الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
راسم، ولكن خصوبة فكر أبي اليقظان وقدرته على التطور مع الأحداث جعلتنا نعدل عن هذه المقارنة.
الصحف السياسية والإندماجية
أما الصحف السياسية فتتميز بخاصيتين وهما التنوع واللغة الفرنسية. ونعني بالتنوع الانتماء إلى عدة مشارب وتيارات، فهناك الصحف التي صدرت عن الاندماجيين، أو عن هيئة النواب، أو عن المجموعة الشيوعية، أو حزب النجم/ حزب الشعب. وأما اللغة فإن معظم الصحف التي سنذكرها كانت إما بالفرنسية وحدها وإما مزدوجة، ولكن مع تغلب اللغة الفرنسية عليها.
كانت جريدة (التقدم) التي بدأها ابن التهامي تستقطب المثقفين المتسيسين من الاندماجيين المعروفين بالنخبة. وقد ظهر على صفحاتها خلال العشرينات فرحات عباس حيث نشر المقالات التي جمعها فيما بعد في كتاب باسم (الشاب المسلم). وعند ميلاد هيئة النواب اتخذت لنفسها أيضا صحيفة هي لانتانت (الوفاق). وكان مديرها السياسي هو الدكتور ابن جلول ومحررها هو فرحات عباس، وكتب فيها عدد من الاندماجيين. وكانت تضيف إلى نفسها أنها جريدة (التفاهم الفرنسي - الإسلامي). وفي هذه الأثناء أعاد الصادق دندان جريدة (الإقدام) بالفرنسية (1). وكانت جريدة أسبوعية للدفاع عن مصالح المسلمين الشمال أفريقيين. ومديرها هو دندان وابن جلول أيضا. واستمرت إلى السنة الثالثة حين وفاة دندان. وفيها رد على ما كتبه حسني لحمق في رسائله. وهذه الجرائد كلها بالفرنسية، ولكن في سنة
(1) انظر (الوفاق) للزاهري، عدد 21 يوليو 1938، وهو العدد الذي أعلنت فيه عن وفاة الصادق دندان (عميد الصحافة الإسلامية الجزائرية). عن دندان انظر الحديث عن جريدة (الإسلام) سابقا. وحسني لحمق هو الذي نشر (الرسائل الجزائرية) وهاجم فيها العرب والإسلام. انظر على مراد (الإصلاح الإسلامي) مرجع سابق.
1938 صدرت بقسنطينة جريدة بالعربية باسم (الميدان) لتؤيد سياسة الدكتور ابن جلول الاندماجية، وكانت جريدة أسبوعية واستمرت حوالي سنتين. وكان يرأس تحريرها محمد الحسن الوارزقي. ولكن شارل أندري جوليان ذكر أن (الميدان) كانت تصدر سنة 1937، وأشار إلى عددها العاشر من يوليو. وقال إنها كانت تصدر في تبسة باسم اتحادية النواب (1).
وكان للاندماجيين صحف من نوع آخر، صحف يقودها عادة متجنسون. وكانوا يتبون فيها عادة التقارب مع الفرنسيين والعيش معهم تحت الراية الفرنسية. ومن ذلك (صوت المستضعفين)، وهي لسان حال المعلمين من أصل أهلي، وكانت تصدر بين 1920 - 1939، ويحررها قدماء الخريجين من المدارس الفرنسية، سيما مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال) في بوزريعة (2). ويذهب أحد المصادر إلى أن الذي أسس هذه الجريدة هو فرحات عباس سنة 1925 وأنها كانت تطالب بالاندماج الكامل في فرنسا (3). غير أن مالك بن نبي يذكر أن مؤسس (صوت المستضعفين) هو السيد طاهرات وقد وصفه بالعلماني (4). وهناك من ذكر أنها صدرت سنة 1922، وأن الذي أشرف على تحريرها هما الفاسي والزناتي على التوالي.
أما الزناتي فقد أنشأ صحيفة باسم (صوت الأهالي) في قسنطينة سنة 1929. وجعل لها عنوانا فرعيا يعبر عن الاتجاه الاندماجي وهو (جريدة الاتحاد الفرنسي/ الإسلامي). وكانت صوت الأهالي جريدة أسبوعية، تدافع عن المنتخبين وتدعو إلى التسامح والتعايش مع الفرنسيين، وتقف ضد التيار العربي الإسلامي، وضد الحركة الإصلاحية. وكان الزناتي نفسه من المتجنسين. وقد ألف كتابا سنة 1938 نشرته له مجلة (افريقية الفرنسية) في
(1) شارل اندري جوليان (شمال افريقية الزاحفة) ط. 1952، باريس. ص 111 هامش 2. وهذه الجريدة (الميدان) موجودة في قسم الدوريات بتونس.
