاء ثم سوق أهراس. وكان الفرنسيون يتتبعون حركات الشيخ المكي وابنه الكامل، وكذلك حركة ابن خليفة المدني (من نفس العائلة) المتوفى في مكناس. وكانت الزيارات تؤدي إلى إجازة علماء الجزائر، سيما من الرضوي والمكي بن عزوز وابن خليفة (1) وعلي بن ظافر المدني الذي زار أيضا الجزائر سنة 1297 هـ (1879) وأجاز بعض علمائها كابن الحاج موسى.

ومن تونس جاء أيضا الشيخ عبد العزيز التعالبي سنة 1895. وكانت

(1) الكتاني (فهرس الفهارس)، 2/ 788 وهنا وهناك. وقد توفي الشيخ المكي بن عزوز في اسطانبول ودفن بها. ترجمة الشيخ المكي في محمد محفوظ (تراجم المؤلفين التونسيين)، دار الغرب الإسلامي.

ص: 575

أسرته من أصول جزائرية. ويبدو أنه جاء بنية العمل، ولكنه اكتشف أن البلاد قد تغلب عليها الطابع الفرنسي في المدن ولم تعد هي المكان الذي كان يرجو العمل فيه، فلم يطل بها الإقامة (1).

وفي سنة 1911 زار الجزائر أحد الرحالة التونسيين واسمه محمد الشافعي النفطي، واتصل بالشيخ شعيب الجليلي قاضي تلمسان، وقدم بين يديه قصيدة ورسالة، وعرف نفسه بأنه (كثير الترحال). ولا ندري ما صلة الشيخ الشافعي عندئذ بزاوية نفطة وأحداث ليبيا، ولا كم دامت رحلته أو جولته في الجزائر (2). ويبدو أن السلطات الفرنسية كانت حذرة منه، فقد ذكر الشيخ الطاهر بن عبد السلام سنة 1923 أن محمد الشافعي كان عندئذ في عنابة وكانت السلطات الفرنسية تطارده، وأنهم سجنوه، تم حجروا عليه البقاء في عنابة، ثم منعوه من الخروج من تونس (3).

وهناك رحالة مغاربة حلوا بالجزائر وسجلوا انطباعاتهم عنها، وقد جاء آخرون لدواعي دينية وسياسية أيضا. وتتحدث مصادر المغرب عن محمد التاودي السقاط (سقط؟) حوالي منتصف القرن الماضي. وكان قد جاء الجزائر في سفارة ضمن وفد رسمي، وتحدث في جزء من رحلته التي سماها (خرق العوائد) عن الجزائر. ولا ندري الآن العلاقة بين التاودي السقاط وابن عبد الله سقط الذي كان مع الأمير عبد القادر، وأرسله في مهمة إلى المغرب بعد 1843، فلم يرجع (4).

(1) يوسف مناصرية (الحزب الدستوري التونسي)، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1989.

(2)

مخطوط الخزانة العامة - الرباط، ك 48. واسمه الكامل هو محمد الشافعي بن محمد بن علي الشريفي النفطي. ومن شعره الذي قدمه إلى القاضي شعيب قوله: حبي لأهل العلم قد أحياني

ثملت به روحي مدى أحياني

شوقي لهم بجوانحي متوقد

لوصالهم حادي الهوى غتاني

(3)

الهادي السنوسي، شعراء الجزائر 2/ 56.

(4)

محمد المنوني، مجلة كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، عدد 13. وكان محمد =

ص: 576

كما كتب أحمد بن العربي بن حسون الوزاني (الرحلة الوزانية) أثناء حجه سنة 1269. فقد حل بالجزائر أثناء رجوعه من الحج ونزل أيضا وهران. وكان معه غيره من العلماء. ولكننا لا ندري الآن انطباع الحاج أحمد الوزاني ولا من لقيه من الجزائريين (1).

وبالإضافة إلى ابن طوير الجنة تردد على الجزائر عدد من العلماء الموريطانيين. وقد ذكر الشيخ البوعبدلي أن المفتي محمد باي عمر كان يرحب بهم في الجزائر أثناء حجهم وكان ينزلهم في محله في الذهاب والإياب. وممن كان يساعده في ذلك الشيخ بوعلام ولد رويس. وقال البوعبدلي أيضا انه يظن أن بعض أعضاء الوفد الموريطاني قد حاول طبع رحلة لبعض أقاربه وأهدى منها نسخة إلى الشيخ بابا عمر، وكان البوعبدلي ممن يجتمع بهم أيضا عند المفتي المذكور، وكان بينهم أدباء وعلماء، والكثير منهم كان يدون رحلته إلى الحج. وطالما اشترك البوعبدلي ومحمود زوزو في تسجيل مساجلات المريطانيين بإملائهم عليهما (2).

