الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجنرال دوماس الذي حارب في الجزائر وألف عن المرأة والخيول ثم أصبح مرافقا للأمير عبد القادر في سجنه بامبواز. ومنها كتاب (عجائب الأسفار) لأبي راس الناصر الذي شرح فيه قصيدته (نفيسة الجمان في فتح وهران) على يد الباي محمد الكبير. وكذلك المخطوطة الوحيدة من كتاب في تاريخ قسنطينة ألفه أحمد الانبيري (1).
المكتبة العمومية (الوطنية)
أسس الفرنسيون نواة المكتبة العمومية في الجزائر سنة 1835. وينسبون الفضل في ذلك إلى المارشال كلوزيل في عهده الثاني وإلى كاتبه الخاص بيربروجر. وقد أصبح هذا هو المحافظ للمكتبة منذ إنشائها وإلى وفاته سنة 1869. ولكن بعضهم يقول إن مشروع إنشاء مكتبة عامة يرجع إلى المتصرف المدني جنتي دي بوسيه، أي منذ سنة 1832، فهو الذي فكر في ذلك لكي تستقبل المكتبة الجديدة المخطوطات العربية بالدرجة الأولى (2). ولكن مشروع دي بوسيه لم ينفذ منه إلا المطبعة وجريدة المونيتور، أما المكتبة فقد ظلت فكرة فقط. ولم تفتح في الواقع أبوابها للقراء إلا سنة 1838 بل إن بعضهم قال سنة 1840.
تقول سجلات ذلك الوقت إن الهدف من إنشاء مكتبة عمومية هو استقبال الوثائق والمخطوطات والكتب المطبوعة عن تاريخ الجزائر وتاريخ العلوم ومساعدة السكان (الفرنسيين طبعا) على التعلم والتثقف. وكانت الكتب المطبوعة تصل إلى المكتبة عن طريق الهدايا من وزارة الحرب (التي تتبعها المكتبة عندئذ) ومن وزارات أخرى متل الداخلية والتعليم، وكذلك من
(1) فانيان E. Fagnan المجلة الافريقية 1896، ص 88 - 89، وفيه أن المؤلف لمخطوط قسنطينة هو علي الأنبيري، وهو في نظرنا خطأ لأن المؤلف يدعى أحمد. وقد عالجنا الموضوع في أبحاث وآراء، ج 1. وألفه حوالي 1262 (1846).
(2)
هنري ماسيه (الدراسات العربية في الجزائر)، 1930. انظر دي بوسيه (المنشآت الفرنسية في الجزائر)، ج 1، ص 478.
الملك نفسه ومن أفراد أسرته، ومن الأصدقاء، وجهات أخرى مختلفة. أما بالنسبة للمخطوطات العربية فقد جاءت حسب مصدرنا من (الحصاد العلمي والأدبي المخبي في المراكز المحتلة حديثا، ولا سيما قسنطينة). ويضيف هذا المصدر أنه بفضل الاحتلال إذن قامت المكتبة (والمتحف) في الجزائر، وأصبحت تملك عددا من مخزون الوثائق والمخطوطات والمطبوعات وتحفا وأشياء قديمة وحديثة تتعلق بالتاريخ السياسي والطبيعي للجزائر (1).
في أول إحصاء للمكتبة سنة 1841 ثبت أنها كانت تملك حوالي 1، 800 من الكتب المطبوعة معظمها بالفرنسية واللاتينية. وهي من حيث الموضوع في الأدب القديم والحديث. والتاريخ والآثار والفلسفة، والتاريخ الطبيعي والفيزياء والرياضيات والجغرافية. وفيها مجموعة خاصة بمنطقة المغرب العربي (شمال افريقية). وقد أصبح المستوطنون الجدد يجدون فيها ما يشبع نهمهم في المطالعة والمعرفة.
