المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الفصل الأولالمعالم الإسلامية والأوقاف

- ‌مقدمة

- ‌مساجد العاصمة

- ‌آراء وتعاليق حول مصير مساجد العاصمة

- ‌بعض المساجد في إقليم العاصمة

- ‌مساجد إقليم قسنطينة

- ‌مساجد إقليم وهران

- ‌الزوايا في إقليم الوسط

- ‌الأضرحة في إقليم الوسط

- ‌تعاليق حول الآثار الإسلامية

- ‌الزوايا والأضرحة في إقليمي قسنطينة ووهران

- ‌الأوقاف

- ‌القرارات وتنفيذها

- ‌نماذج من أموال الوقف والإحصاءات

- ‌المساعدات الخيرية

- ‌(المكتب الخيري الإسلامي)

- ‌جمعيات الإغاثة الاحتياطية

- ‌الفصل الثانيالمنشآت والمراكز الثقافية (1)

- ‌ الصحافة

- ‌صحيفة (المبشر) الرسمية

- ‌جريدة المنتخب

- ‌المجلات الفرنسية

- ‌نشأة الصحف الجزائرية

- ‌الصحف السياسية والإندماجية

- ‌الصحف منذ 1940

- ‌المجلات العربية

- ‌التقاويم

- ‌الإذاعة والسينما

- ‌المطابع

- ‌الجمعيات والنوادي الثقافية

- ‌الفصل الثالثالمنشآت والمراكز الثقافية (2)

- ‌المكتبات

- ‌نظرة على مصير المخطوطات والوثائق

- ‌المكتبة العمومية (الوطنية)

- ‌المكتبة الجامعية

- ‌المكتبات العسكرية والبلدية والمدرسية

- ‌مكتبات الزوايا

- ‌المكتبات الخاصة

- ‌النساخة والنساخون

- ‌المتاحف

- ‌المسرح

- ‌نوع الفودفيل

- ‌نوع الكوميديا

- ‌ نوع الميلودرامة

- ‌ نوع الدرامة

- ‌المسرح الجزائري

- ‌الموسيقى

- ‌موسيقى البادية

- ‌آراء في الموسيقى التراثية

- ‌الفصل الرابعالجزائر في المغارب والمشارق

- ‌الهجرة نحو المغارب والمشارق

- ‌إلى الحجاز:

- ‌إلى المغرب:

- ‌إلى تونس:

- ‌إلى ليبيا:

- ‌إلى مصر:

- ‌إلى اسطانبول:

- ‌الروابط الروحية - الصوفية

- ‌الجامعة الإسلامية

- ‌بعض أعيان الجزائر في المشرق والمغرب

- ‌عائلة الأمير في المشرقالإخوة والأبناء

- ‌أبناء الأمير عبد القادر

- ‌إخوة الأمير عبد القادر:

- ‌زوار من المشرق والمغرب

- ‌زيارة الشيخ محمد عبده

- ‌مراسلات وأحداث

- ‌جمعيات وجرائد

- ‌مشاركات ورواسب

- ‌المحتوى

الفصل: ‌مساجد إقليم وهران

‌مساجد إقليم وهران

في الإحصاء العام الذي ختمنا به الفقرة السابقة جاء أن إقليم وهران (الغرب) كان يضم 151 مسجدا سنة 1853، منها فقط ثلاثة بنيت في عهد الاحتلال. وهذا الرقم (151) وإن كان أكبر من رقم إقليم العاصمة (الوسط) الذي شهدت مساجده تهديما لا نظير له، فإنه أقل بكثير من رقم مساجد إقليم قسنطينة (الشرق) وهو 873 مسجدا (1). والملاحظ أن مساجد إقليم وهران كانت أقل تعرضا للهدم والتحويل والتعطيل من غيرها. فإذا استثنينا مدينتي وهران ومعسكر فإن مساجد الإقليم الغربي بقيت على عهدها تقريبا. أما من حيث الإهمال والحرمان من الأوقاف وإفقار العلماء فقد جرى لها ما جرى للأخريات.