وفي 1897 (1316) زار الجزائر حاج مغربي آخر يسمي الحسن بن محمد الغسال. جاء من طنجة وعبر إلى الاسكندرية ثم إلى مكة والمدينة. كما زار بيروت ومرسيليا، ثم رجع إلى بلاده عبر الجزائر عن طريق البر. وفي عاصمة الجزائر زار بعض المعالم مثل ضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، ولم يتحدث عن أية شخصية حية، شأن الرحالين المغاربة القدماء، وإلا اكتفى بذكر اسم السيد محمد دادي الذي قال ان أصله من فاس. وفهم من بعض المصادر الأخرى أن دادي هذا كان من كبار التجار بشارع لالير

= التاودي السقاط حيا سنة 1871 - 1288. وعن ابن عبد الله سقط، انظر سابقا.

(1)

الرحلة توجد في الخزانة العامة بالرباط، ك 1012، قطعة منها هي الثانية ضمن مجموع. وكان أحمد الوزاني حيا سنة 1864.

(2)

المهدي البوعبدلي، رسالة منه بتاريخ 7 يناير 1981.

ص: 577

(أحمد بوزرينة حاليا). وقام دادي سنة 1905 برحلة طويلة حملته إلى فرنسا ومصر وسورية وتركيا ومكة والمدينة. وكان هو الذي كلفته السلطات الفرنسية بلقاء محمد الجباس، مبعوث سلطان المغرب سنة 1903 إلى الجزائر. وإذا كان الحاج الحسن الغسال لم يذكر العلماء في الجزائر فانه ذكر بعض الجزائريين الذين رآهم واجتمع بهم في بيروت مثل محمد المرتضى ومحمد باشا مؤلف (تحفة الزائر)، ومحمد بن أبي طالب، وكلهم من عائلة الأمير عبد القادر (1).

زيارات رجال الدين والتصوف من المغرب وتونس وغيرهما أكثر من أن تحصى، كان بعضها برخصة من الفرنسيين أنفسهم، مثل زيارة مشائخ الطيبيبة ابتداء من زعيمها شريف وزان في آخر القرن الماضي. وفي سنة 1357 زار الجزائر محمد المحجوب الذي يبدو أنه من أهل الطرقية، إذ حضر مركز مجمع الزوايا، وكان له رأي في المعتدلين والمتطرفين (المصلحين). وجاء الجزائر أيضا الشيخ شعيب الدكالي، والتقى بعلماء الناحية الغربية كالمفتي عبد القادر بن الصديق. وقد دارت بينهم مناقشات حول عقائد الناس في الشيخ عبد القادر الجيلاني والمولى ادريس والمبالغة في ذلك (2). ومن أبرز الزوار المغاربة للجزائر خلال العشرينات والثلاثينات عبد الحي الكتاني المتزعم للطرقية الموالية عندئذ لفرنسا في المغرب الأقصى، رغم علمه الغزير وتآليفه المفيدة، كما حل بالجزائر الشيخ الفاضل بن عاشور لحضور بعض المؤتمرات الصوفية التي كانت تجمعها

(1) مجلة العالم الإسلامي، يناير 1908، ص 1 - 20 (عن الرحلة الغسالية)، وقد ذكرنا أن محمد المرتضى توفي في بيروت سنة 1902. وعن هذه الرحلة انظر أيضا محمد المنوني، مجلة كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، رقم 13. وعنوانها هو (التنبيه المعرب). أما المؤلف فهو الحسن بن الطيب المعروف بابن عشرين. وعن حلول الوفد المغربي سنة 1903 انظر ترجمة محمد بن مصطفى خوجة، وكذلك مجلة (المنار) 3 مارس 1904.

(2)

ابن بكار (مجموع النسب)، ص 213 - 214.

ص: 578

السلطات الفرنسية لتجنيد الرأي العام في المغرب العربي لصالحها.

ومن ليبيا جاءت إلى الجزائر شخصيات كانت عادة غاضبة على السلطات العثمانية. منهم سيف النصر، وهو من عائلة أولاد ابن عبد الجليل، وسيف النصر هو صاحب كتاب (ري الغليل) الذي وصف في جزء منه صحراء الجزائر الشرقية وقسنطينة والمنطقة الواقعة بين ذلك والشلف (1). أما غومة المحمودي فقد استقر بوادي سوف بعد ثورته على العثمانيين أيضا، وتوفي سنة 1858. وما تزال ذكريات الناس عنه في وادي سوف. وقد سمى ابنه المولود سنة 1857 باسم (سوف). وهو الابن الذي لعب دورا بارزا في الحرب ضد إيطاليا منذ 1911، وأصبح من قادة الحركة الوطنية الليبية. وظل سوف على موقفه ضد الايطاليين بعد أن هاجر إلى مصر حيث توفي سنة 1930 (1349).

