المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نشأة الصحف الجزائرية - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٥

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌نشأة الصحف الجزائرية

البربري (1). (لاحظ أن ما يتعلق بالبربر يكتب بالفرنسية).

ويروي محمد الطاهر فضلاء أن المجلة ظهرت في مايو 1952، وتوقفت في يوليو 1960، وأن نور الدين عبد القادر قد خلف البوشوشي في تحريرها بعد أن سافر الأخير إلى فرنسا، وأنه صدر منها 89 عددا. وكانت ميزانيتها تخرج من الحكومة العامة سنويا (2).

‌نشأة الصحف الجزائرية

هناك صحف أخرى كان ظهورها شبيها بظهور (المنتخب) بالنظر إلى أن مؤسسيها كانوا من الفرنسيين وليسوا من الجزائريين. ولعل ذلك راجع إلى أسباب مادية، أي أن نشر جريدة من أجل الأهالي كان الهدف منه الربح المادي، وقد يكون لأسباب ايديولوجية أو توجيهية كما فعل قوسلان الذي أسس جريدة (النصيحة) - وهي غير (النصيحة للأجيال) التي صدرت بباريس - وقد نعد من ذلك جريدة (المغرب) التي ظهرت سنة 1903 بإشراف مطبعة فونتانة. وهي الجريدة التي فتحت صدرها للكتاب الجزائريين. ويبدو لنا أنها كانت من إنشاء حكومة شارل جونار وإدارة الشؤون الأهلية برئاسة لوسياني، لأن الحكومة العامة هي التي كانت تدفع الثمن لمطبعة فونتانة. ومثل ذلك يقال عن صحف أخرى أصدرتها الحكومة العامة أيضا أو ساعدت عليها لأغراض سياسية ومعنوية، مثل فتح القسم العربي من جريدة (الأخبار)، وإصدار جريدتي (فرنسا الإسلامية) و (أخبار الحرب) لمكافحة الدعاية العثمانية والألمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وكانتا بإشراف

(1) من معلومات راسلني بها محمد الحسن عليلي، يوليو، 1996، ومن كتاب القسم الفرنسي، جورج مارسيه، ومالك واري، ونائلة (؟). وكانت (هنا الجزائر) تطبع في مطبعة تيبو - ليتو في حي باب الواد. وقد أرسل لي أحمد بن السائح عددين منها للاطلاع، كما أرسل إلي رسالة وصلته من محمد الطاهر فضلاء حول المجلة وتاريخها وكتابها واهتماماتها. فله الشكر الجزيل، ابريل، 1997.

(2)

من رسالته إلى أحمد بن السايح في مارس، 1997 التي سأله فيها عدة أسئلة تتعلق بهوية مجلة (هنا الجزائر). وهي رسالة هامة للمعلومات التي احتوت عليها.

ص: 241

جان ميرانت (1). وكانت (كوكب افريقية) من إنشاء الحكومة العامة أيضا ولكن رئاسة تحريرها أعطيت للشيخ محمود كحول (2).

ذلك أن الجزائريين كانوا غير قادرين على إنشاء الجرائد عندئذ من الناحية المادية. كما أنهم لم يكونوا متعودين على فنيات الصحافة اللهم إلا ذلك العدد القليل الذي تعامل مع جريدة المبشر والذي كان معظمه قد تولى وظائف رسمية أخرى، مثل أبي القاسم الحفناوي، ومحمد بن مصطفى خوجة. كما أن إنشاء صحيفة كان يتطلب الدخول في عالم المعاملات مع الإدارة ومع الصحف الأخرى والحسابات والمراسلات ومعرفة القوانين الجارية. وهذا ما لم يكن متيسرا عندئذ للجزائريين، ولذلك تعثرت المحاولات المستقلة الأولى لمن غامر بها، مثل عمر راسم وعمر بن قدور. ونجحت إلى حد ما بعض الصحف الفرنسية الجزائرية مثل (الإسلام) و (الرشيدي) لمعرفة صاحبيها باللغة الفرنسية والأمور الأخرى التي ذكرناها، وكذلك لتبنيهما سياسة تتفق تقريبا مع مشرب الإدارة نفسها.

ولذلك يمكن القول إن الجزائريين لم يكونوا غافلين عن أهمية الصحافة ولكنهم كانوا عاجزين عن إنشائها. فهذا الأمير عبد القادر لم ينشئ جريدة لعدم استقراره في عاصمة إلا وقتا يسيرا أو لعدم توفر إمكانات الطباعة والخبراء عنده، ولكنه كان يشترك في الصحافة الفرنسية ويطلع من خلالها على مجريات الأمور، وكان الجاسوس ليون روش يترجم له ما جاء فيها عن حروبه وعن مناقشات الفرنسيين حول القضية الجزائرية. ويقول بيربروجر الذي زار معسكر الأمير أثناء هدنة التافنة، إن الأمير كان مشتركا في عدة صحف فرنسية، ومنها صحيفة (الميثاق الدستوري)، لكي يتعرف منها على النظام السياسي الفرنسي ويحصل على معلومات تكون رصيدا لمناوراته

(1) كانت فرنسا الإسلامية أسبوعية. وظهرت 1913 سنوات - 1914. انظر آجرون (الجزائريون المسلمون) 2/ 1260.

(2)

انظر لاحقا.

ص: 242

الدبلوماسية (1). ورغم أنه كانت للحاج أحمد، باي قسنطينة، عاصمة مستقرة طيلة سبع سنوات أو أكثر فإنه لم يحاول إنشاء جريدة أو مطبعة. وهكذا ظلت الصحافة ميدانا محتكرا للفرنسيين، سواء الحكومة العامة أو الدوائر الاستعمارية المدنية.

وعلى ضوء ذلك يمكننا تقسيم مراحل الصحف الجزائرية إلى ثلاث مراحل، بقطع النظر عن اللغة التي كتبت بها: المرحلة الأولى قبل الحرب العالمية الأولى وعلى وجه التقريب من 1890 إلى 1914، والمرحلة الثانية من 1919 إلى 1939، والمرحلة الثالثة من 1940 إلى 1956. ومن يريد أن يواصل دراسة تاريخ الصحافة في الجزائر عليه أن يضيف مرحلة رابعة وهي من الاستقلال (1962) إلى اليوم (2).

لم يظهر من الصحف الجزائرية في آخر القرن الماضي صحف تذكر عدا اثنتين تقريبا. الأولى هي جريدة (الحق) الأسبوعية التي ظهرت في عنابة في 10 يوليو سنة 1893 على يد سليمان بن بنقي وعمر السمار وخليل قايد العيون. وصدرت (الحق) بالفرنسية ثم مزدوجة. وكان هدفها المعلن هو الدفاع عن مصالح العرب الجزائريين ومصالح الفرنسيين الذين استجابوا (للمشاعر الوطنية) دون غيرهم. وبرنامج الجريدة لا يرفض الحكم الفرنسي لأنه (الحكم) يسمح بالحرية الدينية. ويبدو أن الذين أصدروها قد أحسوا بالغبن السياسي من معاملة الصحافة الفرنسية التي كانت ترفض نشر مقالات الجزائريين حتى في ركن (الرأي الحر). وقد أحس منشئوها أن الصحفيين الجزائريين قليلون وأن الذين يستطيعون التعبير البليغ أقل من ذلك. فكان على الجريدة أن تهاجم من يهاجم العرب وأن تدافع عن مصالح هؤلاء. وكان

(1) أدريان بيربروجر (زيارة إلى معسكر عبد القادر)، طولون 1839، ص 38.

(2)

عن الجرائد والمجلات التي أنشأها المهاجرون في المشرق مثل (المهاجر) و (المنهاج)، انظر فصل المشارق والمغارب.

