الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حوالي نفس العهد) بـ 17، 500. ولكننا نعرف أن المهاجرين لا يسجلون جميعا أنفسهم، وأن هناك مهاجرين لا تعلم عنهم القنصليات الفرنسية شيئا.
…
إلى الحجاز:
لم تكن الهجرة إلى مكة والمدينة نشيطة كالهجرة إلى الشام. كان الحجاز منطقة فقيرة لا يقصدها المسلمون إلا لأغراض دينية، كالحج والعمرة والمجاورة والتعلق بالحياة الروحية مع تحمل كل المعاناة المادية وحتى السياسية أحيانا، وكذلك أخطار الطريق. كان الحجاز يعيش على ما تجود به أيدي الحجاج كل عام. ونحن نعلم أن الجزائر كانت تخصص أوقافا تسمى أوقاف مكة والمدينة، وكانت أوقافا كبيرة بمداخيلها، وهي التي استولى عليها الفرنسيون فور الاحتلال، فحرموا منها فقراء الجزائر كما حرموا منها فقراء مكة والمدينة. والغريب أن الفرنسيين وضعوا مداخيل أوقاف مكة والمدينة في خزانة الدولة الفرنسية وراحوا يتصرفون فيها كما لو كانت أملاكا مصادرة من أية جهة أخرى.
ومع ذلك هاجر الجزائريون إلى الحجاز بأعداد قليلة منذ الاحتلال، سواء أخذوا إليه الطريق المباشر من الجزائر - تونس، الإسكندرية، أو مرورا ببلاد الشام. ولا نعلم الكثير عن إحصاءات الجزائريين في مكة والمدينة كما نعلم عنهم في الشام واسطانبول مثلا، وربما يرجع ذلك إلى صعوبة اتصال الأجانب بهم بعد أن حلوا في المدينتين الشريفتين اللتين يمنع على الأجانب دخولهما (1). وقد كان لفرنسا قنصل في جدة، كما كان لها قناصل في دمشق
(1) لا شك أن فرنسا قد استعملت بعض العملاء المسلمين لكتابة التقارير عن وضع المهاجرين في مكة والمدينة. وتذكر المصادر أن الحاج حمدي بلقاسم، وكان عميلا إداريا جزائريا في مكة، قد كتب سنة 1935 تقريرا عن حالة المغاربة في المدينة المنورة إلى السلطات الفرنسية. انظر بحث الآن كريستلو عن البعثة الفرنسية إلى الشريف حسين سنة 1916، مخطوط، نقلا عن الأرشيف الفرنسي 15 - 289 - . AGGT، A
وبيروت وإسطانبول. ولكننا لم نطلع على تقارير القنصل الفرنسي بجدة خلال القرن الماضي. ومن أوائل من كتب عن الحجاز من الفرنسيين، بعد أن دخله متنكرا باسم عربي ولباس إسلامي، هو ليون روش الذي سمى نفسه عمر (1). وقد تحدث عن بعض الجزائريين هناك (1842)، ومنهم محمد بن علي السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية. ثم توالت التقارير والكتابات الفرنسية.
في آخر القرن الماضي تحدثت الأرقام عن وجود ألف جزائري مهاجر في الحجاز. ونحن نعتقد أن هذا عدد تقريبي فقط لصعوبة ضبط الإحصاءات عندئذ. وقد ذكر هذا الرقم بمناسبة هجرة مجموعة من العائلات (حوالي مائة) من سيدي عقبة بنواحي بسكرة. ومنها عائلة الشيخ الطيب العقبي. ولا شك أن الهجرة نحو الحجاز قد ازدادت في السنوات التالية، سيما بعد قوة الدعاية للجامعة الإسلامية من جهة وفرض التجنيد الإجباري من جهة أخرى. ورغم ظروف الحرب العالمية ووجود الدولة العثمانية وفرنسا في معسكرين متحاربين فإن ذلك لم يمنع الجزائريين من التوجه نحو الحجاز، ولا سيما بعد هزيمة العثمانيين وقيام الشريف حسين بثورته التي أيدتها فرنسا. فمنذ 1916 لم يعد الفرنسيون يخشون تأثير (دعاية) الجامعة الإسلامية والخلافة على الجزائريين. وقد أرسلت فرنسا وفدا إلى الحجاز استمر سنتين 1916 - 1917، وكان على رأسه من الجزائريين قدور بن غبريط والعقيد قاضي (الشريف بلعربي). وشارك فيها مصطفى الشرشالي. وكان المشرف الرئيسي على الوفد هو العقيد الفرنسي إدوارد بريمون (2).
(1) ليون روش (32 سنة في الإسلام) عن ليون روش انظر يوسف مناصرية (مهمة ليون روش في الجزائر والمغرب)، الجزائر 1990. انظر بحثنا (فرنسيان في الحجاز) في مجلة (المنهل) السعودية، غشت، 1996. وفيه عن متنكرين فرنسيين أخرين دخلوا الحجاز.