وأما قسم المخطوطات فيها فيحتوي على 647 مخطوطا. منها حوالي 400 كان قد جمعها بيربروجر أثناء الحملات على قسنطينة ومعسكر وتلمسان (2). ومن ذلك الرقم (647) توجد حوالي 2000 رسالة أو تقييد في مختلف فروع المعرفة الانسانية عند العرب. وهذه المخطوطات مصنفة كالتالي:
1 -
القرآن والسنة: حوالي 450 كتابا. نماذج من القرآن الكريم، وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والعقائد، والسنة النبوية، وتفاسير القرآن وشروح الحديث، مثل صحيح البخاري، والجامع للسيوطي، وتفسير البيضاوي، وتفسير أبي السعود، وتفسير الخازن، وتفسير الزمخشري، وحاشية شهاب
(1) السجل (طابلو) السنة 1841، ص 107.
(2)
هكذا، والرقم (400) يختلف عما ذكره بيربروجر في تقريره السابق إلى المتصرف المدني، وعما جاء به أيضا من معسكر وتلمسان، وربما المئات من المخطوطات قد ضاعت أثناء النقل أو أنها أرسلت إلى المكتبة الملكية في فرنسا.
الدين علي البيضاوي، وشرح العقائد النسفية.
2 -
في الفقه المالكي والحنفي، حوالي 200 مخطوط، وتتناول كلها آراء الفقهاء في المذهبين.
3 -
اللغة العربية وآدابها: حوالي 600 مخطوط أو أكثر، مثل القاموس للفيروز آبادي، والصحاح للجوهري، والألفية، والآجرومية في النحو، مع مؤلفات في البلاغة والمنطق، ومن ذلك أيضا مؤلفات للسيوطي والزمخشري والجرجاني، والأشموني.
4 -
الدواوين الشعرية: حوالي 300 مخطوط، وهي في مختلف أغراض الشعر مع شروحها. من بينها ديوان قديم لأحد شعراء خراسان، عنوانه الجوهرة اليتيمة (يتيمة الدهر؟)، ومقامات الحريري، وديوان الحماسة، والمعلقات، ولامية العجم، وكذلك الأناشيد الدينية (المدائح)، ومجموعة من الأشعار الدارجة أو العامية.
5 -
في التاريخ والتراجم، حوالي 50 مخطوطا، منها كتاب الجمان للشاطبي (الشطيبي)، ومختصر التاريخ العام (كذا)، وكفاية المحتاج، والأمثال للميداني.
6 -
متنوعات في الطب، والفلسفة، والفلك، والجغرافية، والفيزياء، والتوحيد، والسحر، والتنجيم، الخ
…
لم يذكر عددها (1).
وفي تعليق آخر يقول صاحب المقال إن بعض المخطوطات كانت في حالة جيدة، ولكن بعضها قد تضرر بسبب الحرب، مع إمكان معالجتها. واعتبر سقوطها في يد الفرنسيين غنيمة. وألح على أن معظم المخطوطات جاءت من قسنطينة لأن صالح باي كان أوقف الكتب على المدارس والمنشآت الدينية. والغريب أن صاحب المقال يقول إن حصار قسنطينة ثم احتلالها لم يسمح (بإنقاذ) كل الثروة التي تركها صالح باي. فهل اغتصاب
(1) السجل (طابلو)، سنة 1841، ص 107 - 108.
المخطوطات من أصحابها الشرعيين إنقاذ لها منهم؟ ومن الذي استفاد منها بعد نقلها إلى أيدي الفرنسيين وحرمان الطلبة والدارسين منها؟.
ويعترف صاحب المقال بأن بعض المخطوطات التي نقلت إلى الجزائر قد نقلت منها أيضا أو هربت إلى فرنسا تهريبا مما جعلها بعيدة جدار عن تناول الجزائريين. فكانت المخطوطات العربية يقع تبادلها مع المكتبة الملكية عندئذ (الوطنية) في فرنسا في مقابل بعض الكتب الفرنسية المطبوعة التي يحتاجها المستوطنون الجدد. وأعلنوا عندئذ أنه تمت أول عملية تبادل من هذا النوع بين وزارة الحربية والمكتبة الملكية (1). ومن الأسف أن المصدر لم يذكر حجم ولا نوع المخطوطات التي وقع تبادلها أو تهريبها إلى فرنسا عندئذ، وما رأيك في هذه السياسة التي تحرم الجزائريين من ثروتهم الفكرية ومن تراث أجدادهم على يد من جاء يزعم أنه يحمل إليهم مصباح الحضارة؟ يبدو أن الفرنسيين قد اعتبروا الجزائر كلها، أرضا وسكانا وثروات، غنيمة
حرب.