ص: 243

كتابها يتخذون فيما يبدو أسماء مستعارة مثل زيد بن ذياب (وهو اسم هلالي)، وبابا عصمان، وعبدالله. والمتأمل في لغتها وتعابيرها يجدها تعبر عن رد فعل عنيف جعل بعض الكتاب المعاصرين يقولون إنها كانت جريدة (عربية وطنية) لم تستطع الإدارة السكوت عليها (1).

ففي إحدى مقالاتها كتبت عن (العدل) وذكرت أنها جريدة للدفاع عن العرب (الجزائريين) وقد انتهى في نظرها الاعتماد فقط على (الأصدقاء) الفرنسيين وحان وقت الدفاع عن النفس. وتساءلت عن: (أين أراضينا وقطعان مواشينا؟) وادعت أنها إذا لم تدافع عن حقوق الجزائريين ضاع منهم كل شيء. واستعمل صاحب المقال عبارات قوية متهما الفرنسيين بأنهم قد (امتصوا دماءنا ثم اتهمونا بالعصيان والوحشية). ومن أقوال الجريدة أن الذي ارتد (المتجنس) لا يؤتمن لأنه خان، وتساءلت: هل يمكن الثقة فيمن خان وطنه؟ وهكذا هاجمت الجريدة المتجنسين ودافعت عن حقوق الجزائريين في وقت كانت فيه حرية التعبير مقيدة، أي أثناء حكم جول كامبون (2). وقد استمرت (الحق) حوالي سنة، ولا ندري هل توقفت بنفسها أو أوقفتها الإدارة الفرنسية.

وحوالي 1899 ظهرت جريدة (النصيحة) بالعربية. وقد أصدرها السيد قوسلان، لأسباب مادية، حسب تعبير الشيخ أحمد توفيق المدني. ولعل الإدارة كانت وراء إنشائها أيضا، وهي التي كانت أيضا وراء إنشاء جريدة (المغرب) بالعربية سنة 1903 كما ذكرنا. وقد دامت (المغرب) حوالي عشر سنوات، أي مدة حكم شارل جونار في الجزائر واستكتبت نخبة من المثقفين

(1) دبوز (نهضة) 2/ 7. ذهب دبوز إلى أن (الحق) صدرت سنة 1894، وأنها دامت سنة.

(2)

قنان (نصوص)، ص 265، 261. وقال عبد القادر جغلول إن عمار (عمر) السمار هو اسم مستعار لزيد بن ذيب (ذياب؟)، وكان ذيب قد كتب رواية فرنسية مسلسلة في جريدة (الحق) سنة 1893 بعنوان (يا علي يا أخي). انظر (مظاهر الثقافة الجزائرية) وبحث جغلول عنوانه (تكوين المثقفين العصرين 1880 - 1930)، نشر المركز الثقافي الجزائري، باريس 1986.

ص: 244

الجزائريين المعاصرين (1). وفي سنة 1904 أصدر العربي فخار في وهران جريدة (المصباح)، وقد رأى منها آجرون أعدادا ترجع إلى 1904 - 1905. وكان العربي فخار أستاذا في تلمسان، وقد تعاون معه أخوه ابن علي فخار الذي كان أيضا استاذا للشريعة الإسلامية في ليون (فرنسا). وكانت المصباح جريدة أسبوعية مزدوجة اللغة. وكانت تعبر عن اتجاه النخبة الإندماجية، حسب تعبير آجرون، وهي تخدم العرب بفرنسا وتخدم هذه بالعرب. وكان أصحاب هذا الاتجاه عموما يريدون أن يكونوا صلة وصل بين العرب الجزائريين والفرنسيين. ولذلك كانت الجريدة تسعى إلى إيقاظ الجزائريين من سباتهم الطويل. فنادت بالمدارس ونشر الأفكار الفرنسية، وبأن يأخذ الفرنسيون في الاعتبار آراء الجزائريين المتحررين والمتطورين (النخبة الاندماجية)(2). أما شعار جريدة المصباح فهو (من أجل فرنسا بالعرب، ومن أجل العرب بفرنسا)، وهو شعار سيتردد عند بعض الصحف الأخرى حتى بين الحربين.

وحين انتقلت (الإسلام) من عنابة، إلى العاصمة، أنشأ عبد العزيز طبيبال جريدة أخرى في عنابة بعنوان (اللواء الجزائري) أو الراية. وكان يحررها إبراهيم مرداسي ورجل فرنسي اسمه قوفيون. وكانت (اللواء) أيضا جريدة أسبوعية وباللغة الفرنسية، كما كانت تعبر عن النخبة الاندماجية. وكان إنشاؤها في نوفمبر سنة 1910. ولا ندري كم عاشت (3). وفي هذه الأثناء (1903) أنشأت الأخبار قسمها العربي وعهدت به إلى الشيخ عمر بن قدور.

ثم أنشأ ابن قدور نفسه جريدة (الفاروق) باسمه أوائل سنة 1913 واستمرت إلى 1915. وهي تعتبر من الصحف الوطنية الناجحة، لأن

(1) انظر الحركة الوطنية، ط 3، الجزائر، 1990، ت 2، ص 140. بالنسبة (للنصيحة) المذكورة قال عنها علي مرحوم انها ظهرت سنة 1899، وأما الشيخ المدني فأخبر إنها صدرت 1904. ولا ندري الحقيقة لعدم اطلاعنا عليها.

(2)

آجرون (الجزائريون المسلمون) 1/ 1035. قال آجرون إنها عاشت عاما بصعوبة. وكان لها حوالي 700 مشترك.

(3)

نفس المصدر، ص 1036. عن (الإسلام) انظر لاحقا.

ص: 245

صاحبها قد تمرس على فن الصحافة ولأن روحه كانت متقدة، وكان مؤمنا بالقضية العربية الإسلامية بحماس أورثه غضب الإدارة عليه.

وبوحي من الإدارة الفرنسية. أيضا صدرت جريدة (كوكب إفريقية) برئاسة تحرير الشيخ محمود كحول، وأحد الفرنسيين اسمه لويس بودي، وكان كحول أحد الأساتذة المتمكنين في اللغة العربية وأحد تلاميذ الشيخ المجاوي عندما كان في قسنطينة. وكان مدير الجريدة هو بير فونتانة أيضا. وكانت (الكوكب) تصدر في العاصمة، ونعتقد أن إدارة الشؤون الأهلية هي التي كانت تمونها. ولكن إشراف كحول عليها ضمن لها تحريرا جيدا ومستوى رفيعا بالقياس إلى ما عرفته الصحافة العربية الأخرى من انحطاط في الأسلوب والفن الصحفي (1). وباعتبارها موجهة إلى الجزائريين فإن هذه الجريدة كانت تصدر كل يوم جمعة. وكانت تعلن عن نفسها أنها (صحيفة أسبوعية سياسية، أدبية، علمية، فلاحية، تجارية، صناعية). وقد صدرت في 17 مايو 1907، في أربع صفحات. ووصفها الشيخ المدني بأنها جريدة (راقية ومحررة بأقلام بليغة). وقد استمرت إلى 1914، ويقول آجرون إنها غيرت اسمها إلى (الكوكب الجزائري). وكانت معتدلة ومهتمة بأمور الحضارة الإنسانية.

ونوهت مجلة العالم الإسلامي بجريدة كوكب إفريقية فور صدورها. وقالت إن مؤسسيها أعلنوا بدون خلفيات ولا تخف أنهم سيعملون على إعلام الجزائيين (الأهالي) وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية والعمل على تقريب العرقين المتساكنين في شمال افريقية (من أجل الحضارة الإنسانية)، وقالت عنها إنها جريدة تخدم المصلحة العامة للجزائريين وليست جريدة حزب أو شخص. ولكن مجلة العالم الإسلامي لم تقل إن الكوكب جريدة تخدم الإدارة الفرنسية وأهدافها لأنها هي صاحبة التموين والتوجيه لها، ومن ثمة فهناك خلفيات واضحة، وقالت مجلة العالم الإسلامي: إن الجزائريين

(1) كان مقرها هو 3 شارع بيليسييه، الجزائر. وثمن العدد 20 سنتيما، وهي تنشر الإعلانات.