وتواريخ الاحتلال للمدن الغربية مختلفة، ويرجع ذلك إلى أن الفرنسيين وضعوا قدمهم منذ الشهور الأولى في المرسى الكبير ثم مدينة وهران، ثم مستغانم. أما المدن الداخلية فقد كانت تحت يد الأمير عبد القادر حوالي عشر سنوات. وقد أدت حملة كلوزيل سنة 1835 - 1836 إلى احتلال مؤقت لمدينتي معسكر وتلمسان ثم جلا عنهما الفرنسيون بمقتضى معاهدة التافنة (1837) ورجعتا إلى الأمير. وبذلك حافظت المدن الغربية على طابعها الإسلامي إلى استئناف الحرب بين الأمير والعدو في نهاية سنة 1839. ولم يحتل الفرنسيون مليانة وشرشال إلا سنة 1840، ثم احتلوا معسكر وتلمسان سنة 1842، وتيارت 1843، وهكذا. وإلى هزيمة الأمير عبد القادر 1847، بقيت الحرب دواليك بين الطرفين فلم يكن للفرنسيين مجال لإقامة المستوطنات وهدم الأحياء ومد الطرقات وإقامة المنشآت العامة

(1) نفس المصدر. لاحظ أن الإحصاء يعطي لإقليم الغرب رقما أقل في عدد الزوايا أيضا، وهي 45 بينما الرقم المعطى لإقليم الجزائر هو 157 زاوية، وإقليم قسنطينة 57 زاوية. ولكن لا يجب الاطمئنان الكامل إلى هذه الأرقام، لأن الناحية الغربية معروفة بكثرة الزوايا والمرابطين.

ص: 100

على ذوقهم، كما فعلوا في بعض المدن الأخرى. ولكن هذه الحرب الطويلة في المدن وما حولها أدت إلى أضرار أخرى بالحياة الدينية والمدنية، ونعني بذلك خروج السكان من المدن كلما تبدلت الأيدي عليها. فإن مدينة مثل وهران لم يبق فيها حين دخلها الفرنسيون أكثر من خمسمائة فرد. وحين دخل كلوزيل مدينة معسكر وجدها خالية من سكانها، وكذلك حين دخل تلمسان إذ لم يجد فيها إلا عناصر كانوا غير راضين بحكم الأمير (الكراغلة) فذاقوا وبال الحكم الفرنسي بفرض كلوزيل ضريبة حرب عليهم لا قبل لهم بها.

ومدينة وهران كانت آخر عاصمة إقليمية للإدارة العثمانية. وكانت مساجدها نسبيا قليلة لأنها حديثة العهد بالحكم الإسباني أيضا (1). وبين العهدين الإسباني والفرنسي بنى المسلمون بعض المساجد. كما أن مدينة وهران عرفت منذ القديم بمساجدها العتيقة. وإذا كانت مساجدها القديمة قد عانت على يد الإسبان فإن مساجدها الحديثة قد عانت على يد الفرنسيين. ومن المساجد الحديثة جامع خنق النطاح الذي حرفه الفرنسيون إلى (كارقانطة)، وهو المسجد الذي بناه الباي محمد الكبير بعد الفتح (1792). ويقول أوغسطين بيرك عن جامع خنق النطاح إنه ذو طابع أندلسي وله زخرفة تقليدية ولكنه منفتح على الطبيعة بشكل يثير الدهشة (2). ولكن هذا الجامع قد تضرر بفعل الاحتلال. فقد قال عنه باللو (1904) إنه كان خارج المدينة، وله شكل مربع وأنه كان نصف مهدم. ونسبه إلى محمد الكبير أيضا. وأخبر أن مصلحة الآثار قد (أنقذته) من أيدي الهدامين (3).

(1) خرج منها الإسبان سنة 1792 بعد الفتح الذي وقع على يد الباي محمد الكبير.

(2)

بيرك (كراسات الاحتفال المئوي)، ص 99. ويقع المسجد في سهل يحمل نفس الاسم شرقي مدينة وهران. وقد دفن فيه بانيه الباي محمد بن عثمان. وكانت له منارة متوسطة ومنبر و 14 عرصة. وقد حوله الفرنسيون إلى مسكن للمهاجرين الإسبان، وظل بعيدا عن العبادة إلى الخمسينات من هذا القرن حين أعطوه إلى من أخذ يعلم فيه القرآن. (من مراسلة مع الأخ يحيى بوعزيز، مارس 1996).