ظلت المكتبة حوالي ثلاث سنوات لا وجود لها إلا نظريا فقط. كان محافظها كما قلنا هو بيربروجر، وكانت تقع في دار عربية اغتصبها الفرنسيون في زنقة (شارع) الشمس. ويقال إن المكتبة قد فتحت أبوابها للجمهور الفرنسي سنة 1838 في باب عزون، في دار عربية أخرى يقول البعض إنها كانت ملكا للحاج عمر صهر الداي حسن، ويقول آخر إنها كانت ملكا للآغا إبراهيم، صهر الداي حسين باشا. والآغا إبراهيم هو قائد الجيش الجزائري أثناء الحملة الفرنسية (2). ومهما كان الأمر فإن الدار العربية قد استولى عليها
(1) نفس المصدر، ص 108. وربما كان ذلك هو سبب وجود العديد من مخطوطات الجزائر القديمة في المكتبة الوطنية بباريس.
(2)
في (السجل) لسنة 1849، ص 179 أن الدار كانت للحاج عمر صهر الداي حسن باشا (حكم سنة 1790). وفي مقالة قافو (P. GAVAULT) في المجلة الأفريقية، 1894، ص 241 أن الدار كانت للآغا إبراهيم صهر الداي حسين باشا. وإذا صح أن تاريخ بناء الدار يرجع إلى سنة 1828 فأنها تكون دار الآغا إبراهيم بدون شك.
الفرنسيون باعتبارها من أملاك الدولة التي هزموها. وكانت الدار ملاصقة لثكنة الانكشارية التي ظلت قائمة إلى حوالي سنة 1872 والتي جعلها الفرنسيون كوليجا ثم ليسيه (1).
وبعد عشر سنوات وقعت عدة تغييرات للمكتبة، من جهة المكان نقلت سنة 1848 إلى دار عربية (2) أخرى أوسع من الأولى، لكثرة الكتب وضيق الدار الأولى بها. والمكان الجديد كار قصرا فخما بني قبل الاحتلال وكلف بناؤه 500 ألف فرنك. وكان مقرا للقنصلية الأمريكية قبل 1830. وأما من حيث التبعية فإن المكتبة لم تبق تابعة لوزارة الحربية بل أصبحت تابعة لوزارة التعليم العمومي، وذلك على أثر ثورة 1848 في فرنسا وقيام النظام الجمهوري الحريص على الاندماج والحكم المدني للفرنسيين في الجزائر.
كانت المكتبة تنمو باستمرار بالكتب المخطوطة والمطبوعة. وكانت تفتح للجمهور ثلاث مرات في الأسبوع. وكان المترددون عليها حوالي ثلاثين شخصا في كل فتحة، ربعهم فقط من الجزائريين، والباقي من الفرنسيين. أما الزوار فقد بلغوا 200 شخص في اليوم (لأن المتحف معها أيضا). وكان قسم المطالعة للجزائريين مفصولا عن قسم المطالعة للفرنسيين تبعا لسياسة التمييز والتفريق بين الأجناس التي تميز بها الحكم الفرنسي. وإلى نوفمبر 1846 بلغت الكتب المطبوعة في المكتبة 1، 473 مجلدا. وكانت مصنفة إلى المواد الآتية: الثيولوجيا، والقانون والنظرية الاجتماعية، واللغات، والتاريخ، والجغرافية، والآداب، والطب، والعلوم، والزراعة، وكتب عن الجزائر، والفنون العسكرية. وتحت عنوان (كتب عن الجزائر) نجد 112 كتابا (في أكثر من 15 مجلدا، تحتوي على 89 رسالة أو كتيبا).
(1) عن الثكنات العسكرية ومصيرها في مدينة الجزائر انظر مقالة ألبير ديفوكس ومقدمة أدريان بيربروجر في المجلة الأفريقية 1857، 132 - 150. وعددها ثماني ثكنات.
(2)
المقصود بكلمة (عربية) هو ما اصطلح عليه الفرنسيون بالموريسكية (الأندلسية) المبنية على الطراز العربي الإسلامي بشكل فخم ومنسجم مع البيئة الطبيعية والروح الدينية والذوق الاجتماعي الفني، وكل دار كانت عبارة عن قصر.