ص: 246

الذين ليس لهم إلى الآن غير (المبشر) الرسمية، سيرحبون بكوكب إفريقية في الوقت الذي يأسفون فيه على اختفاء مجلة (الإحياء)(الصغيرة والهامة)(1).

وفي أكتوبر 1909 صدرت جريدة (المسلم) بمدينة دلس، بناء على رأي الشيخ علي مرحوم، أما آجرون فيقول إنها صدرت في قسنطينة، وكانت جريدة أسبوعية ومزدوجة اللغة.

ذكرنا أن جريدة الفاروق من الجرائد المناضلة. ويمكننا أن نضيف إليها جرائد عمر راسم. ومنها جريدة (الجزائر) التي كان يحررها ويصورها بالرسومات الساخرة بنفسه. واعتبرها الشيخ المدني من أول الجرائد الشعبية أو الحرة، إذ ظهرت في العاصمة سنة 1908 (27 أكتوبر حسب الشيخ مرحوم). ولكنها لم تعش طويلا - بضعة أعداد، لعجز صاحبها عن تغطية التكاليف. وفي سنة 1913 أصدر عمر راسم، الذي كان يوقع اسمه: أبو منصور الصنهاجي، جريدة (ذو الفقار). ولكن لم يصدر منها سوى ثلاثة أعداد بين غشت 1913 ويونيو 1914. وكان عمر راسم يقظ الذهن مطلعا على أحوال العالم، وأدرك هو وزميله عمر بن قدور منذئذ ما يحاك لفلسطين والقدس والمخططات الصهيونية في الوطن العربي. وقد نبها إلى ذلك مبكرا، لأن المؤشرات قد ظهرت بعد سقوط السلطان عبد الحميد الثاني. وكان عمر راسم هو الذي يحرر ويخطط جريدته ويطبعها على الحجر لأنه لا قبل له، فيما يبدو، بدفع ثمن الطباعة بالحروف المطبعية.

وظهرت صحف أخرى بالفرنسية أو مزدوجة وكانت كلها تدعو إلى التقارب بين (العرقين) كما يقولون، كما كانت في أغلب الأحيان هي لسان النخبة الاندماجية عندئذ. ومن هذه الجرائد (الإسلام) التي ظهرت أولا في عنابة سنة 1909، ثم انتقلت إلى العاصمة. فقد كانت جريدة أسبوعية أنشأها شخص قيل إنه كان متجنسا وقليل التعليم، وهو عبد العزيز طبيبال. وكانت

(1) مجلة العالم الإسلامي، 1907، ص 585. عن كوكب أفريقية انظر أيضا تعريف الخلف 2/ 546. وأحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ص 345.

ص: 247

تصدر بالفرنسية، ويقول آجرون عنها إنها كانت (ديموقراطية) وموجهة للرأي العام الجزائري المسلم. أما عن مؤسسها فيقول إنه كان رجلا في خدمة الإ دارة.

ثم تحولت (الإسلام) إلى العاصمة من قبل مؤسسها الحقيقي، وهو الصادق دندان. وهو رجل كان كاتبا (خوجة) في إحدى البلديات المختلطة. وكانت الجريدة متأثرة بالصحافة الباريسية، وشارك في تحريرها بعض الكتاب الفرنسيين أيضا، واستمرت بدون انقطاع إلى عشية الحرب العالمية الأولى. وكانت هي لسان حال النخبة الاندماجية. والظاهر أنها قد أصدرت منذ 1913 طبعة عربة أيضا (1). وسنذكر أن (الإسلام) قد اندمجت مع (الرشيدي) لتصبحا جريدة (الإقدام) سنة 1919 (2). وقد عاش الصادق دندان إلى سنة 1938 حين نعته جريدة (الوفاق) وسمته (عميد الصحافة الإسلامية الجزائرية). والغريب أن مجلة العالم الإسلامي التي اهتمت بكل ما صدر عن الإدارة الفرنسية في الجزائر من جرائد ومجلات مثل الإحياء وكوكب افريقية لم تتعرض فيما نعلم لجريدة الإسلام، بينما نوهت بجريدة الرشيدي بطريقة ملفتة للنظر.

كانت (الرشيدي) جريدة تصدر بالفرنسية في مدينة جيجل بين 1911 - 1914، وكانت أسبوعية. وصاحب امتيازها شخص فرنسي يدعى ل. أوبوتي. ولكنها ذكرت أن لها مسؤولا على التحرير بالعربية هو السيد نصيح NASSIH، الذي قد يكون اسما مستعارا، ويفهم من هذا أن لها قسما بالعربية. وهو أمر لم يشر إليه الكتاب. وشعار الجريدة هو (بفرنسا من أجل الأهالي). وكانت تظهر كل يوم جمعة بأربع صفحات. وتتضمن أخبارا محلية، وأخرى عن الحياة الاجتماعية في الجزائر، والوسائل التي يجب اتخاذها لوقف العداء بين الجزائريين والفرنسيين ولذلك قالت عنها مجلة العالم الإسلامي ان هدفها هو خدمة التقارب بين العناصر الأوروبية (الفرنسية) والأهلية. وكانت الرشيدي تؤيد حركة النخبة المتفرنسة الراضية

(1) آجرون (الجزائريون المسلمون) 2/ 1036، 1260. والوفاق 21 يوليو 1938. وقيل إن محمد عز الدين القلال قد اشترك مع دندان في إنشاء (الإسلام).

(2)

انظر لاحقا.

ص: 248

بالخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي بشرط نيل الحقوق السياسية ومنح تعويضات عادلة للمجندين. وقد أعلن السيد نصيح ذلك في مقالة له بالرشيدي - بالعربية؟ -. ومن جهة أخرى امتدحت الرشيدي أعمال شارل جونار ودافعت عن سياسته نحو الأهالي ووقفت ضد من يهاجمونه على أنه محابي للعرب (أرابو فيلي)(1).

وفي وهران ظهرت جريدة أخرى باسم (الحق) في اكتوبر، سنة 1911، وعاشت مدة قصيرة. ويذكر الشيخ علي مرحوم أن مؤسسها رجل فرنسي أيضا. ويسميه دبوز (تابيه Tapie)، وأنها كانت جريدة أسبوعية وصدر منها 26 عددا (2). وقيل إنها أول جريدة تفتح باب التبرعات لضحايا حرب طرابلس 1911 - 1912. ومن المعلوم أن السلطة الفرنسية في الجزائر كانت قد رخصت بذلك إلى الجزائريين، لأسباب سياسية، وكانوا قد بادروا بالتبرع والتطوع في أنحاء القطر دون انتظار الرخصة.

وآخر ما نذكر في صحافة المرحلة الأولى جريدة (البريد الجزائري) لمحمد عز الدين القلال التي ظهرت سنة 1913 (28 غشت حسب الشيخ مرحوم). ولا نعرف الآن شيئا. عن لغتها ولا عن مكان صدورها، ولا عن أهدافها. ولعلها لا تخرج عن السياسة التي رسمتها جريدة (الإسلام) التي شارك القلال نفسه في إنشائها، وهي تبني وجهة نظر النخبة المتفرنسة والتقارب الجزائري- الفرنسي. وذكر آجرون جريدة أخرى باسم (الهلال) قال انها كانت أسبوعية، ومزدوجة اللغة، وشعارها (نهضة الإسلام مع فرنسا ومن أجلها وبها)، وكانت تقول إنها جريدة (المطالب الأهلية). ولذلك طالبت بإلغاء المحاكم الرادعة التي ظهرت

(1) مجلة العالم الإسلامي، يوليو - غشت، 1911، ص 180. لم تذكر متى ظهرت بالضبط وإنما قالت إنها ظهرت (منذ بعض الوقت) وعنوان (الرشيدي) هو شارع لبون - جيجل. وكان الاشتراك فيها 7 فرنكات، وثمن العدد 10 سنتيمات.