(2)
تامي كولونا (المعلمون الجزائريون)، مرجع سابق 19، ص 170.
(3)
وثائق شمال افريقية Doc. N. Afric، باريس رقم 265، 8 أبريل 1957.
(4)
ابن نبي (المذكرات)، ط. دمشق، ص 52.
حلقات في ملحقها الخاص بقضايا المستعمرات، وعنوانه (المشكل الجزائري كما يراه أحد الأهالي)(1). إن الاتجاه الاندماجي الذي يقوده المطورنون (المتجنسون) كانت له في أغلب الأحيان صحافة مكتوبة بالفرنسية.
وبالنسبة للتيار الشيوعي، كانت له صحف فرنسية ومتفرنسة، كما أنشأ بعض النشرات بالعربية لتوصيل أفكاره إلى جمهور المتعلمين الجزائريين. ومن الصحف الفرنسية التي ساندت التيار الشيوعي (الصراع الطبقي) التي كان يشرف عليها فيكتور سبيلمان الفرنسي (2). وهو نفسه الذي أصدر (همزة الوصل) - ترى دينبون - بالعاصمة أيضا، وكان لها تأثير قوي بين النخبة الاندماجية. وقد ساهمت في دعم حركة الأمير خالد. ثم أصدر فرع الحزب الشيوعي الفرنسي في الجزائر جريدة باسم الباريا BARIA وأخرى بالعربية تسمى (الراية الحمراء) خلال العشرينات. وفي الثلاثينات صدرت جريدة (الجزائر الجمهورية) التي سبقت الإشارة إليها، وكانت تدعم اليسار ولا تعلن عن شيوعيتها إلى الحرب العالمية الثانية. ولكن يجب القول إن الجزائريين لم ينشئوا جرائد بأنفسهم أو لأنفسهم في هذا المجال، وإنما كانت هذه الجرائد فرنسية اللغة والتمويل والاتجاه.
ومنذ ميلاده (1926) كان نجم شمال أفريقية في الغربة (فرنسا). وبعد إعلانه رسميا عن تبنيه فكرة استقلال الجزائر منعته السلطات الفرنسية من النشاط وأعلنت حله (سنة 1929). ولذلك كانت صحفه سرية في أغلب الأحيان. أعاد أولا إصدار جريدة (الاقدام) التي كان يصدرها الأمير خالد. وأصدرها بعنوانين على التوالي (الاقدام البارسي) ثم (الاقدام الشمال أفريقي)، وكلاهما لم يعش طويلا. وكان الاقدام في كلا الحالتين بالفرنسية. ولكنه تبنى مبادئ الأمير خالد في التحرر الوطني واسترجاع الهوية والمساواة
(1) انظر ملحق افريقية الفرنسية A.F.S، ابتداء من أبريل 1938، وكذلك (فرنسا المتوسطية والأفريقية) رقم 1، 1938، ص 170. قالت صوت الأهالي إنها جريدة (تدافع عن حقوق المسلمين). وظهر عددها الأول في 13 يونيو، 1929 بقسنطينة.
(2)
عن سبيلمان (وكان من أصل الزاسي)، انظر أحمد توفيق المدني (حياة كفاح) ج 2.
مع الفرنسيين. وكانت صحافة الحزب الشيوعي الفرنسي هي التي تتبنى الدفاع عن اهتمامات العمال الجزائريين في المهجر. أما القضية الوطنية فلا يؤمن بها الحزب الشيوعي عندئذ إلا في الإطار العالمي. كما أن النجم لم يكن يتوفر على صحفيين عندئذ لأن معظم من انخرط فيه كانوا من العمال وليسوا من المثقفين.