كما تضم المكتبة وثائق وأوراقا، تتعلق بتاريخ ولهجات الجزائر والمغرب العربي، بالعربية والتركية.
أما المخطوطات العربية فبلغت سنة 1846 حوالي 687 مخطوطا. ومن ثمة نلاحظ أنها لم تنم كثيرا في هذا الميدان. ونظرا إلى أن كل مخطوط كان يشتمل على عدة عناوين فإنه يمكن القول إن عدد المخطوطات قد بلغ حوالي 1، 100، وكانت المخطوطات مفهرسة ومعروفة العناوين. وقد تبلع بعد الفحص الدقيق إلى 2، 000 مخطوط، كلها داخلة في الرقم الأول وهو 687. وقد صنفوا المخطوطات إلى خمسة أصناف وهي: الثيولوجيا، والفقه، واللغات، والآداب، والعلوم. فكان فيها مما يخصص الدين: 385، وأصول الدين 39، والحديث 60، والتوحيد 43. ورسائل مختلفة 113 (عقائد، أشعار، قصص الخ). وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم 83. أما في الشريعة (الفقه وأصوله) فمنها أصول الفقه 22، والمذهب المالكي 73 إضافة إلى ثلاثة نماذج من موطأ الإمام مالك، ونماذج من مختصر الشيخ خليل.
وتفيدنا هذه المصادر أن شروح المذهب كانت تختلف رواجا من إقليم إلى إقليم، ففي وهران كان الشائع هو شرح إبراهيم الشبرخيتي، وفي قسنطينة شرح الخرشي، وفي الجزائر شرح عبد الباقي. ومن مذاهب الأيمة: أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل 87 مخطوطا. وفي اللغة العربية وآدابها 113 في النحو والمعاجم، ومنها ستة معاجم فارسية وتركية. وفي القراءات 17، وفي البلاغة 17 أيضا، والاستعارة 9، والإنشاء 5، وفي الأدب العربي 58، والعلوم، منها الأخلاق 47، والفيزياء والرياضيات 30، والطب 21. ومن الأخلاق ثماني ترجمات لكتب أرسطو، ومن الفيزياء والرياضيات اقليدس، والدميري (حياة الحيوان)، وبعض الكتب في الزراعة. ومن مخطوطات الطب كتاب ايبوقراط، وقانون ابن سينا، وتذكرة داود الأنطاكي. أما مخطوطات التاريخ والجغرافية والتراجم فمنها 100، بما في ذلك الرحلات. وهناك صنف آخر سمي بقسم الخرائط والخطط (1).
(1) السجل، سنة 1845 - 1846، ص 115 - 118.
ظلت المكتبة في دار الحاج عمر (أو دار الآغا إبراهيم) بعد انتقالها من مبنى الكوليج (الثكنة القديمة). وكانت تظل على البحر ويضرب الماء أساسها من الجانبين. وكانت الدار المذكورة، كما قال بعضهم، تعتبر في حد ذاتها متحفا بعد أن كاد يختفي الطراز العربي الأندلسي الذي عمل فيه الفأس الفرنسي منذ الاحتلال. وأصبحت المكتبة، وهي في الدار الجديدة تضم أربع قاعات الأولى مخصصة للكتب المتعلقة بالتوحيد والفلسفة والخرائط الخ. والقاعة الثانية مخصصة للأرشيف وكتب التاريخ الطبيعي والفلك والرياضيات والفيزياء والطب الخ. والثالثة كانت تضم جناحين للمطالعة أحدهما للأوروبيين والثاني للجزائريين. ويتبع القاعة الأخيرة خلوة أو مكتب زجاجي ضخم وضعت فيه المخطوطات العربية، كما وضعت في الجناح الخاص بالمطالعين الأوروبيين مجموعة الكتب المتعلقة بالجزائر وتاريخها. وأصبحت المكتبة في نهاية 1849 تضم حوالي 5، 500 كتاب مطبوع وخرائط الخ. وكانت كلها مصنفة إلى ثلاثة أصناف: ما يتعلق بالجزائر، وما يتعلق بالعلوم الأخلاقية (التاريخ، الفلسفة، الدين، الخ
…
) وما يتعلق بالعلوم الفيزيائية (الرياضيات، الفلك، الخ
…
).