(3)

ألبير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في المجلة الإفريقية، 1904، ص 175.

ص: 101

وكان دوبوش الذي تولى أسقفية الجزائر الجديدة متحمسا لتحويل المساجد إلى كنائس واستعادة الكنيسة القديمة التي عفى عليها الإسلام في نظره. ففي سنة 1839 حول دوبوش أحد مساجد وهران إلى كنيسة وأطلق عليها اسم كنيسة (سانت كروا) أو الصليب المقدس. ورغم وجود عدد من الكنائس التي تركها الإسبان أو بناها الفرنسيون، فإنها لم ترض رغبة دوبوش في تحويل الجامع إلى كنيسة ليشفي غليله. وكان خليفته الأسقف بافي Pavy، قد قلده في ذلك أيضا حين حول مسجدا آخر إلى كنيسة سماها (سان اندري)، وكان ذلك بعد سنة 1850 (1). وهذا المسجد هو الذي بناه مصطفى بوشلاغم سنة 1708، وهو باي الغرب عندئذ. وكانت للمسجد أسماء مثل مسجد البرانية ومسجد بني عامر. وقد هدمه الإسبان بعد احتلالهم الثاني لوهران وأقاموا عليه برج قورد، وبعد استعادة وهران رجع مسجدا، ثم حوله الفرنسيون إلى الكنيسة المذكورة (سان اندري) وغيروا شكله وأغلقوا محرابه. وفي عهد الاستقلال أطلق عليه اسم أبي عبيدة بن الجراح.

ومن المساجد العتيقة في وهران مسجد سيدي الهواري. ويقول ألبير باللو سنة 1904 إنه يتميز بمنارة على الطراز التلمساني (الأندلسي). أما منارة جامع الباشا فقال إنها في شكل مثمن (2). ويعتبر جامع الباشا حديث العهد نسبيا إذ يرجع إلى سنة 1796. وقد أمر ببنائه الداي بابا حسن الذي حكم (1791 - 1798)، وله مئذنة عالية مثمنة وعليها نقوش. وكانت له أوقاف كثيرة مسجلة على لوحة، وهي حاليا في المتحف البلدي، حسب رواية الأستاذ بوعزيز. وكان يقع في شارع فيليب.

(1) بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، 280.

(2)

باللو، مرجع سابق، 175. ويقع مسجد سيدي الهواري في حي القصبة. ويرجع إلى القرن 14 م. وفيه 16 عرصة، كل اثنتين منها ملتصقتان. وله قبة مستطيلة ذات نوافذ زجاجية ملونة. وكان المعلم الإسلامي الوحيد الذي بقي قائما في العهد الإسباني.

ص: 102

وكانت مدينة معسكر هي العاصمة السياسية والعلمية قبل انتقال مقر السلطة إلى وهران سنة 1792. ثم جعلها الأمير عبد القادر أيضا عاصمة ملكه. فكانت معسكر مؤهلة بمبانيها ومساجدها ومدارسها القديمة وتجارها وعلمائها لكي تقود من جديد وتشع على النواحي. ولكن العدو ضربها، كما قلنا، سنة 1835، وأضرم النيران في أحيائها وتركها دخانا ثم غادرها. وكان لذلك الفعل الفظيع أثره على الحياة الدينية والعلمية. لقد رجع السكان إليها وأعادوا بناء منازلهم ولكنهم ظلوا يتوقعون عودة العدو. لذلك أخذ الأمير يعد العدة لبناء عاصمة داخلية أخرى بعيدة عن متناول الفرنسيين وهي (تاكدامت). وقد عاشت معسكر مع ذلك مدينة ذات طابع عمراني خاص. ففي تقرير الفرنسيين لسنة 1839 جاء أن هذه المدينة في حالة متدنية، وليس فيها من السكان سوى 3، 840 نسمة. وهي تقريبا مدينة مهدمة (1). لكن تقرير 1841 يذكر أنها قد بنيت من جديد وأن ما هدمته حملة 1835 قد بناه العرب وأصلحوه، وأن المدية في حالة جيدة باستثناء بعض المشاريع غير ذات الأهمية (2).