كما أن زيارة سليمان الباروني للجزائر ودراسته في بني ميزاب على الشيخ محمد بن يوسف أطفيش وكتابته عن مشاهداته فيها، يدل على تأثره بطبيعتها، وبتتلمذه على شيخه القطب وارتباطه المذهبي بأهلها. وهناك رجال آخرون مثل علي يحيى معمر الباحث الشهير، ولكنه جاء في مرحلة متأخرة عن موضوعنا، وكان من تلامذة معهد الحياة والشيخ إبراهيم بيوض (2).

أما مصر فقد جاء منها شخصيات عديدة، دينية وقانونية، وأدبية وفنية. كالشيخ محمد عبده، ومحمد فريد، وسلطان محمد، وصديق أحمد، وعبد العزيز جاويش، وجورج أبيض، وأحمد شوقي، ويوسف وهبي، وفاطمة رشدي، الخ. ولكل واحد منهم دوره وأثره. وإذا كان أحمد شوقي رغم

(1) عن كتاب ري الغليل، انظر أبحاث وآراء، ج 4. وعلي المصراتي (مؤرخو ليبيا).

(2)

عن أطفيش والباروني انظر (حياة سليمان الباروني) لإبراهيم أبي اليقظان، جزآن. وعن علي يحيى معمر انظر دبوز (أعلام الإصلاح). انظر دراستنا عن الشيخ الباروني في مجلة الثقافة، 1995.

ص: 579

مكانته الأدبية، غير مهم لأنه مز بالجزائر مر السحاب (1)، فإن دور محمد عبده ومحمد فريد وجاويش كان ذا قيمة كبيرة. وقبل أن نذكر دور الشيخ محمد عبده نقول كلمة مختصرة عن الباقين.

وكان محمد فريد هو خليفة مصطفى كامل في رئاسة الحزب الوطني المصري، وقد زار الجزائر عدة مرات. أولها سنة 1901، وكانت سنة حرجة في تاريخ البلاد، إذ كانت الإدارة الفرنسية تحاول تجربة التمثيل النيابي المحلي (الوفود المالية)، ومحاربة سياسة الجامعة الإسلامية. وكان محمد فريد من خريجي الجامعات الفرنسية وعارفا بأحوال أوروبا، بما فيها الأندلس. ولما نزل وهران لاحظ (فرنسة) الجزائر ومضايقة السلطات الفرنسية له، ثم استقبله مدير الشؤون الأهلية، دومينيك لوسياني، وهو من المستعربين المعروفين، كما استقبله شعيب بن عبد الله الجليلي قاضي تلمسان، والمستشرق موليراس، وبعض الضباط. وحين انتقل إلى مدينة الجزائر وجد صعوبات أخرى تمثلت في عرقلة مراسلاته.

وقد انتقد محمد فريد الإدارة الفرنسية على كبت الأهالي، فهم غير أحرار في السفر ولا يغادرون بلادهم إلا برخصة، وحرية الصحافة وحرية الاجتماع مفقودة عندهم (يشير بذلك إلى قانون الأهالي البغيض). والتعليم موجه لفرنستهم وإحلال الفرنسية محل العربية، وتحسر الزعيم المصري على نجاح سياسة الاندماج الفرنسية إلى حد كبير حين رأى لباس المسلمين متأثرا بلباس الأوروبيين، والزواج من الفرنسيات منتشرا، وتربية أولاد المسلمين في أوساط مسيحية، وعلم أن ابنة أحد الأعيان المتأثرين بالفرنسة قد تزوجت في الكنيسة. ولاحظ محمد فريد أن الحياة العربية والاسلامية تختفي في الجزائر، فمن المدن لم تبق إلا تلمسان متميزة بطابعها العربي، وليس في وهران كلها سوى مسجد واحد، ورغم أن

(1) انتقد الشيخ عبد الحميد بن باديس مقولة شوقي ان الجزائريين يستعملون الفرنسية لأن ماسحي الأحذية في مدينة الجزائر لا يعرفون العربية. وأما الشيخ الإبراهيمي فقد كان من المعجبين كثيرا بشوقي وشعره. انظر أثار الشيخ الإبراهيمي، ج 5.

ص: 580

الجزائر كانت سيدة البحر الأبيض فانها أصبحت لا تضم سوى أربعة مساجد للخطبة، بينما كان فيها سنة 1830 أربعة عشر مسجدا. كبيرا وحوالي مائة آخرين (1). وقد عاود محمد فريد زيارة الجزائر سنة 1902، ثم سنة 1905 وحضر في السنة الأخيرة مؤتمر المستشرقين الرابع عشر.