وبالنسبة للمخطوطات العربية لاحظ أحد الكتاب ملاحظتين هامتين في نظرنا. الأولى هي قوله إن المخطوطات قد أصبحت (أكثر مما تحتاجه البلاد) وأن الأهالي جاعلون منها قضية كبيرة بينما الأوروبيون لا يستفيدون منها لأنهم لا يعرفون اللغة العربية، ولن يستفيدوا منها إلا إذا عرفوا هذه اللغة. هذه الملاحظة تجعلنا نفهم أن الجزائريين كانوا يترددون على المكتبة لمطالعة بعض المخطوطات، وهم يطلبونها بكثرة حتى لفت ذلك أنظار المصالح الفرنسية التي شعرت بالحاجة إلى منع الجزائريين من الإطلاع عليها، وذلك بتهريبها إلى فرنسا. وقد فهمنا ذلك من عبارة أن المخطوطات قد زادت على حاجة البلاد. وكيف تزيد الكتب عن الحاجة إذا لم تكن هناك نية سيئة إما منع الجزائريين منها رغم أنها ملكهم الشرعي، أو إخفاؤها عنهم بإعطائها إلى المستشرقين في فرنسا، لأن الفرنسيين في الجزائر لن يستفيدوا منها حتى يتعلموا اللغة العربية.
أما الملاحظة الثانية للباحث فهي كشفه عن فقر علماء الجزائر الباقين تحت الإحتلال والتجائهم إلى بيع مخطوطاتهم لسد حاجاتهم المعاشية، خصوصا في شهر رمضان الذي يتطلب مصاريف إضافية. وقد استفادت المكتبة من هذا الوضع فاشترت خلال شهر رمضان (1849) مجموعة هامة من المخطوطات، من بينها كما قيل، كتاب قديم في جغرافية المغرب العربي. وقد أضيفت 200 مخطوطة للمكتبة بعد إحصاء 1846. وهي في موضوعات مختلفة، ومن بينها مخطوطات لا يمكن العثور عليها في مكتبات أوروبا (1).
وفي سنة 1862 أقيم حائط أمام المكتبة في نطاق تنظيم المدينة، ولكن الحائط غطى قاعة المطالعة حتى أصبحت كأنها كهف، حسب تعبير السيد قافو. وقع التفكير في نقل المكتبة من جديد إلى مكان مناسب، وكذلك فصل المتحف عنها. وهكذا نقلت المكتبة إلى قصر الداي مصطفى باشا، وهو قصر يرجع إلى آخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر حين كان هذا الداي على سدة الحكم (توفى 1805). وقد ورثه منه إبنه إبراهيم باشا الذي سعى مع حمدان خوجة في تخليص الجزائر من الإحتلال الفرنسي بين 1832 - 1836، ولكن الأمر انتهى بإبراهيم إلى السجن حيث مات في سجن عنابة بينما نجا زميله خوجة بالهروب إلى اسطانبول. ثم ورث مصطفى بن إبراهيم القصر من والده، غير أن الورثة رهنوا القصر لفقرهم، وعندما عجزوا عن الدفع استولى عليه فيالار vialar عن طريق المحاكم، وهكذا خرج من يد الورثة سنة 1859. وكاد الحزن يمزق (الأمير) مصطفى الذي عبر عن حزنه في قصته (حكاية العشاق) (2). وكان قصر الداي مصطفى من أفخم قصور الجزائر، وكان مقرا للحاكم العام الفرنسي والاستقبالات الرسمية مدة طويلة قبل ذلك.
(1) السجل، سنة 1846 - 1849، ص 196 - 197.
(2)
انظر ذلك والظروف السياسية والأدبية في تحقيقنا لقصة (حكاية العشاق)، ط 2، 1982. انظر قافو (ملاحظات حول مكتبة ومتحف الجزائر)، في المجلة الأفريقية، 38، 1894، ص 248.