أما عن المساجد في معسكر فليس هناك إحصاء لها. وإنما تذكر التقارير بعض المساجد عرضا لجمالها أو لموقعها في المدينة. ففي داخل سور المدينة يوجد مسجدان، أحدهما ربما هو مسجد الباي. وكانت معسكر في عهد الباي محمد الكبير عاصمة سياسية وعلمية واقتصادية. وقد شيد فيها هذا الباي بعض المساجد. ولا ندري ماذا حدث لمسجد الباي في حكم الفرنسيين، ولا للمسجد الآخر. وربما استغلتهما السلطات الفرنسية لبعض المصالح الدنيوية قبل التخلي عنهما.

وتشير المصادر إلى المسجد الذي يقع في ضاحية العين البيضاء جنوب المدينة دون إعطاته اسما، وقد أعجبت به التقارير الفرنسية لجمال بنائه

(1) سجل (طابلو) سنة 1839، 202، 265.

(2)

نفس المصدر، سنة 1841، 23 - 24.

ص: 103

ولكون منارته الرشيقة كانت تعلو جميع المنازل. وهو المسجد الذي كان قد أمر ببنائه الباي محمد بن عثمان عندما كانت معسكر هي مقر حكمه، وتشير الكتابات إلى أن بانيه هو أحمد بن صارمشق التلمساني، سنة 1175 هـ. وكان الأوروبيون يعجبون بالجامع ويزورونه كمعلم سياحي. ولكن السلطات الفرنسية لم ترحم أيضا هذا الجامع الجميل والأثري، فقد حولته إلى مخزن لبيع الحبوب. وقد لمح ليكليرك إلى ذلك في قوله إن أهمية هذا الجامع وحالته تجعله محفوظا مسخرا لمصير آخر. ولا ندري ما المصير الآخر الذي كان ينتظر أجمل مساجد معسكر غير إقامة الشعائر فيه. وقد أضاف ليكليرك أن العامة تجهل وجود هذا الجامع (1). ولا شك أن كثرة الزوايا في معسكر ومن حولها تجعل المساجد أيضا متوفرة، لكن ليس لدينا أوصاف أو إحصاء بها.

وفي مازونة ثلاثة مساجد بدون صوامع، حسب إحصاء سنة 1839 (2). ولا ندري ماذا جرى لهذه المساجد بعد الاحتلال، هل حولت عن مقاصدها أيضا أو حول بعضها أو تركت لحالها وأهلها. والمعروف أن مازونة التي كانت عاصمة إقليمية بعض الوقت، في العهد العثماني الأول، كانت مدينة العلم والعلماء بنزول العديد من الأسر الأندلسية بها، ورسوخ أشرافها، وشهرة مدرستها، وقد ظل بصيص نورها يضيء أيضا رغم الظلمات أثناء الاحتلال الفرنسي (3).

وحين احتل الفرنسيون مدينة مليانة سنة 1840 لاحظوا أن سكانها أغنياء ومنازلها جميلة وفخمة، وأن فيها مصانع ومخازن تكفي لإيواء ستمائة ألف وجبة ومستشفى له 350 مريض، وإن ثكنات المدينة ومنازلها المهجورة تكفي لاستقبال 4،600 أوروبي. أما عن مساجدها وزواياها فقال التقرير إن

(1) ليكليرك (الكتابات العربية في معسكر)، في المجلة الإفريقية، أكتوبر 1859، 42.

(2)

سجل (طابلو) سنة 1839، ص 283.

(3)

تحدثنا عنها في الجزء الأول من التاريخ الثقافي.

ص: 104

أكثر المساجد فخامة فيها هو الجامع الكبير، وعد من الزوايا فيها أربعة. ولكننا لا نملك وصفا لهذه البنايات الدينية ولا مصيرها في تقرير سنة 1841 (1). ومن الأكيد أن بلدأ هجره سكانه ودخله العدو الباحث عن الاستقرار والاستعمار سيكون معرضا لكل الاحتمالات ومن بينها الاستيلاء على المساجد والزوايا واستعمالها لأغراض عسكرية ومدنية.