(2)

انظر عنها أيضا آجرون (الجزائريون المسلمون

) 2/ 1260.

ص: 249

سنة 1902، وتطوير الأهالي ليشاركوا في الانتخابات (1).

أما المرحلة الثانية من ظهور وتطور الصحافة الجزائرية فقد بدأت منذ 1919. لقد اختفت كل الصحف التي ذكرنا بسبب الحرب - عدا الصحف الفرنسية الصادرة عن الإدارة أو التي كان يديرها المستوطنون - ورغم قصر التجربة، فإن الجزائريين قد اكتسبوا مهارة في فن الصحافة. وزادتهم الحرب تمرسا واطلاعا على مجريات الأمور السياسية. ولذلك نشأت بعد الحرب صحف ذات طابع نضالي في أغلبه، على أن هذا لم يمنع من ظهور صحف أخرى ظلت على الخط القديم كالدعوة إلى الاندماج والتقارب بين الجزائريين والفرنسيين. كما أن التيار الطرقي (الصوفي) قد دخل أيضا. ميدان الصحافة. وبظهور الأحزاب والجمعيات تبلورت المواقف وأصبح لكل حزب أو جمعية أو تيار جرائده، وظلت لغة الجرائد عربية أو فرنسية، وقل منها المزدوج. كما أن الإدارة استمرت في نشر جرائدها القديمة كالمبشر إلى 1927، أو في دعم جرائد يديرها جزائريون. ويجب أن نذكر أيضا قبل الدخول في التفاصيل، أن مسألة شرعية اللغة العربية في الصحافة ظلت قائمة بين الإدارة وأصحاب هذه الصحف. فالقوانين الفرنسية كانت تعتبر اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر ويطبق عليها قانون الصحافة الأجنبية. ولذلك كانت الصحافة المكتوبة بالعربية تعاني اضطهادا خاصا خلال المرحلة الثانية، سيما تلك التي تبنت قضايا وطنية واضحة.

وقد رأينا من الأجدى تصنيف الصحف حسب اتجاهاتها أو بالأحرى اتجاهات من يصدرها سواء كانت حزبية أو غير حزبية، طرقية أو إصلاحية أو مستقلة. ذلك أن هدفنا ليس هو التاريخ لكل صحيفة ولكن معرفة المراحل والاتجاهات التي عرفتها الصحافة في المرحلة الثانية. وأبرز التيارات عندئذ

(1) آجرون (المسلمون الجزائرويون

)، 2/ 1260. ويقول آجرون أيضا إنها صدرت في أكتوبر 1906 بالعاصمة ولم يصدر منها سوى اثني عشر عددا.

ص: 250

هي حركة الأمير خالد، وحركة النواب، والمدرسة الإندماجية، وحركة الإصلاح، والتيار الطرقي، ثم حركة حزب النجم وحزب الشعب، والتيار الشيوعي، ثم تأتي الصحافة المعبرة عن ولائها للإدارة الفرنسية أو الإصلاح أو الطرقية أو الوطنية عموما.

وابتداء من سنة 1919 ظهرت عدة صحف. منها جريدة (الإقدام) التي كانت تعبر عن حركة الأمير خالد السياسية - الوطنية. وهي جريدة ولدت من توحيد أو دمج جريدتي الإسلام والرشيدي القديمتين. ظهرت الإقدام باللغتين العربية والفرنسية، وكان الأمير خالد هو رئيس تحرير القسم العربي فيها. وكان يكتب فيها المقالات والافتتاحيات. وقد أعلنت عن أنها جريدة أسبوعية علمية سياسية اقتصادية. وظلت تصدر إلى 1923 حين حكمت السلطات الفرنسية بنفي الأمير خالد من الجزائر وألغت الانتخابات التي كان فائزا فيها. ويذهب الشيخ المدني إلى أنها أول جريدة عربية حادة اللهجة مع الفرنسيين معبرة عن مطالب المسلمين الجزائريين. ولكن مبدأ (الإقدام) بعد نفي الأمير خالد، تبناه في الجزائر الصادق دندان وبهلول وقايد حمود وابن باديس، كما تبناه في فرنسا نجم شمال أفريقيا، بل إن النجم قد تبنى شعار الإقدام وهو (الدفاع عن مصالح المسلمين في شمال أفريقية).

وفي الاتجاه المقابل أو المعارض للأمير خالد ظهرت جريدة (النصيح) بتحرير بعض خصومه، كما تولى الدكتور بلقاسم بن التهامي تحرير جريدة (التقدم) التي عبرت عن الاتجاه الاندماجي. ثم أصبحت هي لسان حال حركة يمينية كانت تابعة للحزب الفاشيستي الفرنسي. وكان ابن التهامي نفسه قد أصبح عضوا في هذا الحزب. وكانت التقدم مزدوجة اللغة أيضا، وكان فرحات عباس من كتابها في العشرينات.

وفي سنة 1920 صدرت جريدة (النجاح) بقسنطينة (1). أصدرها في

(1) يقول الشيخ علي مرحوم إنها صدرت في 13 غشت 1920. ويقول مالك بن نبي، (الطفل) ص 52، إنه برغم طغيان حفلات الزواج وأخبار الوفيات فيها، فإنها كانت =

ص: 251

البداية الشيخ عبد الحفيظ بن الهاشمي ثم انضم إليه الشيخ مامي إسماعيل، خريج جامع الزيتونة. نشأت كجريدة وطنية أسبوعية. ومنذ يناير 1930 أصبحت يومية وجمعت التبرعات لذلك. ويقول مؤرخو الصحافة إنها تحولت بعد 1931 إلى جريدة موالية للإدارة الفرنسية، وأنها غيرت أوقات صدورها فأصبحت تصدر ثلاث مرات في الأسبوع، وأنها استمرت إلى سنة 1956. وكان الشيخ ابن باديس من المساهمين في تحريرها في عهدها الأول، بل إن الشيخ مرحوم يقول إنه (ابن باديس) كان من مؤسسيها، ثم تخلى عنها وأسس جرائده الخاصة، كما سنرى. وتعتبر النجاح من أطول الصحف الجزائرية عمرا، ولعلها أول جريدة عربية تصدر يوميا في الجزائر. وكانت تنافح عن اللغة العربية وقضايا الوطن، وكانت ميدانا لفئة عريضة ظلت من قبل محرومة من أدوات التعبير. وبعد أن كانت جريدة النجاح لا تطبع سوى ألف نسخة أصبحت تطبع سبعة آلاف نسخة، وكانت في حجم جريدة (الطان) الفرنسية (1).

ويذهب الشيخ المدني إلى أن عمر بن قدور قد أصدر جريدة (الفاروق) من جديد سنة 1924 ولكنها لم تعمر طويلا، أصدرها كمجلة (؟) أسبوعية في العاصمة. ولعل توقفها يرجع إلى أسباب مادية. ولم يذكر الشيخ مرحوم (الفاروق) الجديدة ولكنه ذكر أن ابن قدور قد أصدر جريدة (الصديق) مع محمد بن بكير سنة 1920 (12 غشت)، وكانت (الصديق) أيضا أسبوعية، ولم تعش طويلا (؟) وكان من كتابها محمد العابد العقبي، والمولود الزريبي.

وابتداء من فاتح سنة 1923 ظهرت صحيفة (لسان الدين) في العاصمة وكان مصطفى حافظ هو صاحب هذه المبادرة، كما كان هو صاحب المبادرة في تأسيس مدرسة حرة. وكان (لسان الدين) جريدة أسبوعية دينية سياسية،

= تمثل تحديا للإدارة الاستعمارية ما دامت تصدر بحروف عربية، لأن هذه الإدارة أقامت سياستها على فرنسة الجزائر.

(1)

أحمد توفيق المدني (تقويم المنصور)، السنة الخامسة، 1348. وفي التقويم توجد صورة مامي إسماعيل وعبد الحفيظ الهاشمي بلباسهما التقليدي. وعن مساهمة ابن باديس في (النجاح) انظر مقالة للمدني أيضا في (الأصالة)، أبريل 1977، ص 58.