ومهما كان الأمر فقد بقيت المكتبة تتبع وزارة التعليم العمومي أو المعارف، كما أصبحت تدعى، إلى سنة 1898، وفي هذا التاريخ أصبحت ميزانية المكتبة تابعة لميزانية الجزائر بعد أن حصل فرنسيو الجزائر على ما سمي بالاستقلال المالي. وكانت المكتبة سنة 1893 تضم حوالي ثلاثين ألف كتاب تعالج موضوعات مختلفة. ولكن معظم كتبها كانت عامة حتى قال أحدهم إنها مكتبة شعبية، فهي لا تحتوي على كتب نادرة أو غريبة. وكان لها فهارس للمطبوعات، كما قام أدمون فانيان بوضع فهرس المخطوطات العربية (وكذلك الفارسية والتركية) التي فيها سنة 1893. وأصبحت تملك لأول مرة منذ إنشائها كاتلوقا لمخطوطاتها. وكان الكاتلوق يضم حوالي ألفي مخطوط، أغلبها بالعربية، وقد اطلعنا عليه عدة مرات ورجعنا إلى بعض عناوينه. وعلق قافو على المخطوطات عندئذ فقال إن منها ما هو تحفة فنية ويعتبر من العينات في الزخرفة والتجليد الممتاز والخط المذهب، وقال بعد أن نسب إلى بيربروجر فضيلة جلب المخطوطات من قسنطينة: إن الجزائر (العاصمة) مدينة أمية من أصلها ولم يكن فيها مخطوطات تقريبا. وهذا غير مستغرب من باحث غير نزيه. فقد كانت العاصمة تتوفر، كغيرها، على مكتبات خاصة غنية مثل مكتبات أحمد بن عمار وابن علي وسعيد قدورة وابن العنابي وابن الأمين وابن الشاهد والكبابطي، وغيرهم. ويعرف السيد قافو أن أغنياء علماء الجزائر قد خرجوا منها ساعة دخول الجيش الفرنسي واستباحتها، وقد حملوا معهم ما قدروا عليه. أما مكتبة الجامع الكبير التي كان يضرب بها المثل فقد صودرت مع أملاكه الوقفية الأخرى، كما أوضحنا في فصل آخر.
أما أقسام الكاتلوق الذي وضعه فانيان للمخطوطات فيشمل حوالي خمس عشرة وحدة. منها القرآن الكريم والحديث والفقه (396 عنوانا، والباقي موزع على الفلسفة والسياسة والأمثال، والحساب، والهندسة، والفلك والعلوم، والجغرافية والتاريخ والطب والشعر والنثر المسجوع والقصص وغيرها (1).
(1) قافو (ملاحظات
…
) في المجلة الأفريقية، 1894، (مرجع سابق)، ص 241 - 274. حسب هذا المصدر فأن الذين تداولوا على المكتبة هم: بيربروجر إلى =
ولم تنم المكتبة كثيرا بين 1894 و 1912. فالإحصاء الذي قدم في التاريخ الأخير يذكر زيادة ألفي كتاب فقط على الإحصاء الأخير وهو ثلاثون ألفا منها خمسة آلاف خاصة بالمغرب العربي، و 289 فقط من المطبوعات العربية. أما المخطوطات العربية (والفارسية والتركية) فقد بقيت هي هي، حوالي 2075 مجلدا. أما المجلات، وهي فرنسية وأوروبية بدون شك، فقد بلغت 106. ويقول غبريال ايسكير الذي أصبح هو محافظ المكتبة وبقي فيها مدة طويلة، إن 786 مجلدا ومخطوطا دخلت المكتبة بين أكتوبر 1910 ويوليو 1911، بعضها بطريق الشراء وبعضها بطريق الهدية، من الحكومة العامة ومن الوزارات المعنية. ويقول إن المجلات فيها مطلوبة أكثر من الكتب، وأن المكتبة تقدم الكتب للمطالعة في عين المكان، كما تعيرها بطريقة منظمة. ومع ذلك فان ايسكير كان غير راض عن خدمات المكتبة كمؤسسة عمومية، وقال إن المكتبات ذات الخدمات العامة لا توجد إلا في
