المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

نعني بالمنشآت والمراكز الثقافية كل ما له علاقة بالإنتاج الثقافي، - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: نعني بالمنشآت والمراكز الثقافية كل ما له علاقة بالإنتاج الثقافي،

نعني بالمنشآت والمراكز الثقافية كل ما له علاقة بالإنتاج الثقافي، وذلك يشمل‌

‌ الصحافة

والمطابع والمكتبات والمتاحف والمسارح والجمعيات والنوادي. ومعظم هذه المنشآت ترجع إلى فترة الاحتلال الفرنسي. وكان تأسيسها في البداية على يد فرنسيين وللفرنسيين، ثم قلدها الجزائريون وبرعوا فيها. ولذلك فإننا في تناولنا لها سنتحدث عن الأصل الفرنسي للمنشآت ثم ننتقل إلى الحديث عنها وقد تجزأرت أو أصبح للجزائريين فيها دور بارز أيضا. ولكن تركيزنا سيكون على المنشآت الجزائرية لأن الفرنسية منها لا تهمنا إلا باعتبارها أصولا أو مبتكرات، ولأن المنشآت الجزائرية لم تعن بالدراسة من جانب الفرنسيين. ولنبدأ بالصحافة.

الصحافة

نشأة الصحافة في الجزائر كانت فرنسية بلا نزاع، فلم تعرف الجزائر هذه الظاهرة الإعلامية والثقافية رغم مرور حوالي قرنين على ظهورها في أوربا. ولم تتحدث كتب الرحالة والأخبار عن وصول الصحف الأجنبية إلى الجزائر قبل الاحتلال، رغم أن بعض الجزائريين سبق لهم أن زاروا أوربا قبل 1830 وشاهدوا، وربما قرأوا، الصحف في فرنسا وبريطانيا وغيرهما. ونعتقد أن القنصليات الأجنبية في الجزائر كانت تصلها صحف بلدانها على الأقل. فقنصل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وهولندا كانوا بدون شك يتلقون بريدهم من الصحف الوطنية وغيرها. وقد كان عدد من الجزائريين يعملون في هذه القنصليات، ولكننا لم نقرأ أن بعضهم تحدث عن رأيه في هذه الصحف أو حاول تقليدها. وهل كان الداي وحاشيته ومترجموه يطلعون على ما تنشره الصحف حول الجزائر وحكومتها؟ إن ذلك ممكن، ولكننا لم نطلع أيضا على مصدر يؤكد

ص: 211

ذلك. وكم توترت العلاقات بين الجزائر وأمريكا وبينها وبين بريطانيا ثم بينها وبين فرنسا. وكم ثارت من ضجة حول الحروب النابوليونية وحملة فرنسا على مصر وموقف الجزائر من كل ذلك. فهل كان الجزائريون، رسميون وغير رسميين، غير معنيين بما تنشره الصحف الأوروبية والأمريكية حولهم؟ إن كانوا كذلك، فإنهم يومئذ لفي غاية الجهالة والحماقة! ولنتصور أن بلاط الداي حسين كان غير مطلع على ما كانت تنشره الصحف الفرنسية حول الجزائر بين 1827 - 1830، ولا سيما في السنة الأخيرة، ونحن نعلم أن الداي كان يضع في كل نقطة حساسة مخبرا أو أكثر، في ليفورنيا، وجبل طارق، وطنجة، وأزمير، الخ

من رأينا أن أعيان الجزائريين لم يكونوا يجهلون دور الصحافة في أوروبا وأمريكا. وكانت الصحافة الرسمية قد أنشئت أيضا في مصر واسطانبول قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر. ولكنهم لم يقدروا أهميتها ولم ينشئوها في بلادهم. ونحن لم نقرأ عن خلاف وقع حول أهميتها حتى نحكم من ذلك على أن هناك رأيا عاما ضد إنشائها. وربما لم يطرح الموضوع أبدا للنقاش. إن رجلا مثل المفتي ابن العنابي قد دعا إلى تقليد الأوروبيين في جميع مبتدعاتهم ما عدا الأمور الشرعية. ولكنه لم يذكر الصحافة بالاسم، وهي لم تكن من الأمور الشرعية، فهل نفهم من هذا أنه كان يجيز إنشاءها؟ لقد كان مطلعا على ما نشأ في مصر من صحافة وما نشأ أيضا في اسطانبول. ولكنه لم يذكر في كتابه (السعي المحمود) الصحافة من بين المبتدعات رغم أنه تحدث عن أهمية الدعاية والإعلام في الحروب. وهذا أحمد بوضربة المتزوج من فرنسية وممثل الداي في مرسيليا، قد عرف الصحافة الفرنسية ولعله استفاد منها، ولكنه لم يدع إلى إنشاء صحيفة للأهالي إلا بعد الاحتلال بثلاث سنوات. ويخبرنا مصدر فرنسي أن أعيان إقليم قسنطينة قد طالبوا بإنشاء جريدة عربية منذ 1845 (1).