ص: 252

ويقول الشيخ المدني إنها أيضا لم تعش طويلا.

واستقل ابن باديس بصحافته الإصلاحية ابتداء من سنة 1925. ففي هذه السنة أنشأ جريدة (المنتقد) التي كانت متحررة وداعية للنهضة والوطنية بأسلوب واضح وحماس. وكانت جريدة أسبوعية، وقد تلقاها الشباب وأصحاب الفكر العربي النير بحماس أيضا. ولكن الإدارة لم ترض عن لهجتها فأوقفتها بعد حوالي ثمانية عشر عددا. ثم أصدر ابن باديس بعدها وفي قسنطينة أيضا جريدة (الشهاب)، ثم حولها إلى مجلة. واستمرت الشهاب في الصدور إلى عشية الحرب العالمية الثانية، حين توقفت من تلقاء نفسها حتى تنجلي الحرب وحتى لا تضطر إلى نشر ما لا ترضى عنه تحت قوانين الحرب. وتعتبر الشهاب مجلة وطنية إصلاحية، أيقظت الرقود ونبهت الغافلين ودعت إلى جمع الشمل والوحدة، كما دافعت عن الإسلام واللغة العربية، والعدالة والحرية، وشاركت برأيها في قضايا المغرب العربي والمشرق، ورغم أن صاحبها ترأس جمعية العلماء فإن ما كان ينشره فيها لا يعبر رسميا عن سياسة جمعية العلماء وإنما عن رأي ابن باديس شخصيا. وسنتحدث عن المطبعة التي تولت طبع الشهاب.

ومنذ 1933 أصدرت جمعية العلماء صحفها الخاصة. وهي بالطبع صحف إصلاحية تعبر عن اتجاه الجمعية في التعليم العربي والنهضة الإسلامية ومحاربة البدع والطرقية المرتبطة بالإدارة الفرنسية. والصحف التي سنذكرها كانت أسبوعية. وقد صدر بعضها في الجزائر مثل (الشريعة) و (الصراط) و (السنة) و (البصائر) في عهدها الأول، ثم صدرت البصائر في قسنطينة في عهدها الثاني (قبل الحرب العالمية الثانية). أوقفت الإدارة الفرنسية ثلاث صحف لجمعية العلماء (وهي السنة والشريعة والصراط) قبل أن يتوقف اضطهاد الصحف الإصلاحية بعض الوقت. وهكذا عاشت البصائر بين 1935 و 1939 دون توقف. ولكنها توقف تلقائيا سنة 1939، مثل الشهاب، حتى لا تضطرها ظروف الحرب إلى نشر ما لا يتماشى مع مبادئ الجمعية. وقد تولى تحرير صحف الجمعية رجال لهم خبرة فى الميدان الصحفي كالشيخ الطيب

ص: 253

العقبي ثم محمد مبارك الميلي الهلالي، وكان الشيخ محمد خير الدين هو صاحب الامتياز.

وهناك صحيفتان إصلاحيتان ظهرتا في العشرينات أيضا. أولهما صحيفة (صدى الصحراء) التي ظهرت أسبوعية في بسكرة (23 نوفمبر، 1925)، حسب الشيخ علي مرحوم، أنشأها الشيخ أحمد بن العابد العقبي، وكان من كتابها الطيب العقبي، والشاعر محمد العيد، ومحمد الأمين العمودي، وتبنت قضايا الإصلاح الديني والاجتماعي، متعاصرة مع جريدتي المنتقد والشهاب، وحاملة فكر الشيخ العقبي الذي جاء به من الحجاز والمتأثر بالوهابية والعروبة. وكان أحمد بن العابد قد تمرس على النشر في جريدة (الصديق) قبل ذلك، ومولعا بالأدب والشعر، وكان خريج الزاوية العثمانية (1).

كانت (صدى الصحراء) تطبع في قسنطينة بالمطبعة الإسلامية التي أنشأها ابن باديس. وتقول إنها جريدة ملية (وطنية)، إسلامية، علمية أدبية اجتماعية اصلاحية انتقادية. وقد جعلت شعارها (درء المفسدة قبل جلب المصلحة). وفي العدد السابع منها أضافت تحت العنوان الجملة التالية المنسوبة إلى الزعيم المصري مصطفى كامل:(من تسامح في حقوق بلاده ولو مرة واحدة، بقي أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان). ومن مقالات العدد الأول واحدة بهذا العنوان (لبيك يا وطني!). وبالإضافة إلى من ذكرنا من كتابها، هناك أبو يعلي الزواوي، وأحمد بن الدراجي العقبي، ومحمد الصالح خبشاشں، وأبو اليقظان، ومحمد اللقاني، ومحمد مبارك الميلي، ومحمد عبابسة الأخضري، والمولود الحافظي، وعسول بن علي، والفرقد، ومحمد بن الحاج عيسى، ومحمد العلمي، ومحمد العزوزي حوحو. وظهر فيها عدد من كتاب تونس مثل صالح سويسي القيرواني، ومصطفى بن شعبان، ومحمد الفائز القيرواني. وكانت تحمل أسماء مختصرة أو رمزية

(1) توفي مبكرا، سنة 1926. انظر عنه رسالة الباحث أحمد مريوش عن الشيخ الطيب العقبي والحركة الوطنية. ولعله بدأ نشاطه أيضا محررا في جريدة (النجاح). والزاوية العثمانية هي زاوية طولقة الرحمانية زاوية علي بن عمر.

ص: 254

مثل: غضنفر، ومصلح، والقفاري (الصحراوي)، ومشجع، ومفكر، ومتسائل، وابن عدي، والغريب ق. س. الخ

ومن الشعارات الرئيسية للجريدة عبارة (حب الوطن من الإيمان)(1). ودامت (صدى الصحراء) حوالي سنة، ثم تفرق شمل أصحابها لأسباب مختلفة رغم أهميتها، وقد كانت فتحا جديدا للصحافة في بسكرة، مع ذلك.

وحاولت جريدة (الإصلاح) أن تخلفها ولكنها لم تستطع أن تواجه العراقيل الصعبة. هذه الجريدة أنشأها الشيخ الطيب العقبي. وهو شخصية جربت الصحافة في جريدة (القبلة) الحجازية التي أنشأها الشريف حسين، ثم في صدى الصحراء وغيرهما. وكان العقبي قد رجع إلى الجزائر سنة 1920 وأخذ يبث العلم والفكر الإصلاحي في نواحي بسكرة، ولكن المال والوسائل الفنية كانت تعوزه. ظهرت (الإصلاح) في بسكرة في سبتمبر 1927. وكانت أسبوعية، ولم يصدر منها سوى بضعة أعداد ثم توقفت. حاول العقبي طبعها بتونس فوجد عراقيل في الطبع والنقل، ويذهب الشيخ المدني إلى أن (الإدارة منعت طبعها بتونس). ثم سعى العقبي إلى إنشاء مطبعة لها في بسكرة ونجح في ذلك. ثم استولت مصالح أخرى على المطبعة أو (أيدي الإهمال والفساد) حسب تعبير الشيخ المدني، وهو تعبير غامض، نفهم منه فقط أن العقبي قد عجز عن طبع جريدته (2). كما نعرف من جهة أخرى أن العقبي حاول طبع الجريدة في المطبعة الإسلامية بقسنطينة فلم يحظ بالنجاح أيضا، واتهم العقبي القائمين على هذه المطبعة بعرقلته، ومنهم الشيخ أحمد بو شمال، ولمح إلى الشيخ ابن باديس أيضا. وهكذا توقفت الإصلاح. وزاد انتقال الشيخ العقبي سنة 1929 إلى العاصمة وانشغاله بدروس نادي الترقي والوعظ والإرشاد في الجامع الكبير من ابتعاده عن الصحافة.