وفي ندرومة عدد من المساجد لا نعرف أنها تعرضت للاستيلاء وسوء الاستعمال. وأكبر المساجد فيها هو الجامع الكبير وجامع القدارين، وكلاهما كان جامع خطبة، ويعود تاريخ الجامع الكبير إلى عهد المرابطين، وكان في ندرومة أيضا مساجد أخرى كثيرة ولكنها عديمة الصوامع أو كانت لها صوامع ولكن منخفضة لا تكاد ترى فوق المنازل. والجامعان الأولان يقعان كلاهما في حي بني زيد في جنوب شرق المدينة. وفي الحي الجنوبي - الغربي مساجد سيدي بوعلي ولاله عالية (علية). وهناك مساجد أخرى في شمال المدينة، وهي جامع الحدادين وجامع الرعية وجامع سيدي السياج (2). ولا شك أن مساجد ندرومة قد تعرضت جميعا إلى الإهمال والحرمان من الأوقاف جد استيلاء الفرنسيين عليها.

لكن المدينة التي تميزت بالمساجد والزوايا وغيرها في الإقليم الغربي هي بدون منازع تلمسان. ومن حسن الحظ أن هناك عدة دراسات لمساجدها

(1) سجل (طابلو)، 1841، 19. قدر الفرنسيون عدد سكان مليانة عندئذ بين 7 و 8 آلاف نسمة. ولكن المدينة كانت مهجورة. وكان خليفتها هو محمد بن علال، خليفة الأمير منذ منتصف الثلاثينات.

(2)

الفريد بيل (ندرومة العاصمة الإسلامية للطرارة) في SGAAN (1934)، 515 - 516. انظر أيضا جورج مارسيه، مجلة معهد الدراسات الشرقية (الجزائر)، المجلد 8، 1949 - 1950، ص 266 - 277 مع رسومات. والبحث عن مساجد تلمسان. وفيه إشارة فقط إلى الجامع الكبير في ندرومة. وكان جورج مارسيه وأخوه ويليام مارسيه قد أصدرا كتابا سنة 1903 بعنوان (المعالم الإسلامية لتلمسان). ويقول يحيى بوعزيز إن لجامع ندرومة 30 عرصة وله منارة عالية مربعة الشكل جميلة النقوش. مراسلة معه، مارس 1996.

ص: 105

من قبل بعض الفرنسيين، كما أن أهلها قد سجلوا ذلك منذ القديم. ومن الذين كتبوا عن مساجد تلمسان شارل بروسلار الذي استغل وجوده كرئيس للمكتب العربي فيها وتلقى المعلومات الكافية من علماء وأعيان البلاد ونشر عن ذلك سلسلة من المقالات في المجلة الإفريقية تحت عنوان (الكتابات والآثار العربية في تلمسان)، كما خصها الباحث جورج مارسي وأخوه ويليام بكتاب في أوائل هذا القرن حللا فيه أوضاع وتواريخ مساجد تلمسان (انظر الهامش). ويقول أبو حامد المشرفي الذي زار تلمسان بعد الاحتلال: إن بها نحو ثلاثين مسجدا غير الجامع الكبير (1). وأما تقرير الفرنسيين سنة 1839، أي قبل احتلالها، فيقول إن بها عددا كبيرا من المساجد، دون تحديد، معظمها صغير الحجم ما عدا الجامع الكبير الذي يتميز بالضخامة والصومعة العالية ووقوعه وسط المدينة. وقال التقرير إن المدينة تتمتع بأمن تحسدها عليه أكبر المدن. وكانت بعض المساجد، مثل مسجد سيدي أبي مدين شعيب، تقع في الضواحي التي كانت تعتبر (قرى) مجاورة لتلمسان مثل العباد والمشور وعين الحوت وعين الحجر (2)، وجامع سيدي محمد بن يوسف السنوسي. وأشار التقرير أيضا إلى المنصورة ومنارتها الأثرية العالية.

ففي العباد، عند قدم جبل بني ورنيد ولاله ستي، يوجد مسجد سيدي أبي مدين (3). وقد اعتبره الفرنسيون أجمل بناية أثرية دينية في إقليم وهران كله. وقالوا إن لهذا الأثر مداخيل عظيمة من الأوقاف حتى أنهم قدروا أنه يملك ربع أملاك مدينة تلمسان كلها وما حولها في شكل هبات. كما أن البناية لها صفة الملاذ الذي من دخله أمن على نفسه، ولو كان من أكبر المذنبين. ولا شك أن هذه المداخيل هي التي سال لها لعاب الفرنسيين بعد استيلائهم على تلمسان سنة 1842، فقد بادروا بوضع أيديهم على جميع الأوقاف التابعة لسيدي أبي مدين وغيره من المساجد والزوايا والقباب.