(1) فورتان ديفري F.D'ivery (الجزائر) في مجلة الشرق R. de L'Orient 1845، ص 71. واستغرب ديفري من عدم وجود رجل قادر على الإشراف عليها (من الجزائريين؟). وكان ذلك قبل ظهور (المبشر) بسنتين.

ص: 212

وإذا كانت الأسباب الدينية غير واردة في غياب الصحافة في الجزائر، فهل يعود عدم إنشائها إلى أسباب اجتماعية وسياسية؟ إن أحد الغربيين، وهو بنانتي، يرجع عدم إنشاء المطبعة في الجزائر ونشر الكتب والمطبوعات - ومنها الصحافة- إلى كون الوراقين لا يرغبون فيها لأنها ستسبب كساد بضاعتهم، وهي النساخة. ويذهب إلى أن الحكومة كانت تجاري هذه الرغبة محافظة على التوازن الاجتماعي، ولكن موضوع الصحافة كوسيلة إعلامية ظل غير مطروح عندئذ، سواء في المستوى الرسمي أو الشعبي.

ومهما كان الأمر فإن نشأة الصحافة كانت مبادرة فرنسية. وأول محاولة على الأرض الجزائرية كانت يوم 26 يونيو، 1830 عندما سحبت أعداد من صحيفة تدعى (الاسطافيت) بالمعسكر الذي أقامه الجيش الفرنسي في سيدي فرج. وقد تم سحبها في المطبعة العسكرية المحمولة على إحدى السفن، وكانت تسمى المطبعة الإفريقية. وقد صدر من (الاسطافيت) عدة أعداد كانت ترسل إلى فرنسا وتطبع من جديد وتوزع هناك حاملة أخبار نجاح الحملة وسقوط حكومة الداي ودخول الجيش الفرنسي إلى القصبة، ونحو ذلك.

ثم انقلب الفرنسيون على نظام شارل العاشر وأحلوا محله نظام الاسترجاع الذي تولاه لويس فيليب، ملك مملكة جويلية. وتوقفت (الاسطافيت)، وحل العلم المثلث محل علم أسرة البوربون، وغادر بورمون قائد الحملة، الجزائر طريدا إلى إسبانيا على باخرة نمساوية لأن السفن الفرنسية رفضت حمله، ولم يودعه حتى الضباط الذين قادهم إلى (النصر) ضد الجزائريين. وجاء مكانه المارشال كلوزيل فاشتغل بالحملات الداخلية والاستعمار في متيجة والمدية والبليدة، وسكت الحديث عن الصحافة. ولم تطبع المطبعة الإفريقية سوى بيانات كلوزيل وأوامره وقراراته بمصادرة أملاك الجزائريين وأوقاف مكة والمدينة. وبقي الأمر كذلك في عهد خلفه الجنرال بيرتزين أيضا. ولكن الوضع تغير في عهد الدوق دوروفيقو، وهو القائد الرابع لما كان يسمى (الممتلكات الفرنسية في أفريقية)، أي الجزائر.

ص: 213

وإذا كان عهد دوروفيقو قد عرف، على قصره، بأنه عهد الفظائع البوليسية ضد الجزائريين، ومذبحة قبيلة العوفية عند وادي الحراش، فإنه عرف أيضا بفضيلة لعلها الوحيدة وهي إنشاء جريدة المرشد الجزائري - المونيتور ألجيريان - في يناير 1832. وكانت (المونيتور) هي الجريدة الرسمية للجزائر، رغم أن الحكومة الفرنسية لم تعلن عن موقفها الرسمي: هل هي (الجزائر) أمانة في يدها إلى أن تسلمها للخليفة العثماني أو المجموعة الأوروبية؟ أو هي مستعمرة كالمستعمرات؟ أو هي من الممتلكات الفرنسية، أي غنيمة مثل كل الغنائم الحربية؟ وباعتبارها صحيفة رسمية، كانت المونيتور تطبع في المطبعة الأفريقية - الحكومية - وتحتوي على الإعلانات والقرارات، وبعض الأخبار الخاصة بحركة النقل بين الجزائر وفرنسا، وتوارد المستوطنين (الكولون) الفرنسيين على الجزائر.