وفي المؤتمر المذكور قدم الشيخ عبد العزيز جاويش رأيه في معاملة الفرنسيين للجزائريين. وكان رأيا صريحا أسخط الفرنسيين. كما قدم الشيخ سلطان محمد مداخلة عن المرأة المسلمة. وكان هذا الشيخ قد تحول إلى هذا الموضوع بعد أن رأى ما جعله يترك موضوعه الأصلي. فتناول حقوق وواجبات المرأة المسلمة في القرآن والسنة. وقدم صورة عن المرأة في الجاهلية، والفروق بين المرأة المتعملة والجاهلة وأثر ذلك على صحة الأبناء وسعادة الزوج والبيت. وذكر نماذج من النساء القارئات والكاتبات والحافظات للشعر. وجاء بأخبار المرأة في مصر وعدد المدارس المخصصة لهن، ومنها واحدة لترشيح المعلمات، ثم وزع على المؤتمرين كلمة كتبتها فتاة مصرية مسلمة عن (تعلم الفتاة). وكانت كلمة الشيخ سلطان محمد بالعربية الفصحى (2). ويبدو أن مشاركة الوفد المصري، ولا سيما كلمة الشيخ سلطان محمد، قد تركت أثرا بعيدا في أوساط المتعلمين الجزائريين.

ومن جهة أخرى كان الرحالة صديق أحمد، وهو شاعر أزهري، يتردد على الجزائر وتونس. وقد نشر بعض القصائد في صحيفة (الفاروق) التي أصدرها عمر بن قدور (3).

(1) مجلة العالم الإسلامي، مارس 1908، ص 658 - 659. وعن المساجد انظر فصل المعالم الإسلامية.

(2)

محمد بن أبي شنب، (مؤتمر المستشرقين) 14، في المجلة الافريقية 1905، ص 318، وكذلك ماري بوجيجا (عبر الجزائر) في مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال افريقية l 9 l 9 SGAAN، ص 74.

(3)

صالح خرفي (عمر بن قدور رائد الصحافة

) مجلة الحياة الثقافية (تونس) عدد خاص 32، 1984، ص 39 - 52. نشر عمر بن قدور قصيدة لصديق أحمد في =

ص: 581

وخلال العشرينات حلت بالجزائر عدة فرق مصرية للتمثيل، إحداها كانت بقيادة جورج أبيض، وقد مثلت عدة مسرحيات بالعربية الفصحى، تعرضنا إليها عند الحديث عن المسرح. ورغم العراقيل التي عرقلت نجاح الفرقة فقد تركت أثرا بعيدا على تطور المسرح.

ثم زارت الجزائر فرقة السيدة فاطمة رشدي، وكانت موضع احتفاء المثقفين وعشاق الفن التمثيلي في العاصمة وقسنطينة. وكتبت عنها الصحف المعاصرة. وكانت زيارتها سنة 1934 أي بعد الاحتفال المئوي بالاحتلال، فكان الربط بين الجزائر والمشرق في ميدان الفن والتراث، ضربة للتأثير الثقافي الفرنسي. وفي أوائل الخمسينات حلت بالجزائر فرقة مصرية أخرى بقيادة الممثل يوسف وهبي فوجدت اللغة العربية في الجزائر أكثر انتشارا، فتجاوب معها الجمهور ثقافيا. وسياسيا .. واستقبل زعماء الجزائر يوسف وهبي كما تستقبل الوفود الرسمية.

وقد استقبل نادي الترقي بالعاصمة شاعرا تونسيا شهيرا هو محمد الشاذلي خزندار وأقام له الأدباء حفلا مناسبا. كما استقبلوا من تونس أيضا الأديبين مصطفى بن شعبان والناصر الصدام، وقد ألقوا محاضرات وشاركوا في ندوات شعرية مع أدباء جزائريين. وبذلك استمر التواصل الأدبي والعلمي بين أقطار المغرب العربي. وخلال العشرينات زار الجزائر الشيخ أحمد سكيرج الفاسي الذي عرف بدفاعه عن الطريقة التجانية. وكانت محاضرة عن الحالة الاجتماعية بفاس (1).

وقلقت الصحافة الفرنسية عندئذ من زيارة صحفي عراقي لم تذكره بالاسم، ولكنه أصبح معروفا باسم يونس بحري. فقد كانت الصحافة الفرنسية تذكره فقط باسم (السائح العراقي) ولعله كان هو يوقع مقالاته كذلك. ومهما كان الأمر فإن يونس بحري كتب مقالات في جريدة عراقية،

= جريدة الفاروق عدد 9، 25 أبريل 1913 بعنوان (صوت المشرق في المغرب).

(1)

أحمد توفيق المدني (تقويم المنصور)، السنة الخامسة، 1348 هـ/ 1929. وكان سكيرج يردد على تلمسان أيضا. انظر فصل السلك الديني.

ص: 582