وبعد عدة أحداث عرفتها حياة العقبي خلال الثلاثينات سواء مع الإدارة

(1) توجد منها أعداد (13) في المكتبة الوطنية بتونس، رقم 541 - دوريات.

(2)

أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ص 347.

ص: 255

أو مع جمعية العلماء، أعاد إصدار جريدة (الإصلاح) سنة 1940 (1). كان ذلك في الوقت الذي توقفت فيه الصحف المستقلة والحرة عن الصدور لأسباب ذكرناها. ورغم أنها كانت مفيدة في محتواها وتناولت موضوعات ذات صلة بالقضية الوطنية كحقوق الجزائريين وفصل الدين الإسلامي عن الإدارة الفرنسية، والإصلاحات السياسية، فإن (الإصلاح) كانت محل شبهة لأنها لا تنشر إلا ما ترضى عنه الرقابة الفرنسية (2). ولكن الإدارة الفرنسية نفسها قد مرت بتعديلات وتطورات سيما بعد هزيمة فرنسا أمام الألمان، ونزول الحلفاء في الجزائر، وصدور البيان الجزائري، وتكوين أحباب البيان، وانتفاضة 8 مايو، الخ. وقد استمرت الإصلاح في الصدور إلى حوالي 1948. وكان العقبي من أبرز كتابها.

ومن الممكن أن نذكر مجموعة من الصحف كانت توالي حركة الإصلاح والاتجاه الوطني ولكنها ليست تابعة لجمعية العلماء ولا لمدرسة ابن باديس. ومن ذلك جريدة (البرق) التي أنشأها عبد المجيد الرحموني بقسنطينة في مارس 1927. وهي جريدة تتخذ شعارها (خدمة الوطن والمصلحة العامة). وكانت تتبنى الانتقاد السياسي، وتتناول الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية. ولذلك لم تتحملها الإدارة الفرنسية وأوقفتها بعد عدد واحد فقط بقرار إداري. وكم للصحف العربية من ضحايا في هذا الميدان.

وظهرت في ديسمبر سنة 1931 جريدة (المرصاد) الأسبوعية، لمحمد عبابسة الأخضري، وكان صاحب الامتياز هو محمد الشريف جوكلاري، وهو فرنسي اعتنق الإسلام، ولكن اسم المحرر الحقيقي لها بقي خفيا (3)، وكانت الجريدة موالية لجمعية العلماء، كما كانت تؤيد حركة النواب

(1) عن ذلك انظر كتابنا الحركة الوطنية، ج 3.

(2)

من يقرأ جريدة (الإصلاح) سنوات الحرب العالمية الثانية سيلاحظ فراغات أو بياضات نتيجة تدخل الرقابة.

(3)

سيظهر اسم جوكلاري أيضا مع جريدة (صوت الشعب) وقد نوه به مالك بن نبي في مذكراته.

ص: 256

المسلمين، وكانت تعلن عن نفسها أنها جريدة دينية، مسلية، أخلاقية، فهل كان للإدارة الفرنسية يد في تمويلها؟ ومهما كان الأمر فقد دامت ثلاث سنوات ثم عطلت عن الصدور سنة 1934، لكي تخلفها (الثبات) التي تولاها أيضا محمد عبابسة الأخضري. وكانت أيضا أسبوعية وتصدر بالعاصمة ودامت حوالي سنة، وجعلت نفسها جريدة (سياسية اجتماعية أخلاقية). وتخلى عن تحريرها صاحب القلم الخفي، حسب تعبير علي مرحوم (1).

وتعتبر الصحف الآتية: الليالي وأبو العجائب والوفاق والجزائر والمغرب العربي والدفاع والحارس من الجرائد المساندة للاتجاه الوطني الإصلاحي. أبو العجائب أنشأها محمد العابد الجلالي صاحب كتاب (تقويم الأخلاق). وهو صاحب فكر سياسي واضح وصاحب قلم مزدوج اللغة، وكان من أساتذة المدرسة الفرنسية - العربية الرسمية في قسنطينة التي درس بها مالك بن نبي. وجريدته التي أنشأها سنة 1935 كانت أسبوعية فكاهية انتقادية وأدبية. وصدرت في وقت انتقالي حرج، وكانت تطبع في مطبعة الشهاب (المطبعة الجزائرية الإسلامية بقسنطينة). ودامت نحو سنة، ولا ندري سبب توقفها.

وكانت (الليالي) تساند الإصلاح بقوة ولكنها تميل أيضا إلى أسلوب الأدب والفكاهة وتنتقد الاتجاهات المعارضة للإصلاح. وكان رئيس تحريرها ومنشئها هو الشيخ علي بن سعد القماري، خريج جامع الزيتونة وأحد المعلمين في مدارس الحركة الإصلاحية. صدرت سنة 1936، وهي سنة المؤتمر الإسلامي الجزائري والأحداث المنجرة عنه، مثل اغتيال الشيخ كحول واعتقال العقبي. وقد اعتقل الشيخ علي بن سعد القماري نفسه بعد سنة، ورمي به في سجن الكدية بقسنطينة. وكان ضحية أخرى للاضطهاد

(1) لم نستطع أن نفهم الإشارة التي أوردها الشيخ علي مرحوم حول صاحب القلم الخفي الذي كان يحرر جريدتي المرصاد والثبات. ولعل بعض المعاصرين يعرفون ذلك، وكذلك وثائق الإدارة الفرنسية. وقد يكون يشير إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية والصهيونية.

ص: 257

والتعسف، ولم تدم جريدة الليالي سوى بضعة أشهر.

وقبل ذلك ظهرت جريدة (الحارس) التي كان يديرها عبد الرحمن الغريب. وكانت نصف شهرية، وتقول إنها جريدة انتقادية أخلاقية وفكاهية. وكلمة الفكاهة التي ترددت في بعض الصحف كانت وسيلة لتبسيط الأسلوب ولمخاطبة الجمهور العريض وتمرير بعض الأفكار حتى لا تتفطن إليها الإدارة الفرنسية. ظهرت الحارس في غشت 1933، حسب الشيخ مرحوم - ولم يصدر منها سوى أربعة أعداد، لأن العدد الخامس صودر من الإدارة الاستعمارية.

ومن أوائل هذا النوع من الصحف جريدة (الجزائر) التي أنشأها محمد السعيد الزاهري سنة 1925. وكانت قد اتخذت شعارها (الجزائر للجزائريين)، ويبدو أنها ساندت عندئذ الاتجاه الذي دعا إليه الأمير خالد والذي خلا ميدانه بنفيه من الجزائر. ولكن الجريدة سرعان ما أوقفتها الإدارة الاستعمارية، ولم يصدر منها سوى عدد أو اثنين. أما جريدة الزاهري الأخرى وهي (الوفاق) فقد كانت أحسن حظا. ظهرت في وهران سنة 1938. وكانت جريدة أسبوعية، ذات طابع سياسي وانتقادي. ورغم أن الزاهري كان محسوبا إلى ذلك الحين على الاتجاه الإصلاحي، فإنه أخذ ينتقد بعض رجال جمعية العلماء، مثل الإبراهيمي والميلي في جريدة (الوفاق). وكانت جمعية العلماء عندئذ تعيش محنة الخصومة مع الدكتور ابن جلول، واعتقال العقبي، وخروجه من المجلس الإداري للجمعية وظهور الحساسيات بينه وبين الشيخ ابن باديس. ويبدو أن (الوفاق) مالت إلى اتجاه جمعية النواب برئاسة ابن جلول أو كانت تنافق. وكان لهذه الجمعية أيضا جريدة بالفرنسية تسمى (لانتانت) وإذا ترجم هذا العنوان إلى العربية كان (الوفاق)(1) أو التفاهم، وكانت تصدر أسبوعيا، بقسنطينة بين 1935 - 1939.