(1) أبو حامد المشرفي (ذخيرة الأواخر والأول)، مخطوط، ص 19.

(2)

السجل (طابلو)، 1839، 289 - 290.

(3)

عن حياته انظر فصل الطرق الصوفية.

ص: 106

وقد تحدث بروسلار عن مصير جامع سيدي بوجمعة في تلمسان. فقال إنه كان لهذا الجامع أوقاف هامة تسمى بستان طاحونة الريح. وقد استولى الفرنسيون على هذا البستان الكبير بوضعه في أملاك الدولة الفرنسية منذ الاحتلال. ثم وزعته السلطات الفرنسية على عدد من الكولون، وبذلك حرموا منه الجامع وموظفيه الذين كانوا يصونونه به من جهة ويعيشون منه من جهة أخرى. كما أن الوقف كان موردا للتعليم، كما هو معروف، وبذلك حرم منه الأطفال أيضا. وقد اعترف بروسلار بأن المحبس الأصلي لم يتوقع ذلك دين كان يضع شروطه وقيوده في الوقفية، ولكنه لاحظ (بروسلار) أن جامع سيدي بوجمعة يتلقى الصدقات من المؤمنين رغم حرمانه من الأحباس (1).

ومنذ السنوات الأولى لاحتلال تلمسان لاحظ السكان الخراب الذي أصاب جامع أغادو (العتيق). ولكن الأب بارجيس الذي أخبر أن الجامع كان سنة 1845 في حالة خراب، نفى ذلك وقال إن خرابه كان نتيجة الإهمال وأن سقوط الجامع يرجع إلى عدم الصيانة السابقة. ونفس الملاحظة أبداها كل من جورج ووليام مارسيه اللذين كتبا عن مساجد تلمسان. والمعروف أن جامع أغادير كان قائما في القرن السادس عشر ميلادي وأن إمامه عندئذ كان علي بن يحيى السلكسيني (2).

وبعد أن نوه باللو بالفن العربي في تلمسان واعتبرها بحق مدينة الفن الأصيل وأنها تضاهي بآثارها الجميلة قرطبة وغرناطة وإشبيلية، قال إن مساجدها تماثل مساجد الأندلس، وذكر منها مساجد سيدي بومدين وسيدي الحلوى وسيدي أبي الحسن وكذلك الجامع الكبير والمنصورة. أما المشور

(1) شارل بروسلار (الكتابات والآثار العربية في تلمسان)، في المجلة الإفريقية، 1860، 258.

(2)

ألفريد بيل (تنقيبات في موقع الجامع العتيق بأغادير) في المجلة الإفريقية، 1913، ص 31. وعن السلكسيني انظر (البستان): لابن مريم.

ص: 107

فقال عنه إنه قلعة عسكرية رغم أنه يحتوي على مسجد أيضا. وقد حول الفرنسيون جامع أبي الحسن إلى متحف جمعوا فيه كل القطع الفنية والأثرية التي قال إنهم احتفظوا بها منذ أمد طويل. وكان محراب الجامع (المتحف) مزخرفا بالأرابسك الجميل. وكان الجامع يقع بوسط المدينة غير بعيد من الجامع الكبير، وكأن الفرنسيين عجزوا عن بناء متحف للفن فلجأوا إلى الجامع.

أما الجامع الكبير فقال عنه باللو (سنة 1904) إنه يرجع إلى القرن الثاني عشر ميلادي، وأن منارته تبلغ 35 مترا وهي مبنية بالآجر، وأن الجامع محلى بالفسيفساء، وفيه ممرات خشبية ذات طراز عربي، وأن محرابه رائع وكذلك قبته. أما الثريا التي تتدلى من القبة فترجع إلى عهد السلطان يغمراسن الذي حكم في القرن الثالث عشر الميلادي، وهو الذي أهداها إلى الجامع. وهي مصنوعة من خشب الأرز ومغطاة بالبرونز (1).

