الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض المساجد في إقليم العاصمة
وإذا خرجنا من العاصمة إلى مدن إقليمها، نجد الوضع يختلف بعض الشيء. ذلك أن المبررات التي ذكرت بالنسبة للعاصمة غير موجودة بالنسبة لغيرها من مدن الإقليم كالبليدة وشرشال والمدية، ومليانة والقليعة. فليس هناك حاجة لثكنات كبيرة، ومتعددة، ولا حاجة ملحة للمخازن والمنشآت العامة ولا تهديد للأمن العام، ولا حاجة مستعجلة لفتح الطرق وتوسيع الساحات كما زعموا في الحالات الأخرى، وكذلك لم تعش المدن الأخرى نفس الظروف التي عاشتها العاصمة وبناياتها الدينية. ومع ذلك فإنها لم تسلم من الأذى والإهانة والتعطيل.
ففي البليدة، هذه المدينة المتحضرة في قلب متيجة اعتدى الفرنسيون على مسجدها أيضا. وكان أول ذلك أثناء الحملة ضد المدية على يد كلوزيل سنة 1830. فقد هاجم الفرنسيون المسلمين في المسجد نفسه بعد التجائهم إليه. وفي حملة لاحقة كان الحاكم العام نفسه، المارشال فاليه، هو الذي سلم الجامع إلى الأسقف ديبوش، فحوله هذا إلى كنيسة كاثوليكية. وحضر ديبوش الحفلة التي رفع فيها الصليب على منارة الجامع. والغريب في الأمر أمم جاؤوا بستة من العرب ليحملوا إليهم هذا الصليب الضخم من المصهرة التي صهر فيها الصليب. ثم لكي تتخذ الحفلة طابعا رسميا ودينيا جيء بالجنود الفرنسيين فحملوا الصليب إلى أعلى الجامع وثبتوه هناك على ضوء شعلة كان يحملها العرب (1).
إن المدن الآتية: المدية، وشرشال، ومليانة لم يحتلها الفرنسيون إلا بعد 1840 لأنها كانت تحت حكم الأمير عبد القادر. وأما زواوة فلم يحتلوها إلا بعد 1857، أما المناطق الجنوبية فقد احتلت في بداية الخمسينات. ونفهم من هذا أن البنايات الدينية في عهد الأمير عبد القادر قد بقيت سليمة في المدن والمناطق المذكورة إلى الأربعينات. وبعد احتلالها كان الفرنسيون
(1) توماس ديرابي Th. Deraby (ملاحظات إقامة)، لندن، 1851، 333.
قد أخذوا يتأقلمون في الجزائر وربما خفت حدة سخطهم على البنايات الإسلامية. فلم يعد الهدم هدفا سريعا من أهدافهم، ولكن هناك وسائل أخرى لجأوا إليها للإضرار بهذه البنايات كثيرا، ونعني بذلك مصادرة أوقافها كما هو الشأن في الأوقاف جميعا. وهذه المصادرة أدت، مع طول الزمن، إلى إهمال المساجد وخرابها، كما أدت إلى عزوف المواطنين عن تقديم التبرعات إليها أو التحبيس عليها ما دام مالهم وعقارهم سيؤول إلى الفرنسيين في النهاية. ولذلك لم تتنعش حركة بناء المساجد إلا منذ العشرينات من القرن الحالي مع ظهور الحركة الإصلاحية، وهي المساجد التي كانوا يطلقون عليها اسم (الحرة) في مقابل تلك الواقعة تحت يد إدارة الشؤون الأهلية الفرنسية.
على أن المسلمين في الجزائر لم يتوقفوا عن بناء المساجد، ولا سيما في الأرياف. وكانت السلطات الفرنسية تستولي على هذه المساجد الجديدة أيضا، كما استولت على القديمة، وكانت هي التي تعين فيها الأيمة والموظفين وتراقبهم، ولو لم تكن هي التي تدفع إليهم أجورهم، لأن المسجد كان دائما في قبضة إدارة الشؤون الأهلية حتى بعد قانون فصل لدين عن الدولة (1907)، كما سنذكر. ولذلك فإنك إذا قرأت عن إنشاء مسجد في العهد الفرنسي فاعلم أنه بني من أموال المسلمين وليس من أموال الدولة الفرنسية. وتذهب بعض الإحصاءات إلى أن إقليم العاصمة (الوسط) كان يضم 48 مسجدا سنة 1853، منها ستة حديثة العهد (1). وهذا الرقم لا يشمل بالطبع مساجد العاصمة نفسها.
وليس لدينا إحصاء لمساجد المدن المذكورة (المدية، وشرشال، والبلدية الخ.) ولا مصائرها. وهناك إشارات إلى أن بعض المساجد قد تعرضت للتخريب أثناء الثورات، كما حدث لجامع بوزكرى في زواوة. فقد أشعل الجنود الفرنسيون النار في هذا الجامع سنة 1857 (ثورة فاطمة نسومر)
(1) ب. بوليري B. Boulery في المجلة الشرقية والجزائرية، عدد 3 (1853) 60 - 61.