= 1869، ومكارثي إلى 1891، وموبا Maupas منذ 1891، ثم تولاها غبريال ايسكير G. Esquer من 1916 - 1948، وكان مؤرخا. أما الجزائريون الذين علموا في المكتبة العمومية (الوطنية) فلم نعثر سوى على اسمين منهم. الأول هو حسن بن أحمد، المعروف وليد أمين البنائين، فقد أصبح خوجة في المكتبة سنة 1845 وظل على وظيفته إلى وفاته سنة 1867. وقد وجدناه سنة 1858 يضيف إلى ذلك الإمامة في المدرسة السلطانية (الكولييج الامبريالي). وكان والده أحمد مهندسا وبناء خلال العهد العثماني ولذلك سمي أمين البنائين. وكان أحمد صديقا لوالد حسن بن بريهمات. وهذا هو الذي ابنه في جريدة (المبشر) في 21 فبراير 1867. وقد ذكره أيضا بيربروجر (محافظ المكتبة) في مقالة له بالمجلة الأفريقية سنة 1857 ص 138. أما الجزائري الثاني الذي توظف في المكتبة وكان خوجة (كاتبا) بها فقد كان من عائلة حفيز (وهو النطق العثماني لحفيظ) واسمه إسماعيل بن حفيظ. وقد أشار إليه قافو GAVAULT في مقالته سنة 1894 وذكر أنه هو الذي ساعده على ترجمة الخطوط والنقوش التي كانت بقصر الداي مصطفى باشا حيث كانت المكتبة. انظر قافو (ملاحظات على مكتبة ومتحف الجزائر) في المجلة الأفريقية، 1894، ص 266. ولا شك أن هناك جزائريين آخرين استعان بهم الفرنسيون في المكتبة مدى وجودها، ولكنهم كانوا فى درجة ثانوية جدا.
بريطانيا وأمريكا والبلاد الاسكندنافية (1).
أما المبنى الحديث للمكتبة الوطنية فقد بني سنوات 1954 و 1958، في أعالي العاصمة (شارع فرانز فانون اليوم) وقرب قصر الحكومة. والمبنى في شكل مستطيل يقدر ب 22 مترا من ناحية الواجهة ويحتوي على عشر طوابق و 322 مقعدا للقراء و 36 كلم من الرفوف مستعدة لتحمل أكثر من مليون كتاب. وتضم أيضا قاعة للعرض وأخرى للمحاضرات. وكانت تضم مكتبات خاصة مثل مكتبة غزال مؤرخ بلاد المغرب القديم، وأضيفت لها كتب ومجلات بالعربية مطبوعة في المشرق، وكان فيها عند الاستقلال أكثر من ألف مجلة وجريدة (1، 310) معظمها فرنسي طبعا. وصدر سنة 1956 قانون الإيداع الذي يحتم على كل ناشر في الجزائر أن يودع فيها نسخة من مطبوعاته تسمى الإيداع الشرعي. وفي المكتبة قسم للموسيقى جمعته جمعية الفنون الجميلة ولها غرف (ديسكوتيك) للاستماع، وكذلك لها قسم للإعارة الخارجية ومكتبات فرعية تتغذى منها، حوالي 310 مكتبات (2).
ورغم تطور المكتبة على النحو الذي ذكرنا من حيث البناء والمحتوى فإنها بقيت جهازا لخدمة المجموعة الفرنسية ورمزا (للاستعمار الثقافي) القائم على التمييز بين الأجناس. وبعد الاستقلال حاول رابح بونار وجلول البدوي وضع فهرس جديد للمخطوطات ولكن المشروع لم ير النور. ثم كانت محاولة عبد الغني أحمد بيوض ومحمود بوعياد (مدير المكتبة سنوات طويلة)، ولكننا لا نعرف ماذا تم فيها (3). وهكذا بقي فهرس فانيان (4) الذي مضى عليه قرن هو الوحيد عن المخطوطات في المكتبة. وقد بلغ عدد المخطوطات في القسم العربي والفارسي 3000 مخطوط. وفيه مخطوطات
(1) غبريال إيسكير (المكتبات العمومية في الجزائر) في (الحوليات الجامعية الجزائرية)، مارس 1912، ص 4 - 5.
(2)
قوانار (الجزائر)، 288.
(3)
عبد الكريم العوفي (التعريف بمراكز المخطوطات في الجزائر)، صفحات مرقونة، ص 4.
(4)
سمعنا ونحن نصحح هذا الكتاب. أن فهرس فانيان قد أعيد طبعه.