الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمون. فكان للكاثوليك الذين يمثلون غالبية الفرنسيين مكتباتهم سواء كانت تابعة للأسقفية المركزية أو تابعة لفروعها ومراكزها، كما كان للبروتستانت مكتباتهم، رغم قلتها. ومن هؤلاء الإنكليز. ونحن لا نريد أن نتتبع هذه المكتبات الكنسية وتطورها، وحسبنا هذه الإشارة إليها. لقد كان المنصرون يتنافسون على تنصير الجزائريين من جهة كما كانوا يتنافسون فيما بينهم على نشر مذاهبهم بين المسيحيين. وكان الإنكليز قد فتحوا مكتبتهم بالعاصمة سنة 1864، وفيها كتب بالإنكليزية موجهة إلى السواح. وكانت الكتب تقدم إلى المكتبة من قبل الجمعيات الدينية وغيرها في بريطانيا. وكانت السيدة روجرز قد جاءت إلى الجزائر في مهمة دينية وجاءت معها بصندوق من الكتب وأهدته إلى المكتبة عن طريق القنصل. وعند افتتاح المكتبة كانت تضم حوالي سبعين كتابا فقط، ولا شك أنها نمت بعد ذلك. وكانت تبع (الجمعية الاستعمارية والقارية) وتديرها لجنة يشرف عليها القنصل ونائبه، وقد أطالت السيدة روجرز في وصف هذه المكتبة في الجزائر (1).
المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية
وأنشأ الفرنسيون كذلك نماذج أخرى من المكتبات لم تكن معروفة في الجزائر، وهي المكتبات العسكرية. ففي كل مكتب عربي وفي المراكز والقطاعات العسكرية مكتبة تضم مؤلفات عن تاريخ الجزائر وطرق معرفة اللغة العربية وبعض المعاجم الفرنسية - العربية، وغيرها، مما يهم الضباط المكلفين بالشؤون الجزائرية معرفته، وكذلك الجنود، داخل معسكراتهم. كما يجدون في وسائل الدراسة الراحة النفسية، ولا سيما في الأماكن النائية. وكان من أهداف إنشاء هذه المكتبات الإبقاء على التأثير الفرنسي في الجيش حتى لا ينقطع عن المنع أو يصح (افريقيا). ومعظم الكتب كانت تتبرع بها
(1) السيدة روجرز (شتاء في الجزائر)، ص 95 - 96، 141 - 143.
وزارة المعارف العمومية، وبعضها كان يأتي بطريق الشراء أيضا .. وقد وصل عدد المكتبات العسكرية سنة 1846 إلى 26 مكتبة موزعة على الأقاليم الثلاثة (1). ولا شك أن هذه الكتب كانت بالفرنسية وهي تخص الجيش وتكوينه، وهي موجهة إلى الفرنسيين فيه. وقد علمنا أن معظم ضباط المكاتب العربية كانوا يجمعون من الأهالي الكتب العربية المخطوطة ويحتفظون بها غالبا، لأنفسهم.
وكذلك نشأت المكتبات البلدية، وهي أيضا مع جديد في الجزائر. وكان المكتب العربي (العسكري) هو نواة البلدية (المدنية) في النظام الفرنسي. وقد نشأت البلديات بالتدرج وتوسع عددها بالتدرج أباه سيما في المدن الساحلية والتلية ثم الهضاب العليا ثم الأطلس الصحراوي. وهناك مناطق جنوبية بقيت تحت النفوذ العسكري إلى عشية الثورة الكبرى 1954. ومن ثمة فإن التوسع في المكتبات البلدية لم يكن على درجة واحدة. وأولها طبعا بلديات العواصم مثل قسنطينة والعاصمة وتلمسان ووهران وعنابة ومستغانم، الخ. وكانت للبلديات ميزانية خاصة لشراء الكتب، ولكنها ميزانية ضعيفة، حسب السيد ايسكير. وإليك هذه المقارنة. فبلدية ريكيافيك (إيسلاندا) التي لا تضم سوى خمسة آلاف ساكن كانت تخصص خمسة عشر ألف فرنك للمكتبة، أما بلدية الجزائر التي يقطنها 172 ألف ساكن (سنة 1912) فلا تخصص للمكتبة سوى سبعة آلاف فرنك. ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن المكتبات البلدية في الجزائر إنما أنشئت لخدمة الجالية الفرنسية.
وهذه بيانات عن بعض المكتبات البلدية قدمها السيد ايسكير سنة 1912. نشأت مكتبة بلدية وهران سنة 1860، وسكان وهران عندئذ بلغوا 123 ألف ساكن، منهم 104 آلاف فرنسي، وقد بلغ دخلها (البلدية) 470، 2، 721 فرنك، خصص منها 4، 100 فقط للمكتبة التي تملك عشرة آلاف
(1) السجل، سنة 1846، ص 118.
مجلد، و 12 مجلة ولها أوقات عمل منتظمة (1).