أول جريدة أسسها النجم هي جريدة (الأمة) التي صدرت بالفرنسية في أكتوبر 1930 بفرنسا. وكان أحمد مصالي (مصالي الحاج) هو المدير السياسي لها. وقد أصبحت هي اللواء الذي يجتمع حوله أنصار الحزب الذي حلته السلطات الفرنسية. وجاء ميلادها سنة احتفال الفرنسيين باحتلالهم المئوي للجزائر. وقد ظلت صحافة الحزب فقيرة من حيث التحرير والإعلام للاضطهاد البوليسي ولعدم وجود إطارات مؤمنة بمبادئ الحزب ومتعلمة. ولذلك لا نعرف من كان يحرر المقالات في الأمة خلال الثلاثينات. وقد استمر صدورها، رغم التعثر، إلى 1939. وفي هذه السنة أعلنت المصالح الفرنسية أن جريدة (الأمة) قد منعت من الصدور واحتجزت أوراقها وأغلق مكتبها لأنها نشرت مقالا مست فيه بوحدة التراب الوطني (الفرنسي) - أي تحدثت عن انفصال الجزائر عن فرنسا (1) -.
وواجهت صحافة حزب الشعب اضطهادا لم تعرفه الصحف الأخرى، رغم أنها كانت تصدر في الغالب بالفرنسية، وذلك لمواقفها الوطنية الصريحة. وقد حاول حزب الشعب إنشاء صحيفة بالعربية لأول مرة سنة 1937. وعهد بها إلى اثنين من أنصاره المعربين، وهما الشاعر مفدي زكريا ومحمد قنانش. وكان اسم مفدي زكريا ما يزال غير معروف كثيرا في أوساط الشعراء، ولكنه كان يكفي لجلب القراء والأنظار. وكان الحزب في حاجة إلى الأفكار وليس للأسماء. ذلك أن معظم الذين كانوا يساهمون في جرائده ونشراته، كانوا يخفون أسماءهم خوفا من الاضطهاد البوليسي، والجريدة العربية الوحيدة التي أنشأها حزب الشعب عندئذ هي (الشعب). وقد صدرت في الجزائر في
(1) مجلة افريقية الفرنسية، سنة 1939، ص 174.
ثلاثة أو أربعة أعداد فقط، ثم زج بأصحابها في السجن، وأصحابها المذكورون في العدد الثاني هم مصالي الحاج - المدير السياسي، ومفدي زكريا - رئيس التحرير، ومحمد مسطول - أمين المال، وفانفاني - صاحب الامتياز (وهو إيطالي). أما اسم محمد قنانش فغير موجود. وقد صدر العدد الثاني في 15 أكتوبر 1937. وكانت تصدر يوم الجمعة كل أسبوعين. ولكن تجربة جريدة (الشعب) كانت قصيرة، رغم أنها جريدة وطنية تحمل أفكار الحزب الاستقلالية والوحدوية وروح مفدي زكريا المتألقة.
وحاول حزب الشعب تجربة الصحافة مرة أخرى على أرض الجزائر سنة 1939، فكان اضطهاد الصحافة في الجزائر أكثر منه في فرنسا، لأن القوانين، رغم وحدة البلاد الفرنسية في الظاهر، غير واحدة، بالنسبة للجزائريين ولغتهم ودينهم، وكل شيء يتعلق بهذه الأمور فهو استثنائي في القانون الفرنسي. أنشأ الحزب إذن صحيفة جديدة باسم (البرلمان الجزائري)، 3 جوان 1939 (1). وهي جريدة للدفاع عن حقوق الشعب وتحريره، وجاء فيها بالعربية (جريدة وطنية نصف شهرية تدافع عن حقوق الجزائر العربية). وكانت تصدر بالعاصمة، والمراسلات إليها توجه إلى أحمد بوده، أحد أعضاء الحزب الذي كان من مزدوجي اللغة. ولكن ثقافته كانت بسيطة ولا يملك أكثر من الإخلاص والتفاني في حب الوطن (2). وكان اسم الجريدة يعبر عن فكرة جديدة للحزب، وهي إنشاء برلمان في الجزائر ينتخب عن طريق الاقتراع العام - دون تمييز بين الجزائريين والفرنسيين -. وهي فكرة نقيضة تولدت بالخصوص بعد مطالب المؤتمر الإسلامي الجزائري سنة
(1) كان حزب الشعب عندئذ لا يؤمن بالتمثيل النيابي للجزائريين في البرلمان الفرنسي، كما طالب بذلك من حضر المؤتمر الإسلامي الجزائري سنة 1936، فكان الحزب يؤمن بإنشاء برلمان جزائري، ومن ثمة جاء عنوان الجريدة، ولكن الحزب عدل عن هذا الموقف بعد الحرب العالمية الثانية ورشح أعضاءه لعضوية البرلمان الفرنسي وفاز بعضهم بذلك.
(2)
نسخة منها (العدد الثاني) موجودة عند السيد محمد قنانش.