(1) انظر الوفاق عدد 21 يوليو، 1938. وجاء فيها أن الزاهري سيفتح مكتبة عربية في وهران لبيع الكتب. انظر أيضا جريدة (البصائر) عدد 106 (2 أبريل 1938)، وعدد 109 (22 أبريل 1938). وقد أصبح الزاهري من المذبذبين وانحرف عن خط الإصلاح.

ص: 258

أما (المغرب العربي) فهو اسم الجريدة التي أسسها الشيخ حمزة بوكوشة بوهران سنة 1937. وكان امتيازها بيد محمود بلة. وكانت جريدة أسبوعية وتعمل في نطاق الوطنية والإصلاح. ولم يصدر منها سوى بضعة أعداد. فهل توقفت لأسباب مادية أو إدارية؟ والشيخ بوكوشة أديب وشاعر، وكان من الحاضرين لتأسيس جمعية العلماء ومن خريجي جامع الزيتونة، ومن الذين كتبوا في الصحافة قبل وبعد جريدته المذكورة. ويعتبر من الرواد الذين ابتدعوا هذا التعبير (المغرب العربي) والمقصود به المنطقة التي يسميها الفرنسيون حينئذ شمال أفريقية. وكان الشيخ بوكوشة من الأوفياء للشيخ ابن باديس وحركته. وكانت جريدته صورة لفكره، ولكن لم يصدر منها سوى أربعة أعداد فقط (1).

ومن صحف الإتجاه الإصلاحي أيضا، جريدة لاديفانس بالفرنسية (الدفاع). وهي جريدة أسسها محمد الأمين العمودي سنة 1935، لتنافح عن الحركة الإصلاحية وتعرف بها الأوساط المثقفة بالفرنسية. وقد استمرت إلى سنة 1939. وكان العمودي من المؤسسين لجمعية العلماء سنة 1931 وأول كاتب عام لها، وساهم في أعمالها، ومن ذلك مشاركته في المؤتمر الإسلامي الجزائري وشباب المؤتمر، ونشره لرد ابن باديس على السيد فرحات عباس حين نفى وجود الأمة الجزائرية، ودعوة الشيخ ابن باديس لعقد المؤتمر الإسلامي المذكور. ولكن العمودي لم يظل على ولائه المطلق لابن باديس إذ وجدناه يختار جانب الشيخ العقبي لصالح البرقية الشهيرة، ومنذ 1938 وجدنا العمودي يختفي من ساحة النشاط الإصلاحي والسياسي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن الإدارة الفرنسية لم تكن لترضى عن نشاطه فنفته سنة 1933 إلى آفلو متذرعة بأنه سافر إلى تونس دون رخصة. وكان العمودي

(1) قبل دراسته في تونس درس الشيخ بوكوشة على الأخوين الطاهر وأحمد العبيدي في الوادي وكذلك على الشيخ إبراهيم بن عامر صاحب كتاب الصروف، كما درس في بسكرة على الشيخ علي بن العقبي بالزاوية القادرية وكان رفيقه عندئذ هو الشاعر محمد العيد، ودام ذلك قرابة سنتين. من حديث معه يوم 22 مارس 1991.

ص: 259

بالإضافة إلى نشاطه الإصلاحي والسياسي، أديبا وشاعرا، ومن خريجي مدرسة قسنطينة الرسمية. أما من حيث المهنة فقد كان عدلا بالمحاكم الإسلامية، وهي من الوظائف القليلة التي بقيت للقضاة المسلمين الجزائريين بعد احتكار القضاء الفرنسي لمختلف القضايا في المحاكم. وكانت جريدة (الدفاع) هي لسان حال الوطنية ذات الطابع الإصلاحي (1).

وبدرجات متفاوتة كانت البلاغ والإخلاص ولسان الدين (الثانية) تقف في الصف المعارض للإصلاح وجمعية العلماء. صدرت (البلاغ الجزائري) جريدة أسبوعية من مدينة مستغانم ثم انتقلت إلى العاصمة. كانت تحت إشراف الطريقة العليوية (طريقة الشيخ أحمد بن عليوة الدرقاوية الشاذلية). ولأول مرة في الجزائر، على حد علما، تنشئ طريقة صوفية جريدة للدفاع عن قضايا التصوف. ولكن البلاغ لم تكن فقط جريدة طريقة، بل كانت أيضا جريدة إخبارية عامة تناولت مختلف القضايا الجزائرية، وقد وقفت ضد التنصير ودافعت عن اللغة العربية، واهتمت بالحياة العامة، بما فيها السياسة. ويقول الشيخ المدني إن (لها برنامج ديني إسلامي وطني)، ولكنها دافعت أيضا. عن التصوف والطرقية (2).

صدرت البلاغ سنة 1926 مع عيد الميلاد المسيحي (24 ديسمبر). وكان يشرف عليها محمد محيي الدين حدوني الذي لا نعرف عنه الآن أكثر من هذا. وتعتبرها الحركة الإصلاحية خصمة لها لمدافعتها عن الطرقية، سيما بعد حادث التعرض لحياة ابن باديس سنة 1927. وكانت المهاترات قوية من الجانبين. وقد توفي الشيخ ابن عليوة سنة 1934 (3)، ولا ندري متى توقفت

(1) البرقية تشير إلى تصويت المجلس الإداري لجمعية العلماء سنة 1938 على السكوت أو إرسال برقية ولاء وتأييد إلى فرنسا ضد الفاشيستية. وكانت الأغلبية في المجلس لصالح السكوت، وكان العقبي والعمودي أقلية. وقد عاش العمودي إلى الخمسينات حتى اغتيل في العاصمة على يد غلاة الاستعمار (اليد الحمراء).

(2)

المدني (كتاب الجزائر)، ص 345.

(3)

عن حياة وفكر الشيخ ابن عليوة، انظر فصل الطرق الصوفية.

ص: 260

البلاغ (وقد طال عهدها نسبيا) ولكن المعلوم هو أنها عوضت بجريدة أخرى هي (لسان الدين) وهي غير تلك التي أسسها مصطفى حافظ من قبل (1923).

وعند انفصال العلماء الطرقيين عن جمعية العلماء، أنشأوا جريدة باسم (الإخلاص) استمرت فترة أيضا. هذه الجريدة أسستها جمعية علماء السنة المنشقين عن جمعية العلماء. وكانت تعارض الإصلاح وتتهم أصحابه بالتدخل في السياسة ومسايرة الحداثة. وكانت جمعية علماء السنة مدعومة من الإدارة الفرنسية. وقع ذلك سنة 1932، وكان رئيس تحرير الجريدة هو الشيخ المولود الحافظي، أحد علماء الفلك البارزين ومن خريجي الأزهر. ولكن الطموح الشخصي وربما الميول الاجتماعية والضغوط جعلته يتبنى الاتجاه المعارض للإصلاح. وكانت (الإخلاص) أسبوعية، وتصدر بالعاصمة، وقد ظهر أول عدد منها في 14 ديسمبر 1932، ولا ندري كم طال عمرها (1).

وقد أدت المهاترات بين الجمعيتين، جمعية العلماء وجمعية علماء السنة، إلى إنشاء صحف متنابزة أدت إلى كشف نوايا الجميع وصقل الأقلام أكثر مما أفادت الرأي العام أو خدمت القضية الوطنية. أنشأت جمعية علماء السنة جريدة (المعيار) نصف شهرية سنة 1933، واستمرت حوالي نصف عام وكانت تستعمل العبارات الساقطة ضد جمعية العلماء ورجالها، مما حدا بهذه إلى إنشاء جريدة مضادة وهي (الجحيم)، في مارس من نفس السنة. وكانت أسبوعية وكانت تصدر من قسنطينة وتوزع بالعاصمة. ولم يصدر منها سوى حوالي سبعة أعداد. وقد استعملت هي أيضا عبارات خشنة رغم أنها أعلنت

(1) أعلنت عن نفسها أنها جريدة (معتدلة تعمل على الاتحاد الفرنسي - الأهلي)، وهو تعبير يعني أنها تخدم الأهداف الإدارية الفرنسية. انظر على مراد (الإصلاح الإسلامي في الجزائر)، 1967. وكان اتجاه علماء السنة مدعوما من اتحاد الزوايا ونحوه، وقد كان الشيخ مصطفى القاسمي، شيخ زاوية الهامل، من النشطين في هذا المجال. انظر فصل الطرق الصوفية.