وهذه بلدية قسنطينة التي بلغ سكانها 65، 173 ساكن، منهم 330، 33 فرنسي، ولا تقدم إلى المكتبة البلدية سوى 2، 800 فرنك. وقد أنشئت المكتبة سنة 1866، وتملك 18، 435 مجلدا، و 19 مجلة. ولها أوقات عمل منتظمة كذلك.
وكانت بلدية العاصمة تضم كما سبق 172 ألف ساكن، منهم 133 ألف فرنسي. ويبلغ دخلها 302، 7، 226 فرنك، منها سبعة آلاف فرنك فقط للمكتبة التي أنشئت سنة 1872، وهي تملك 17، 000 مجلد و 32 مجلة. وتقدم الكتب في عين المكان بالإعارة، ولها أوقات عمل منتظمة. وقد نقلت الكتب الثقيلة بعيدة عنها بحوالي أربعة كلم (؟).
ثم إن بلدية عنابة كانت تضم 42، 000 ساكن، منهم 29، 000 فرنسي، ودخلها يبلغ، 2، 197، 000 فرنك. وقد أنشئت المكتبة سنة 1886، وهي تحتوي على 14، 000 كتاب و 6 مجلات.
أما بلدية تلمسان فكانت تضم 40، 000 ساكن، منهم 13، 500 فرنسي. ودخل البلدية 519، 500 فرنك. وترجع المكتبة إلى حوالي 1852، وكانت تضم 2، 700 (2) مجلد. ومن ثمة ترى أن ايسكير كان مهتما، بالكتب البلدية ونسبة الميزانية والسكان الفرنسيين مع إهمال الحديث عن المخطوطات العربية.
وبالإضافة إلى ذلك هناك المكتبات المدرسية، سيما مكتبات الليسيات وحتى المتوسطات. ولا نريد أن نطيل في هذا النوع هنا، ولكن ننبه إلى أن
(1) عن خزانة مكتبة الجمعية الجغرافية والآثار بوهران انظر أيضا المهدي البوعبدلي (دراسة حول إحياء معالم مدينة الجزائر)، وهي عندي بخطه. من أعضاء الجمعية الدكتور جوكو بان ودوميرت، محافظ متحف وهران. ولها مجلة معروفة (BSGO)، وتحتوي الخزانة على حوالي عشرة آلاف مجلد، إضافة إلى المجاميع من المجلات.
(2)
ايسكير، مرجع سابق، ص 4 - 5.
هذا النوع غير جديد في الجزائر، فقد عرفت المنشآت العلمية والمدرسية، كالمدارس والزوايا والمساجد، مكتبات غنية، وإنما الفرنسيون هم الذين حرموا منها أصحابها باستيلائهم على المنشآت والمكتبات أيضا. والمكتبات المدرسية الجديدة كانت فرنسية وبالفرنسية. ولكن بعض الزوايا بقيت محافظة على تراثها، كما أنشأت الزوايا الجديدة مكتبات هامة مثل زاوية الهامل وبعض زوايا الصحراء وزواوة. كما أن مدارس الحركة الإصلاحية ضمت أيضا مكتبات مدرسية معظمها كانت للمعلمين. ونشير أيضا إلى أن بعض الجمعيات كانت قد أنشأت مكتبات ضخمة (1).
من أقدم المدارس الي أنشأها الفرنسيون هي المدارس العربية - الفرنسية التي أطلقنا عليها أحيانا الشرعية وأحيانا الرسمية، والتي كانت تسميها (المبشر) المدارس الفقهية، فقد افتتحت كما عرفنا سنة 1850 وكانت موجهة لتخرج القضاة والأيمة وتدريس العربية (2). ويهمنا هنا أن كل مدرسة (وهي ثلاثة) كانت تحتوي على مكتبة للأساتذة والطلبة. وكذلك بعض المخطوطات التي تهدى إليها أو تقتني أو تنهب أثناء العمليات العسكرية. وهكذا كانت مكتبة الثعالبية في العاصمة والكتانية في قسنطينة ومدرسة تلمسان.
وفي أوائل هذا القرن قام المستشرق أوغست كور بوضع فهرس لمخطوطات مدرسة تلمسان، وقد كان أستاذا فيها. وبناء عليه فإن مكتبة المدرسة كانت تضم 110 مخطوطات. وكانت مفهرسة بدون ترتيب ولا نظام، وكان بعضها يرجع إلى الأوقاف، وبعضها أهداه الأهالي، وبعضها أخذ أثناء الحملات العسكرية. ويعترف كور أن تلمسان كانت تتوفر على كثير من المخطوطات النادرة، وأنه لا يمر شهر دون أن يسمع أحد الأساتذة بوجود مخطوط نادر غير معروف. وقد قال أيضا أن فهرسة المخطوطات
(1) انظر عن هذه الجمعيات فصل الاستشراق
…
(2)
عن هذه المدارس انظر فصل التعليم المزدوج.