نشأت المونيتور في عهد المتصرف المدني البارون بيشون. وكان لهذا البارون رؤية خاصة بمستقبل الجزائر تختلف عن رؤية القائد دو روفيقو، فغادر البارون الجزائر وحل محله في الشؤون المدنية جنتي دي بوسيه، وقد بقي هذا إلى 1834. ولكنه خلال السنتين اللتين بقيهما ترك بصماته في عدة نواح، ومنها الصحافة. شجع دي بوسيه صحيفة المونيتور، وأنشأ لها قسما باللغة العربية المكتوبة بأسلوب ركيك لا يكاد يقرأ. ومع ذلك فالمونيتور من هذه الناحية تعتبر أول صحيفة نشرت قسما بالعربية في الجزائر قبل ظهور المبشر سنة 1847. غير أنه لا يمكن اعتبار المونيتور أول صحيفة بالعربية في الجزائر. ولا ندري من كان يشرف على المونيتور مباشرة قبل مجيء أدريان بيربروجر سنة 1835. والذي يهمنا أن ما كان ينشر فيه بالعربية - وهو قليل - كان من إنشاء جوني فرعون المترجم العسكري ذي الأصول السورية - المصرية، وكان جوني هذا هو الذي عهد إليه بتدريس اللغة العربية للفرنسيين في الجزائر قبل لويس برينيه (1). ومهما كان الأمر، فإنه من الأكيد أن الجزائريين قرأوا أخبارا

(1) انظر عن هذه الظروف فصل الاستشراق، سيما حلقات اللغة العربية.

ص: 214

بالعربية في أول صحيفة فرنسية تطبع في الجزائر سنة 1832، كما أنها كانت أول صحيفة بالفرنسية يمكنهم اقتناؤها وقراءتها، لأن (الأسطافيت) كانت محدودة، ولم توزع إلا بين العسكريين الفرنسيين. وعن طريق المونيتور كان الجزائريون يقرأون، أو يترجم لهم، ما ينشر عن وضع إدارة المالية الفرنسية (الدومين) يدها على أملاكهم وأوقافهم وعن هدم مساجدهم وبيع عظام موتاهم ونحو ذلك.

كانت المونيتور تظهر مرة في كل خمسة أيام في بداية أمرها. واستغرق ظهورها فترة طويلة إذ بقيت من 1832 إلى 1858، أي إلى إنشاء وزارة الجزائر والمستعمرات وإلغاء الحكومة العامة من الجزائر. وفي سنة 1862 رجعت الجريدة باسم مختلف قليلا وهو (مونيتور الجزائر)، واستمرت في الصدور طيلة عهد الامبراطورية الثانية. وتوقفت عن الصدور سنة 1871 في بداية عهد الجمهورية الثالثة وسيطرة أنصار الحكم المدني في الجزائر. وبالإضافة إلى القرارات الرسمية والتعليمات الإدارية كانت المونيتور وخليفتها تنشر أيضا- المقالات الإخبارية. ومما نشرته هو الإعلان عن ضرورة تعلم اللغة العربية للفرنسيين (9 يناير 1838)، وتنظيم مسابقات الترجمة، ودروس اللغة العربية في كل من الجزائر وقسنطينة ووهران، وظهور بعض المطبوعات كالمعاجم الخاصة بالعامية والفرنسية الخ، ودعوة الجزائريين لإرسال أبنائهم للمدرسة الفرنسية، وعزل المفتي الكبابطي سنة 1843.

ومن الصحف ذات الصلة بالفرنسيين والجزائريين جريدة (الأخبار)، ورغم اسمها العربي، فإنها كانت تصدر بالفرنسية. وقد ظهرت سنة 1839، في عهد المارشال فاليه. وقيل عنها بأنها بدأت صحيفة إعلانية صغيرة، ثم تحولت إلى (جهاز سياسي ضخم في اتجاه حكومي منذ 1843)(1). وقد عاشت الأخبار قرنا من الزمن إذ توقفت عن الصدور سنة 1938. وخاضت مع الإدارة الفرنسية والشعب الجزائري كل التقلبات التي عرفتها البلاد منذ

(1) قوانار (الجزائر)، مرجع سابق، ص 285.