ص: 261

عن نفسها أنها جريدة (حرة مستقلة تدافع عن الشرف والفضيلة). ولكن شعارها كان (العصا لمن عصى). وهذا النوع من الصحافة كان أقرب إلى الهجاء منه إلى الأخبار والإفادة العامة.

ومن الجرائد المضادة للإصلاح أيضا ما أنشأه عبد القادر القاسمي سنة 1938 باسم (الرشاد). وهي جريدة أسبوعية كان يشرف على تحريرها الشيخ محمد العاصمي. وكان هذا الشيخ يملك قلما سيالا وفكرا نيرا ولكنه انحرف بهما إلى خدمة أغراض غير وطنية. ولا ندري دوافعه إلى ذلك. فقد كان من العناصر المثقفة المستنيرة، وشارك بمقالاته في تقويم المنصور وفي تقويم الأخلاق. وكان مثل الشيخ محمد السعيد الزاهري، صاحب موهبة علمية، ولكن كليهما انزلق في متاهات صنفته في المعادين للوطنية والإصلاح. وقد استمرت (الرشاد) تدافع عن الطرق الصوفية وتعمل كلسان حال لإتحاد الزوايا الذي ولد في تلك السنة 1938 على يد أنصار فرنسا من أمثال الشيخين مصطفى القاسمي (زاوية الهامل) من الجزائر، وعبد الحي الكتاني من المغرب الأقصى. ويبدو أن (الرشاد) قد استمرت بعض الوقت. ولعل تمويلها كان من الإدارة الفرنسية لأنها هي التي أشرفت على إنشاء اتحاد الزوايا المذكور.

وهناك صحيفة ثالثة باسم (الحق) ظهرت في بسكرة في إبريل 1926 على يد علي بن موسى العقبي. ونحن لا نعرف عنها أكثر من هذا الآن. وقد تكون من الصحف الإصلاحية على غرار صدى الصحراء والإصلاح.

وقد تحدث بعض الكتاب عن صحف أخرى غير معروفة كثيرا، ومنها (صوت الشعب) وبناء على مالك بن نبي فإن منشئها هو علي بن أحمد، وهو رجل من تبسة، درس في مدرسة قسنطينة الرسمية سنة 1925. وكان من رفقاء ابن نبي بعد ذلك. ويخبرنا هذا أن علي بن أحمد أنشأ الجريدة في العاصمة سنة 1934 وتعاون عليها مع باعة البقول وصيادي السمك الذين كانوا يمولون الجريدة بينما هو يحررها، ويقول ابن نبى إن الجريدة قد عبرت

ص: 262

عن مرحلة جديدة من الصحافة الوطنية، ولكننا لا نعرف بأية لغة كانت تصدر. ومن جهة أخرى نعلم أنه لم يصدر منها سوى عددين أو ثلاثة، وهو أمر راجع إلى مزاج صاحبها، حسب تعبير ابن نبي. وقد انتقل علي بن أحمد إلى فرنسا واشترك في المناقشات العامة والفلسفية التي كانت تدور بين طلبة المغرب العربي، وتزوج من فرنسية كانت تدير مكتبة صغيرة، وكان ساخطا متبرما بالحياة وكانت بينه وبين ابن نبي بعض القرابة (1).

غير أن دبوز يذكر (صوت الشعب) بإشراف آخر، وهو محمد الشريف جوكلاري الذي قلنا إنه فرنسي اعتنق الإسلام. وقال إنها كانت تصدر بالفرنسية (2). ولا ندري كم عاشت ولا موعد صدورها. فهل هي نفسها صوت الشعب المنسوبة إلى علي بن أحمد؟ إن مالك بن نبي قد تحدث عن جوكلاري ونوه به ولكنه لم ينسب إليه هذه الجريدة.

ويذكر ابن نبي أيضا جريدة أخرى صدرت في أم البواقي بعنوان (صدى الحراكتة) وكان عمرها قصيرا أيضا إذ لم يظهر منها سوى عددين. وكان المشرف عليها هو حساني رمضان. وقد علق ابن نبي على عادته حين يذكر النخبة الإندماجية بقوله: إن رمضان هذا كان رجل بر وإحسان، وقد استعان بمثقف (نخبوي) طائش. وكان ذلك ربما هو سبب فشل مشروع الجريدة. ونفهم من حديث ابن نبي عنها أنها ظهرت حوالي 1935 (3).

وللشيخ أبي اليقظان مجموعة من الصحف صدرت الواحدة بعد الأخرى بين 1926 و 1938. وكان هذا الشيخ من زعماء المدرسة الإصلاحية ومن كبار الصحفيين الذين هووا الصحافة ومارسوها، وعانوا في سبيلها أشد المعاناة ماليا وإداريا. وكان من المدافعين الأقوياء عن القضايا

(1) ابن نبي، المذكرات، ط. دمشق، ص 300.

(2)

دبوز (نهضة) 2/ 12.

(3)

ابن نبي، المذكرات، مرجع سابق، ص 342.

ص: 263

العربية والإسلامية والوطنية، وكان عضوا، في جمعية العلماء عندما تأسست. وقد تبنى أيضا الدفاع عن الوحدة الوطنية والتصالح المذهبي، وهو من أتباع المذهب الأباضي، وكان ينشر عن الحركات الوطنية والعربية في تونس ومصر وسورية وفلسطين وغيرها، ومعجبا بالأبطال الإسلاميين أمثال سليمان الباروني وشكيب إرسلان.

ولذلك فإن صحافته كانت صدى لكل هذه الأحداث. بدأ بجريدة وادي ميزاب التي صدرت في العاصمة في أكتوبر 1926. وبعد أربعة أشهر عطلتها الإدارة الفرنسية، والتعطيل معناه في لغة ذلك الوقت أنها كتبت ما لا ترضى عنه الإدارة، وهو عادة ما يخدم القضية الوطنية والقضايا العربية والإسلامية الأخرى. وبعد ذلك أصدر أبو اليقظان جريدة ميزاب سنة 1930، ثم عطلت أيضا من قبل الإدارة، وهكذا ظل يصدر الجريدة بعد أن يغير عنوانها فإذا عطلتها الإدارة أصدر جريدة أخرى، فكان في صراع بين الحق والباطل، مع استماتة في المبادئ، وتضحية في سبيل الوطن والصحافة.

وإليك أسماء صحف أبي اليقظان على التوالي بعد التي ذكرناها: المغرب 1930، صدر منها 38 عددا، والنور 1931، صدر منها 78 عددا، والبستان 1933 صدر منها عشرة أعداد، والنبراسں 1933، صدر منها ستة أعداد فقط؛ والأمة 1933، صدر منها 170 عددا؛ والفرقان 1938، صدر منها ستة أعداد فقط (1). ثمانية صحف أنشأها أبو اليقظان خلال حوالي اثنتي عشر سنة. وقد أنشأ لها مطبعة في العاصمة، ولا ندري من كافح مثله من أجل رسوخ الصحافة في ذلك العهد، وكدنا نقارنه بعمر بن قدور وعمر

(1) رجعنا بالنسبة للصحافة العربية إلى الشيخ علي مرحوم (الثقافة) مرجع سابق، عدد 42، وإلى محمد ناصر (الصحف العربية الجزائرية)، وإلى الشيخ أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، بالإضافة إلى علي مراد (تكوين الصحافة الإسلامية)، وهو بحث نشره في مجلة معهد الدراسات العربية التي كان يصدرها الآباء البيض في تونس. I.B.L.A . المجلد 27، 1964.

ص: 264