كانت فوضى لأن الأسباب الاقتصادية جعلت المشرفين عليها يسفرونها في مجموعات لا علاقة بينها من حيث الموضوعات. قام كور بوضع فهرس بالفرنسية للمخطوطات العربية ضم أسماء المؤلفين. أما عناوين المخطوطات فقد احتفظ بها عربية. وضرب كور أمثلة على ندرة بعض المخطوطات بكتاب (بغية السالك في أشراف الممالك) لمحمد السهيلي (كتبه الساحلي؟) وقال إنه لا توجد منه نسخة أخرى إلا في المتحف البريطاني. وبالإضافة إلى ذلك هناك كتب عن الطرق الصوفية ومنها كتاب لمحمد بن عبد الرحمن الأزهري (بوقبرين) وكتب أخرى في التاريخ والأدب وغيرهما مثل روضة النسرين، ونظم الدر والعقيان، والاكتفاء. وتوقع الفرنسيون أن نشر الفهرس (الكاتلوق) سيجعل الأهالي يتبرعون بمخطوطاتهم إلى مكتبة المدرسة أو على الأقل بنسخ منها. وكانت حكومة شارل جونار قد أقدمت على مشروع يتضمن فهرسة المخطوطات في مختلف المراكز ومنها المدارس الرسمية الثلاث (1).
وحين أعيد تنظيم التعليم العربي - الإسلامي بدروس المساجد والمدارس في آخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن نشأت أيضا إزاء كل حلقة درس مكتبة من نوع المكتبات المدرسية، حيث يراجع الشيخ درسه ويوسع التلاميذ معلوماتهم. وكان التنافس كبيرا على فتح المكتبات المدرسية بالعربية والفرنسية، وكان المفتشون الفرنسيون يلحون على وجود هذه المكتبات ويعتبرون الشيخ الذي لم وفق في إنشاء نواة لها فاشلا في مهمته التعليمية. وهكذا نشأت في عنابة، وسطيف، ووهران، وقسنطينة، وبجاية، وتلمسان الخ
…
مكتبات من النوع الذي نتحدث عنه. وإذا لم يتيسر فتح مكتبة جديدة كان المعلم والتلاميذ يلجأون إلى أقرب مكتبة لهم باتفاق مع المفتي والسلطات المحلية. مثله في سنة 1905 لاحظ ألفريد بيل بعد تفتيشه مدرس ندرومة، أن ما ينقص هذه المدينة هو المكتبة التي يجب أن تلحق بالجامع وتكون تحت مسؤولية المدرس. وقال إنه من السهل على بلدية ندرومة أن
(1) أوغست كور (كاتلوق المخطوطات العربية
…
) جوردان، الجزائر، 1907، 72 صفحة مراجعة (مجلة العالم الإسلامي) يناير 1908، ص 217 - 218.
تنشئ مكتبة بالعربية لذلك الغرض سيما مع وجود من يرغب في المطالعة في ذلك الوقت. ولاحظ أنه لا وجود لمكتبة عمومية ولا مدرسية في ندرومة عندئذ. وقد طالب بيل بأن تكون المكتبات العربية مفتوحة للمدرسين والتلاميذ، ولاحظ أن مكتبة تلمسان فقط هي الوحيدة العمومية المفتوحة لهم (1).
وفي سنة 1906 لاحظ ويليام مارسي الذي فتش مدرسي مليانة أن هناك مكتبة عربية مجاورة لجامع سيدي أحمد بن يوسف، وهي غير موظفة للتلاميذ والمدرس. ولذلك حث المفتي على تسهيل مهمة المدرس في استعمال المكتبة وكذلك التلاميذ (2).
وجاء في تقرير أحد المفتشين سنة 1907 أن السيد الأخضر بن أحمد العلمي كان محافظا للمكتبة الإسلامية في بجاية وهو المدرس أيضا بالجامع هناك، بل كان يعطي درسه في المكتبة الملحقة بالجامع. وكانت المكتبة مفتوحة في أوقات محددة صباحا ومساءا. وصاحبها (العلمي) كان من خريجي مدرسة قسنطينة الشرعية الفرنسية ومن مواليد 1868 (3). وقال عنه سان كابر في تقرير كتبه حوالي (1908) إن الشيخ العلمي كان محبا للكتب، وإنه طلب كتبا إضافية للمكتبة (4).
ونفس الشيء يقال عن المكتبة الإسلامية في عنابة سنة 1908. فالسيد بلايلي وافق له المفتش سان كالبر على أن يجمع بين وظيفة التدريس والإشراف على المكتبة لأن راتبه كمدرس لا يكفيه. ولاحظ المفتش أن حالته المادية قد تحسنت بعد ذلك (5).
وقد طلب السيد محمد الميلي بن معنصر، المدرس في ميلة، الكتب
(1) ألفريد بيل، تقرير سنة 1905، أرشيف إيكس - فرنسا، 47 H 14 . لعله يقصد مكتبة المدرسة الشرعية وليس مكتبة البلدية.
(2)
نفس المصدر.
(3)
ألفريد بيل، تقرير سنة 1905، (مرجع سابق).
(4)
نفس المصدر.
(5)
نفس المصدر.