ص: 215

ظهورها. وكانت جريدة الأخبار تتبنى المواقف الرسمية مع بعد سياسي للوضع العام في الجزائر والعالم الإسلامي. وأثناء التنازع الحاد بين العسكريين والمدنيين تبنت الأخبار وجهة نظر العسكريين. وكان يحررها العقيد ريبو والجنرال شابو - لاتور. ومنذ أول القرن العشرين سيطر عليها اسم فيكتور باروكان، صديق المغامرة الشهيرة إيزابيل إيبرهارت. وقد نشر لها في الأخبار مقالاتها عن الإسلام وعن مغامراتها في الصحراء، وجعل الجريدة أسبوعية. كما أنشأت الأخبار في عهد باروكان قسما عربيا سنة 1903 استمر إلى 1914، وعينت عليه الصحفي القدير عمر بن قدور. وسارت بذلك القسم في اتجاه السياسة الفرنسية - الإسلامية التي كان يتبناها شارل جونار، الحاكم العام، ومدرسته، ودومينيك لوسياني، مدير الشؤون الأهلية (الجزائرية) وأعوانه. وفي الوقت الذي اختفت فيه صحف كثيرة ظلت الأخبار مستمرة في الصدور بانتظام، وكانت صحيفة للأخبار والأدب والسياسة والقضايا الاجتماعية والإعلانات. وكان يقرأها الفرنسي والجزائري المتفرنس على حد سواء. وقد وصفها آجرون بأنها جريدة استعمارية عريقة ورجع هو إليها كثيرا (1).

وقبل أن نتحدث عن جريدة (المبشر) الفرنسية - العربية، دعنا نذكر باختصار بعض الصحف الفرنسية الأخرى التي لا علاقة لها تقريبا بالعرب الجزائريين. لقد ظهرت صحف فرنسية كثيرة، بعضها يؤيد فكرة الجزائر الفرنسية وبعضها ينتصر للعسكريين، وبعضها يدافع عن المدنيين، وهناك صحف تبنت قضايا الاشتراكيين السانسيمونيين، وأخرى كانت مضادة لليهود والسامية؛ وإذا قسمناها حسب العهود فهناك صحف ظهرت في عهد مملكة جويلية (1830 - 1848)، وأخرى في عهد الامبراطورية الثانية (1852 - 1870)، بالإضافة إلى ما ظهر في عهد الجمهورية الثالثة منذ 1871 وهو كثير. أما من الناحية الجغرافية فقد ظهرت صحف فرنسية في شرق البلاد وأخرى في غربها ثم أخرى في وسطها. وكانت بعض الصحف مقروءة في كل الجزائر وأخرى مقروءة محليا فقط، لأن كل مدينة تقريبا كان فيها صحيفة أو أكثر،

(1) آجرون (الجزائريون المسلمون) 1/ 1260.

ص: 216

حتى أن سور الغزلان وحدها قد تعايشت فيها صحيفتان.

منذ 1845 (عهد المارشال بوجو)، ظهرت الصراعات السياسية حول أنصار الاستعمار والجزائر الفرنسية بزعامة بوجو والكنيسة والكولون، وأنصار الحضارة ونقل فوائدها إلى الشعوب المتخلفة والإرتقاء بها إلى مستوى الشعوب الأوروبية، سيما الشعب الفرنسي وكان يقود هذا الاتجاه السانسيمونيون الذين يشملون عددا من أفراد الجيش، وكذلك بعض الرومانتيكيين (1). والصحيفة التي كانت تعبر عن الاتجاه الأول هي (الجزائر الفرنسية) وهي صحيفة كانت تصدر بدعم من المارشال بوجو. أما الاتجاه الثاني فكانت تعبر عنه صحيفة (الجزائر) التي كانت تصدر في باريس منذ 1843 وكان يشرف عليها أنصار سانسيمون.

وفي وهران ظهرت صحيفة ذات نفوذ واسع وبقيت مدة طويلة، وهي صدى وهران (ليكو دوران) سنة 1843. وكانت تظهر مرتين في الأسبوع، ثم أصبحت يومية، وقد أنشأها أدولف بيرييه الذي كان من المطرودين من فرنسا بصفته جمهوريا معاديا للنظام الملكي القائم عندئذ. وقد أسس بيرييه أيضا مطبعة لهذا الغرض. وفي ناحية وهران ظهرت أيضا صحف مثل (الميساجي دي لويست)، و (جنوب وهران). وفي سنة 1900 اندمجت الصحيفتان وأصبحتا (جمهوري جنوب وهران). وحين أحست الحكومة بقوة جريدة (صدى وهران) حاولت سنة 1850 مقاومة نفوذها بإنشاء صحيفة موازية، وهي بريد وهران (كورييه دوران) بإيعاز من الوالي (البريفي).