وفي تلمسان مساجد أخرى قاومت عوادي الخراب والإهمال إلى فاتح هذا القرن. وقد ذكر منها باللو جامع سيدي الحلوى الذي كان يتميز بمنارته الجميلة والغنية بالفسيفساء. وأخبر باللو أيضا أن هذا الجامع يحتوي على ثماني عرصات رشيقة متميزة في أعلاها بالفن العربي، ومطعمة بالحجر الأسود الكريم. ولكن باب الجامع كان مهدما، وهو باب كبير، ولا يمكن معرفة ما فيه من ثروة فنية. ومن المساجد الأخرى ذكر باللو: جامع سيدي الحسن (هل هو المتحف؟)، وسيدي يدون، وسيدي البمرا، ولاله الغريبة، ولاله الروية، ومسجدا آخر باسم مسجد ريغ (باب زير؟)، وغيرها. ومنها أيضا جامع سيدي بومدين بالعباد. أما منارة المنصورة فقد قال إنها تبلغ 41 مترا ارتفاعا بالإضافة إلى أربعة أمتار أخرى في جزئها الأعلى (2). ولكن باللو

(1) كرر جورج مارسيه نفس الوصف تقريبا لجامع تلمسان الكبير. وأضاف أنه من إنشاء المرابطين. ثم اعتنى به يغمراسن الزياني. انظر مارسيه، مجلة معهد الدراسة الشرقية، مرجع سابق.

(2)

ألبير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في المجلة الإفريقية، 1904، 176 - 183.

ص: 108

لم يتعرض إلى جامع سيدي بوجمعة الذي ذكره بروسلار ولا جامع أغادير. ولعلهما قد أصبحا عندئذ من الذكريات الأثرية فقط.

وفي مراسلة مع يحيى بوعزيز أفادني أن الجامع الكبير في تلمسان قد شيد سنة 530/ 1136 على يد علي بن يوسف بن تاشفين. وهو يضم قبة تتدلى منها ثريا ضخمة، وله منارة مثمنة الأضلاع ذات 35 درجة من بناء يغمراسن الزياني، وقد نقلت الثريا إلى المتحف بعد تاكلها، غير أن ثريا أخرى تقع قرب السدة لها 365 مشكاة جددها الفنان محمد بن قلفاط سنة 1943. على أن السلطات الفرنسية قامت بالنسبة للجامع الكبير في تلمسان بما قامت به نحو الجامع الكبير بالعاصمة (وكلاهما يرجع إلى عصر واحد) فأحاطته بالمباني التي حجبته عن الأنظار، كما استولت على الأراضي التابعة له. أما جامع المشور فيرجع أيضا إلى عهد المرابطين أو إلى عهد الزيانيين، وقد حوله الفرنسيون إلى كنيسة ثم جعلوه مخزنا للمستشفى العسكري. وما تزال آثار الكنيسة به مثل الصلبان، رغم أنه رجع إلى حالته كمسجد منذ الاستقلال. أما مسجد العباد فيرجع إلى العهد المريني (بنى سنة 739/ 1339) وله منارة مربعة وفيه زخرفة، على محرابه وجدرانه نقوشں. وقد جدد الأمير عبد القادر منبره. وبالإضافة إلى ما ذكرنا من مساجد تلمسانية هناك التالية: مسجد إبراهيم المصمودي، وأولاد الإمام، وسيدي زكري، وسيدي إبراهيم الغريب، وأبي عبد الله الشريف، وسيدي عبد الله بن منصور، والشرفاء، وسيدي الحسن الراشدي (حوله الفرنسيون إلى مستوصف)، وسيدي البنا (1).

وقد أكد أوغسطين بيرك الطابع الفني الأصيل لمساجد تلمسان وعلاقة ذلك بالفن الأندلسي، ولا سيما المنارات، وقال إن طابع مساجد تلمسان يجذب المؤمنين (المصلين) بالفن وغموض العصور الغابرة، بخلاف المنارة

(1) مراسلة معه في شهر مارس 1996. وكان بوعزيز قد كتب عن مساجد تلمسان سنة 1986 للإذاعة الجزائرية فأرسل لي نسخة من عمله، مشكورا.

ص: 109