الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى ليبيا:
والهجرة إلى ليبيا (طرابلس) كانت أيضا شائعة، ولكن الطريق لم يكن كالطريق إلى تونس أو المغرب. فالذهاب إلى ليبيا كان يتم إما عبر تونس وإما عبر وادي سوف والجنوب الشرقي. والطريق الأخير كان يتطلب معرفة مسالك القوافل، ويتميز بالمغامرة ولا يقدر عليه عادة إلا الأصحاء، والمتعودون على جو الصحراء. وكان دخول ليبيا يعتبر منعة اللاجئين الجزائريين.
والواقع أن التعاون بين الجزائريين والليبيين ضد الاحتلال قد بدأ مبكرا. وان تعاون حسونة دغيز مع حمدان خوجة واللاجئين الجزائريين في فرنسا معروف الآن بعد نشر كتاب (المرآة) وبعد دراسة عبد الجليل التميمي (1). وتذكر المصادر الفرنسية أن خلافا حدث بين طرابلس وفرنسا بمناسبة حفل عيد شارل العاشر ملك فرنسا. فاشترط قنصل فرنسا، واسمه روسو، عزل وزير الخارجية حسونة دغيز باعتباره المتسبب الرئيسي للإهانة (؟) التي لحقت بفرنسا، كما اشترط على الباي نفيه (أي دغيز) من طرابلس. وتفاديا للإهانة الشخصية قدم دغيز استقالته من الخارجية بنفسه. وتراجع القنصل روسو عن اشتراط النفي لعدة اعتبارات، منها تدخل عثمان ابن باشا طرابلس، وتدخل قنصل اسبانيا (هيرادور). لقد كان إبنا باشا طرابلس متزوجين من أختي دغيز. وكان والد دغيز ذا حظوة كبيرة باعتباره من الأعيان والأشراف. وذلك هو ما دفع بقنصل إسبانيا إلى إقناع زميله الفرنسي أن يتنازل عن شرط النفي، رغم أن روسو كان يعرف أن حسونة دغيز كان (يكره الفرنسيين كرها شديدا)(2).
كان ذلك سنة 1826 أي عشية الخلاف بين الجزائر وفرنسا الذي انفجر
(1) التميمي، (بحوث ووثائق مغربية)، تونس 1972. وعن حسونة دغيز انظر أيضا رحلة مردخاي نوح، 1819. وكذلك علي مصطفى المصراتي (مؤرخو ليبيا)، و (حفل وطني في طرابلس) 1826، في المجلة الافريقية 1892، ص 244.
(2)
رسالة القنصل الاسباني بتاريخ 23 نوفمبر 1826، ورسالة القنصل الفرنسي بتاريخ 24 نوفمبر 1826. انظر (حفل وطني)، مرجع سابق.
في سنة 1827. وعلى اثر الحملة وجدنا التعاون على أشده بين حسونة دغيز والجالية الجزائرية في أوروبا، ولا ندري ما التعاون الذي وجده الجزائريون في طرابلس نفسها أيضا. فقد كان الداي حسين يراسل باشا طرابلس منذ الأزمة مع فرنسا، وكانت عائلة الكرمانلي هي الحاكمة في طرابلس. ومهما كان الأمر فقد أعان دغيز صديقه حمدان خوجة على ترجمة كتاب (المرآة) الذي ظهر فيه (كره الفرنسيين) من الرجلين معا، وقد جاءت فيه عبارة أصبحت معروفة، وهي (اللهم ظلم الترك ولا عدل الفرنسيس). وقد لاحظ قنصل فرنسا في طرابلس خلال الخمسينات، وهو بيليسييه دي رينو، أن كتاب المرآة (بالعربية؟) كان متوفرا بكثرة في ليبيا مما يدل على أن حسونة دغيز قد يكون روجه هناك مع أبناء حمدان خوجة.
وقد ظهر (كره الفرنسيين) في عدة حوادث رواها القنصل بيليسييه، وكانت قد جرت له مع أحد أبناء حمدان خوجة (وهو حسن) الذي أصبح متوليا وظيفة دفتر دار طرابلس في عهد عزت باشا، أي أثناء ثورة محمد بن عبدالله في الجزائر (1850 - 1860)، والمعروف أن محمد بن عبدالله هذا قد اتصل بعزت باشا ومحمد بن علي السنوسي قبل أن يدخل الجزائر ويعلن الثورة على الفرنسيين من ورقلة. وفي الخمسينات أيضا كان هناك تعاون جزائري - ليبي من نوع آخر وهو بداية (التدخل) السنوسي في الجزائر لإثارة السكان ضد الفرنسيين بالدعوة إلى الجهاد وحتى إلى الهجرة. ومن تاريخ السنوسية نعرف أن هناك أشخاصا بارزين من جهات التوارق وسوف وبسكرة أصبحوا من أعيان الحركة السنوسية بعد 1850. ومن جهتها كانت فرنسا تحاول التوغل في ليبيا بحمايتها لبعض العائلات النافرة من حكم طرابلس العثماني (1) مثل عائلة ابن عبد الجليل
(1) في 1835 أعادت الدولة العثمانية تنظيم حكمها في طرابلس حتى لا يقع هناك ما وقع في الجزائر، فألغت حكم الكرمنليين، وألحقت طرابلس بالباب العالي وذلك بتعيين باشا على طرابلس من قبل السلطان. وحاولت نفس الشيء مع تونس فلم تنجح لمعارضة فرنسا.