وفي المنطقة الشرقية ظهرت عدة صحف فرنسية أيضا كانت تمثل عدة اتجاهات ولكنها كانت تتفق على الاستعمار وخدمة مصالح الكولون على حساب الجزائريين. ففي عنابة ظهرت جريدة (السيبوس) منذ 1844. وبعد ذلك بقليل ظهرت في سكيكدة جريدة (الصفصاف). وفي سكيكدة أيضا ظهرت صحيفة أخرى باسم (الزرامة). وبعد استيلاء نابليون على الحكم سنة

(1) انظر فصل تيارات ومذاهب.

ص: 217

1852 أوقفت (الصفصاف). وفي قسنطينة ظهرت صحيفة المستقل (لانديباندان) ثم صحيفة (الافريقي) سنة 1859، وفيها ظهرت عدة صحف أخرى، مثل (جورنال قسنطينة) التي تحولت سنة 1850 إلى التقدم (البروقري)، و (الديمقراطي البلدي) سنة 1849. وقد اختفت صحيفة (البروقري) بعد انقلاب 1852.

وفي الجزائر ظهرت صحف جديدة في مختلف العهود اللاحقة، بالإضافة إلى المونيتور والأخبار والمبشر والجزائر الفرنسية. فقد ظهرت (لو برولو) البحر الأبيض. وهي صحيفة جمهورية ظهرت في عهد مملكة جويلية. وقد غيرت اسمها بعد ذلك إلى صحيفة (الأطلس) التي كانت تعتبر يسارية بالمفهوم الشائع عندئذ. أي كانت ضد سياسة الحكومة وكانت تناصر الحكم المدني وتقف ضد سياسة المملكة العربية التي تبناها نابليون الثالث. ويقول مؤرخو الفرنسيين إنها كانت صحيفة مقروءة جدا، بل الأكثر مقروئية في وقتها. ولا شك أن ذلك راجع إلى تبنيها مصالح الكولون، وهم أغلبية الأجانب. والغريب أن الذي أنشأ (الأطلس) هو السانسيموني الدكتور وارنييه وزميله ري Rey . ولتأثيرها في السياسة المعارضة حكم المارشال بيليسييه (الحاكم العام) بوقفها لأنها نشرت مقالتين عن الحالة النفسية للضباط، ومثل (ري) أمام المجلس العسكري للمحاكمة. وعاد الدكتور وارنييه فأنشأ مع زميله دوفال صحيفة (الجزائر الجديدة) التي كانت تناصر الحكم المدني وتطعن في العرب والمسلمين وتضاد سياسة نابليون الثالث في الجزائر. أما الصحيفة التي كانت تقف في الطرف الآخر لتدافع عن العسكريين والسياسة الرسمية فهي (الأخبار) التي كانت بتحرير كل من الجنرال شابو - لاتور والعقيد ريبو. وقد أشرنا إليها.

وفي الوقت الذي كان فيه لكل فريق صحيفة بل صحف، وكلها كانت تتحدث عن مصير الجزائر ومصالحها، كان الجزائريون أنفسهم مسحوقين لا حركة لهم ولا صوت. لقد كان كل شيء يتم بعيدا عنهم رغم أنهم هم أهل البلاد، وكانت هذه الصحف تنشأ بالضرائب التى يدفعونها والتضحيات التى

ص: 218

يقدمونها. ولا قرأ القارئ منهم عندئذ إلا جريدة المبشر الرسمية التي كانت تخدرهم بكلمات معسولة مثل (حنانة فرنسا) عليهم، وتكرمها بمنح وسام الشرف إلى بعض الأعيان المخلصين لفرنسا. كان الرأي العام الفرنسي في الجزائر يعيش كخلية النحل على اتصال دائم بقضاياه ينافح عنها، ويتخذ لذلك الجرائد وسيلة للصراع والإعلام، مع بعضه ومع الحكومة، أما الجزائريون فقد كانوا غائبين عن الساحة الإعلامية إلى أواخر القرن الماضي، عندما بدأت العرائض الجزائرية تشير إلى ما يحاك ضد المواطنين في الصحافة الاستعمارية (1).