(2)
عن البعثة الفرنسية سنة 1916 إلى الحجاز انظر روبين بيديل R. Bedwell (بعثة بريمون) في كتاب (دراسات عربية وإسلامية) المقدم إلى المستشرق سارجان. R. B Sergant، لندن 1983، ص 182 - 195. =
ونحن وإن كنا لا نعرف الأرقام عن الجزائريين العاديين في الحجاز، وهم أولئك الذين هاجروا إلى أرض الله، أرض الكعبة الشريفة والرسول العظيم، فإننا نعرف على الأقل بعض المشاهير من العلماء ورجال التصوف والضباط والثوار الهاربين من المنافي الفرنسية. ومنهم الشيخ السنوسي المذكور، وقدور بن رويلة كاتب الأمير عبد القادر. وكان ابن رويلة من الأوائل الذين دعوا الجزائريين إلى الهجرة عندما كانت المقاومة على أشدها ضد الفرنسيين (1). ومنهم خليفة الأمير في حمزة (البويرة) أحمد الطيب بن سالم. وحل بالحجاز الشيخ عزيز (عبد العزيز) الحداد، وهو ابن زعيم ثورة 1871 الرحمانية. فقد فر إلى الحجاز من كاليدونيا الجديدة. واختار الحجاز أيضا محمد وعلي السحنوني الذي أبعدته فرنسا إلى كايان ثم سمح له بالإقامة في مكة والمدينة، وكان السحنوني قد شارك في ثورة 1871 أيضا ومن مقدمي الرحمانية. وكان يعرف في المدينة (بشيخ العرب)، وبعد وفاته دفن بالبقيع (2).
ومن جريدة (القبلة) التي صدرت بالحجاز سنة 1916 نعرف أخبارا عن حلول الجزائريين بتلك الأماكن أيضا. ونحن نذكر هذه الجريدة لأن الشيخ العقبي كان أيضا. من المتعاملين معها، أما مديرها منذ إنشائها فهو زميله محب الدين الخطيب، وكانت القبلة تكتب أنها جريدة (دينية، سياسية،
= وكذلك دراسة كريستلو (الأبعاد الجزائرية للسياسة الفرنسية الشرق أوسطية)، دراسة أطلعنا عليها مخطوطة حين أرسل إلينا مؤلفها مشكورا نسخة منها. (1) خاطبه الأمير عبد القادر بأبيات منها:
(أخي نلت الذي قد كنت تطلبه
…
وفزت دوني بما ترجو وترغبه)
وذلك عندما حل ابن رويلة الحجاز الذي كان يطلبه - حسب تعبير الأمير - انظر ابن بكار الهاشمي (كتاب مجموع النسب)، ص 41.
(2)
رسالة من الشيخ علي أمقران السحنوني، أبريل 1979، وقد جاء فيها أن منفاه تارة كايان وتارة كاليدونيا الجديدة. وكان محمد وعلي من رفقاء أحمد بومزراق المقراني أثناء انسحابهما إلى وادي سوف قبل القبض عليهما مع آخرين في الرويسات قرب ورقلة.
اجتماعية) تهتم بمصالح العرب والمسلمين القومية والمحلية. وكانت لها مصالح وفية (تلغرافية) في القاهرة حيث تأتيها الأخبار الرسمية. أما طباعتها فقد كانت في المطبعة الأميرية بمكة. والملاحظ أنها كانت تنقل عن جريدة (المستقبل) التي كانت تصدر في فرنسا. وكان علي الغاياتي المصري يكتب في (المستقبل) عن جماعة تركيا الفتاة (جون ترك) مثلا فتنقل عنه (القبلة). ويهمنا من أخبار القبلة أنها كانت تشير إلى الجزائريين الذين حلوا بالحجاز فرارا من الأتراك والألمان، وهي بذلك تشير إلى هجرة الجنود أو فرارهم إلى الحجاز، وذلك في عددها 46. أما في العدد 52 فإن القبلة نشرت خبرا، آخر يتعلق بجزائريين رافقوا ملك الحجاز (الشريف حسين) عند زيارته لإحدى الثكنات. وهؤلاء الجزائريون كانوا من الضباط، وربما كان المقصود بهم العقيد قاضي سابق الذكر وزملاءه (1).
ولعل الخبر الذي ساقه لويس ماسينيون يفسر ما ذكرته مجلة العالم الإسلامي عن وجود ضباط جزائريين رفقة الشريف حسين في إحدى الثكنات. فقد جاء في نفس المجلة سنة 1919 أن أحد الضباط، واسمه رحو، قد قتل أثناء حمايته لإنسحاب الشريف عبد الله (؟) في الحرب التي جرت في الخرمة قرب الطائف بين خالد بن لؤي وغيره من الوهابيين وفرق الحجاز. والغريب أن ماسينيون يقول إن الفرنسيين فقدوا في الحرب المذكورة (فرنسيا جيدا ومسما جيدا)، وهو يعني بذلك النقيب رحو الذي ربما كان في خدمة الأمير عبد الله بن الشريف حسين (2).
(1) مجلة العالم الإسلامي. R.M.M، عدد 34، 1916، ص 320 - 328. وقد حللت أعدادا من جريدة القبلة.
(2)
ماسينيون، (عن مصادر الوهاية
…
) في مجلة العالم الإسلامي. R.M.M عدد 36، 1919، ص 320 هامش 1. من الذين هاجروا أيضا إلى الحجاز واستقروا فيه قدور بن سليمان أحد شيوخ التصوف، وكان قد أخذ الطريقة الشاذلية والتجانية قبل هجرته. ولا نعرف تاريخ ذلك، ولكنه قد يكون هاجر في آخر القرن الماضي (حوالي 1889). وكان كثيرا ما يراسل أهل بلدته مستغانم، وفي تاريخ 321 (1903) كان ما يزال بالمشرق.