وخلال عهد الامبراطورية وإلى أوائل القرن الحالي ظهرت في الجزائر صحف فرنسية عديدة ذات طابع سياسي ساخر. وهي صحف كانت تتناول القضايا الصغيرة وتفخمها بالكاريكاتور والرسومات، وأصبحت بمرور الزمن تمثل مدرسة في الثقافة الشعبية للكولون ونظرتهم إلى العالم الأهلي من حولهم. وهي ثقافة تميزت بروح التعالي والاحتقار للجزائريين واستعمال العبارات الأكثر فحشا وانحطاطا عند تناول الموضوعات الأهلية. وهذه (الثقافة الشعبة)، من جهة أخرى، هي التي كونت نوعا من التضامن الفئوي بينهم ضد الجزائريين، ولولا ذلك لما استطاع أصحاب الأصول الفرنسية والإسبانية والإيطالية والألمانية والمالطية أن يجدوا بينهم طريقا إلى التعايش في الجزائر. وقد وجدوا أنفسهم أحيانا يقفون حتى ضد يهود الجزائر الذين اندمجوا فيهم عن طريق التجنس سنة 1870. وكانت الصحف الساخرة هي التي لعبت دور التضامن المشار إليه وتكوين الثقافة الشعبية بين الكولون مهما اختلفت أصولهم ولغاتهم ومذاهبهم.

(1) من مظاهر اليقظة الاغتباط والمشاركة في صحيفة (المنتخب) التي سنتحدث عنها والتي ظهرت سنة 1882، ومقالة أحمد بن بريهمات سنة 1883، حول مرسوم 13 فيفري من نفس السنة، في قنان (نصوص سياسية)، ص 190. وكذلك كتابات المكي بن باديس، 1889 وابنه حميدة، والعرائض المقدمة للجنة مجلس الشيوخ سنة 1892.

ص: 219

من هذه الصحف نذكر المصباح (لانتيرن) التي نشر فيها روبيني أخباره عن شخصية كاقايوس، في روايات ذات لغة شعبية ساخرة، مثل الكرفاش، والكوشون، والكوكو الجزائري. وكان بعضها يحمل اسم (الزواف) و (التامتام). وكان بعضها مضادا لليهود، وآخر مضادا للدين. وكان أغلب هذا النوع من الصحف قد ظهر من أجل المهاترات وإثارة الشغب السياسي أكثر منه للإعلام والأخبار. ومن العناوين الأخرى تدرك ذلك، فقد ظهرت صحف باسم (الثرثار) و (الشيطان) و (غليون الخشب) و (لوتوركو).

ومن جهة أخرى استمرت بعض الصحف طويلا في مدن مختلفة مثل البليدة، فقد عرفت هذه المدينة صحيفة باسم (التل) وكذلك صحيفة (البروقري) التي ظهرت في أم السنام أو الأصنام، ودامت 45 سنة. وظهرت سنة 1911 جريدتان في سور الغزلان، وثلاثة في الشلف.

ومنذ 1885 ظهرت في مدينة الجزائر صحيفة يومية استمرت طويلا هي (لا ديباش ألجيريان) واستطاعت أن تبقى إلى جانب صحيفة أخرى يومية أيضا هي (ليكو دالجي) التي ظهرت سنة 1912، والتي كان يشرف عليها دورو، نائب الجزائر في مجلس الشيوخ، وهو رجل اشتراكي راديكالي حسب التعبيرات السياسية الفرنسية. ثم تولى هذه الجريدة الآن دي سيرني فجعلها صحيفة مستقلة. وأصبحت في عهده ذات رواج واسع. وفي 1939 ظهرت (الجزائر الجمهورية) اليسارية. وكان الأديب ألبير كامو قد تولى رئاسة تحريرها بعض الوقت قبل أن تكشف عن وجهها الماركسي. وكانت صحيفة ناجحة ومقروءة. ومن جهة أخرى أنشأت لا ديباش المذكورة صحيفة أخرى تابعة لها هي (آخر الأخبار - ديرنيى نوفيل). وكانت في قسنطينة صحيفة باسم (لاديباش) أيضا، وكانت السياسة والمال يقفان وراء عدد من هذه الصحف. كما كانت الايديولوجيات تلعب دورها في دعم بعض الصحف؛ وأثناء الحرب العالمية الثانية عرفت بعض هذه الصحف حملات تطهير نتيجة

ص: 220